تعجّ سجون محافظة عمران بالمئات من المختطفين المناوئين لحكم وتسلط الحوثي والمخلوع صالح، حيث تعرض الكثير من أبناء المحافظة ومنذ الوهلة الأولى لاجتياحها في 2014/7/7 لعمليات الاختطاف التي كانت تتم بشكل تعسفي ودون سابق إنذار وبلا مسوغ شرعي أو قانوني، فضلا عن أن أغلب المختطفين أُخذوا من الطرقات والأسواق والمساجد، وحتى من المنازل عن طريق مداهمتها بالقوة.
وفي أقبية سجونها تعاملت المليشيا الانقلابية مع المختطفين معاملة غير إنسانية، حيث تعرض الكثير منهم للتعذيب والتنكيل في مختلف السجون الواقعة في مدينة عمران سواء العامة منها كالسجن المركزي، وسجن الأمن العام، أو المستحدثة كالإستاد الرياضي، وبعض المؤسسات الحكومية والمنازل التي استولت عليها المليشيا بالقوة واتخذت منها سجونا وزنازين للمناوئين لها، إضافة إلى سجونها المؤقتة في معظم مديريات المحافظة، بحسب عملية رصد ميدانية أعدها مركز المستقبل الإعلامي في عمران.
760 مختطف لدى المليشيا
طالت عمليات الاختطاف في محافظة عمران جميع المديريات، ابتداء من اجتياحها في 2014/7/7 وحتى فبراير من العام الجاري 2017، حيث بلغ إجمالي من تم اختطافهم في الثلاثة الأعوام الماضية ابتداء من يوليو 2014 وانتهاء بيناير 2017 أكثر من 760 مختطفا كان أكثر من نصف العدد من تم اختطافهم في العام 2016 حيث بلغ عددهم ٤١٠ مختطفا.
وبحسب تقرير نشرته منظمة السلام للحقوق والتنمية الاجتماعية بعمران نهاية العام 2016، فإن من لا يزالون يقبعون في سجون المليشيا حتى نهاية العام 2016 بلغوا 179 مختطفا، اثنان منهم مضى عليهم أكثر من سنتين، و21 مختطفا مضى عليهم سنة ونصف، و13 مختطفا مضى عليهم سنة، و80 مختطفا مضى عليهم ستة أشهر، وبقية المختطفين ما بين أسبوع إلى أربعة أشهر.
وعن آخر إحصائية للمختطفين في سجون المليشيا بعمران حتى منتصف فبراير الجاري، أفاد مسؤول بمنظمة السلام بأن 176 مختطفا هم إجمالي من لا يزالون حاليا بالسجون موزعين بحسب المديريات، فمديرية خمر جاءت أولاً بعدد 27 مختطفا تلتها مديرية العشة بـ25 مختطفا.
وجاءت مديريتي عيال سريح وعمران في المرتبة الثالثة، حيث بلغ عدد المختطفين من كلتا المديريتين 41 مختطفا، ثم تلتهما مديريتي صوير والقفلة بعدد 20 مختطفا، أما مديريات المدان وظليمة وشهارة بلغ عدد مختطفيها 27 مختطفا، فيما توزع عدد 32 مختطفا بين بقية مديريات المحافظة.
بالإضافة إلى 4 مختطفين من محافظات أخرى، اثنان من محافظة ذمار واثنان من محافظتي تعز و مأرب.
تعذيب نفسي وجسدي
تعرض الكثير من المختطفين في سجون وزنازين مليشيا الحوثي والمخلوع صالح بعمران لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي الذي تعددت صوره بين عزل المختطفين في زنازين انفرادية، والصعق بالكهرباء في أجزاء متفرقة من الجسد، والضرب بالهراوات، ومنعهم من التواصل مع أقاربهم.
واستخدمت المليشيات أسلوب الضغط النفسي الذي كانت تمارسه ضدهم والمتمثل في إهمالهم عدة أشهر في السجون دون استجواب أو محاكمة، إضافة إلى تلفيق التهم الجسيمة لهم، كتمهة التخابر والعمالة للخارج، كما كانت تقوم في أحيان كثيرة بانتزاع اعترافات لا أساس لها من الصحة من بعض المختطفين تحت التهديد والتعذيب الوحشي.
من جانب آخر، تعرض مختطفون للتعذيب أمام أقاربهم أثناء الزيارة، وهو ما حدث للمختطف عبدالإله سيلان من أبناء مديرية خمر، أما المختطف يحي عتيق من أبناء منطقة حجز عمران هو الآخر من ضحايا سجون الإنقلابيين، أفرجت عنه مليشيا الحوثي في منتصف شهر يناير من العام الجاري، بعد عام كامل قضاه مختطفا في السجن المركزي بعمران، تعرض خلاله لمعاملة قاسية وضغوطات نفسية جسيمة أثرت على حالته الصحية بشكل كبير وهو يرقد حاليا في المستشفى السعودي الألماني بصنعاء بعد تعرضه لذبحة صدرية دخل على إثرها في غيبوبة، نتيجة للمعاناة التي تلقاها خلال فترة اختطافه في السجن.
المختطف جمال المعمري من أبناء مديرية جبل يزيد، فحسب مصادر مقربة منه أكدت إصابته بالشلل نتيجة المعاناة والتعذيب الذي يتعرض له داخل السجن لمدة تقارب العامين بعد ان تم اختطافه من قبل مليشيا الحوثي في العاصمة صنعاء وإيداعه سجن الأمن السياسي الذي لا يزال يقبع فيه حتى اليوم.
تعذيب حتى الموت
كثير من المختطفين الذين اقتادتهم المليشيا إلى سجونها يعانون من أمراض بعضها يحتاج إلى علاج منتظم ومراجعة الطبيب دوريا، الأمر الذي لم تسمح به المليشيا، بل شرعت في معالجة المختطفين بطريقتها الخاصة من خلال الضرب والصعق والسحل حتى الموت.
ويعد السجن المركزي بعمران هو الأبرز في هذا الجانب، فقد تم رصد عدة حالات فيه، فارق أصحابها الحياة تحت وقع سياط وهراوات المليشيا الانقلابية.
المواطن محمد أحمد الغنيي (41 عاما) من أبناء مديرية العشة قرية البطنة، اختطف من منزله في ٢٠١٥/٤/١٦، بعد محاولته إخفاء ابنه العائد من إحدى جبهات الحوثي الأمر الذي دفعهم الى اقتياده للسجن المركزي بمنطقة سحب عمران، ولأنه كان مصابا بمرض السكري لم يحتمل تعذيب المليشيا له حيث فارق الحياة في اليوم الثاني من اختطافه في السجن.
الحاج حسين محمد حزام الأقور، من أبناء مديرية العشة هو الآخر تم اختطافه في ٢٠١٦/٣/٥ بحرف سفيان، وتم نقله على الفور إلى مركزي عمران، حيث مكث فيه إلى أن أفرج عنه بعد أن ساءت حالته الصحية في ٢٠١٦/١٠/١٢، وحسب إفادة أحد أبنائه فقد كان سليما معافى قبل اختطافه ولكنهم تفاجؤوا بإصابته بالسرطان بعد الإفراج عنه بعد أن قضى تلك الفترة تحت التعذيب الوحشي حيث توفي بعد خروجه من السجن بتسعة أيام وتحديدا في ٢٠١٦/١٠/٢١.
الشاب صادق عبدالله أبو عوجاء هو أيضا من ضمن ضحايا المليشيا في سجون المليشيات بعمران، تم اختطافه في الطريق العام أثناء عودته من سيئون في ٢٠١٥/١٢/٢١، واقتادوه إلى مركزي عمران ليغادر الحياة تحت التعذيب في ٢٠١٥/١٢/٢٧ وبعد ستة أيام فقط من اختطافه.
العقيد صالح يحي هادي رعدان، من أبناء مديرية شهارة بني رعدان، قضى في السجن المركزي بعمران ثلاثة أشهر تقريبا بعد أن اختطفته المليشيا وهو في حالة صحية سيئة، وبعد ازدياد تدهور حالته في السجن أفرجت عنه المليشيا للعلاج بعد أن وضعت أحد أبنائه في السجن رهينة بدلا عنه، حيث غادر الحياة في ٢٠١٦/١٢/١٩ بعد ثلاثة أشهر من الإفراج عنه متأثرا بمرضه.
شهادات حية
المختطف (ع.م.أ) يروي قصة المعاناة في أحد سجون المليشيا بمديرية حوث بقوله "السجن في حوث مليئ بالأبرياء والمظلومين، فقد تم اختطافي مع مجموعة من المواطنين ونحن في طريقنا إلى صعدة، من قبل عناصر مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية بعد إيقافنا وتفتيشنا وأخذ بطائقنا وجوالاتنا وإيداعنا السجن، الذي مكثنا فيه خمسة أيام، لا نعرف لم اختطفونا ولا يعرف أهلنا عنا شيئا، حيث منعونا من التواصل بهم وهكذا أغلب من في السجن على شاكلتنا لا يدرون ما سبب اختطافهم، إضافة الى إهمالهم لنا أيام دون تحقيق أو استجواب".
مضيفا "وأما أوضاعنا داخل السجن فقد رأينا ما يندى له الجبين، فلا أكل ولا شرب ولا نوم، ومالم يكن بحوزتك فلوس فستموت جوعا، وإن أعطيتهم فلوسا ليشتروا لك أكل يشترون بربع المبلغ ويسرقون الباقي، والعجيب في الأمر أنه وبعد مرور خمسة أيام تم إطلاق سراحنا، وعلى سؤال أحدنا لم سجنتمونا؟ أجاب أحد المعنيين من المليشيا: لا لشيئ".
المختطف المفرج عنه (س.ب.ج) من أبناء مديرية عيال سريح أفرج عنه منتصف العام ٢٠١٦ من أحد سجون المليشيات بصنعاء يروي بعضا من ممارسات المليشيات مع المختطفين في سجونها متحدثا "اقتادوني إلى بدروم تحت الأرض يقع قرب منطقة النهدين بالعاصمة صنعاء، كان ذلك في بداية العام 2015 ومكثت فيه قرابة ٧ أشهر مع العلم أن من بين المختطفين من قضى أكثر من سنة في ذلك البدروم".
وأضاف خلال حديثه عن المعاناة "كنا معزولين عن العالم تماما لدرجة أننا صمنا في اليوم الثامن من ذي الحجة من ذلك العام على اعتبار أنه يوم عرفة، أما من ناحية ثانية كانوا يأخذون هواتفنا ويوهمونا بأنهم سيتواصلون مع أقاربنا ليطمئنوهم ويطلعوهم على مكان أبنائهم، بينما في الواقع كانوا يتواصلون بأقارب المختطفين ويبلغوهم بأن أبناءهم يحتاجون مبالغ مالية وأنهم من طلبوا ذلك، وفي الواقع لم يصل إلى أيدي المختطفين ريالا واحدا".
وأضاف إلى ذلك "أنهم كانوا يقدمون لنا طعاما لا يصلح للاستهلاك الآدمي، وبعد ٧ أشهر نقلوني إلى السجن المركزي بصنعاء والذي لا يختلف عن غيره من سجون المليشيات الانقلابية من حيث المعانا".