[ أرشيفية ]
شهر واحد يفصل الحرب في اليمن عن الذكرى الثانية لبدء العمليات العسكرية لـ"التحالف العربي" الذي تقوده السعودية ضد الانقلابيين. وخلال 23 شهراً أو ما يناهز حوالي 700 يوم، شهد اليمن جملة من التحولات الميدانية والسياسية. وفرض "التحالف" عودة الحكومة الشرعية إلى مدينة عدن، فيما تضيق الدائرة كل يوم على تحالف الانقلاب ممثلاً بجماعة أنصارالله (الحوثيين) والموالين للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
وخلال الشهرين الماضين حققت قوات الشرعية المدعومة من "التحالف العربي"، تقدماً نوعياً في سياق الحرب الميدانية والعمليات منذ ما يقرب من عامين، تمثل بالسيطرة على أجزاء واسعة من مديريتي ذوباب والمخا بالساحل الغربي لمحافظة تعز. ويتعلق الأمر بأبرز منطقتين في الساحل اليمني قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي، الأمر الذي يقلل من إمكانية تهديد الملاحة والسفن التابعة لـ"التحالف" في المضيق من قبل الحوثيين وحلفائهم.
على الصعيد السياسي، شهد اليمن في الأشهر الأخيرة جموداً سياسياً، تزامن مع تغييرات دولية أبرزها يتمثل بمغادرة إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، والتي كانت تتبنى مبادرة للسلام في اليمن. وانحصرت التحركات السياسية أخيراً بجولات مكوكية قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بين العواصم العربية وبين صنعاء (تحت سيطرة الانقلابيين) وعدن (تحت سيطرة الشرعية). وتمحورت أغلب الاتصالات وفقاً لمصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، حول جهود تفعيل لجنة التنسيق والتهدئة المعنية بالإشراف على وقف إطلاق النار.
وعلى صعيد التطورات المحلية، استقرت الحكومة الشرعية أكثر من أي وقت في مدينة عدن التي بات يُطلق عليها اسم "العاصمة المؤقتة". وبات الرئيس عبد ربه منصور هادي، ورئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، وعدد من قيادات الدولة وأعضاء الحكومة، موجودين باستمرار في عدن، منذ نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، ما يعكس تقدماً في الجانب الأمني والاستقرار السياسي بالمحافظات المحررة من الانقلابيين. وكانت حالة عدم الاستقرار في عدن ومحيطها سبباً لبقاء الرئيس وحكومته أغلب العامين الماضيين في السعودية.
وفي الجانب الإنساني، وصلت الأزمة الإنسانية في اليمن إلى مرحلة متقدمة من التدهور الكارثي، مع استمرار عجز الجانب الحكومي عن دفع رواتب الموظفين الحكوميين منذ خمسة أشهر. وألقت هذه الأزمة بظلالها على الحياة العامة وأصبحت معها المنظمات الدولية تقرع أجراس الإنذار، محذرة من أزمة غذائية تهدد الملايين. وقال المكتب التنسيقي للشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، في آخر بياناته، إن ما يقارب 17 مليون يمني (من بين 26 مليون شخص)، لا يحصلون على غذائهم بشكل كاف، وفق تعبيره.
أربع مراحل
وكان "التحالف العربي" قد دشن عملياته في 26 مارس/آذار 2015، استجابة لدعوة الرئيس هادي الذي طالب بتدخل خليجي لحماية الشرعية بعد تقدم الانقلابيين نحو مدينة عدن، الأمر الذي اضطر الرئيس لمغادرة البلاد. وشرع "التحالف" بتنفيذ عمليات جوية مكثفة تحت عنوان "عاصفة الحزم" التي استمرت حتى 21 إبريل/نيسان 2015 (27 يوماً). وكانت مرحلة أولى من العمليات استهدفت مختلف المواقع العسكرية والتحركات العسكرية للحوثيين وحلفائهم، بمختلف المحافظات، بعدما سيطر "التحالف" منذ الساعات الأولى على كامل الأجواء والمياه الإقليمية اليمنية. وفي المرحلة الثانية من العمليات (عقب عاصفة الحزم)، أعلن "التحالف" عملية "إعادة الأمل". وتتضمن مواصلة العمليات العسكرية إلى جانب شق يتيح المجال للجهود السياسية، إلا أن فشل الجهود السياسية خلال ما يقرب من عامين، جعل الصوت الأول للتصعيد العسكري. وخلال الأشهر الأولى من "إعادة الأمل"، شهد اليمن نشوء ما عرف بـ"المقاومة الشعبية" بوصفها قوة ميدانية موالية للحكومة ومؤلفة من عسكريين مؤيدين للشرعية ومجندين. وأسفرت المواجهات الميدانية والعمليات العسكرية في الفترة منذ أواخر إبريل/نيسان وحتى سبتمبر/أيلول 2015، عن تحرير المحافظات الجنوبية (عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة) من الانقلابيين (باستثناء مناطق محدودة حدودية بين المحافظات الجنوبية والشمالية).
عقب ذلك، تواصلت العمليات العسكرية ضمن ما يمكن وصفه بالمرحلة الثالثة، وهي المرحلة التي سعت فيها قوات "التحالف العربي" لدعم القوات اليمنية الموالية للشرعية بتحقيق تقدم في المحافظات الشمالية. وقد شهد الربع الأخير من عام 2015 تقدماً نوعياً لقوات الشرعية في مأرب التي تعد حالياً أبرز مركز لقواتها شمالاً. وحققت تقدماً في محافظة الجوف شمال مأرب وصولاً إلى الأطراف الشرقية لصنعاء، وتحديداً مديرية نِهم، بالتزامن مع فتح جبهات أخرى أبرزها في منطقتي ميدي وحرض بمحافظة حجة الساحلية والحدودية مع السعودية.
أما المرحلة الرابعة، فقد كانت خلال عام 2016، والتي تميزت باستمرار العمليات العسكرية والمواجهات الميدانية، ضمن حالة الكر والفر في مختلف جبهات المواجهات التي تنحصر شمالاً في الغالب، وأبرزها محافظة تعز وأطراف صنعاء ومحافظتي حجة والجوف، بالإضافة إلى جبهة الشريط الحدودي مع السعودية، والذي يشمل في الغالب المناطق الحدودية لمحافظتي صعدة وحجة شمالي غرب اليمن، ومن الجانب السعودي، مناطق جيزان ونجران وعسير. وقد ركز "التحالف" في عملياته خلال عام 2016 على المناطق الساحلية وسيطر على أهم الجزر اليمنية في البحر الأحمر. وركز "التحالف" عمله في اليمن على دعم الاستقرار في المحافظات "المحررة" من الانقلابيين. ونفذ بالتعاون مع قوات يمنية حديثة التأسيس في المحافظات الجنوبية والشرقية حملات لاستعادة السيطرة على المدن التي كان مسلحو تنظيم "القاعدة" قد سيطروا عليها في عام 2015. وكانت أبرز محطة الإعلان عن استعادة السيطرة على مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت شرقي اليمن، وانسحاب مسلحي "القاعدة" في إبريل/نيسان 2016، بعدما سيطروا على المدينة عاماً كاملاً.
ومع مطلع العام الحالي، دشن "التحالف العربي" عملية واسعة في الساحل الغربي تكللت بالتقدم في أهم منطقتين ساحليتين قريبتين من باب المندب. وبعد 23 شهراً تضيق مساحة سيطرة الانقلابيين كل يوم، حيث باتت قوات الشرعية على بعد عشرات الكيلومترات من العاصمة صنعاء، فيما فقد الحوثيون وحلفاؤهم العديد من المناطق الاستراتيجية، وخسروا العديد من الأوراق التي كانوا يراهنون عليها منذ تصاعد الحرب، التي يؤرخها البعض بتاريخ اجتياحهم صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014.