الأغاني بمصر.. من كوكب الشرق إلى مهرجانات "بيكا" و"نمبر وان"
- الأناضول السبت, 12 أكتوبر, 2019 - 02:35 مساءً
الأغاني بمصر.. من كوكب الشرق إلى مهرجانات

[ الأغاني بمصر.. من كوكب الشرق إلى مهرجانات "بيكا" و"نمبر وان" ]

على مدى عقود ظل الغناء في مصر، أحد أقوى أسلحتها الناعمة، عربيًا، إلى أن غرقت في "بحر الغدر" بكلمات هابطة وألحان فوضوية.

 

ويشكو الوسط الفني بشدة من تحول البلاد إلى "مهبط" لأغاني "المهرجانات"، بعد أن كانت تفيض فنًا بالألحان والقصائد الشعرية التي عاشت في الوجدان الجمعي للعرب.

 

وكانت أم كلثوم (1898- 1975) تشدو بالقصائد الشعرية على مسارح مصرية وعربية قائلة بكلمات رصينة، ولحن طربي: "أغداً ألقاك؟ يا خوف فؤادي من غدِ، يا شوقي واحتراقي بانتظار الموعد"، حتى باتت لمصر علامة.

 

غير أنه علت مؤخرا مهرجانات يظهر فيها بقوة اللحن الراقص والصاخب وكلمات عامية دارجة بينها أغنية شعبية تقول كلماتها "عايم في بحر الغدر.. شط الندالة مليان".

 

وبهذه الطريقة يصدح المصري، حمو بيكا في مقطع يتداول بقوة قائلًا: "ماتبطل (توقف) ترشق عينك (تنظر) انت كاورك (شخص لا يعتمد عليه) وعارفينك".

 

أغاني تنتشر وسط اعتراضات

 

و"المهرجانات"، هي نوع جديد من الأغاني الصاخبة في البلاد، والتي ذاع صيتها خلال العقد الأخير، وباتت تستقطب وتغازل مزاج جمهور مصر لاسيما الشباب والمراهقين من الجنسين.

 

وتتسم أغاني المهرجانات بأنها أكثر صخبًا وأسرع إيقاعًا من نظيرتها الطربية، وغالبا ما تتركز كلماتها حول أزمات الفقر والعنف والبلطجة والتهميش الاجتماعي والصداقة.

 

ومؤخرًا لم تعد الأفراح الشعبية المنتشرة في الشوارع والنوادي الصغيرة هي الموطن الوحيد لأغاني المهرجانات، لكنها انسحبت أيضًا على الحفلات الموسيقية الكبرى بالأحياء الراقية، وكذلك حفلات الصيف بالشواطئ.

 

وأثار انتشار نجوم المهرجانات بكثافة في الحفلات، جملة انتقادات ومخاوف من تدهور مستوى الأغاني المصرية وما يترتب على ذلك من تدني الذوق الموسيقي العام، بلغ حد القرارات الرسمية بالحظر والمنع.

 

وفي أغسطس/آب الماضي، قررت نقابة المهن الموسيقية، منع التعامل مع مطربي أغاني المهرجانات، وعدم منح تصاريح وإبلاغ الجهات الأمنية بمنع تنظيم وإقامة حفلات هؤلاء المطربين.

 

ويجرم قانون اتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، ممارسة أي عمل يتعلق بالموسيقى بدون عضوية أو تصريح، وإلا أصبح الشخص مهددًا بالحبس مدة تصل إلى 3 شهور وغرامة تصل إلى عشرين ألف جنيه (1200 دولار أمريكي) وفقًا للمادة الخامسة من القانون المنظم.

 

ومن أبرز نجوم أغاني المهرجانات بمصر، حمو بيكا، وأوكا واورتيجا، ومجدى شطا، والديزل.

 

كما استقطبت تلك النوعية من الأغاني الممثل المصري الشهير محمد رمضان، الذي أقام مؤخرا حفلتين إحداهما في ضاحية التجمع الخامس، شرقي القاهرة، والأخرى في الساحل الشمالي، وسط حضور عشرات آلاف الشباب، وفق إعلام محلي.

 

ومن أبرز أغاني رمضان، التي لاقت قبولًا بين جمهور الشباب في مصر، "نمبر وان" و"الملك" و"أنا أصلا جن"، و"مافيا"، و"بابا"، و"السلطان"، و"فيروس".

 

ورغم كثافة الإقبال عليها تواجه تلك النوعية من الأغاني هجومًا حادًا على منصات التواصل الاجتماعي والبرامج المتلفزة والإذاعية، تحسبًا انتشارها على نطاق أوسع وإفساد الذوق العام المعروف بعشق الغناء الراقي.

 

وتعتمد أغاني المهرجانات علي نوع موسيقى "التكنو" والتي تقوم على برامج إلكترونية مع إدخال صوت المغني.

 

أما الكلمات عامية دارجة، ومعظمها مواضيع شعبية مرتبطة بالمناطق الشعبية في مصر والأمثال والمواويل المشهورة.

 

وامتدت أزمة أغاني المهرجانات إلى البرلمان، حيث أحيلت طلبات إحاطة من نوابٍ إلى لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، بشأن "ظاهرة إفساد الذوق العام والإسفاف والابتذال وتأثير ذلك على المجتمع"، بحسب تقارير محلية.

 

ويُعرف عن مصر التميز الشديد في الموسيقى والغناء والطرب، وكان من أبرز رموز هذا المجال الفني، المطربة أم كلثوم الملقبة بـ"كوكب الشرق"، والموسيقار محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ.

 

وفي مجال التلحين بليغ حمدي وكمال الطويل وزكريا أحمد ومحمد الموجي.

 

مرض لا يشرف مصر

 

وقال هاني شاكر نقيب الموسيقيين بمصر، في تصريحات صحفية، إن كلمات وألحان أغاني المهرجانات تساهم في انحطاط الذوق العام، مطالبًا بضرورة تقديم فن مضاد يواجه "عشوائية" المهرجانات الشعبية.

 

واعتبر شاكر أن تلك الأغاني بمثابة "مرض في جسد الفن المصري والعربي"، قائلًا: "معظم الفنانين في البلاد العربية زعلانين (غاضبين) إزاء ما يحدث في مصر".

 

ويتصدر الموسيقار المصري الشهير، حلمي بكر، في واجهة المطالبين بوقف غناء المهرجانات فورا، معتبرا إياه في تصريحات صحفية، "أخطر على المجتمع من أصحاب الفكر الإرهابى".

 

وقال إنها "كارثة وتدمير للذوق العام"، وليس لها علاقة بالغناء الشعبي، مؤكدا أن "الأغانى الحقيقية التى تلمس القلوب وتحتوى على قيمة فنية أصبحت غير موجودة على الساحة.

 

وعن رأيها في أغاني المهرجانات، رفضت المغنية المصرية الفنانة نادية مصطفى، في مقابلة متلفزة مؤخرا هذا اللون:

 

وقالت: إنه مع غناء أي شخص وإمكانية أن يكون اللحن راقصا، غير أنها استدركت: "لكن الكلمة لازم تكون راقية وهادفة، والشكل يكون مشرف لمصر".

 

المواجهة تثير أزمة

 

في المقابل، أدانت مؤسسة حرية الفكر والتعبير (غير حكومية، مقرها القاهرة)، في تقرير بعنوان "يحيا الفن المنحط.. الدولة العجوز في مواجهة أغاني المهرجانات"، مايو/أيار الماضي، الملاحقة والتحريض الرسميين التي يتعرض لها نجوم أغاني المهرجانات الشعبية.

 

ووفق ما تراه الناقدة الفنية ماجدة موريس، في حديث للأناضول، فإن قرارات منع أو حظر هذا النوع من الغناء قد يؤدي لزيادة انتشاره في البلاد.

 

وقالت موريس إن ضوابط تقديم الفنون بشكل عام في المجتمع يجب أن ترتكز على عدم خدش الحياء أو إثارة الغرائز وعدم الإضرار بالسلام الاجتماعي ونبذ العنصرية والتطرف وعدم الإخلال بالأخلاق العامة.

 

وأضافت: "من حق أي فرد أو مجموعة أن يختاروا نوعية الفن التي يقدموها للمجتمع (..) ويجب أن يكون ذلك مقدرًا ويتم التعامل معه باحترام من المؤسسات الرسمية".

 

ويضمن الدستور المصري حزمة من الحقوق والحريات، من بينها حرية التعبير والإبداع الفني، إذ يقر حظر "رفع أو تحريك دعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة".

 

ونشأت أغاني المهرجانات الشعبية خارج إطار منظومة الإنتاج التقليدي ودون حماية من الأُطر القانونية، التي رسختها الدولة على مدار عقود، واعتبرها معارضون تهدف إلى "تقييد" حرية الإبداع في مصر، في مقابل المؤسسات الفنية إنها حفاظا على الذوق العام والتاريخ الغنائي الكبير.


التعليقات