[ التحقيق كشف عن مظاهر عدة للابتزاز والكثير من الضحايا ]
في مايو 2021، فكرت سلوى أحمد (اسم مستعار) بالإقدام على الانتحار بعد يأسها، من إمكانية حل مشكلة "ابتزاز إلكتروني" تعرضت لها من قبل شخص مجهول، ظل يهددها بنشر صورا شخصية لها على وسائل التواصل الاجتماعي.
بدأت القصة بتلقي سلوى رسائل من المبتز على واتساب، مرفقة بصور شخصية لها، يطلب فيها أن توافيه بمبلغ من المال، مقابل عدم نشر الصور، الأمر الذي صدمها، لتدرك لأول مرة أنها أمام جريمة "ابتزاز إلكتروني".
سلوى ذات الـ(26 عاما) -وهي شابة تعمل في إحدى محلات التجميل بصنعاء- ارتاعت أول الأمر، ولم تتمكن حتى من الرد على الرسائل التي وصلتها، تقول: "أصبت بالذعر وقتها، ولم أتمكن من استيعاب ما رأيته أمامي، لقد تسبب لي الأمر بانهيار عصبي مريع وأحال حياتي إلى جحيم".
مدفوعة بالخوف على سمعتها، ردت سلوى على المبتز المجهول بعد يومين من تلقيها رسائله، وكان يراسلها من حساب واتساب مُقيد بخط سعودي.
وافقت على طلبه بإعطائه مبلغ 200 دولار، مشددة عليه بضرورة حذف صورها التي لديه، وبدوره وعدها بذلك، قبل أن يعود مجددا لابتزازها، وتستمر المشكلة في حلقة مفرغة طيلة خمسة أشهر، حيث بلغ ما نقدته من أموال طوال هذه الفترة 600 دولار.
لا تدري سلوى كيف تسربت صورها إليه، لكنها تتذكر أنها كانت قد نقرت قبل أيام من تعرضها للمشكلة على رابط غريب وصلها على "ماسنجر"، فتحت الرابط فتوقف نشاط هاتفها لبضع دقائق، وحينها أرجعت السبب في ذلك إلى خلل برمجي في هاتفها، لكنها تُرجح أن بياناتها الشخصية تسربت في ذلك اليوم.
لم تجرؤ الشابة على إخبار أسرتها بالمشكلة، لإدراكها أنهم سيعاقبونها هي لا المُبتز -وفقا لقولها- لكنها قررت بعد خمسة أشهر من الخوف والقلق إخبار إحدى صديقاتها التي استعانت بدورها بشقيق لها يعمل في المملكة العربية السعودية، وأرسلت إليه رقم هاتف المُبتز، لينُهي المشكلة بمكالمة تضمنت تهديدا بإهدار الدم وجهه للمبتز، لينتهي الأمر عند هذا الحد.
قصة من الحديدة
في محافظة الحديدة (220 كم غرب صنعاء) تعرضت فاطمة صالح (اسم مستعار)، لابتزاز من قبل شخص ينتمي لذات المحافظة، وقد كانت على علاقة عاطفية افتراضية معه استمرت لأشهر، قبل أن يقرر ابتزازها بالصور التي سبق أن وافته بها، طالبا منها الموافقة على لقاء بينهما.
اقرأ أيضا: السم المعلب في قوارير الدواء.. تحقيق للموقع بوست يكشف جرعات الموت ومأساة أطفال السرطان في صنعاء
وبحسب مطلع على قصة فاطمة (33 عاما) وهي امرأة متزوجة وأم لطفلين، فإن علاقة عاطفية نشأت بين الطرفين على موقع التواصل "فيسبوك"، وقد جرى تبادل الصور بينهما، وبعد ثمانية أشهر غيَر الرجل سلوكه معها وطلب لقائها، الأمر الذي رفضته، فهددها بنشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتنتهي المشكلة بانفصال فاطمة عن زوجها بعد معرفته بالأمر.
ضحايا بلا إنصاف
في هذا التحقيق الذي استمر العمل عليه مدة شهرين، تتبعنا قصص 27 امرأة من ضحايا "الابتزاز الإلكتروني" حدثت خلال السنوات الخمس الأخيرة في أربع محافظات يمنية، هي، صنعاء وتعز والحديدة وعدن، تسع قصص منها حدثت في صنعاء، وسبع في عدن، وست في تعز، وثلاث قصص في الحديدة.
خلال العمل على التحقيق تواصلنا مع العشرات من النساء الضحايا في المحافظات الأربع، ورفضت أغلبهن التحدث إلينا بشأن الجرائم اللاتي تعرضن لها، وذلك بسبب خشيتهن من الفضائح وتبعاتها التي قد تصل إلى حد تعريضهن للقتل، لذا اكتفينا بالـ 27 امرأة اللاتي تجاوبن معنا ليكُنّ عيّنة عمل هذا التحقيق.
أوقع المبتزون بهذه الضحايا الـ 27 بطريقتين، تمثلت الأولى في اختراق هواتفهن وسحب بياناتهن الشخصية منها، وكانت الثانية عبر استدراجهن بعلاقات عاطفية على الفضاء الرقمي، وكلا الطريقتين أفضتا إلى تسرب بيانات شخصية خطيرة من هواتف النساء، وجميعهن جرى اصطيادهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ثم ابتزازهن، إما بصور خاصة لهن، أو بمقاطع فيديو ذات طابع جنسي، وجرى التواصل بهن عن طريق إما "واتساب" أو "ماسنجر"، وما طُلب منهن كان إما الجنس أو المال.
تبعات الفضيحة
أكثر من نصف القصص التي تتبعناها انتهت بشكل كارثي، فقد تعرضت 16 امرأة من أصل 27 - وهن اللاتي قررن الاستعانة بذويهن- لأحد أشكال العنف الأسري والاجتماعي، والتي شملت النبذ، والاعتداء الجسدي، والتشويه، والطلاق، والحرمان من التعليم، والعمل، وتقييد الحرية، وذلك بسبب جرائم ابتزاز إلكتروني تعرضن لها لم يكن لأغلبهن ذنبا فيها، بينما فضلت الـ 11 الأخريات حل مشاكلهن دون إعلام الأهل بذلك، مستعينات بصديقات لهن، وقد نجحن في ذلك بعد عناء جهيد.
في منتصف العام 2021 تداولت المواقع الإخبارية اليمنية خبرا عن تعرضت فتاتين يمنيتين للقتل على أيدي ذويهما، بدافع شعورهم بالعار، بعد انتشار صورا لهما على الانترنت، وقد كانت نهاية مفجعة وقاسية، وذلك أسوأ ما تخشاها ضحايا "الابتزاز الإلكتروني" في اليمن، إذ قد تؤدي فضيحة تسرب صورا خاصة لفتاة ما إلى مقتلها.
لهذا السبب تتخوف الكثير من اليمنيات اللاتي يتعرضن للابتزاز من مكاشفة ذويهن بالمشكلة، تفاديا لاحتمال أن يتعرضن للأذى على أيديهم، ذلك أن الكثير من اليمنيين يلقون باللوم في مثل هذه المسائل على النساء، حتى لو كن بريئات، وذلك بسبب حساسية وضع المرأة في المجتمع اليمني، الذي يُعرف بكونه محافظا، ويستند على ميراث ثقيل من العادات والأعراف التي تعتبر المرأة مبعث عار وجالبة للخزي، فيُستباح دمها في حال تعرضت لفضيحة جنسية أمام الرأي العام، ويعمد ذويها إلى قتلها انتصارا لشرف العائلة أو القبيلة التي تنتمي لها.
إحصائيات
خلصت نتائج مسح تتبعي أجراه معد التحقيق على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية اليمنية إلى رصد أكثر من 86 جريمة "ابتزاز إلكتروني" تعرضت لها نساء يمنيات خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وهي نتيجة غير شاملة لعدد ضحايا "الابتزاز الإلكتروني" في اليمن خلال هذه الفترة، فهذه الحالات هي التي حظيت بالنشر والتداول فقط، وما خفي أعظم، فالكثير من جرائم الابتزاز تبقى طي الكتمان في اليمن بسبب حساسيتها داخل المجتمع.
يقدر مختار عبد المعز، الخبير في أمن المعلومات، والذي يقود مبادرة تطوعية لمكافحة الابتزاز الإلكتروني في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات؛ عدد حالات ضحايا الابتزاز التي طلبت مساعدته خلال السنوات الثلاث الأخيرة بأكثر من 15 ألف حالة تعرضت لشكل ما من أشكال الجريمة الإلكترونية.
تمكن عبد المعز وفريقه المؤلف من 300 متطوعا ينتمون لقطاعات متعددة، أمنية وطبية وحقوقية ومتخصصون في الأمن الرقمي؛ من حل أغلب مشكلات الضحايا بطرق يقول إنها كانت إما ودية، أو أمنية، أو قبلية، بينما اكتفى في عدد منها بإزالة المحتوى الابتزازي المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يتضمن صورا وبيانات خاصة للضحايا.
الأزمة تلقي بظلالها
وبرزت ظاهرة "الابتزاز الإلكتروني" في اليمن بشكل مكثف خلال السنوات الخمس الأخيرة، ويرجع عبد المعز أسباب ذلك إلى الفوضى السياسية والأمنية التي يعيشها اليمن نتيجة الحرب، والتي خلقت مناخا ملائما لازدهار النشاط الابتزازي في البلد.
يقول عبد المعز في حديثه لـ "الموقع بوست" إن تعدد السلطات الحاكمة، وغياب الدور الرقابي، إلى جانب التدهور الاقتصادي، وكذا غياب الوعي الرقمي بين الناس، وحساسية وضع المرأة داخل الأسرة والمجتمع، هي من أبرز الأسباب التي ساهمت في تفشي الظاهرة باليمن.
وطبقا لحديثه، فإن شبكات منظمة هي من يقف خلف عمليات الابتزاز الإلكتروني في اليمن، وهي تتألف من شباب يمنيين (ذكورا وإناث) عاطلون عن العمل، ومحترفون في أساليب الاحتيال الرقمي، ويستهدفون البيانات الشخصية لمستخدمي الانترنت اليمنيين، خصوصا النساء، وذلك عبر إقامة علاقات عاطفية مع الضحايا، أو من خلال القرصنة المباشرة للهواتف والحواسيب خاصتها، وما إن يحصلوا على تلك البيانات حتى يباشروا في ابتزاز الضحايا طلبا للتربح المالي.
حيل المبتزين
يعمد الكثير من المبتزين بداية إلى بناء علاقات عاطفية طويلة مع النساء الضحايا، بقصد كسب ثقتهن، ويقدّمون لهن وعودا مغرية بالزواج، والسفر إلى خارج اليمن، بغية استدراجهن للحصول على بياناتهن الشخصية، وهو ما يوقع الكثير منهن في حبالهم بسهولة، خصوصا الفتيات القاصرات المندفعات بشدة للانخراط في علاقات افتراضية، واللاتي يقعن -على إثر ذلك- في فخاخ الابتزاز بسهولة، وفق حديث عبد المعز.
يوافق فادي الأسودي - وهو متخصص في الأمن الرقمي- عبد المعز هذه النقطة، مشيرا إلى طرق أخرى، ويقول إن بيانات الضحايا تتسرب من خلالها إلى المبتزين، منها فقدان النساء لهواتفهن الشخصية في الأماكن العامة، والتي تصل أحيانا إلى أيدي المبتزين، واستراق صورا شخصية لنساء من حفلات أعراس عبر مجندات لهذا الفعل، إلى جانب الاختراقات المباشرة لهواتف وحواسيب مستخدمي الانترنت اليمنيين، الذين لا يملكون وعيا رقميا كافيا يجنبهم حيل شبكات الابتزاز.
يستخدم أكثر من ثمانية ملايين إنسان الانترنت في اليمن، ثلاثة مليون ونصف منهم يستخدمون "فيسبوك" الذي يأتي في الصدارة، ويليه "واتساب" ثم "تيك توك"، بحسب آخر تقرير صادر عن مؤسسة "Icon Digital Agency". ويعد الاستخدام العشوائي والخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي الناتج عن غياب الوعي الرقمي، أحد أبرز الأسباب التي تُعرض النساء لمخاطر الجرائم الإلكترونية.
الخوف نقطة ضعف الضحايا
تبين لنا أثناء العمل على هذا التحقيق أن الكثير من النساء الضحايا لهذه الظاهرة يستجبن لطلبات المبتزين بسهولة، ويرجع الأسودي أسباب ذلك إلى الخوف، خوف النسوة من إمكانية إنفاذ المبتزين لتهديداتهم بنشر بياناتهن الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي قد يتسبب لهن بفضائح قد لا تحمد عقابها.
يقول الأسودي في تصريحه لـ "الموقع بوست" "يعد المبتز الضحية بحذف بياناتها بعد استجابتها لأول طلب له، والذي يكون مالا أو أي شيء عيني آخر، لكنه يعود لابتزازها مرارا وتكرارا"، وهكذا يستمر الأمر في حلقة مفرغة حتى تصل الضحية إلى حد العجز، وتضطر لاتخاذ خيارات حاسمة لكسر تلك الحلقة، وهي خطوة لا تكون سهله.
ووفقا لحديثه، فإن الكثير من ضحايا الابتزاز اليمنيات تخشى ذويهن أكثر من المبتزين أنفسهم، لذا يفضلن حل مشكلات الابتزاز بمفردهن أو من خلال الاستعانة بصديقات لهن، ولا يُدخلن ذويهن في المسألة خشية من ردود أفعالهم القاسية، الأمر الذي يجعلهن وحيدات ومعزولات أمام المبتزين الذين يستغلون هذه النقطة، بل إن بعضهم يهدد الضحايا بإرسال صورهن إلى ذويهن كنوع من أنواع الضغط ضد الضحايا، وذلك بقصد إخضاعهن لطلباتهم.
تلعب العادات الاجتماعية وثقافة العيب دورا كبيرا في إنعاش "الابتزاز الإلكتروني" الموجه ضد النساء في اليمن، ذلك أنها تدينهن أكثر من المجرمين أنفسهم، فتتلقى الكثير من الضحايا العقاب من ذويهن والمَلامات من المجتمع في جرائم قد لا تكون لهن يدا فيها، ولا يسلمن من أذية ما، حتى لو كن بريئات، فهن المدانات على أي حال لمجرد كونهن نساء.
ويحدث أن يدفع مفهوم "الشرف" الرجال في بعض مناطق اليمن إلى قتل ذويهم من النساء إذا ما تعرضن لفضيحة جنسية، حتى لو تعلق الأمر بمجرد تسرب صورة لإحداهن على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الحساسية المفرطة في نظرة المجتمع إلى المرأة هي ما يساهم في اتساع ظاهرة "الابتزاز الإلكتروني" في اليمن.
المجتمع مساهم في القضية
في السياق، يرى الخبير في الأمن الرقمي، عصام القفاز، في حديث إلى "الموقع بوست "، أن حوادث "الابتزاز الإلكتروني" ليست سوى مشكلات كغيرها من المشكلات الأخرى القابلة للحلول، وأن ما يفاقم المشكلة ويجعل منها مأزق عصي، هو موقف المجتمع منها، وكذلك موقف الضحية.
ويؤكد أن أكثر ما يُخضع النساء الضحايا للمبتزين هو هلعهن أمام تهديداتهم، فخوفهن هو ما يتغذى عليه أولئك المُبتزون، بينما قد لا يتطلب الأمر أحيانا سوى بعض الشجاعة لينتهي كل شيء.
أهداف خبيثة
أما فيما يتعلق بالأهداف الكامنة خلف جرائم الابتزاز فيقول القفاز، إن المبتزين يسعون للحصول على جملة من الأهداف أبرزها، التربح المالي من الضحايا، وطلبات إقامة علاقات جنسية معهن أيضا، ويسعون أحيانا لاستخدام الضحايا النساء في الحصول على معلومات سرية عن مؤسسات ما، أو للإيقاع بشخصيات سياسية معينة، وإسقاطها لصالح التيار المعادي، وقد يعمل المُبتز على تجنيد الضحية مع جهة مضادة لتوجهه السياسي، ويُوظَف الابتزاز أيضا لإفساد علاقات أسرية أو اجتماعية ما.
يرى المتخصص في الأمن الرقمي، محمد بايزيد، أن هدف التجنيد السياسي لصالح جهة معادية هو أخطر أهداف ظاهرة "الابتزاز الرقمي"، ويليه الهدف الجنسي الذي يكبّل المرأة الضحية في حلقة مفرغة، ويدفعها للتورط أكثر في كل مرة تستجيب فيها لممارسة الجنس مع المبتز، وقد ينتهي بها الأمر إلى التنازل عن كل شيء، لذا يوصي كل الضحايا النساء بعدم التحفظ على الجرائم الرقمية اللاتي يتعرضن لها والمسارعة إلى طلب المساعدة وإخبار الأهل بالمشكلة.
أدوار غائبة
تدفع مشكلات كالتفكك الأسرى وانعدام الثقة بين أفراد العائلة الواحدة، وغياب الرقابة الأبوية الكثير من الفتيات إلى الانخراط في علاقات عشوائية على "الفضاء الرقمي"، الأمر الذي يضعهن في مرمى خطر الجرائم الرقمية، بحسب مستشار الصحة النفسية عبدا لله البعداني.
يقول البعداني، الذي يعمل مستشارا في الصحة النفسية بـ "مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري في صنعاء"، إن غياب دور الأب والأسرة والمجتمع، وغياب دور الدولة يساهم في تزايد أعداد ضحايا جرائم الابتزاز من النساء والفتيات، فالشابة التي لا تثق بأسرتها ولا بالدولة لإنجادها حينما تتعرض للجريمة تقرر المواجهة بمفردها، وذلك تحديدا ما يجعلها فريسة سهلة للمبتز.
ويوصي البعداني في حديثه مع الموقع بوست كل من قد يتعرض لجرائم الابتزاز بعدم الاستجابة للمبتز منذ البداية، والمسارعة إلى إخبار أحد الأقارب بالمشكلة، وضرورة مواصلة الفتاة التي قد تقع ضحية هذه الجريمة للممارسات والمهام الطبيعية المناطة بها في الحياة، قائلا، إن من شأن ذلك أن يرفع من المناعة النفسية لديها وينمي قدرتها على المقاومة، مشددا على ضرورة انخراط الضحايا -بعد انتهاء المشكلة- في عمليات إرشاد نفسي لمعالجة الآثار المترتبة على الجريمة اللاتي تعرضن لها.
أضرار نفسية واجتماعية
البعداني يدعو الأسر اليمنية إلى التعاطي المسؤول مع جرائم الابتزاز التي تتعرض لها بناتها، مشددا على ضرورة التعامل مع النساء الضحايا كضحايا فقط، وليس كمذنبات، والعمل على مساعدتهن وليس تأنيبهن ومعاقبتهن.
وتتسبب الجرائم الإلكترونية تلك بأضرار نفسية فادحة للنساء الضحايا، تشمل -بحسب البعداني- "الرهاب" و"القلق" و"الاكتئاب" و"اضطراب ما بعد الصدمة" و"الأرق"، وهي اضطرابات تشل حركة النساء الضحايا وتجعلهن غير قادرات على مواجهة المبتزين، كما قد يدفعهن إلى الانكفاء على الذات والتخلي عن العمل أو العلاقات الاجتماعية، وقد يتطور الأمر إلى حد التفكير في الانتحار حرفيا.
وهناك اضرار اجتماعية لهذه الجرائم أيضا، تطال الضحايا اللاتي تعرضن لفضائح مشهودة على وجه الخصوص، أبرزها فساد السُمعة وخسارة المستقبل الأسري والاجتماعي والمهني وقد تتعرض الضحية للنبذ وتتلاشى كل فرصها في الزواج والحياة الطبيعية.
توصيات وطرق الحماية
وفيما يتعلق بآلية المواجهة يوصي فادي الأسودي ضمن حديثه مع "الموقع بوست"، الضحايا بالقول: "اهدمي فاعلية الابتزاز منذ البداية، اجعلِ قيمته صفراء، لا تمنحِ المبتز شيئا، أخبريه أنكِ لستِ خائفا ولن يضرك ما سيفعله"، يضيف: "سوف يكرر المبتز محاولاته أكثر من مرة، لكن سينتهي به الأمر إلى الاستسلام"، وهي نقطة يتفق بشأنها جميع متخصصي الأمن الرقمي الذين تحدثنا إليهم.
أما محمد بايزيد فيقول إن طرق الحماية من الابتزاز تعتمد على مدى حرص المرء في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، والأدوات الرقمية التي يستخدمها.
ولضمان الوقاية من الجرائم الإلكترونية يوصي بايزيد، بجملة إرشادات يوجهها للمستخدمين، أبرزها، رفض قبول الصداقات المجهولة، واعتماد كلمات مرور صعبة، وتجنب مواقع الدردشة والتعارف والتطبيقات المشبوهة على الفضاء الرقمي، والتعامل بحذر مع مستخدمي العوالم الافتراضية، وتجنب إرسال الصور والبيانات الخاصة في مواقع التواصل، ورفض طلبات المحادثات، والحذر من زيارة المواقع الإباحية، منوّها بأن التساهل بشأن هذه الإجراءات يعرض سلامة المستخدمين لخطر تسرب البيانات ويجعلهم صيدا سهلا أمام المبتزين.
يدعو بايزيد الأسرة اليمنية إلى توعية أبنائها بشأن مخاطر الاستخدام العشوائي للوسائل الرقمية، حاثا إياها على ضرورة اعتماد إجراءات رقابة أبوية على استخدامهم للإنترنت، لضمان السلامة.
بدوره يدعو القفاز، الجهات الحكومية والخاصة وشركات الاتصالات والانترنت ووسائل الإعلام، إلى ضرورة توعيه اليمنيين بشأن إجراءات السلامة في الاستخدام الرقمي، وإرشادهم إلى الطرق المناسبة لمجابهة " الجرائم الرقمية".
إجراءات ضبط بدائية
يغيب الدور الحكومي المناط به تنفيذ إجراءات الرقابة والضبط المفترض اعتمادها لملاحقة الجريمة الإلكترونية على الانترنت في اليمن، وذلك بسبب تفكك الدولة وتعدد السلطات الحاكمة في البلد بفعل أزمة الصراع.
على الصعيد الأمني تبيّن لنا أنه لا يتم التعاطي بشكل فعال مع شكاوى "الابتزاز الرقمي"، وهو أمر ينطبق على مناطق نفوذ الحكومة اليمنية، والمنطق التي يسيطر عليها الحوثيين أيضا.
تواصلنا بمصدرين أمنيين، أحدهما في قسم التحريات بوحدة البحث الجنائي بمحافظة تعز التي تديرها الحكومة اليمنية، والآخر في الدائرة العامة لحماية الأسرة بوزارة الداخلية التابعة لحكومة الحوثيين في صنعاء (غير معترف بها دوليا)، لمعرفة كيفية تعاطي الجهات الأمنية مع شكاوى جرائم "الابتزاز الإلكتروني" التي تصلها من المواطنين، وتبين أن كلا السلطتان تعتمدان إجراءات بدائية غير حاسمة في التعاطي مع هذه المشكلات، بل وتفتقران إلى وسائل الضبط الحديثة المتخصصة في كبح هذا النوع من الجرائم.
غياب التشريعات القانونية
وتعود صعوبة مكافحة الجريمة الإلكترونية في اليمن لأسباب كثيرة أبرزها انهيار منظومة الدولة وغياب التشريعات القانونية المتخصصة، حيث يتم التعامل مع هذ قضايا هذا النوع من الجرائم وفق القواعد التقليدية للقانون الجنائي اليمني، وهي قواعد غير فعالة في التعاطي مع جرائم كالابتزاز الإلكتروني.
تؤكد المحامية ورئيسة مؤسسة "دفاع للحقوق والحريات" هدى الصراري، في حديث لـ "الموقع بوست"، أن الدستور اليمني يخلو من التشريعات المتخصصة في كبح "الجرائم الإلكترونية" داعية الدولة إلى المسارعة في سن قانون لمكافحة هذا النوع من الجرائم.
تبيّن لنا أيضا خلال العمل على هذا التحقيق، أن الكثير من مشكلات "الابتزاز الإلكتروني" في اليمن يتم حلها إما فرديا، أو من خلال الاستعانة ببعض الأصدقاء، ولا يتم الاستعانة بالجهات الأمنية إلا بشكل نادر.
وتستمر معاناة الآلاف من النساء اليمنيات اللاتي يتحفظن عن الإفصاح بشأن جرائم "الابتزاز الإلكتروني" اللاتي يتعرضن لها، وذلك بفعل خشيتهن من الآثار المترتبة على ذلك، وهو ما يدعهن معزولات ووحيدات في مواجهة واحدة من أبشع جرائم العصر الحديث والتي تحدث على الفضاءات الرقمية.