مقتل علي صالح.. والميراث الكارثي لسنوات السلطة والنفوذ
- عبدالسلام قائد السبت, 16 ديسمبر, 2017 - 05:06 مساءً
مقتل علي صالح.. والميراث الكارثي لسنوات السلطة والنفوذ

[ اعتمد صالح في حكمه اليمن على الإدارة بالأزمات - أرشيفية ]

هل ستحتفظ الذاكرة الجمعية لليمنيين بذكرى طيبة ممزوجة بالحنين لعهد حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح كتلك التي تحتفظ بها لعهد الرئيس إبراهيم الحمدي، نظرًا لما حققه الحمدي من منجزات خلال سنوات حكمه الثلاث للبلاد؟ ولماذا عجز علي صالح عن تحقيق منجزات خلال 33 عامًا مثل تلك التي حققها إبراهيم الحمدي خلال ثلاث سنوات رغم تواضعها؟ وكيف كان حال اليمن قبل تسلم علي صالح للسلطة وكيف أصبح حال البلاد بعد قتله على أيدي حلفائه الحوثيين؟
 
- مفارقة كبيرة
 
عندما تسلم علي صالح للسلطة في شمال البلاد، كانت اليمن قد بدأت تدلف إلى العصر الحديث، وترسخ انتصار ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963، وكانت قضية الوحدة أهم قضية تشغل بال الجماهير اليمنية في شمال الوطن وجنوبه، وشكلت مطالب الشعب شمالًا وجنوبًا بتحقيق الوحدة أهم الضغوط على حكام الشطرين للتسريع بها، وبدأت الأوضاع المعيشية بالتحسن.
 
لكن بعد انفراد علي صالح بالسلطة والنفوذ شمالًا وجنوبًا، وحتى قتله على أيدي حلفائه الحوثيين، يبدو ميراثه السياسي والاقتصادي الذي كان نتاجًا لفشله في إدارة البلاد كالتالي: عودة نظام الإمامة في الشمال، وعودة الاحتلال الأجنبي للجنوب ممثلًا بالاحتلال الإماراتي بدلًا من الاحتلال البريطاني، وأصبح جنوب اليمن شبه منفصل عن الشمال، وشعب ممزق يعاني الفقر والجوع والتشرد والحرمان، أي أنه أعاد اليمن عشرات السنين إلى الوراء، فكيف ولماذا حدث ما حدث؟
 
- الإدارة بالأزمات
 
اعتمد علي صالح أسلوب "الإدارة بالأزمات" طوال سنوات حكمه، ويعود ذلك لتواضع قدراته السياسية وجهله بشؤون الإدارة وتبعاتها، وليتهرب في نفس الوقت من المطالب الشعبية بتحقيق تنمية حقيقية وازدهار في مختلف المجالات، وهو ما تسبب بتوالي الأزمات المختلفة في البلاد، وتردي مختلف الخدمات العامة، وجعل اليمن في ذيل قائمة مختلف التصنيفات الدولية بخصوص التنمية البشرية والتعليم والصحة ومستوى الفقر وغير ذلك.
 
استهلك أسلوب "الإدارة بالأزمات" مختلف موارد البلاد من أجل تشكيل شبكة معقدة من العلاقات الزبائنية، والتي شملت كبار مشائخ القبائل والضباط العسكريين وبعض المثقفين والإعلاميين، وكل ذلك من أجل أن يحيط علي صالح سلطته بسياج منيع من هذه العلاقات بهدف حماية نظامه من أي أخطار تهدده، ومحاولة تمرير مشروع التوريث بسلاسة، وتخدير الشعب والضحك على المجتمع الدولي بديمقراطية شكلية وهامش محدود من حرية الرأي والتعبير بغرض تجميل قتامة النظام الحاكم وفشله في مختلف المجالات.
 
أجاد علي صالح أسلوب "الإدارة بالأزمات" من خلال زرع الفتن بين القبائل واستنساخ الأحزاب واستقطاب بعض المثقفين والإعلاميين وتوظيفهم في التشويش على الرأي العام، وكل ذلك أثبتت الأحداث بأنه في وقت الشدة لم يؤتِ أكله، وكان بالإمكان استغلال الموارد والإمكانيات المختلفة التي استهلكها أسلوب "الإدارة بالأزمات" في تحقيق تنمية مثمرة وستكون نتيجتها إيجابية، وستعود منافعها على الشعب وعلى نظام علي صالح نفسه، وستشكل له حصنًا منيعًا من أي انتفاضة شعبية ضده.
 
- ميراث كارثي
 
قُتِل علي عبدالله صالح بعد أن خلف وراءه ميراثًا كارثيًا تحتاج اليمن إلى عشرات السنين لتجاوزه، ولم يترك أي بصمة إيجابية تستحق الذكر والإشادة بسنوات حكمه الكثيرة للبلاد، فقد رحل بعد أن أشعل الحروب والثأرات والحرائق في مختلف أنحاء البلاد، وشعبًا ممزقًا وفقيرًا أنهكته الحروب والأمراض والفقر والجهل والتخلف.
 
وبالرغم من تنامي حالة السخط الشعبي ضد نظام حكمه، والتي توجت باندلاع ثورة 11 فبراير الشعبية السلمية، إلا أنه -أي علي صالح- لم يتفهم حالة السخط تلك وأسبابها ويعمل على معالجتها، وإنما قابلها بالأحقاد والضغائن والرغبة في الانتقام، مما دفعه للتحالف مع أسوأ جماعة عنصرية وطائفية وإرهابية ظهرت في تاريخ اليمن الحديث، وهي جماعة الحوثيين، بغية اتخاذها ستارًا للتغطية على الانقلاب والانتقام من خصومه السياسيين.
 
وكانت نتيجة ذلك أنه تسبب بإشعال أسوأ حرب أهلية وبأسوأ تدخل خارجي في تاريخ البلاد المعاصر، كما تسبب جراء ذلك بأسوأ انتكاسة تاريخية لليمن الجمهوري، إذ عاد نظام الإمامة البائد بأقبح صوره وأشكاله، وتسبب بعودة شبح الانفصال، كما تسبب بعودة احتلال أجنبي متخلف لجنوب البلاد (الاحتلال الإماراتي) بدلًا من الاحتلال البريطاني الذي كان أفضل بكثير من الاحتلال الإماراتي، الذي من حسناته أنه أنعش ميناء ومدينة عدن وجعلها مدينة عالمية، بينما الاحتلال الإماراتي أغرقها في الأزمات والاغتيالات وغيرها.
 
وأخيرًا، فقد رحل علي صالح عن الحياة مقتولًا على أيدي حلفائه الحوثيين بعد أن اختلف معهم، وتم قتله بطريقة بشعة استفزت الضمير الإنساني، وتعرض للتنكيل والعنف والإرهاب هو وقيادات جناحه في حزبه المؤتمر بشكل أسوأ مما تعرض له خصومه السياسيين على أيدي الحوثيين، الذين أراد لهم مصيرًا مشابهًا لمصيره على أيدي الحوثيين.
 
والأسوأ من كل ذلك أنه رحل عن الحياة وقد ترك بلدًا ممزقًا تطحنه الثأرات والحروب والفقر والجهل والمرض بشكل لم يسبقه به أي زعيم أو رئيس عبر التاريخ سوى أشباهه من الحكام العرب، مثل معمر القذافي وغيره.


التعليقات