المتابع للوسائل الإعلامية المختلفة التابعة للانقلابيين في اليمن سيجد أنها تروج لثقافة الكراهية والطائفية، وتمارس الدعاية السوداء ضد الخصوم السياسيين بشكل يهدد النسيج الاجتماعي للوطن، ويسهم في تعميق الانقسامات والثأرات التي ستخلفها الحرب لسنوات عديدة.
كما تتعمد هذه الوسائل الكذب المبالغ فيه فيما يتعلق بتغطيتها للمعارك في مختلف الجبهات، بشكل يربك الرأي العام، ويؤثر في توجهاته، وخاصة البسطاء والأميين الذين يسهل حشدهم إلى ساحات القتال تحت تأثير التضليل الإعلامي المدروس بدقة.
ومنذ بداية الحرب، عمد الانقلابيون إلى إغلاق مختلف وسائل الإعلام التابعة لخصومهم السياسيين، كما أغلقوا وسائل الإعلام المستقلة التي لا تدور في فلكهم، وبدؤوا بحملة مطاردة واعتقالات للصحفيين، ويقبع في سجونهم عدد منهم، والآخرون مشتتون داخل البلاد وخارجها هروباً من استبدادهم، وذلك ليخلوا لهم الجو ليمارسوا التضليل الإعلامي بأريحية كاملة.
التشيّع والطائفية
بدأ الترويج للتشيع والطائفية في إعلام الانقلابيين، وتحديداً الإعلام التابع للحوثيين، بشكل صريح بعد أشهر قليلة من بدء عملية "عاصفة الحزم"، لكنه كان بشكل محدود، ثم ازداد بشكل تدريجي حتى وصل إلى ذروته في الوقت الحالي.
والملفت أن الترويج للتشيع ينحصر في وسائل الإعلام الموجهة نحو الداخل فقط، مثل الصحف والإذاعات المحلية عبر موجات الإف إم. أما وسائل الإعلام التي من الممكن متابعتها خارج البلاد، مثل القنوات الفضائية ومواقع الانترنت، فالترويج للتشيع فيها يتم بشكل نادر ومحدود جداً.
لقد ازدادات في الآونة الأخيرة البرامج الإذاعية المخصصة للحديث عن مآثر من يطلقون عليهم "آل البيت"، وحكي القصص المبالغ فيها عنهم، والحديث عن بطولاتهم وأخلاقهم والظلم الذي تعرضوا له على يد بني أمية ومن يطلقون عليهم "النواصب" وغيرهم، إضافة إلى التواشيح الدينية التي تتغنى بآل البيت، وتدعو إلى محبتهم.
كما أن الترويج للتشيع ازداد كثيراً عبر منابر المساجد، حيث استحوذ الانقلابيون على غالبية المساجد في المناطق التي سيطروا عليها، خاصة في العاصمة صنعاء، وقاموا بتغيير الخطباء بآخرين ممن ينتمون لهم، كما أجبروا بقية الخطباء بالتحدث عن آل البيت، ووزعوا عليهم كتيبات تتناول قصصهم وتاريخهم ومقولاتهم، وطلبوا منهم عرضها في خطب الجمعة، علماً أن من تبقى من الخطباء الذين لا ينتمون لهم سببه عدم وجود العدد الكافي من الخطباء الموالون لهم ليوزعوهم على بقية المساجد.
التشيع والطائفية شملت حتى سياسة حجب المواقع الإخبارية عبر الانترنت، فمثلاً، المواقع الإخبارية التابعة للسنة في لبنان، وأيضاً التابعة للمسيحيين اللبنانيين الموالين لتيار المستقبل، جميعها محجوبة في اليمن، فيما المواقع التابعة للشيعة (حزب الله)، وأيضاً المواقع التابعة للمسيحيين اللبنانيين الموالين للشيعة، جميعها غير محجوبة، رغم أن اليمنيين لا يتابعون وسائل الإعلام اللبنانية ولا يهتمون بالشأن اللبناني.
دعاية سوداء
يمارس إعلام الانقلابيين الدعاية السوداء ضد الخصوم السياسيين، من خلال اختلاق الأكاذيب، والترويج للأخبار الخاطئة التي تستهدف الخصوم، وإلصاق مختلف التهم بهم، مثل "عملاء"، و"مرتزقة"، و"منافقين"، و"دواعش"، بالإضافة إلى إشاعة البلبلة، وارتكاب جرائم ضد المدنيين والإدعاء أن دول التحالف العربي هي من ارتكبتها، ونشر جانب من الحقائق وإخفاء الجانب الآخر أو تشويهه بما يخدم الانقلاب، وتغيير الحقائق والأرقام والتروج للأكاذيب حتى يصدقها الناس ويؤمنوا بها.
في الأصل أن الدعاية السوداء تقوم بها أجهزة المخابرات والعملاء السريين وتستهدف المجتمع مباشرة، ويتم التكتم على مصادرها الحقيقية، ولا تبث عبر وسائل الإعلام، لكن بالنسبة للانقلابيين فهم يمارسون الدعاية السوداء عبر وسائل الإعلام وأيضاً عبر المخابرات والعملاء السريين، لكن الشائعات الأكثر وقاحة لا يتم بثها عبر وسائل الإعلام.
ومن أمثلة ذلك، إذا ظهرت شائعة جديدة تستهدف خصوم الانقلابيين وسمعها أي مواطن في العاصمة صنعاء، ثم سافر إلى قريته النائية في محافظة أخرى في نفس اليوم، سيجد أن هذه الشائعة قد سبقته إلى قريته، وأن مؤيدي الانقلاب يرددونها كما هي، وهذا يؤكد أن المخابرات التابعة للمخلوع علي صالح والعملاء السريين يقومون بمهمة قذرة تهدف إلى تشويه الخصوم السياسيين ونشر ثقافة الكراهية وتعميق الانقسامات بين المواطنين من خلال اختلاق الأكاذيب والشائعات ونشرها في المجتمع.
وهناك تكامل أدوار بين إعلام الانقلابيين والمخابرات والعملاء السريين فيما يتعلق بنشر الأكاذيب وبث الشائعات (الدعاية السوداء)، فبعض الشائعات تبدأ كخبر عادي (وكاذب) في وسيلة إعلامية، ثم تنتشر في المجتمع كحقيقة مسلم بها، ويتم الاستناد إلى الخبر المنشور للتدليل على ذلك، فيما بعض الشائعات يبدأ الترويج لها في المجتمع، ثم تنشر في وسائل الإعلام، وكل ذلك من أجل تزييف الحقائق، والتأثير على البسطاء، وتشويه الخصوم السياسيين، وترويج ثقافة الكراهية، وتلغيم المجتمع بهذه الثقافة حتى يصير مهيأً للقتال والانتقام والثأر بشكل يخدم الانقلابيين.
انتصارات وهمية
كثيراً ما يركز إعلام الانقلابيين، في إطار تغطيته لمجريات المعارك في مختلف الجبهات، على الحديث عن انتصارات كبيرة وساحقة للميليشيات الانقلابية التي يطلقون عليها "الجيش واللجان الشعبية"، ويتجاهل تماماً الخسائر في صفوف الانقلابيين، وذلك بهدف رفع معنويات المواطنين الموالين لهم وحثهم على المشاركة في القتال.
واللافت أن أكثر الجبهات التي يبالغ إعلام الانقلابيين في الحديث عن الانتصارات فيها هي الجبهة الحدودية مع السعودية، رغم أنها أكثر جبهة تستنزف الانقلابيين وتكبدهم خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات العسكرية نتيجة تفوق الجيش السعودي في جانب التسليح والتدريب.
ومنذ الشهور الأولى للحرب، يتحدث إعلام الانقلابيين يومياً عن سيطرة مقاتليهم على مواقع جديدة في نجران وجيزان وغيرها، وعن أسر عدد من الجنود السعوديين، وتدمير دبابات سعودية، وغير ذلك.
وإذا ما أحصينا عدد المواقع العسكرية التي سيطر عليها المقاتلون الحوثيون وأتباع المخلوع علي صالح في الحدود السعودية منذ بداية الحرب وحتى الوقت الحالي، فإن إجمالي عدد المواقع يعني أنهم قد وصلوا إلى قلب أوروبا، وهو ما يؤكد زيفهم وأكاذيبهم.
ويهدف إعلام الانقلابيين من هذه الأكاذيب إلى التغطية على الخسائر التي يتكبدونها في الجبهة الحدودية من جانب، وحشد مزيد من المقاتلين القبليين ورفع معنوياتهم والذهاب بهم للقتال في الحدود السعودية من جانب آخر، وكذلك الأمر بالنسبة للجبهات في الداخل.
إن الدور الذي يمارسه إعلام الانقلابيين يكشف عن طبيعتهم العنصرية والطائفية والمناطقية، ويرسخ ثقافة الكراهية والأخذ بالثأر في المجتمع، كما أنه يحاول طمس الهوية الدينية والثقافية للمجتمع اليمني من خلال نشر ثقافة التشيع عبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد، ويمارس الدعاية السوداء واختلاق الأكاذيب من أجل تشويه الحقائق ونشر البلبلة في المجتمع.
ومثل هذا الأمر يستوجب على السلطة الشرعية تفعيل سلاح الإعلام بالشكل الذي يتناسب مع خطورة إعلام الانقلابيين، وفضح زيفه وأكاذيبه، وتبني خطاب وطني ينعش ثقافة اليمنيين ويحمي معتقدهم الديني، ويتبنى التعريف بحضارة اليمن ورموزها عبر التاريخ، ويفضح الممارسات العنصرية والطائفية للانقلابيين عبر التاريخ، والأهم من كل ذلك، إيضاح حقيقة الحرب الحالية، وأهداف الانقلابيين من إشعالها، ونشر الحقائق كما هي، وفضح أكاذيب وممارسات الانقلابيين، فالإعلام نصف المعركة.