كيف يتأثر قوت الخليجيين بقرارات البنك المركزي الأميركي؟
- الجزيرة نت الإثنين, 31 ديسمبر, 2018 - 04:15 مساءً
كيف يتأثر قوت الخليجيين بقرارات البنك المركزي الأميركي؟

[ الفدرالي الأميركي واصل رفع أسعار الفائدة على خلفية النمو القوي لأكبر اقتصاد بالعالم (رويترز) ]

كيف لمواطن يقطنّ في إحدى مدن السعودية أو قطر أو سلطنة عمان أن يتأثر بقرار اتخذ من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)؟

 

في عالم صُمم فيه نظام اقتصادي متشابك في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لا يمكن لامرئ يعيش في صحراء الربع الخالي أن يكون بمنأى ومعزل عن القرارات المالية والنقدية التي تُتخذ غربي المحيط الأطلسي، والتي من شأنها أن تؤثر على فاتورة قوت أسرته.

 

وبحكم ارتباط عملاتها بالدولار الأميركي، فإن دول مجلس التعاون الخليجي مكرهة على اقتفاء أثر القرارات الصادرة عن "الاحتياط الفدرالي"، ولو كانت تلك القرارات متصلة بعلاج ظواهر اقتصادية تشهدها الولايات المتحدة دون سواها، بحسب مراقبين.

 

مراجعة

 

هذا الارتباط في السياسات النقدية، يرى خالد الخاطر الباحث بمعهد الفكر الاقتصادي المستجد بجامعة كامبردج، أنه آلية لم تعد صالحة كما كان الحال عليه في السابق.

 

ويقول للجزيرة نت إن الدول الخليجية مطالبة بتبني سياسة نقدية توافق متطلبات دوراتها الاقتصادية بمنأى عما يجري في واشنطن، حاثا إياها على بناء سلة من عملات شركائها التجاريين الرئيسين، وهو ما من شأنه حمايتها من وقع الصدمات الاقتصادية.

 

 

 

الخاطر أضاف أن الدورة الاقتصادية في دول مجلس التعاون كانت متسقة فيما مضى مع نظيرتها في الولايات المتحدة، وذلك من خلال ارتباطهما بدورة أسعار النفط، وبالتالي كانت السياسة النقدية الأميركية مناسبة حينذاك للدول الخليجية.

 

وأردف قائلا: "لكن هذه العلاقة أخذت في التغير مع مطلع هذا القرن مع بروز ظاهرة التعددية القطبية في الاقتصاد العالمي، خصوصا في ظل صعود نجم الصين وغيرها من الاقتصادات الآسيوية، وهو ما أدى إلى إضعاف العلاقة التاريخية بين الدورة الاقتصادية في الولايات المتحدة ودورة أسعار النفط، لتصبح الأخيرة أكثر ارتباطا باقتصادات آسيا الصاعدة".

 

وأضاف أن "هذا بدوره أدى إلى تفارق في الدورات الاقتصادية بين دول المجلس وأميركا، الأمر الذي أفضى إلى تضارب في أهداف السياسات النقدية بين الطرفين، وبالتالي فإن السياسة النقدية الأميركية لم تعد مناسبة لدول المجلس".

 

فالولايات المتحدة -بحسب الخاطر- لم تعد تقود الطلب العالمي على النفط بسبب صعود هذه القوى الاقتصادية من جهة، ولأنها أصبحت من كبار منتجي الخام من جهة أخرى.

 

وتضاعف إنتاج النفط الأميركي من ستة ملايين برميل يوميا في عام 2000 إلى نحو 12 مليون برميل في الوقت الراهن.

 

ضغوط

 

وواصل الفدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة على خلفية النمو القوي لأكبر اقتصاد في العالم، فضلا عن تحسّسه لمقدار تحسن مستوى التوظيف في الولايات المتحدة. هذا القرار أفضى إلى خطوات مماثلة متخذة من قبل البنوك المركزية الخليجية.

 

لكن ما الآثار التي قد تلقي بظلالها على المواطن الخليجي جراء قرارٍ نطق حيثياته من وراء المحيط الأطلسي، جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي؟

 

يرى الكاتب والخبير الاقتصادي سعيد العبسي أن استمرار مسلسل رفع أسعار الفائدة على المستوى الأميركي، وبالتالي الخليجي، سيؤدي إلى مزيد من الضغوط على الموازنات الخليجية.

 

وبنيت معظم موازنات الدول الخليجية للعام المقبل على مرجعية تفترض بقاء معدل سعر النفط عند مستوى 55 دولارا للبرميل، فيما تتأرجح الأسعار الحالية لخام برنت دون المستوى المذكور، وذلك بعد هبوطها من نطاق 86 دولارا المسجل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

 

 

مكاسب ومحاذير

 

ويرى العبسي في حديثه للجزيرة نت أن ثمة استفادة محدودة من ارتفاع الدولار بفعل صعود أسعار الفائدة، ومن ذلك ازدياد قيمة الصادرات النفطية الخليجية المقومة بالعملة الأميركية، مقارنة بنظيراتها الرئيسة الأخرى التي تتراجع مقابل الورقة الخضراء المهيمنة على التبادلات التجارية العالمية.

 

لكن العبسي ينبّه إلى الأثر السلبي الذي سيخلفه رفع سعر الفائدة على كلفة استدانة الدول الخليجية ومواطنيها والمقيمين فيها، مقابل استفادة المودعين من هذه الخطوة، وهو أمر يشاطره فيه الخاطر الذي حذر من إمكانية تفاقم العجز المالي الخليجي.

 

الأكثر ضررا

 

وتعاني السعودية من عدم قدرتها على تغطية استحقاقات موازناتها من إيراداتها المختلفة، حيث تلجأ الرياض إلى سوق السندات والصكوك للاستدانة من أجل تلبية هذا العجز المالي.

 

وفي هذا الصدد، قال الخاطر إن السعودية والبحرين ستكونان أكثر البلدان الخليجية تضررا جراء رفع أسعار الفائدة، بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط.

 

ووفقا لوكالة بلومبيرغ، فإن الرياض تنوي استدانة قرابة 32 مليار دولار لتمويل جزء من عجز موازنتها التي أعلنت عنها مؤخرا.

 

وخلال العام الحالي، رفع الاحتياطي الفدرالي الفائدة على الدولار أربع مرات، بواقع 25 نقطة أساس لكل منها، وصولا إلى 2.5%.

 

تشاؤم

 

ويوافق الخبير الاقتصادي سامر ارشيدات سابقيه بشأن الآثار التي ستفضي إليها قرارات رفع أسعار الفائدة بشكل متواصل، لكنه يبدي تشاؤما أكبر من خلال توقعه هبوط أسعار النفط العالمية إلى مستويات متدنية، وهو ما سيتسبب في زيادة مقدار العجوزات في موازنات الدول الخليجية.

 

أما الخاطر، فيرى أن عجز موازنات الدول الخليجية سيكون نسبيا، وذلك تبعا لمقدار اعتماد البلد المعني على العوائد النفطية، فضلا عن قيمة العجز المتوقع حدوثه في هذه الموازنات.

 

وأعلنت دولة قطر مؤخرا عن موازنتها لعام 2019، والتي تتوقع تحقيق فائض قدره ستمئة مليون دولار، مستفيدة من إنجاز غالبية مشاريعها الكبرى.

 

أما ارشيدات فنصح جمهور المستثمرين بالابتعاد عن الأسواق المالية الخليجية التي ستكون عُرضة للتضرر جراء هبوط نظيراتها العالمية من جهة، واستمرار مسلسل تراجع أسعار النفط من جهة ثانية.

 

وبلغ مؤشر داو جونز الأميركي للأسهم الصناعية مستوى 26200 نقطة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكنه سرعان ما أخذ في فقدان القمة المذكورة، حيث يستقر حاليا عند نطاق 23100 نقطة.

 

مرونة

 

عادة ما تعلن البنوك المركزية الخليجية عن قراراتها بشأن أسعار الفائدة بعد ساعات قليلة من اتخاذ واشنطن موقفا في هذا الشأن، وهو ما دفع الخاطر للدعوة لمعالجة هذا السيناريو المتكرر الذي وصفه بنظام "الربط الجامد" لأسعار الصرف، وذلك من خلال العمل على تبني نظام سعر صرف أكثر مرونة.

 

وقال الخاطر "إن نظام الربط الحالي يفضي إلى ارتفاع كلفة الديون الخليجية الجديدة، فضلا عن زيادة فاتورة خدمة الائتمان القائم سابقا".

 

التضخم المستورد

 

وفيما يتعلق بالأثر الإيجابي لقرارات رفع أسعار الفائدة وما ينطوي عليه من دعم لصعود الدولار وبالتالي العملات الخليجية أمام نظيراتها الأوروبية والآسيوية، يرى كل من العبسي وارشيدات أن ذلك من شأنه خفض كلفة السلع المستوردة من بلدان مثل الصين وتركيا، فضلا عن الاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى.

 

ويذكر الخاطر بدوره أن صعود الدولار أمام العملات الأجنبية الرئيسة يقلص من أثر التضخم المستورد بفعل انخفاض أسعار السلع الواردة من البلدان الآسيوية والأوروبية للأسواق الخليجية، غير أنه لفت إلى أن ذلك قد يكون عاملا مؤقتا وعرضة لتقلبات أسعار الصرف.

 

صحيح أن القرارات المتعلقة برفع أسعار الفائدة قد اتخذت في قلب العاصمة الأميركية، لكنها ستلقي بظلالها السلبية والإيجابية على كل فرد يعيش في البلدان الخليجية.

 

فتراجع أسعار النفط يعني حتما خفض الإنفاق الحكومي وبالتالي شح الوظائف المتاحة وفرص تمويل المشاريع الجديدة، كما أن القرارات ذاتها، قد تساعد المواطن على شراء سلعة صينية أو تركية بتكلفة أقل مما كانت عليه قبل عام مثلا.

 


التعليقات