طريق هيجة العبد.. فساد حكومي يعرقل صيانتها ويهدد بعزل تعز عن العالم (تحقيق استقصائي)
- أكرم ياسين السبت, 29 مايو, 2021 - 03:02 مساءً
طريق هيجة العبد.. فساد حكومي يعرقل صيانتها ويهدد بعزل تعز عن العالم (تحقيق استقصائي)

[ تحقيق يكشف عن الفساد في صيانة طريق هيجة العبد شريان تعز الوحيد ]

طريق "هيجة العبد" خط إمداد محافظة تعز الوحيد يبقى شاهدا على الفساد الحكومي، لطريق خرب ما يزال الموت يتربص فيها ويترصد كل عابر.

 

تُظهر هذه الصور الوضع المزري الذي وصلت إليه طريق "هيجة العبد" الشريان الوحيد الذي يربط محافظة تعز المحاصرة منذ بداية الحرب في أواخر مارس/أذار 2015 بباقي المحافظات اليمنية، فقد عرت السيول المتدفقة مزاعم صندوق صيانة الطرق بإعادة تأهيل الطريق.

 

 

يبلغ طول طريق "هيجة العبد" التي تم شقها منتصف العقد الأخير من القرن الماضي 9 كيلومترات في منحدرات شاهقة وعرة ولم تهيأ أثناء شقها لعبور القاطرات ذات الأوزان الثقيلة، وظلت حتى وقت قريب تصنف ضمن الطرق الريفية الثانوية، ظروف الحرب والحصار وحدها التي أجبرت قرابة 5 ملايين نسمة هم سكان محافظة تعز لاستخدام هذه الطريق منفذاً وحيداً لهم.

 

لم تصمد الطريق طويلاً تحت إطارات الشاحنات المحملة بمئات الأطنان من البضائع المختلفة، فبدأ الإسفلت بالتصدع والحفر تزداد اتساعاً والجدران الساندة تتهاوى، وصار العبور فيها محفوفا بالمخاطر وحوادث السير المميتة.

 

طريق الموت

 

أصبحت حوادث انقلاب الشاحنات وسقوط الضحايا الأبرياء مشاهد شبه يومية في طريق "هيجة العبد"، كما حكى لـ"الموقع بوست" الكثير من السائقين، ولسان حالهم يقول: "إذا لم تكن إلا المنايا مطية فما على المضطر إلا ركوبها"، فلم يتبقٰ غير هذا المنحدر الوعر خياراً للعبور أمام ملايين من السكان يخنقهم الحصار من كل الجهات.

 

زادت مناشدات المواطنين والناشطين والتجار للسلطة المحلية بمحافظتي تعز ولحج وللحكومة الشرعية بسرعة التدخل العاجل وإنقاذ شريان الحياة الوحيد الذي بات يتمزق مع مرور الوقت وأمر توقفه نهائيا مسألة وقت.

 

في فبراير/ شباط 2019، اعتمد صندوق صيانة الطرق بالعاصمة المؤقتة عدن مبلغ 103 ملايين ريال لصيانة الأماكن الأكثر تضرراً من طريق "هيجة العبد"، وخاصة المنعطفات، كمرحلة أولى (قسمت مراحل الصيانة لأربع مراحل)، وتشمل هذه المرحلة صب المنعطفات بالخرسانة الإسمنتية، وكلف صندوق صيانة الطرق في العاصمة المؤقتة عدن المؤسسة العامة للطرق (مؤسسة حكومية) لتنفيذ المرحلة الأولى من صيانة الطريق والمقدرة بـ4 كليومترات من كليو صفر حتى كيلو أربعة.

 

 

 وعن المبلغ قال المهندس معين الماس مدير عام صندوق صيانة الطرق في حديثه لـ"الموقع بوست" إن مبلغ 103 ملايين ريال تم اعتماده بصورة إسعافية، بمعنى أنه لم يكن وفق تقرير ميداني لفريق هندسي مختص.

 

لم يقم صندوق صيانة الطرق بإعلان مناقصة عامة لأعمال الصيانة في المرحلة الأولى، كما هو متعارف عليه في هكذا مشاريع، وإنما قام بتكليف المؤسسة العامة للطرق والجسور ووقع العقد معها.

 

لم يتمكن مراسل "الموقع بوست" طوال أسبوعين من التواصل مع صندوق صيانة الطرق، والمؤسسة العامة للطرق والجسور الجهة المنفذة، وكلتاهما جهتان حكوميتان، من الحصول على صورة من العقد الخاص بالمرحلة الأولى من أعمال صيانة الطريق، لمعرفة المواصفات والمقاييس التي نفذت بموجبها المؤسسة العامة للطرق والجسور أعمال الصيانة والتي سنسميها في هذا التحقيق بالجهة المنفذة والجدول الزمني لإنجاز تلك المرحلة.

 

في مطلع مارس/أذار 2019، بدأت المؤسسة العامة للطرق والجسور تنفيذ أعمال المسح والتهيئة لأعمال صيانة طريق هيجة العبد، في تلك الفترة وكما هو مفترض قيام المؤسسة العامة للطرق التي سنسميها "الجهة المنفذة" بمسح وتهيئة الطريق البديل (طريق سوق الربوع - كربة - لصحى) وهو طريق ترابي لا يقل وعورة عن طريق هيجة العبد وكان معبراً لجميع الشاحنات بمختلف أحجامها وأوزانها وللمسافرين، عندما كانت طريق هيجة العبد مغلقة من قبل المليشيات الحوثية بداية الحرب.

 

بالطريقة العشوائية نفسها التي تعامل بها صندوق صيانة الطرق في مشروع صيانة طريق "هيجة العبد" قام بتكليف الجهة المنفذة بمسح وتهيئة الطريق البديل (كربة - الصحى) ارتجالياً، ودون الاستناد لتقرير فريق هندسي ميداني يحصر حجم الخراب وتكاليف الإصلاح. وإمعاناً في العشوائية، حدد الصندوق مبلغ خمسة ملايين ريال لمسح وتهيئة الطريق البديل.

 

ولأن الطريق البديل كان مهملاً ولم يعد العبور فيه ممكناً بسبب جرف السيول المتدفقة له ويحتاج إلى ما يقارب 40 مليون ريال، الأمر الذي دفع بالجهة المنفذة بالتوقف بمجرد نفاد مبلغ 5 ملايين ريال المخصصة من صندوق صيانة الطرق وبقي قرابة 70% من الطريق البديل وخصوصاً الأماكن الأشد وعورة غير صالح للاستخدام.

 

 

في مطلع يونيو/حزيران 2019، تم إغلاق طريق "هيجة العبد" نهائياً وتحويل مسار المرور للطريق البديل، وبدأت الجهة المنفذة بتنفيذ المرحلة الأولى من أعمال صيانة الطريق من كيلو صفر حتى كيلو أربعة حسب الاتفاق المتمثل في صب المنعطفات بالخرسانة الإسمنتية وعمل السواند الجانبية ووضع العبّارات لتصريف مياه السيول.

 

كلف صندوق صيانة الطرق المهندس صفوان مطهر (يقيم في عدن) بالعمل كمهندس استشاري لمشروع صيانة طريق هيجة العبد لمختلف المراحل، وتشير أصابع الاتهام إليه ومحافظ تعز نبيل شمسان  بتكبيد الدولة عشرات الملايين من الريالات وحرمان تعز من فرصة تأهيل الشريان الوحيد الذي يمد قرابة خمسة ملايين إنسان بسبل الحياة ويربطهم بالعالم، دون أن تستفيد الطريق المتهالكة من عشرات الملايين التي أهدرت بسبب الإهمال والفساد ولو بنسبة 40% كأقل تقدير، (سنستعرض لاحقاً المخالفات الجسيمة التي ارتكبها الاستشاري صفوان مالياً وفنياً مستغلاً صلة القرابة التي تربطه بوليد العباسي صهير رئيس الوزراء معين عبد الملك).

 

لم يقم صندوق بصيانة الطرق بتأهيل الطريق البديل (كربة – الصحى) بشكل يسمح بمرور الشاحنات وخاصة الكبيرة منها والمتوسطة، كما لوحظ غياب أي دور للسلطة المحلية بمحافظة تعز في موضوع تأهيل وإصلاح الطريق البديل، وأجبر السائقون على المرور فيها بالرغم من معرفة الجميع أنها لم تعد صالحة للعبور، ولكنه الفساد والاستهتار بأرواح الناس، وكان لسال حال السائقين مع الطريق البديل كالمستجير من الرمضاء بالنار.

 

أدت الحوادث المتكررة في الطريق البديل إلى إغلاقها، مما تسبب في توقف عمليات التنقل بين محافظة تعز والعاصمة المؤقتة عدن نهائيا وظل المسافرون وسائقو شاحنات نقل البضائع عالقين لمدة ثلاثة أيام.

 

وعلى إثر ذلك أصدر وكيل محافظة تعز للشؤون الفنية، مهيب الحكيمي، أمراً للجهة المنفذة لأعمال صيانة طريق "هيجة العبد" بالسماح لسائقي مختلف العربات بالمرور بطريق "هيجة العبد" التي لم يمض غير أسبوعين من أعمال الصيانة فيها وتم صب وتجهيز "ثلاثة منعطفات" وكانت ثلاثة أخرى قيد التجهيز.

 

وبحسب التقرير المرفق المعد من قبل الفريق الهندسي المشرف على أعمال الصيانة، فإن أمر السماح بمرور الشاحنات في الطريق كان عشوائياً وغير مسؤول وغير مبالٍ بالأضرار والخسائر الناجمة وتعرض أعمال الصيانة للتخريب بسبب مرور الشاحنات ذات الأوزان الثقيلة.

 

عشرات المذكرات وتبادل للتهم

 

بعد مضي أقل من شهر من أعمال الصبيات الخرسانية في "هيجة العبد" ونتيجة لكثرة حوادث انقلاب الشاحنات في الطريق البديل، وسقوط الكثير من الأبرياء في تلك الحوادث التي أدت في الأخير لإغلاق الطريق نهائياً، أصدر وكيل محافظة تعز للشؤون الفنية مهيب الحكيمي أمراً للجهة المنفذة بفتح الطريق والسماح للقاطرات وجميع الشاحنات والمسافرين بالمرور من الطريق، ذلك الأمر العشوائي والارتجالي نفذ كما قال فائز عقلان مدير عام فرع المؤسسة العامة للطرق والجسور بتعز بقوة السلاح وكان بمثابة طلقة الرحمة التي قتلت أمل أبناء تعز بأن تتحول طريق هيجة العبد إلى شريان حياة وليس هاوية موت.

 

 

خلال الفترة من يوليو/ تموز 2019 وحتى نوفمبر/تشرين ثان من العام نفسه وهي المدة المحددة لإكمال أعمال المرحلة الأولى بعد عودة فتح الطريق أمام المستخدمين، تحول العمل فيها إلى ما يشبه الكتابة على الماء، فإطارات الشاحنات تأخذ معها خرسانة رخوة لم يمض على صبها غير ساعات كرخوة ضمير القائمين على مشروع تحول هدفاً للسخرية الحزينة.

 

وبدلاً من أن تسارع كلٌّ من السلطة المحلية بتعز (الجهة الممثلة للمستفيدين) والمؤسسة العامة للطرق والجسور (الجهة المنفذة) وصندوق صيانة الطرق (الجهة الممولة) بالتوقف عن المهزلة وإهدار عشرات الملايين من الريالات بينما الطريق بحاجة للريال الواحد منها والتوجه بضمير يستشعر المسؤولية نحو الطريق البديل وإجراء الإصلاحات اللازمة تراعي قواعد السلامة المرورية الأمنة.

 

توجهت تلك الأطراف لتعبيد وتنميق وتبادل عشرات المذكرات التي يحاول من خلالها كل طرف تحميل مسؤولية العبث الطرف الآخر تحت حجج وذرائع لا تقي أحداً منهم من جريرة المشاركة في اقتراف الفعل الفاضح، في حين يدفع التجار والسائقون والمسافرون ضريبة ذلك العبث غالياً من أرواحهم وأموالهم.

 

إنجاز الخراب

 

مع نهاية العام 2019، أعلنت الجهة المنفذة لأعمال إعادة تأهيل وصيانة طريق "هيجة العبد" إتمام المرحلة الأولى، دون تناسي توجيه مذكرات للمطالبة بالخسائر التي تكبدتها مشفوعة بالكلمة الساحرة المخادعة من أجل المصلحة العامة تهون التضحيات، مبدية استعدادها لتنفيذ المرحلة الثانية باستشعار وضمير أكثر حرصاً على المصلحة العامة.

 

في تصريح لـ"الموقع بوست" لخص المهندس سلطان الدهبلي المخالفات الفنية الجسيمة التي ارتكبتها الجهة المنفذة خلال المرحلة الأولى من أعمال الصيانة.

 

وقال الدهبلي: "تم قطع المنحنيات بالكامل بالجريدر والحرّارة التابعة للمؤسسة وتوقف العمل بسبب انتقال المعدات لتسوية الطريق البديل، وترك تلك المناطق عرضة لتسرب مياه الأمطار إلى طبقة الأساسات تحت الإسفلت في جميع المنحنيات، كما تسبب ذلك الانهيار في طبقة الإسفلت بحدوث تشرخ بطول تقريبي 6 كيلو مترات وبعرض الطريق.

 

وأضاف: "تم قطع الإسفلت من قبل عمال المؤسسة في جميع المواقع التي تم تحديدها بالمنشار وهذا تصرف يدل على انعدام المعرفة والخبرة وعدم الإحساس الهندسي والكارثة التي ستنتج عن هذه الأعمال، لو كان هناك مهندس أو مدير مسؤول يعرف الأضرار الهندسية لتم تغطيتها بالإسمنت لتفادي كل ذلك الخراب والانهيار والتشرخات في طبقة الإسفلت، لكنها قلة الخبرة والإهمال واللامبالاة"، حد قوله.

 

وتابع: "ترك منحني "القرصوب" مصبوباً نصف خرسانة والنصف الآخر ترابي، رغم إدراك المهندس أن منحني "القرصوب" من أخطر المنحنيات، إذ لو تسربت مياه الأمطار لطبقة الردميات لانهار الجدار الساند وقطعت الطريق بشكل كامل، وعندما عاد بعد انقطاعه شهورا ذهب ليصب الطريق فوق التبريدة في مكان ليس منحنيا وكذلك فوق العبّارات وتركه أيضاً منحنيا ومدخل النفق ناقص عدة جالات".

 

وأشار المهندس سلطان الدهبلي إلى أنه تم ترك جميع المواقع التي صبها في المنحنيات دون عمل الرباربات الحجرية وتكتيمها حسب المواصفات، وعدم تعبئة الفواصل الخرسانية بمادة الدامار المخلوط بالنيس لسلامة ضمان عدم تسرب مياه الأمطار تحت جوانب الخرسانة مما يعرضها للانهيار وسحب المواد النيسية التي تم فرشها تحت الخرسانة على  أساس أنها بسكورس، مع العلم بأنه لم يتم عمل طبقة بيسكورس أو معالجات للطبقة في جميع المواقع.

 

وأردف: "ترك منحني بعد قطع الإسفلت عرضة للانهيار والنخر حتى اليوم وتم قطعه بالجريدر وبوجود المهندس التابع لهم، وتم تعديل ميول بعض المنحنيات بدون رفع مساحي من قبل أو بعد القطع بموافقة المهندس المشرف والإعادة بدون عمل مساحي بالجهاز، مما أدى إلى تغير اتجاه المياه وعدم جريانها في المصرف الجانبي لتصريفها حسب التصاميم الهندسية للطرق المتعارف عليها". وبحسب الدهبلي، فإن ما ذكره ما هي إلا بعض الملاحظات القليلة والتي لاحظها من خلال مروره اليومي لزيارة التربة والتسوق.

 

وعبر المهندس سلطان الدهبلي في ختام تصريحه لـ"الموقع بوست" عن خيبة أمل مشوبة بالغضب، متسائلاً كيف يتم ارتكاب أخطاء فنية بتلك الجسامة دون إحساس بتأنيب للضمير تجاه الأموال المهدورة والمخاطر التي تهدد حياة مستخدمي الطريق الأبرياء، واصفاً ما حدث بأنه دمار أضيف إلى الطريق المدمر ولكن بزعم الصيانة.

 

 

تقول الجهة المنفذة إنها أنجزت المرحلة بالكامل حسب العقد وهي 4 كيلومترات لكن الزيارة التي قام بها مراسل "الموقع بوست" في  9 مايو الجاري لطريق "هيجة العبد" كشفت أن ما تم إنجازه لا يتعدى صب 11 منعطفا بعضه قد سحقته إطارات الشاحنات والسيول الجارفة.

 

عرفنا من خلال الزيارة أيضاً أن المهندس الاستشاري المعين من قبل صندوق صيانة الطرق صفوان مطهر، قد كلف المهندس خالد أحمد سلام، مشرفاً مقيماً بدلا عنه كونه يقيم في عدن وهذا يعد إخلالاً غير مبرر بواجبه وتهرباً من المسؤولية.

 

المرحلة الثانية.. العودة إلى الصفر

 

مطلع أبريل/نيسان 2020، بدأت المؤسسة العامة للطرق والجسور (الجهة المنفذة) أعمال المرحلة الثانية من مشروع طريق هيجة العبد والمقدرة بمبلغ 166 مليون ريال بحمولة مخالفات قانونية وإدارية وفنية عبرت فوق خراب الطريق الوعر بسرعة الآمن من المساءلة والحساب، ويمكن تلخيصها في السطور التالية:

 

لم يكلف صندوق صيانة الطرق كجهة ممولة فريقاً هندسياً متخصصاً للنزول للطريق وحصر الأعمال المنجزة في المرحلة الأولى وتقييمها فنياً ورفع تقرير متكامل بالمخالفات والأخطاء ووضع حلول لها.

 

وهذا يفسر رفض الجهة الممولة والجهة المنفذة لإخفاء بنود العقد الموقع بينهما والذي على ما يبدو خلا من وضع أي مواصفات ومعايير فنية ملزمة.

 

لم يعرف على أي أساس قدم صندوق صيانة الطرق مبلغ 166 مليون ريال كتكلفة لصيانة المرحلة الثانية وهو ما سنحاول معرفته من خلال المقابلة مع مدير عام الصندوق التي سنوردها لاحقاً.

 

وكما في المرحلة الأولى كلف صندوق صيانة الطرق ذات الجهة المنفذة للمرحلة الأولى وهي المؤسسة العامة للطرق والجسور دون فتح باب تقديم عطاءات المناقصة، ودون الاكتراث للمخالفات الفنية الفادحة المرتكبة في أعمال المرحلة الأولى.

 

الديزل وحق القات للسائق العائق الأكبر

 

عاد الحديث عن تسوية وتهيئة الطريق البديل مجدداً مع بداية أعمال المرحلة الثانية وتبادل التهم والمذكرات بين الجهة المنفذة والسلطتين المحليتين بمحافظتي تعز ولحج، خصوصاً قيادات السلطة المحلية بمديريتي المقاطرة التابعة لمحافظة لحج ومديرية الشمايتين التابعة لمحافظة تعز اللتين تقع طريق "هيجة العبد" في نطاقهما الجغرافي وتمثلان الجهة المستفيدة.

 

وكما تبين بنود المحضر الموقع بتاريخ (7/4/2020) بين ممثلي الجهتين (المنفذة والمستفيدين) والتي نصت على قيام المؤسسة العامة للطرق بمسح طريق (كربة - الصحى) الطريق البديل لمدة 4 أيام، بينما تتكفل السلطة المحلية بمديريتي المقاطرة والشمايتين بتوفير الديزل والسليط ومصاريف السائق المقدرة بـ4 ملايين و659 ألف ريال، وتتولى قوات الأمن الخاصة بموجب المحضر إغلاق طريق هيجة العبد نهائياً أمام المركبات وتحويل مسارها للطريق البديل.

 

 

تبين بنود ذلك المحضر مدى الاستخفاف بعقول الناس، وغياب أي إحساس بالمسؤولية من الطرفين، فهل يعقل أن يكون الديزل ومصاريف السائق العائق الأكبر الذي أدى لإهدار عشرات الملايين من الريالات كانت كافية لصيانة 70%من طريق هيجة العبد؟

 

الأدهى أن بنود ذلك المحضر لم تنفذ وسرعان ما تبادل الطرفان الاتهامات عبر مذكرات لا تبرئ أي طرف من الإخلال بواجبه، فالجهة المنفذة على لسان "فائز عقلان" مدير عام مؤسسة الطرق فرع تعز أكدت قيامها تالي يوم المحضر بتحريك "الجريدر" للطريق البديل، إلا أن مسلحين اعترضوا طريق السائق واحتجزوا المعدات وقاموا بإحراقها وهو ما نفاه جمال شمسان، مدير عام مديرة المقاطرة، وأرجع ما حدث بأنه ناتج عن خلاف حول مستحقات تم حله.

 

لم تشهد المرحلة الثانية أي تصحيح للمخالفات المالية والفنية والعشوائية العابثة والفساد وبقاء الطريق مفتوحاً أمام مختلف المركبات فوق أعمال الصبيات الرخوة التي شهدتها المرحلة الأولى، بل على العكس من ذلك فبالرغم من ارتفاع حجم المبلغ المرصود للمرحلة الثانية (166 مليون ريال) إلا أن الجهة المنفذة سلمت أعمال المرحلة الثانية التي انحصرت في ترقيع وإصلاح الخراب الذي ألحقته سيول الأمطار لأعمال المرحلة الأولى وصب (7) بلاطات من المرحلةالثانية فقط رغم استلامها 20% من قيمة العقد مقدماً.

 

لمكتب "فولدكس" للمقاولات التابع للمقاول وليد المقطري لم يتمكن "الموقع بوست" رغم محاولاته المتكررة معرفة الدوافع وراء تسليم أعمال المرحلة الثانية لمقاول آخر ولا قيمة العقد الموقع بينهما، بالرغم من اشتراط صندوق صيانة الطرق تسليم الجهة المنفذة "المؤسسة العامة للطرق والجسور" أعمال المرحلة الثانية عند مطالبته بإكمال المرحلة الأولى، بحسب ما أفاد به المهندس "سلطان الدهبلي" ممثل محافظة لحج في أعمال صيانة طريق هيجة العبد.

 

أدت أحداث أغسطس/آب 2020 الدامية التي شهدتها العاصمة المؤقتة عدن إلى توقف أعمال المرحلة الثانية نهائيا، دون أن يتم إنجاز ولو 20%من أعمال الصيانة المطلوبة.

 

الاختلاس يطال محطة الفرشة

 

تم تصفية أعمال المرحلتين الأولى والثانية وإخلاء مسؤولية الجهة المنفذة دون حساب أو مساءلة ولا حتى إلزامها بتسديد ما عليها من مديونية للغير، فعند إجراء هذا التحقيق في مطلع مايو الجاري ومالك محطة "الفرشة" للغاز ما يزال يطالب المؤسسة العامة للطرق والجسور بمبلغ 11 مليوناً و845 ألف ريال، كمديونية تتهرب المؤسسة من تسديدها.

 

في اجتماعها المنعقد بتاريخ 14 سبتمبر /أيول 2020، قررت لجنة المناقصات (نفى وجودها مدير صندوق صيانة الطرق في تصريحاته اللاحقة) تصفية مشروع طريق هيجة العبد للمرحلتين الأولى والثانية، وإخلاء مسؤولية الجهة المنفذة (المؤسسة العامة للطرق والجسور)، لتتسلم أعمال المرحلة الثالثة المقدر تكاليفها بـ466 مليون ريال مؤسسة "الخضيري للمقاولات" بموجب عطاء تنافسي ومواصفات فنية محترمة، اعتبرها البعض محاولة قام بها صندوق صيانة الطرق وجوقة الفساد التابعة له تكفيراً عن ذنوب مالية وقانونية وفنية ما تزال طريق هيجة العبد تحكي للعابرين فضاعتها.

 

تناقض مدير الصندوق

 

في اتصال هاتفي أجراه مراسل "الموقع بوست" مع مدير عام صندوق صيانة الطرق المهندس معين الماس لمعرفة موقف الصندوق من مجمل المخالفات الفنية والمالية التي ارتكبتها الجهة المنفذة خلال تنفيذها للمرحلتين (الأولى والثانية) من أعمال صيانة طريق "هيجة العبد"، قال إن الطريق مصنف ضمن الطرق الريفية وليس شريانا دوليا، ومنذ شقه أول مرة لم تتوفر فيه المعايير الفنية التي تسمح بمرور القاطرات الكبيرة والمتوسطة التي تحمل مئات الأطنان من البضائع.

 

 

وأشار إلى أن ظروف الحرب وحدها والحصار الذي تعيشه تعز أجبرت الجميع على استخدام تلك الطريق، الأمر الذي أدى إلى تأكل طبقة الإسفلت وتزايد الحفر وخراب الجدران الساندة نتيجة الحملات الثقيلة، لافتا إلى أن إعادة صيانة الطريق وتأهيلها يحتاج لمبالغ طائلة لا يقدر عليها صندوق صيانة الطرق بوضعه الحالي.

 

وعن الأسباب التي دفعت بالصندوق لتكليف المؤسسة العامة للطرق والجسور لتنفيذ المرحلتين الأولى والثانية دون فتح باب المناقصة كون ذلك يعد مخالفة قانونية، أكد الماس أن لجنة المناقصات غير موجودة منذ اندلاع الحرب ومقرها في صنعاء وما قام به الصندوق في طريق هيجة العبد هو تدخل عاجل لم يتم وفق دراسة ميدانية مسبقة.

 

وحول سؤالنا له عن عدم أخذ الصندوق ظروف الحصار الخانق الذي تعيشه تعز في الاعتبار وإيلاء صيانة طريق هيجة العبد كشريان وحيد العناية والأهمية التي تستحقها، أجاب الماس أن الصندوق ينفذ صيانة وشق طرق بآلاف الكيلومترات في المناطق المحررة وليس هيجة العبد وحدها.

 

التدني الكبير لقيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وارتفاع أسعار المواد، بالإضافة لعمليات التوقف المتكررة التي رافقت أعمال المرحلتين الأولى والثانية وسيول الأمطار، اعتبرها مدير الصندوق أهم الأسباب لكل تلك الاختلالات.

 

واعتذر مدير عام صندوق صيانة الطرق عن موافاتنا بصورة من العقود التي أبرمها مع الجهة المنفذة، مفسراً في ختام حديثه تراجع البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن عن وعده بإعادة تأهيل وصيانة طريق هيجة العبد إلى تدخل الصندوق في صيانة الطريق.

 

 

تفسير مدير الصندوق يكتنفه الكثير من الغموض استناداً لتأكيداته بافتقار الصندوق للموارد الكافية التي تمكنه من صيانة الطريق بالشكل المطلوب.

 

في مطلع يناير/كانون ثاني الماضي، أعلن البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن عبر حسابه في تويتر تدخله لإعادة تأهيل وصيانة طريق "هيجة العبد"، بالإضافة لإنارة بعض الشوارع في مداخل مدينة عدن، إلا أن البرنامج تراجع عن وعده فيما يتعلق بصيانة طريق هيجة العبد لأسباب لم يعلنها.

 

عشرات المذكرات والمناشدات الموجهة لمختلف الجهات ذات العلاقة بصيانة طريق "هيجة العبد" منذ بداية تنفيذ المرحلة الأولى يحملها ملف مدير عام مديرية المقاطرة بمحافظة لحج لم تجد أذاناً صاغية، إلا أنها دلت على اهتمام الرجل الكبير بموضوع الطريق وحرصه على تأهيلها وهو جهد يشكر عليه، إلا أن الدهشة تملكتنا في المقابل عندما لم نجد أي أثر لجهد بذله محافظ تعز نبيل شمسان في موضوع طريق هيجة العبد الذي يمثل شريان حياة لمحافظة تعز المخنوقة بالحصار، بذريعة أن الطريق لا تقع في نطاق محافظته الجغرافي.

 

لا يعفي نبيل شمسان من تخاذله عن القيام بأهم واجباته المتمثلة في المساهمة بتأمين منفذ وحيد بات شبح إغلاقه يهدد بعزل محافظة تعز عن العالم، فيما محافظها منشغل بجابية ملايين الريالات من تجار تحولت عملية وصول بضائعهم بسلام كابوساً يؤرقهم ويثقل كاهل البسطاء بالارتفاع الجنوني لأسعار السلع بسبب صعوبة العبور في طريق بالغة الوعورة.

 

حملة المليون توقيع

 

ومع تزايد معاناة السائقين ومستخدمي الطريق تصاعدت المطالبات والمناشدات والمذكرات من قبل الوجهاء والناشطين للسلطة المحلية بمحافظة تعز والحكومة الشرعية بسرعة التدخل وإنقاذ طريق "هيجة العبد" كونها المنفذ الوحيد الذي يربط محافظة تعز بالعاصمة المؤقتة عدن ويمد سكانها بمقومات الحياة.

 

قابلت السلطة المحلية والحكومة تلك المناشدات بالتجاهل واللامبالاة كما يقول لـ"الموقع بوست" سامي الأكحلي ممثل الوجاهات الاجتماعية والمواطنين للمطالبة بإنقاذ الطريق بأسرع ما يمكن.

 

توجت تلك المناشدات بإشهار أطول عريضة مطالبة في الشرق الأوسط، ففي 19ديسمبر/كانون أول 2020 أشهرت منظمة "جسد واحد" المدنية في مدينة تعز حملة المليون توقيع للمطالبة بفك الحصار عن المدينة وإنقاذ طريق هيجة العبد بعريضة حملت 40 ألف توقيع لمختلف مكونات تعز الاجتماعية.

 

الأمطار تكشف وجه الحقيقة

 

في حين يتحدث صندوق صيانة الطرق والجسور عن إنجاز المراحل الثلاث من مشروع صيانة طريق "هيجة العبد" زاعماً البحث عن مصادر تمويل للمرحلة الرابعة المقدرة بقرابة مليار ريال، وقبل أن تسحب المؤسسة العامة للطرق والجسور كامل معداتها من الطريق، باغتت الأمطار الجميع جارفة كل المزاعم والأكاذيب بعيداً لتبقي وجه الحقيقة الناصع الذي لا يجرؤ أحد على إنكاره.

 

الحقيقة المرة أن الفساد والنهب وحده من تمكن ببراعة حيرت الجميع من تسلق منعطفات خربة لطريق ما يزال الموت المتربص فيها يترصد كل عابر.

 


التعليقات