سفير المسرح اليمني وصانع السينما اليمنية الحديثة ومخرج مسرحية شكسبير وعشرة أيام قبل الزفة
المخرج عمرو جمال.. من القصص القصيرة بالمدرسة إلى مسرحيات وأفلام عالمية (وجوه يمنية - بودكاست)
- حوار – أمان زيد الخميس, 26 يناير, 2023 - 03:20 مساءً
المخرج عمرو جمال.. من القصص القصيرة بالمدرسة إلى مسرحيات وأفلام عالمية (وجوه يمنية - بودكاست)

[ تحدث المخرج عمرو جمال عن عدة قضايا في الفن والمسرح ]

الحوار مع المخرج عمرو جمال يأخذك إلى عوالم بعيدة، تجتمع فيها الذات، وروح التحدي، والمثابرة، وشغف العمل، وقوة الإرادة، وجميعها تظافرت في هذه الشخصية التي استطاعت أن تحفر في الصلب، لتخرج إلى النور، وتضرب موعدا مع النجاح، في داخل اليمن، بل وعلى المستوى الدولي، رغم الصعوبات والعوائق والتحديات التي واجهته.

 

يسرد جمال مسيرته من الصفر، وينقلك مع محطات حياته، ابتداء من ساحة المدرسة، مرورا بالأحلام البسيطة، وانتهاء بالنجاح المحلي الواسع، والحضور الدولي، ويأخذك في ثنايا ذلك داخل مسرحياته، وأعماله التلفزيونية، وأفلامه، وتجد نفسك مع نموذج مميز لواحد من أبرز الشخصيات اليمنية المؤثرة.

 

في أول حلقة من سلسلة "وجوه يمنية" يحاور الموقع بوست عمرو جمال، في حلقة ثرية عن صناعة المسرح والأفلاح في اليمن، وعن تجربته الشخصية، وقصة مسرحية "شكسبير" التي قدمها مؤخرا، وفيلم "عشرة أيام قبل الزفة"، وأعماله القادمة.

 

تنشر الحلقة هنا في هذه المادة، وتنشر في نفس الوقت بمنصات البودكاست الخاصة بالموقع بوست، وكذلك في قناتنا على يوتيوب، وصفحتنا في فيسبوك.

 

نص الحوار:

 

* بداية عمرو حدثنا عن البدايات الأولى في صناعة الأفلام، وكيف وجدتم الشغف في تقديم وصناعة الأفلام في اليمن؟

 

** كالعادة أغلب الناس والفنانين يبدأ ظهور الشغف عندهم من مرحلة الطفولة والمدرسة، في أشياء كثيرة متنوعة، إلى أن يجد طريقه، ولكن أن يكون كل تجاربه تقوده اتجاه الفن، يعني الواحد يبدأ يرسم، ويكتب شعر، وبعدين يكتب قصة قصيرة، وبعدين يلف ويدور يعمل مسرح حتى وصوله للوجهة الاساسية التي تدفعه كل الخيارات.

 

بالنسبة لي شخصيا بدايتي كانت مع كتابة القصة القصيرة، والشعر، والمقالات في المدرسة، ثم خطوة خطوة كنتُ أرسم صور مصورة، وكان واضح فكرة كتابة الاشياء التي تحكي قصة مرئية هو ما كنت اتجه نحوه.

 

في المرحلة الثانوية، كان ينتشر مهرجان المسرح المدرسي في التسعينات على مستوى الجمهورية، فمدرستنا لم يكن عندها فريق مسرحي، وذات مرة استدعاني مدير المدرسة، وقال لي أنت تكتب منذ سنوات قصص قصيرة، وتعد قصص مصورة، وأشياء مختلفة وتحوز على جوائز وهكذا، فلماذا ما تفكر تعمل للمدرسة فرقة مسرحية؟ فلمعت الفكرة في رأسي، وكأني وجدت ضالتي، وبدأت أفكر كيف ممكن أنك تبدأ تعمل قصص متحركة بأفراد وأشخاص يحكوا قصة؟ هذا بجانب أنه كان عشقي للسينما متواصل منذ طفولتي، كنت مدمن على مشاهدة الأفلام ومنبهر فيها، سوأ أفلام كرتون، والأفلام القديمة الأبيض والأسود المصرية، لكن ما كانت متوقع أن هذا الشيء ممكن التحقيق.

 

 

ممكن نداء مدير المدرسة هو الذي جعل الأمر أمامي أنها خطوة لازم اتخاذها، وفعلا كتبتُ مسرحية، وأحضرتُ الطلاب زملائي، وعملنا المسرحية، وشاركنا فيها في مهرجان المسرح المدرسي، ونجحت وفزنا على مستوى المحافظة، وسافرنا إلى صنعاء وحصلنا على جوائز، وتكرر الأمر لسنتين على التوالي.

 

*هل مثل هذا لك دافعا لاتخاذ الخطوة الأولى؟

 

**حينها بدأت الأمور تتضح، وأن الأمر ليس صعبا، وإذا عزمت أنك تخطو الخطوة، يمكن كان الأمر يحتاج دفعة، وهذا أحيانا تلعبه المدرسة في التوقيت الصحيح، وعندما كانت المدرسة حقيقة تلعب هذا الدور، وعندما يكون لديك مدير مدرسة نبيه، وكان مدير مدرستي الراحل عمر السيد، كان يتمتع بهذا الشغف والحرص على التميز، وحريص على إيجاد مدرسته متميزة، ويدفع طلابه باتجاه التميز.

 

ومع الوقت، كان حلم السينما موجود، ولكن بدأ المسرح يفتح أبوابه، وبدأنا نحقق أشياء على المسرح، ومع الأيام أيضا شكلنا فرقة خليج عدن المسرحية، وبدأنا نعرض في أماكن مختلفة، منها "اسكتشات" قصيرة، إلى أن قادتنا الاحلام والظروف إلى حضور مهرجان ليالي عدن المسرحي عام 2004، وشاهدنا الفرق المحترفة التي للأسف توقفت تدريجيا عن العمل، لأسباب كثيرة، منها سياسية، وتبعات الحرب في عام 94، لكن هنا ليس مجال للحديث عنها حاليا.

 

شاهدنا آخر عروضهم، وفكرنا لماذا لا نخرج من "الاسكتشات" القصيرة، ونبدأ العمل على مسرح حقيقي، ورواية قصة كاملة.

 

*نعم، أوجه لك السؤال هنا: لماذا لم تخرجوا من "الاسكتشات" القصيرة، وهل ألهمكم هذا لمسرح حقيقي؟

 

**كتبنا حينها "عائلة دوت كم"، وقمنا بالمشاركة بها في مهرجان ليالي عدن المسرحية 2005، وقُدمت في قاعة فلسطين بمدينة عدن نجاح كبير جدا، وكان هناك تصفيق حاد جدا، ويمكن لآنه كان هناك صوت جديد قادم، وروح جديدة شبابية بعيدا عن النمط المتعارف عليه، وهذا حفزنا لعدم التوقف عند مهرجان ليالي عدن، ونبحث عن طريقة لتقديم هذا العمل جماهيريا للجمهور، وفعلا بدأت رحلتنا.

 

وبالنسبة لعدن كانت معروفة بعروضها الكثيرة، وآخر مسرحية عرضت كانت في العام 95 أو بداية 96، وبعد ذلك توقفت بعد سحب المسرح الوطني، وإغلاق المسارح في عدن حينها.

 

 

بعد مشاهدتنا للنجاح الكبير في المهرجان عملنا على مسرحية "عائلة دوت كوم"، ونقوم بعرضها جماهيريا في كل مكان بعدن، إلى أن قادتنا الأقدار إلى سينما "هريكن"، وهي سينما عريقة، وأول سينما في الجزيرة العربية، وهناك اكتشفنا أن لديهم "استيج" لا بأس به، وتتسع لنحو 800 شخص، وطلبنا أن نستأجر هذا المسرح، وكان لدينا ميزانية وفرناها من أعمال "الاسكتشات" القصيرة التي كنا ننتجها خلال الأعوام السابقة، وفعلا تحمسوا معانا، وبدأنا نعرض جماهيريا، ومن أول يوم كان هناك نجاح كبير جدا، انسحب النجاح على نفسه، وكل عمل مسرحي يجيب عمل مسرحي آخر.

 

*ما أبرز محطة في هذه المسيرة بالنسبة لك؟

 

يمكن أبرز محطة كانت هي محطة مسرحية "معك نازل"، التي هي اقتباس من مسرحية البانية الخط رقم واحد، والتي حققت نجاح كبير في عدن وصنعاء، ومن نجاحها قرر البيت الألماني في اليمن أن يأخذ الفرقة وتعرض في برلين، وفعلا أخذت الفرقة كاملة قرابة 25 شخص عام 2010، وعرضنا عرضين في برلين، في مسرح "جربس" الذي هو المسرح المالك لحقوق النص المسرحي الأصلي، الخط رقم واحد، وبحضور المؤلف الأصلي، وفي اليوم الذي وصلنا فيه كانت التذاكر قد بيعت بالكامل، وعرضنا المسرحية التي حققت نجاح كبير.

 

من هنا بدأ أيضا التلفزيون يغازلني شخصيا فبدأت رغم أني لست محبا للتلفزيون، ولكن قلت لنفسي طالما فتح التلفزيون أبوابه هذا يعني أن الأمر يتطلب كاميرا، وصوت، وبوم، وإضاءة، يعني هذه خطوة أولى، وأنت لم تتوفر لك فرصة لدراسة السينما، فهذه فرصة أولى لكي تبدأ تتعلم بنفسك مثل ما علمت نفسك المسرح، وتعلم نفسك كيف تتعامل مع الانتاج التلفزيوني، الذي هو القريب نوعا ما من الانتاج السينمائي، من حيث الأدوات المستخدمة، وبدأتُ رحلة التلفزيون مع قناة السعيدة برنامج "على الماشي" ومسلسل "أصحاب" و"فرصة أخيرة" و"أبواب مغلقة" و"حافة الانس"، إلى أن اكتفيت وجاء الوقت للسينما.

 

 

فكانت القصص القصيرة بالمدرسة هي من قادتنا إلى المسرح، وثم التلفزيون، وعشقت المسرح، ومازلت أعشقه، وما كان هدفي الأساسي والآن أصبح منتهى أحلامي في المسرح، وتعرفتُ على إدارة الممثل، كيف أنك تدير الممثل وتضبط إيقاع التنفيذ؟

 

*هذا يعني أن بداياتك الأولى كانت من المسرح نحو التلفزيون، والانطلاق بشكل أوسع؟

 

** نعم، المسرح فتح الأفق أمامي نحو التلفزيون، والتلفزيون جعلنا نتعامل مع كل الأدوات التي تتشابه مع الأدوات الخاصة بالسينما، وقررتُ في لحظة ما مع الصديق محسن الخليفي، الذي دفعني أيضا إلى أن أبدأ الخطوة التي كنتُ أجلها كثيرا، وقال لي حينها خلاص جاء الوقت للسينما، فأنا طالما عندي كل المفاتيح الممكنة، وكيف نستطيع إدارة إنتاج عمل سينمائي وبدأنا بإنتاج عشر أيام قبل الزفة.

 

وبعد عشرة أيام قبل الزفة ليس كما قبله، تغيرت الكثير من الأشياء في حياتي، وفتحت الكثير من الأبواب وأصبح أمامي المستحيل ليس مستحيلا، وأنه من الممكن بالإصرار أنك وبطريقة ما تقدر أن تصنع السينما المستقلة بأبسط الامكانيات.

 

انطلق الفلم، ونجح نجاحا باهرا غير متوقع في عدن، واستمر عرضة ثمانية أشهر، حضرها نصف المدينة، وحضرها الكثير من الناس من المحافظات، التي كانت تزور عدن في طريقها كترانزيت للمطار، وأصبح ترند كبير جدا، ثم انطلق الفيلم في المهرجانات الدولية والعربية، والكثير من الجامعات حول العالم، جميعها عرضت الفيلم، وبدأنا نطوف معه.

 

وفتح هذا الفلم أفاق أخرى أكبر، بحيث استطعنا أن نقدم على انتاج فلمنا التالي "المرهقون"، وهذه المرة بميزانية أكبر، وبمحترفين أكثر، وكان كل باب يفتح باب آخر، وفي هذا الفلم الأخير شاركت فيه تسع جنسيات.

 

الذي أحب أن أقوله، إن حلم السنة لم يتحقق بلحظة، بل عبارة عن تراكم، وسنين، وصبر، واجتهاد، وأداء أعمال مختلفة في حفلات، وملاهي، ومنتجعات، إلى المسرح، ثم إلى التلفزيون، وليس بطريقة السهلة، واذا أنت تحب شيء تصبر وستصل.

 

 

*أكثر شيء يلفت الانتباه في عملكم أنكم تعملون بخبرة بهوليود بشكل عام، وما أريد قوله هنا هل لديكم توجه في تأهيل الشباب اليمني، وإيجاد وجوه جديدة في السينما والمسرح؟

 

**الوجه الجديد يفرض نفسه، والعمل يحتاج دائما لدماء جديدة، وإذا لم يتجدد دم العمل التلفزيوني المسرحي والسينمائي، ستبقى الأمور راكدة، ويبقى العمل باهت أو يغرق بالتقليدية.

 

بالطبع الخبرة والفنانين الكبار هؤلاء يعطون الألق دائما لكل الأعمال الفنية، لأنه وجودهم وحضورهم ليس نتاج يوم أو يومين، بل نتاج عمل جاد استمر لسنوات طويلة، لكن أنت بشكل لاإرادي تلاقى نفسك محتاج دائما لاحد جديدا، ودائما الكبار هم الذين يعطون للجدد من خبرتهم ونصائحهم ورحلتهم، ويعلموهم كيف يكونوا أفضل بالتأكيد.

 

ونحن نتعلم أيضا من الوجوه الجديدة نشاطهم ونأخذ منهم اللحظات الأولى، وهو عمل تكاملي، لكن أنا حريص أنه لا يوجد عمل مر بحياتي سواء التسع المسرحيات التي قدمتها، والخمس أو ست مسلسلات الذين عملتهم، أو الفلمين، من غير ما يكون معي وجوه جديدة، وهذا الشيء مهم بالنسبة لي.

 

 

أنا فخور دائما، فهناك شعور رائع بالانتصار ولذته، وعندما تحقق نجاحا مع شخص جديد، الناس تثني على ذلك، وكأن له سنين يعمل، وهذا الشعور بقدر ما يفرح الممثل الجديد، أو أي أحد من الفنيين الجدد سواء في الكتابة أو الإضاءة أو الصوت والديكور، يفرحنا أنا شخصيا، وهو انتصار مشترك له ولي، وللساحة الفنية المحلية الذي يثريها بشكل غير مباشر بالشخصيات.

 

وهناك ناس كثير بدأوا من خليج عدن، ويمكن أنها الآن ليست مهتمة كثيرا بالتفاصيل، لكن كثير من الناس الذي ظهروا من خليج عدن هم الآن موجودين في الساحة الفنية، ويقدمون الأعمال الناجحة، التي يشاهدها الناس في رمضان، وفي أوقات مختلفة، وهذا شيء مهم جدا، أنك تجدد في الوجوه، وتصنع وجوه جديد.

 

* هذه نقطة تحسب لكم، والموضوع هذا ثري جدا، ومع ذلك لماذا ظلت الأعمال الفنية اليمنية محصورة في اليمن لماذا لا تخرج إلى نطاق أوسع؟

 

** أنا بالنسبة لي، فكرة خروج العمل إلى الخارج هو تحصيل حاصل، لكن بالأساس العمل يجب أن يكون موجة للمجتمع الذي خرجت منه، بمعنى أن تحوز على إعجاب وتقدير جمهورك المحلي الذي هو أهم شيء على الإطلاق وهو نجاح كبير على الإطلاق.

 

صحيح أننا نحب أن يشاهد العالم ما ننتج، ولكن يجب أن يكون الفنان ابن بيئته، وأن يكون حتى لو قدم أعمال فيها شكل من أشكال التعقيد، أو نوع من أنواع الأعمال الفنية التي قدمتها أن تكون جماهيرية 100%، لكن يجب أن تكون موجهة  لهذا المجتمع، و إذا كنا ناجحين في مجتمعنا فهذا شيء له قيمة جدا، ثم بعد ذلك ممكن نفكر بجانب هذا النجاح المحلي، أن يكون هناك حضور دولي، نحن نحب أن تظهر بلدنا في المشهد الإبداعي العالمي حتى يشاهد الأخرين ثقافتنا وتراثنا ومواهبنا، وكل التفاصيل التي نحب أن يشاهدها العالم، ونفتخر بها أمام العالم.

 

فعلى سبيل المثال الراحل نجيب محفوظ أعماله المحلية هي التي أوصلته إلى العالمية، الناس في أعمال نجيب محفوظ شاهدت مجتمع ليسوا متعودين مشاهدة قصص عنه، والعالم كله محب للاستكشاف، وهنا نسال سؤال ما هي العالمية في أعمال نجيب محفوظ وغيره من الفنانين الذين استطاعوا أن يكسروا الحاجز، والجواب يتمثل بأن أعماله حتى وإن كانت شديدة المحلية، لكن هناك مضمون عالمي يمس كل إنسان في العالم، وفي تفاصيل معينه تخاطب النفس البشرية أيا كانت جنسيتها، وفي أي مكان بالعالم، وأحيانا هناك غرق شديد في المحلية التي من الصعب أن يتفهمها الاخرون في كثير من الجزئيات، ويمكن أن تلعب الإفيهات والنكات والاستسهال في الكتابة دورا كبيرا.

 

 

إذا قدمنا نفس المضامين المحلية، ومشاكلنا المحلية ولكن دون استسهال، ودون استبساط وتهريج وغرق في الميلودرامية التقليدية التي عفى عنها الزمن سننجح وسنصل الى الخارج، وهذا الأمر يحتاج جهد وثقافة، ومنظومه تتعامل بالاحترافية، ويكون عندنا طموح كبير، وأن تكون اعمالنا المحلية نابعة من مجتمعنا، وقصصنا وحكايتنا وملابسنا وتراثنا سوف نصل للعالمية، فقط نحتاج جدية وثقافة، وإصرار، وعدم استسهال، ونأخذ كل عناصر العمل السينمائي والفني علي محمل الجد، والتراث اليمني المحلي القصصي جميل ومتفرد وكثير وممكن أن يجتاح العالم.

 

ندما قدمتم مسرحية "شكسبير" على الواقع اليمني، هل شعرتم بوجود فارق ثقافي ما بين البلدين بريطانيا واليمن، والفكرة التي أحببتم توصيلها، كيف تم الأمر معكم؟

 

**نحن لم نحول مسرحية شكسبير إلى عمل محلي، نحن تعملنا مع هذا النص التعامل الكلاسيكي، وأن تأخذ النص كما هو وتقدمه بشكله الكلاسيكي ومسمياته، ومكان حدوث الأحداث، ليس كما حصل مع مسرحية أنا نازل تم تغيير الاحداث كليا، وكذلك كل الأسماء والشخصيات تحولت إلى شخصيات وأسماء محلية.

 

الشيء الوحيد الذي حافظنا عليه وعملناه بالشكل المحلي هو أنه قمنا بترجمة النص باللهجة العدنية، وليس باللغة العربية الفصحى، الذي جرت العادة أن الأعمال العالمية عندما تحولها للغة أخرى، يجب أن تقدمها باللغة الفصحى، لكن نحن أصررنا أن تكون باللهجة العدنية، تأكيدا منا أن اللهجة المحلية قادرة على تقديم الأعمال الأدبية الكبيرة، وأنها ثرية وغنية، ولا تقلل من قيمة النص الأدبي، وهذا تحدي أحببنا أن نخوضه، لكن العمل بقي كما هو.

 

شكسبير عاش كل هذه القرون لسبب شديد الأهمية، هو أنه كل المضامين التي طرحها في أعماله هي مضامين تمس الانسان في أي مكان في العالم، وليس مواضيع خاصة فقط لمجتمع واحد، تدور أحداثه حول الحب والحقد والغيرة والطمع والحسد والسلطة والصراع حول السلطة، وأشياء كثيرة عن العلاقات الأسرية الأب وأبنائه.

 

 

هي أشياء ممكن على مر العصور أن تتكرر بشكل أو بأخر، وهذه هي عظمة شكسبير والأدب العالمي، أياً كانت جنسيته، يستطيع أن يعبر الزمن، لأن مواضيعه تمس الناس بأي مكان، وأن كان قالبه محلي، تستطيع أن تعرف ذلك من خلال القصة.

 

وخلال عامين عملنا على هذه المسرحية، وكان لتا تواصل مع المركز الثقافي البريطاني، الذي وفر لنا التواصل مباشرة مع مسرح شكسبير في لندن، ومسرح فولكان بولز، وكانت عامين من العمل الجاد مع خبراء مسرحيين في شتى المجالات.

 

كنا نحصل على دورات أسبوعية عبر الأنترنت في النص والديكور والملابس مع الممثلين والإكسسوارات، ومع مسؤولين في الإخراج، كل التفاصيل حتى في تفاصيل التصاميم للبوسترات، وطوال العامين تواصلت النقاشات الأسبوعية الثرية والجميلة التي أدت بالأخير إلى أن نقدم هذا العمل بصورة آمل أن نكون وفقنا فيها، والكتابة أخذت منا وقتا طويلا، والبروفات استغرقت ما يقارب خمسة أشهر.

 

*كيف كانت رحلتكم مع فلم "عشرة أيام قبل الزفة"؟

 

**عشرة أيام قبل الزفة هي رحلة أستطيع أن أصفها بالمجنونة، أجلنا الخطوة كثيرا، ليس لكونها مستحيلة، ولكن حصل ظرف في عام 2018، وكان هناك عمل تلفزيوني المفترض أن أعمل عليه، لكن توقف هذا العمل بشكل مجحف، فأثار الأمر عندي غضب لأنه تم تجاهل مجهود كبير استمر لثمانية أشهر، وتم رميه دون اكتراث لمشاعر الناس، وأغضبني هذا التعامل، وهذا الغضب ولد عندي طاقة وقناعة، مفادها طالما أنك لا تحب التلفزيون، وهو ليس مكانك، فلماذا لا تقفز باتجاه حلمك.

 

عرفت من التلفزيون كل التفاصيل، والكاميرا، وكيف تتعامل مع المهندسين، من الصوت والمونتير، وكيف تتعامل مع الممثلين، وكان صديقي محسن وهو شريكي في إنتاج الفلم يحفزنا من هذا المنطلق، يقول لي اخطو الخطوة الأولى، مثلما خطيت خطوة المسرح زمان، وكان الناس يقولون لك إنها صعبة، وانت عملتها، لذلك أعمل الفلم.

 

 

وفعلا بدأنا ننتج الفلم/ ونكتب ونجهزه ونبحث عن رعاة، والرعاة السابقين الذين وقفوا معانا بالمسرح ساعدونا نوعا ما في مبلغ معقول، وأتينا بكل العناصر التي نعرفها بمنتهى البراءة، وبدأنا نتساءل عن مكان العرض، وعثرنا على قاعتين في عدن، بمكيفات ومدرجات، وبنينا من الخشب شاشات، وأطليناها باللون الأبيض، بعدما وضعنا لها إسمنت لتتماسك الخشبة، واشترينا بروجكتر رخيصHD، وبدأنا نعرض، وكنا غير متوقعين شيء كبير، وفجأة انفجر الامر وأصبح نجاح كبير جدا.

 

النجاح الكبير المحلي بدأ يلفت الأنظار، وانتباه بعض المهرجانات البسيطة في الخارج لكي نشارك، وفعلا استدعينا لمجموعة من المهرجانات، وبدأ الأمر يكبر من مهرجان إلى آخر، وبدأت جامعات محترمة حول العالم تطالب بعرض الفلم دون توقف، وكل أسبوع كان عندنا عرض بجامعة لطلاب السينما، ومن فكرة بسيطة لحظة غضب تحولت إلى طاقة إيجابية إلى هذا العمل كله.

 

*ماذا عن الأوسكار، هل ترشح فيلم عشرة أيام قبل الزفة لهذه الجائزة؟

 

**بالنسبة للأوسكار، الفلم لم يترشح لهذه الجائزة، وكل دولة من حقها ترشيح فلم ليمثلها في الاوسكار، واليمن اختارت عشرة أيام قبل الزفة، ثم أنهينا المرحلة الأولى بإمكانيات بسيطة، والأكاديميات تقبل أن يدخل ضمن جائزة أفضل فلم أجنبي، فهذا كان أمر جيد بالنسبة لفلم جرى تجهيزه ببساطة، دون أن يكون تتوفر لديه إمكانات كافية لصناعة فلم بالجودة المتعارف عليها، لكن طلع العمل الذي قدمناه جيد.

 

ونجاح فيلم "عشرة أيام قبل الزفة" هو عبارة عن نجاح معقول، ومنحنا الأمل عندما فكرنا بإنتاج الفيلم الثاني، وأصبح لدينا صوت مسموع، ونستطيع من خلاله أن نطلب ميزانية أكبر، وتمكنا من جلب خبراء أجانب معنا، فالمصور من الهند، ومهندسي الصوت من بريطانيا ولبنان، أيضا المونتاج، وفيلم "المرهقون" حصل على كثير من المهرجانات الكبيرة بعدما شاهدوا النص الأولي، وأعطونا الفرص للمونتاج في مصر، والصوت في لبنان، والتلوين في تشيك، ودخلت معانا عدة جهات أخرى من السودان، والسعودية، ومن أماكن كثيرة مشاركة في الإنتاج، ويجري حاليا الانتهاء من الفيلم، ويمكن أن يعرض في الأول في فبراير القادم، ضمن فعاليات مهرجان برلين السينمائي الدولي، وهو مهرجان "إلست"، وهذا انتصار كبير لنا شخصيا، واعتقد للسينما العربية والمحلية، في أن يعرض فلم بمهرجان برلين الذي يعد واحد من أكبر ثلاثة مهرجانات في العالم، ويتسابق إلى العرض فيه كل صناع السينما حول العالم، وهو يعد نجاحا باهرا، وتحقيق لحملنا، وقفزة كبيرة في مسيرتنا.

 

كيف ترون السينما اليمنية في المستقبل؟

 

**من الواضح أن السينما في اليمن تمضي في اتجاه جيد للغاية، وألاحظ أن هناك عدد كبير جدا من الشباب يقدمون أفلام قصيرة، وفن الافلام القصيرة فن شديد الأهمية والصعوبة أيضا، وأحيانا تلاقى مخرج يعمل أفلام طويلة جيدة، ولا يعرف إخراج فلم قصير، لأن فكرة تكثيف المضمون في توقيت قصير، وبشكل متماسك ومتكامل ويحكي فكرة ويعرض صورة، أمر ليس بسيط، وهو منتشر بشكل كبير ومبدع فيه عدد كبير من الشباب في البلد، وهذا يبشر بمستقبل جيد للسينما، والناس التي تنتج أفلام قصيرة هم نواه لحركة سينمائية روائية طويلة، وبالإمكان أن يكونوا مخرجين لأفلام طويلة ممتازة.

 

وهناك أعمال مبشرة حاليا، وأعرف أيضا فلمين يمنيين قيد الإنتاج الآن، وسيبدأ التصوير قريبا لفلم طويل، وفلم اخر سيبدأ تصويره أيضا، وبالنسبة للمسرح يتعافى لحد ما، لأنه صعب قليلا، وهناك بنية تحتية متهالكة، ولكن أيضا هناك تجارب متعددة، وهذه التجارب الموجودة تعطي أمل للحياة بين الحين والاخر للمسرح، إلى أن تتعدل الأوضاع، ويوقف على رجليه مرة أخرى.

 

 

بالنسبة لنصيحتي للشباب، فأنصحهم ألا يقولون هناك شيء صعب، لو انت مُصر تستطيع أن تنتج فلما، وزمان كان ممكن أصعب بكثير عندما كنت تحتاج لكاميرا معينة، وأشرطة تسجيل سينمائي مكلفة، وأمور معقدة للغاية، لكن حاليا أنت ممكن تصنع فلمك القصير الذي يلفت الانتباه لك من جوالك، ابدأ وكل خطوة ستأتي بخطوة أخرى.

 

انت لو قدرت تثبت نفسك بإمكانيات بسيطة، وبشيء متماسك لاحقا ستحقق الكثير، العالم أصبح أبواب ونوافذ مفتوحة وعبر الإنترنت تقدر تقدم لكل الفرص، وصناديق الدعم حول العالم، وهناك الكثير من الجهات التي لو شاهدت أن عملك جيد، فبإمكانها أن تقدم الدعم لعملك الثاني والثالث والرابع، الأمر يحتاج إلى اصرار وبحث وعمل دؤوب، وقراءة للمتاح لك، وبوابات العالم اليوم لم تعد مغلقة كما كان في السابق.


التعليقات