الحوثية .. قراءة في مسار الحركة وتصورها للواقع السياسي والثقافي والإجتماعي في اليمن
- محمد عبده الشجاع الجمعة, 02 فبراير, 2018 - 08:48 مساءً
الحوثية .. قراءة في مسار الحركة وتصورها للواقع  السياسي  والثقافي والإجتماعي في اليمن

[ عناصر من مليشيا الحوثي - أرشيف ]

هل باستطاعة "أنصار الله" الحوثيين المحافظة على أنفسهم كمشروع مستقبلي والاستمرار في تطويع الجغرافيا إلى أن يستقيم لهم المركز.

في هذه المادة نستعرض قراءة تحليلية في مسار الحركة وتصورها  للواقع  السياسي  والثقافي والإجتماعي.


يبدو أن اليمن على أعتاب مرحلة جديدة، قد لا تكون طموحة، لكنها بكل تأكيد مختلفة عن المراحل التي سبق وأن كان الصراع فيها على أشده، فمع الإعلان ‏عن إسم المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن البريطاني الجنسية  MARTIN GRIFFITHS ) مارتن غريفيثس) كبديل لاسماعيل ولد الشيخ،  أدرك البعض أن لا جديد على المستوى الإنساني وهو الأهم، والذي وصفته الأمم المتحدة في أكثر من تقرير "بالصادم" والكارثي" أو على مستوى إدارة الصراع.

إذاً ما هو دور المبعوث الجديد والذي سبق وأن زار البلد ورفع تقارير عن الوضع الإنساني؛ في ظل استمرار الحرب وفي ظل حكومة الأمر الواقع في صنعاء؟.

هي تساؤلات مشروعة سواء حول المبعوث أو الأنصار، بعد أن طويت صفحة الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي اتسم بالعنادية والصبر، وتطويع بعض المحطات الصعبة لصالحه، ما شكل تخوفا وهاجساً لدى خصومه؛ جعل منهم السير بحسبة (مُعْتَقدْ) بأنهم إذا لم يقضوا على شخص صالح قبل انقضاء العام 2017م فإنهم سَيَسْقُطُون حتما، وقد سخروا كل إمكاناتهم لإنجاز ذلك، خاصة وأنهم يدركون أن صالح ليس بالشخص العادي، وقد قتلوه.

قد لا يكون الوقت مناسباً في ظل تخبط وتحفظ دولي وتوجه برجماتي متناقض مع الواقع، خاصة بعد وضوح الصورة ومقتل صالح؛ للجزم والتكهن بما ستؤول إليه أمور الحركة الحوثية، حيث وأن جميع الخصوم يقبعون الآن كالنار تحت الرماد، ربما بانتظار سقوط أول أحجار الدومينو للفتك بخصم أجمعت عليه كل المذاهب السياسية؛ بأنه عضو فاسد في جسد يبحث عن التعافي من نحول أصابه وقد يقضي عليه.

مقابل ذلك يخطب قائد الحركة عبد الملك الحوثي قبل أكثر من يومين مخاطباً جمع كبير من النساء عبر شاشة كبيرة، وهو ما يفعله حتى مع الرجال، من قادة ومشايخ وقواعد وأنصار، يقول بكل وضوح."ما حدث حتى الآن هو حق من حقوقنا ولن نفرط فيه أبداً".

ومما لا غبار عليه هو أن الحركة الحوثية التي بدأت بذرتها في ظروف ملتبسة وغامضة، ثم تنقَّلت تصاعدياً تحت مسميات وأهداف ونوازع متعددة، جمعت بين أكثر من توجه، وراوغت كل الأطراف؛ بأنها  من أخطر وأهم الحركات التي صعدت سلم الحياة السياسية، خلال فترة وجيزة وبصورة متسارعة؛ ربما تكون سبباً كافياً في تلاشيها فجأة بحسب المراقبين والمتابعين، خاصة وأنها قد اتخذت سياسة اللا مبالاة، والضرب بيد من حديد مع المكونات الأخرى التي صارت كلها في موقف الخصم، كان ولا زال آخر هذه المكونات، حزب المؤتمر الشعبي العام الشريك الفاعل في مواجهة العدوان.

كل المؤشرات والمعطيات تقول أن الحركة الحوثية قابلة للانهيار في أي لحظة، قد يتعدى هذا الإنهيار إلى الجبهات؛ وهي النقطة المستثنى من تلك المعطيات على اعتبار أن الجبهات ما تزال صامدة حتى الآن، رغم تضارب الأنباء في الإعلام حول صمودها، مع أن الواقع يقول بأنه لم يتغير شيء على الأرض، خاصة في جبهات تعز والبوابة الشمالية الشرقية لصنعاء.

غير أن دعوات التحرك للجهاد والإنفاق المستمرة في منابر الجوامع وساحات الرفد القبلي، والزج بالأطفال من سن العاشرة، والخامسة عشر إلى ساحات المعارك؛ يدعو إلى التساؤل ووضع عشرات من علامات الاستفهام.

وعن مستقبل الجماعة يذكر الكاتب (توفيق الجند) في أحد تقاريره للعربي الجديد تحت عنوان "التوازن الجديد للقوى في اليمن: من يكسب الرهان".

حيث يقول: "أما جماعة الحوثيين ورغم قوتها التي ظهرت أخيراً بشكل سافر، وأصبحت المتحكم الأوحد بصنعاء، سواء نتيجة قوتها الفعلية أو نتيجة لضعف صالح، فإن مستقبل الجماعة يعتمد غالباً على نجاحها في طمأنة الشعب من مخاوف الهيمنة المطلقة، ومن التعامل العنفي مع معارضيها كما بدا من سلوكها مع قيادات حزب "المؤتمر" بملاحقتهم واعتقال الكثير منهم، وأيضاً قدرتها على مكافحة الفساد وإعادة الخدمات العامة وصرف مرتبات الموظفين كسلطة".

ثم يختم فكرته هذه بقوله: "وهذه مهمة قد تكون صعبة للغاية أمام الجماعة، ومهما نجحت فيها فإن كسبها تعاطف الشارع وقدرتها على استقطاب أكبر قدر من قيادات "المؤتمر" تظل مؤشراً على مستقبلها"!.

وفي هذا الإطار فقد نشرت العديد من المنظمات ووسائل الإعلام المهتمة، والمراقبين تقارير مخيفة عن الفقر والتعسفات، وإشراك الأطفال في المعارك، وقمع الحريات، وتعبئة السجون بالناشطين والمناهضين، ومحاولة إيجاد خطوط للتجنيد على كل الأصعدة، أضف إلى ذلك إشراك المرأة في التجنيد للمهمات الخاصة تحت مسمى "الزينبيات"، ويظهر من خلال الصور والفيديوهات التي يتم تداولها في مواقع الأخبار والتواصل الاجتماعي، أن دور الزينبيات وهن يتدربن على أسلحة ثقيلة، سوف يتجاوز العمل داخل المدن وتفتيش البيوت إلى خوض المعارك والمواجهة.

لقد فتحت الحوثية على هذا البلد بابا شديد التعقيد، ونكأت جراحا لن تلتئم بسهولة، وفرضت تحولاً قلقاً على المستوى السياسي والإجتماعي والإقليمي والدولي.

وبحسب المفكر والكاتب عبدالباري طاهر الذي كتب تحت عنوان "الحالة الإنسانية في اليمن" حيث حمل أنصار الله وجيش صالح الانزلاق إلى هذه الحرب، وحمل الشرعية معتبراً أن الجميع هنا هم من استدعوا الإقليم والعالم إلى هذه الحرب، وقد وصَّفها بقوله:

"إنها حرب "مأجورة" بامتياز، الحضور الإقليمي، والمطامع الدولية، وتصفيات الحسابات، واستعراض القوة، وحرب النفوذ، تتخذ من اليمن (البلد الجائع والمحروم) ميدان قتال، ومن اليمنيين أدوات حرب ضداً على أنفسهم وبلادهم".

التوغل والاختراق

تقول التقارير أن الحوثية كحركة دينية سياسية استطاعت التوغل في المجتمع خلال ستة حروب، أضف إلى ذلك السبع سنوات الأخيرة منها ثلاثة سنوات ذهبية، تفوقت فيها على كل الخصوم حتى على نفسها هي، كونها أحد المكونات الفاعلة في ثورة فبراير ثم قيادتها لما يعرف بثورة 21 سبتمبر 2014م قبل أن تستدعي حرباً ضروساً على البلد، كذلك اختراقها للنظام السابق بصورة كانت لافتة، إلى الحد الذي أسقط صالح في ظرف ساعات مضرجاً بدمائه؛ لمجرد أنه أعلن فك الشراكة، والذي كان سببا في تنفيذ الحوثيين رغبتهم التي لطالما تداولتها قواعدهم وبعض قياداتهم علنا خلال فترة ثلاثة أعوام، أضف إلى ذلك حالة الثأر لدم حسين بدر الدين الحوثي.

وفي تقرير  نشر مؤخراً عن (الهاشمية السياسية) كشف ملابسات العمل السياسي المذهبي الذي استغل صراع القوى الحاضرة على الأرض، بين المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه من جهة، وأحزاب اللقاء المشترك وحلفاؤهم من جهة أخرى.

فقد أفصح التقرير عن أهم شخصية لعبت دوراً محورياً وفاعلاً إلى درجة أنه صنف على أنه الرجل الأول الذي يقود الحركة الحوثية، أو ما سمي بالهاشمية السياسية وهو (يحيى الشامي) أهم القادة العسكريبن الذين تقلدوا أهم وأخطر المناصب، مقارنة بالمرحلة الزمنية وأماكن تحركه؛ حيث تقلد الرجل منصب محافظ (محافظة البيضاء) معقل السلفية المتشددة، إلى جانب تواجد أسر هامشية كثيرة، ثم محافظ (محافظة مأرب) معقل من معاقل السنة وفيها أيضاً الأشراف، ثم محافظ (محافظة إب) مسقط رأس الرجل؛ حيث الخليط المفرط من السنة والهاشمية، والإصلاح والمؤتمر والاشتراكي، أضف إليها ما يُسمَّى (بالنقائل) وهم أسر قادمة من أطراف صنعاء والجوف، وأخيراً تقلد منصب محافظ (محافظة صعدة) معقل الحركة ومصدر القلق للعاصمة صنعاء وللمركز عموماً.

أضف إلى ذلك تقليد ابنه الثلاثيني  (زكريا الشامي) منصب كبير في وزارة الدفاع بعد ترقيته دفعة واحدة إلى لواء، ما جعل منه شابا صاحب قرار وصوت مرفوع خلال الثلاثة الأعوام الماضية.

خلال هذه الفترة اشتغل الشامي الأب على النقائض، وتوغل بصورة أو بأخرى في هذه البِيئَات، حيث لعب الصراع على السلطة دوراً غير عادياً في خلو الجو لما يسمى "بالهاشمية السياسية".

تذكر بعض المصادر أن (يحيى الشامي) تعرض لأكثر من عملية اغتيال كان آخرها محاولة "تسميمه" في مطابخ أحد المعسكرات إبان حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وقد نفذ فيهم حكم الإعدام حين اكتشف ذلك دون الرجوع لأي سلطة.

لقد أفصحت مرحلة الثلاثة أعوام الأخيرة والتي أنهك فيها العدوان البلد تماماً، أضف إلى ذلك صراع تحت الطاولة بين ما تبقى من مكونات وقفت ضد العدوان، أفصحت عن خبايا واطماع، أدت إلى سباق محموم بين المؤتمر والحوثي.

فقد أفقدت التخوفات التي ظلت تحيط بجماعة الحوثي ممثلة ب عبد الملك بدر الدين الحوثي، والمؤتمر الشعبي العام  ممثلا بالرئيس السابق علي عبدالله صالح عفاش، تلك التخوفات أفقدت التوازن السياسي على الأرض، وظل التحالف صوريا من أجل مواجهة الأطراف الخارجية.

حيث ظل الحوثيين يتحركون في معظم حواراتهم ولقاءاتهم بمعزل عن المؤتمر، بينما ظل المؤتمر وعلى لسان رئيسه يؤكد على أن الشراكة جاءت كنتيجة طبيعية لمواجهة التحالف وما دون ذلك فإن الأفكار والسياسات والتوجهات تختلف كلية.

في هذا الإطار يذكر الكاتب والصحفي اليمني "جمال عامر" رئيس تحرير صحيفة الوسط في مقال له بعنوان:"بين شكاوى صالح ومخاوف الحوثي كما سمعتها" بعد نقاش حول قضايا وتباينات عديد،ة يقول الكاتب: "وكعادته، اكتفى بوضع يده على يدي مربتاً عليها، ومع ابتسامة ودودة، أكد: «لا تخشى على صنعاء، لن نتقاتل مع أنصار الله»، قالها مع ما سبق من شكوى حول قضايا لها علاقة بالشراكة وإدارة الحكومة، رمى أسبابها على من تحوثوا وأصبحوا سلطة في صنعاء، مستثنياً عبد الملك من ذلك"، وجاء ذلك الحديث على لسان الرئيس السابق إلى الكاتب..

غير أن التخوفات التي أفصح عنها صالح وعبد الملك، سواء من خلال لقاءات صحفية، أو من خلال "اللقاء المتلفز" الذي جمعهما عبر الشاشة؛ ظل مؤشراً خطيراً على أن مواجهة وشيكة سوف تحدث فقط كل ما ينقصها "رصاصة الرحمة" إن صح القول.

وفي هذا الإطار فقد بادر الحوثيين أكثر من مرة إلى تفجير الوضع للتخلص من صالح ودوره كعبئ كبير يؤرق وجودهم ومشروعهم الكبير، وارتباطهم الإقليمي والدولي.

العلاقة مع القبيلة

بالعودة إلى صلب الحديث فإن معظم الكتاب والباحثين يرون أن البلد لن يستقيم للحركة الحوثية إلا موقتا، وبقدر فرض القوة، وخاصة طوق صنعاء الذي يشكل القوة الضامنة لبقاء المركز موحداً وفاعلاً في قيادة البلد؛ والذي سقط هو الآخر في مشهد دراماتيكي جعل الناس مندهشين ومتندرين، وغاضبين في نفس الوقت.

هذا السقوط أجل معركة سواء حدثت أو ستحدث فإنها ليست بصالح الطوق ولا القبيلة، ولا حتى الأنصار، لكن حتميات وحسابات واسعة قد تفجر الوضع في أي لحظة، حيث وأن جزء كبير من منطقة وقبائل "خولان" لا تزال تمسك بالعصا من الوسط، ولم يتضح دورها وكفتها إلى أين، في ظل أنباء تؤكد أن عبد الملك الحوثي قد أصدر أوامراً صريحة بتجريدها من السلاح الثقيل، وهو جزء مهم من توجه الحركة لضمان إخضاع الطوق تماماً لصالح حكام صنعاء الجدد، وضمان عدم الخروج عليها مستقبلاً.

لقد استدعى ذلك السقوط أو الرضوخ التام لحكام الأمر الواقع في صنعاء القادمين من صعدة بمساعدة الحاضنة الخصبة في بقية المناطق، استدعى التاريخ القديم الجديد بكل ثوراته وأحداثه، معتبرين أن الذي جرى ليس جديداً على طوق صنعاء، فالأمر تكرر مع المستعمر من قَبل، ومع الأئمة، وعلى مراحل عدة من حركة التاريخ وما صاحبها من صراع.

في كتاب البردوني "الزبيري من أول قصيدة إلى آخر طلقة"، وهو من أهم  الدراسات العميقة والناضجة التي تناولت حياة وشعر المناضل الكبير "محمد محمد الزبير" يذكر فيه على سبيل المثال أن قبائل صنعاء في عامي 48و 55 انقسمت إلى جمهوريين وملكيين، وعلى مستوى البيت الواحد، منتظرين أن ترجح الكفة لأحد الأطراف للانضمام إليها؛ وكذلك عقب نجاح ثورة سبتمبر 62م حدث الأمر ذاته، وظل الصراع لمدة 8 سنوات، قبل أن تستتب الأمور تدريجياً.

إن استمرار الحوثية التي سرعت الهاشمية (السياسية) الخفية من صعودها وبسط نفوذها على جزء كبير من البلد في التعاطي مع الأحداث والتعامل مع خصومها وخاصة ممن ينتمون إلى حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يقوده الرئيس السابق علي عبدالله صالح مؤشراً خطيرا على أنها تسير باحادية غير محسوبة ولا مدروسة؛ إلا بما يوافق رؤيتها التي ليس لها ملامح واضحة.

وقد لعبت الحرب الإقليمية التي بدأت قبل ثلاث سنوات على اليمن دورا بارزا في إنعاش الحوثية السياسية والمذهبية وتقويتها بصورة مباشرة وغير مباشرة، حيث أنفقت ما يفوق عشرات أضعاف ما كانت تحتاجه الحياة السياسية والاقتصادية في اليمن ربما تجاوز 80%. إذاً هذا عبث جديد لا يمكن تجاوزه بسهولة ويسر.

إن وقوع 8 ملايين يمني تحت خط الفقر والحاجة الماسة إلى مساعدات عاجلة، دليل دامغ على عشوائية هذه الحرب والصراعات، أضف اليها أعباء الخسائر البشرية وتدمير شامل وكامل للبنى التحتية، ودخول حكومة الأمر الواقع مرحلة حرجة من الشلل الوظيفي، وعجزها التام عن الإيفاء بالتزاماتها وتسليم رواتب أكثر من مليون مستفيد، ناهيك عن شلل تام في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص، وهذا الأخير تعرض للكثير من الغارات التي أدت إلى نزوح معظم إن لم يكن كل الشركات، ورؤوس الأموال إلى عواصم عربية خليجية وأسيوية واوروبية منها عمان الأردن، والقاهرة، وتركيا، كان آخر تلك الأحداث تعرض عددا من أهم مراكز الصرافة وبيوت الصرافيين إلى الاقتحام والنهب بقوة السلاح.

من يحكم صنعاء؟

ما يبعث على الحيرة والحسرة والتساؤل هو من يحكم صنعاء؟ وكيف؟ ومن سيقود المرحلة القادمة؟ وكيف؟ وما هو المبرر لإنتهاج أكثر من أسلوب في إدارة بلد معقد في تركيبته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية؟ بلد تتعرض سيادته للتآكل  يوما عن آخر، ليس آخرها جزيرة سقطرة وإنما أهمها.

بلد سياسته الخارجية شبه منقطعة، ولا تمثيل له في المشهد العربي والعالمي، إلا طرف الشرعية المهاجر معظمها إن لم يكن كلها في الخارج.

لقد دخل الحوثيين في شراكة لم تكن واضحة مع حزب المؤتمر الشعبي العام ضد العدوان وخلال هذه الفترة حدث ما لم يكن بالحسبان من تباينات ومحطات شكلت نواة هذه الشراكة.

تم عمل مجلس سياسي وهذه كانت أبرز خطوة خطاها الحوثيين والمؤتمر، إنما بالمقابل تم عرقلة وافشال أي دور لمجلس النواب كسلطة جامعة وشرعية، بدأ ذلك في رفض استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي المنعطف الأبرز والجوهري والذي كان لا بد على المؤتمر وقيادته الضغط تجاه قبول الاستقالة، لكن اتضح أن الحوثيين كانوا الاذكى من ناحية الاستفراد بالسلطة وقصقصة ريش الحزب الحاكم وكل الطرق الشرعية، وكأنهم بقبول مجلس النواب للاستقالة سيعيد النظام السابق للواجهة من جهة، ومن جهة أخرى سيقطع عليهم طموحات ومطامع عديدة كما أنه سيبرز كسلطة تشريعية مخولة في كل شيء.

بالمقابل راهن المؤتمر الشعبي العام على عامل الوقت والأخطاء كعادته، ما جعله يرضخ للضغوط ويقبل بكل قرارات الحوثية، وحتى المشاكل التي كانت تفتعلها الحركة وصلت حد الاشتباكات والاغتيالات، واقتحام الوزارات التي كانت من نصيب حزب الرئيس الأسبق صالح.

كل ذلك فتح العديد من الاحتمالات والأحلام لدى الطرفين الحوثي والمؤتمر، فقد ظهر صالح صبوراً إلى درجة حيرت الكثير وخاصة من أنصاره، حيث ظل يطمع في الإبقاء على شوكة الميزان التي قد تمكنه من العودة هو وحزبه وبعض أفراد من أسرته، للعب دورا سياسيا موازيا إن لم يكن رئيسياً مع الحوثيين، معتمدا بذلك على أمور عديدة، إلى جانب كتابة تاريخ جديد من الرقص الذي لطالما تفرد به، غير أن أمور كثيرة كانت قد تسربت منه أهمها السلطة.

أيضا كان يمكن للحوثية التقاط الفرصة وتهذيب نفسها وقواعدها للوصول إلى لعب دورا سياسيا لا تطغى عليه النزعة العنصرية والمذهبية الدينية، من أجل ابقاء الداخل تحت السيطرة او ابقائه "مخدرا" وتمرير مشروعها بسهولة ودون تعقيد، لكنها لم تفعل ولن تفعل حتى وهي الآن وحيدة ومنتصرة.

إن مقتل صالح على يد الحوثية وبذلك السيناريو، قد فتح أبواب مرحلة جديدة؛ مكتظة الاحتمالات والتأويلات، وستكون مكتظة بالجبهات والمعارك التي لا أفق لها أيضا.

ففي حين تتضح أمور وتتكشف أطماع جديدة لدى قوى الشرعية المتمثلة بالمقاومة المدعومة من التحالف من جهة، والحوثيين من جهة أخرى، يكتشف المواطن بأنه واقع بين كماشة صراع سياسي ليس له أفق ولا نهاية، وربما يصحو يوما وأمامه خمس "يمنات" على أقل تقدير وليس يمن أو يمنان، ناهيك عن ما ستخلفه معركة هو الخاسر الأول والأبرز فيها.

أمام الحوثية كحركة لا تمثل كل اليمنيين، ولا حتى نصفهم، فرصة ذهبية لإيقاف التدافع والهوس، نحو تحويل البلد إلى ركام وأطلال، من خلال تصرفات لا تتجانس مع قدرات هذا البلد البشرية، والثقافية، والتاريخية، خاصة بعد القضاء على حليفهم الرئيسي في مواجهة العدوان، وتجاوز ذلك إلى استخدام العنف، ضد المقربين والقيادات.

على الحوثيين ""أنصار الله" أن يتداركوا الخلل والفجوات التي صنعوها بأيديهم وأن يعوا جيداً أن ثمة مشكلة بينهم وبين بقية المكونات والشعب عموماً.

هذا رسائل ونصائح ليس من أجل تثبيت أقدامهم التي تلطخت بالمكيدة، وضرب المناوئين بصورة لا تقل بشاعة عما تفعله الجماعات المتطرفة؛ وإنما من أجل إيجاد أرضية واسعة تحتمل كل الأطراف، تحت مظلة الحرية والديمقراطية، وبما لا يتناقض مع الأهداف الجامعة لكل فئات المجتمع، وبعيداً عن البطولات الزائفة، والمزايدات التي لا تحمل في داخلها تناقضات مفضوحة.

ما لم فإن :الحوثية" كحركة صعدت سلم الحياة السياسية بصورة ملغومة، وفي ظروف ملتبسة وغامضة، تحت مسميات وأهداف ونوازع متعددة؛ سوف تلقى أبشع مصير في تاريخ اليمن الحديث، وسوف تتخطفها الطيور ذاتها التي عملت خلال السنوات الأخيرة على قصقصت اجنحتها ونتف ريشها، ونزع جلدها قبل أن تلقي بهم جميعاً في جحيم الفراغ.
 


التعليقات