[ الرئيس هادي مع النخعي في آخر لقاء جمع الاثنين بعدن ]
أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي سلسلة قرارات جمهورية قضت بتعيينات في الجيش الوطني، والسلطة المحلية، وذلك بعد أيام من قرار إقالة رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر، وتعيين معين عبدالملك خلفا له.
ووفقا للقرارات الجديدة فقد جرى تعيين الفريق محمد علي المقدشي وزيرا للدفاع بعد أن ظل هذا المنصب شاغرا منذ العام 2015م، عندما تمكنت جماعة الحوثي من أسر وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي، والذي لا زال أسيرا لديها.
وتضمنت القرارات إقالة اللواء الركن طاهر علي عيضة العقيلي من موقعه كرئيس لهيئة الأركان وتعيينه مستشارا لهادي، وتعيين اللواء الركن بحري عبدالله سالم علي النخعي خلفا له.
وشملت القرارات أيضا تعيين أحمد سالم ربيع علي محافظا لعدن بعد شغور هذا المنصب أيضا لأكثر من عامين، إثر التوترات التي شهدتها محافظة عدن، وأدت لمغادرة محافظها السابق عبدالعزيز المفلحي المحافظة، بعد تعذر قيامه بمهامه، إضافة لقرار آخر قضى بتعيين محمد نصر عبدالرحمن شاذلي وكيل أول لمحافظة عدن.
طبيعة القرارات
تستبق القرارات التعديل الحكومي المزمع إجراؤه بعد تعيين معين عبدالملك رئيسا للوزراء خلفا لبن دغر، كما أنها جاءت في ظل تواجد الرئيس عبدربه منصور هادي في الولايات المتحدة الأمريكية، وصدرت بعد أيام من دعوات أممية ودولية لإيقاف الحرب في اليمن والانخراط في عملية سياسية تفضي إلى حل سلمي للوضع في اليمن.
ويبدو من القرارات أنها جاءت معبرة بشكل واضح عن وجهة النظر السعودية، وسعي الرياض لترتيب الأوراق في اليمن، وفقا لأجندتها، سواء من حيث الشخصيات التي جرى تعيينها، أو من حيث المهام المتوقع تنفيذها في قادم الأيام.
المقدشي وزيرا للدفاع
من حيث أهمية القرارات فقد جاء لتسد شغرا ظل قائما في أحد أبزر منصببين، وهما وزير الدفاع، ومحافظ عدن، ومن الملفت هنا أن تعيين وزير دفاع جديد جاء بعد الكشف عن مصير وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي وتأكد أنه لا زال على قيد الحياة، وذلك عقب تواصله مع ذويه بموجب وساطة عمانية قبل أيام.
وسبق للمقدشي ترؤسه لهيئة الأركان العامة في الجيش الوطني، ثم جرى إقالته لاحقا بعد اتهامات بالفساد، وحملات إعلامية طالته من قيادات سعودية، كان أبرزها العقيد المتقاعد إبراهيم آل مرعي، لكن المقدشي عُين في منصب مستشار لرئيس الجمهورية، وظل يمارس بعض الأعمال المتصلة بالجانب العسكري بصفته مستشارا عسكريا لرئيس الجمهورية، ونفذ العديد من الزيارات الميدانية للوحدات القتالية، ووصفته وكالة سبأ الحكومية في أحد أخبارها بأنه القائم بأعمال وزير الدفاع.
لا تتوافر أي معلومات عن الدوافع التي تقف خلف إعادة تعيين المقدشي وزيرا للدفاع، وبسبب شغور هذا المنصب طوال السنوات الماضية، فقد جرى الاتفاق بين الحكومة الشرعية والتحالف العربي بأن يقوم رئئيس هيئة الأركان العامة بمهام وزير الدفاع، ومن خلاله يجري تنسيق الدعم العسكري، والمهام القتالية المختلفة، ومع تعيين وزير جديد للدفاع وتعيين رئيس جديد لهيئة الأركان العامة فإن الأمر يشير إلى غموض في هذه النقطة تحديدا، وهل سيتم التعامل مع وزير الدفاع بمثابته أصبح في منصبه، أم أن الوضع سيظل كما كان عليه من قبل.
إقالة العقيلي
الملفت في هذه القرارات أيضا كان إقالة رئيس هيئة الأركان العامة اللواء طاهر العقيلي، واستبداله باللواء عبدالله النخعي الذي رُقي لرتبة فريق، وكان قبلها قائدا للقوات البحرية والدفاع الساحلي.
اقرأ أيضا: زيارات ولقاءات فوق العادة لرئيس الأركان.. ضغوط أمريكية أم رغبة سعودية؟
ظل العقيلي يمارس مهامه الاعتيادية في السابق كسلفه (المقدشي) لكن خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي ظهر العقيلي في أدوار ملفتة، إذ إنه زار المنطقة العسكرية الأولى والثانية في سيؤون وحضرموت، ووصل إلى محافظة المهرة التي شهدت توترا بين السعودية وأبناء المحافظة، ثم سافر إلى عدن حيث التقى قائد القيادة المركزية الأمريكية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل، ونائبة السفير الأمريكي، ثم عاد للرياض واجتمع مع الحكومة ليطلعها على نتائج زياراته الميدانية.
لقاء العقيلي بالجانب الأمريكي كان يستهدف التنسيق لمكافحة الإرهاب بين الولايات المتحدة ودول المنطقة بما فيها السعودية وسلطنة عمان والإمارات وقطر، ومثل العقيلي اليمن في تلك اللقاءات لأول مرة، رغم أن السعودية والإمارات احتكرتا هذا الملف، وجعلته أحد الملفات الخاضعة لإشرافهما وإدارتهما.
هذه التحركات للعقيلي كانت قد أثارت الأسئلة عن طبيعة الدور الذي يلعبه، ومدى رضا السعودية في المقام الأول عن تلك التحركات، وهل كانت بطلب أمريكي دون موافقة السعودية، أم العكس، لكن عملية إقالته جاءت لتضع حدا لتلك الأسئلة، وتنهي مهمة العقيلي بشكل واضح.
النخعي رئيسا للأركان
خلف العقيلي اللواء عبدالله سالم النخعي، وهو الضابط العسكري الذي جاء من القوات البحرية والدفاع الساحلي في عدن، وعين في منصبه في أغسطس من العام 2017م، ورغم أن قواته لم تقم بأي أنشطة قتالية في البحر، لكنها ظلت موجودة، وارتبطت بالقوات السعودية البحرية، من خلال الزيارات التي نفذها الجانب السعودي للقوات البحرية اليمنية في عدن، والوعود التي تلقاها بإعادة بناء وتأهيل وتسليح تلك القوات انطلاقا من اهتمام سعودي بريطاني مشترك.
ومثل الضابط السعودي المقدم محمد السهدي الذي يعمل في البحرية السعودية حلقة التواصل بين النخعي والجانب السعودي، وتبع ذلك زيارات عسكرية للقوات البحرية السعودية والبريطانية إلى عدن، ما يشير إلى أن النخعي له ارتباطه بالجانب السعودي، ويعمل ضمن دائرة الرياض في اليمن.
تحديات وصعوبات
جاءت القرارات العسكرية في ظل عمليات قتالية متفجرة في أكثر من جبهة داخل اليمن، بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي وجماعة الحوثي، لكن تأثيرات هذه القرارات على مجمل مسرح العمليات القتالية لا يمكن التكهن بها في الوقت الراهن، إذ إن قرار هذه الجبهات مرتبط بشكل مباشر بالتحالف العربي، الذي يعد الممول والداعم لها.
صعوبات وتحديات عديدة ستصطدم بها التشكيلة الجديدة في قيادة وزارة الدفاع، لعل أبرزها مدى نجاحها في توحيد الألوية القتالية التابعة للشرعية والتي تتشكل من قوات نظامية وأخرى متطوعة تحت قيادة واحدة، خاصة تلك التي تشرف عليها الإمارات في الساحل الغربي، وبقية مدن الجنوب.
فالمشهد العسكري هو الآخر بحاجة إلى ترميم وإصلاح بالنسبة للحكومة الشرعية، إذ إن التعثر والجمود وتعدد الولاءات والكيانات بات واضحا في المؤسسة العسكرية، وألقى هذا الأمر بظلاله على ملفات عديدة من بينها الإخفاق القتالي، وعدم إحراز أي تقدم ميداني حيوي، وتلاشي الآمال ببناء جيش وطني يخضع لقيادة واحدة، بالتزامن مع نشأة وتعدد وظهور عدة مسميات وكيانات عسكرية.
عدن محافظ جديد
ظلت عدن بلا محافظ منذ غادرها المحافظ السابق عبدالعزيز المفلحي عقب توتر الوضع بينه وبين رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر من جهة، وبين قيادات المجلس الانتقالي من جهة أخرى، والتي رفضت تسليم مبنى المحافظة، والسماح له بمزاولة عمله.
أثر غياب وجود محافظ لمحافظة عدن على نواح كثيرة، وأدى ذلك لزيادة الاضطرابات فيها، وارتفاع مستوى الجريمة والاختلال الحكومي، واتساع دائرة النفوذ الذي تمارسه الإمارات عبر أدواتها هناك ممثلة بالمليشيا المسلحة المسماة بالحزام الأمني، أو من خلال التصعيد المستمر للمجلس الانتقالي المدعوم أيضا من الإمارات.
أدى هذا الوضع إلى عدم استقرار الحكومة طوال العامين الماضيين في مدينة عدن، وخلق مزيدا من الفوضى، وأطال عمر الصراع البيني هناك.
ورغم أن رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر كلف وكيل المحافظة أحمد سالم ربيع علي بأعمال المحافظ إلا أن ذلك لم يفلح في سد الثغرة الواضحة التي خلفها غياب المحافظ المفلحي.
قرار الرئيس هادي بتعيين أحمد سالم ربيع علي محافظا للمحافظة ربما يفتح باب التعافي مجددا في عدن، لكن ذلك لا يزال مرتبط بمدى قدرة المحافظ الجديد على تجاوز الخطوط الإماراتية، ومقدار التنازلات التي ستقدمها أبوظبي بما يسمح له في ممارسة دوره بكل الصلاحيات الممنوحة له، بسبب تحكمها بالمشهد العام في المحافظة، سواء بجانبه الأمني أو السياسي.
ينتمي المحافظ الجديد لمحافظة أبين، وهي محافظة الرئيس هادي، كما أنه يعد نجل أحد أبرز الرؤساء الذين حكموا الشطر الجنوبي من اليمن، وعمل في فترات سابقة بعدة مواقع داخل عدن، وهو ما يتيح له الإلمام بمختلف الأوضاع التي تعيشها المحافظة، لكن التحدي الأكبر الذي سيواجهه يكمن في موقف المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال، والمسيطر على الوضع العام في عدن بدعم من دولة الإمارات.
جميع هذه القرارات مرتبطة بما سيلحق بها من قرارات في تشكيلة الحكومة الجديدة المتوقع صدورها خلال الأيام القريبة، وتبقى التطورات الميدانية وحدها من سيحدد مدى نجاح مثل هذه القرارات أو إخفاقها.