على الرغم من كثافة الضربات الأمريكية التي تعرض لها خلال الأسابيع الماضية، لم يكشف تنظيم "القاعدة" في اليمن، حتى اليوم، عن خسائره، في ظل حالة من الإرباك يعيشها التنظيم، مع سعيه إلى تنفيذ خطة انتشار جديدة يقلل فيها من الخسائر جراء الضربات الجوية والإنزالات المحتملة، عبر توجهه إلى التصعيد شرقاً باتجاه محافظة حضرموت، التي تعرضت إلى غارة أميركية، على الأقل، منذ أيام.
وتفيد مصادر يمنية متخصصة بمتابعة تطورات ملف الإرهاب، لـ"العربي الجديد"، بأن العديد من القتلى، بينهم قيادات وأجانب، سقطوا خلال الأسابيع الماضية، بموجة ضربات لطائرات أميركية من دون طيار، في محافظات البيضاء وأبين وشبوة. ومن بين القتلى السجين السابق في معتقل غوانتانمو في كوبا، ياسر السلمي. كما قتل، قبل أيام، قيادي يحمل الجنسية السعودية، بالإضافة إلى منشد في التنظيم، بغارة في منطقة العبر في محافظة حضرموت.
ووفقاً للمصادر، فقد خسر التنظيم العديد من عناصره في موجة الضربات الجوية الأميركية، مطلع مارس الحالي، في مدينة رداع بمحافظة البيضاء. كما سقطت أعداد من العناصر والقيادات المشتبه بأنها تنتمي إلى التنظيم بضربات من طائرات من دون طيار، استهدفتهم أثناء تنقلهم في مركبات (سيارات وأحياناً دراجات نارية)، في محافظات أبين وشبوة والبيضاء.
وتشير بعض المصادر، غير الرسمية، إلى أن من بين القتلى أحد خبراء المتفجرات في التنظيم. على الرغم من كثافة الضربات، لم يكشف التنظيم، أو المصادر المحلية في مناطق سيطرته، معلومات دقيقة عن هوية غالبية القتلى، الأمر الذي يصعب معه تقدير تأثير تلك الضربات. ومع ذلك، تؤكد مصادر محلية أن مسلحي "القاعدة" يعيشون حالة من الاستنفار منذ أسابيع، يترقبون فيها الغارات أو الإنزالات الجوية في أية لحظة، وباتوا يتخذون أكبر قدر من الاحترازات خلال التنقل أو التجمع في مناطق النفوذ المعروفة للتنظيم وسط وجنوب اليمن.
وأدت كثافة الغارات في بعض المناطق، ومنها قرية يكلا بمنطقة قيفة في محافظة البيضاء، التي حصل فيها الإنزال الجوي الأميركي، في 28 يناير الماضي، إلى نزوح عشرات الأسر. وتسود حالة من الرعب والقلق لدى سكان تلك المناطق، نتيجة التصعيد الأميركي، وتحليق الطائرات من دون طيار بأوقات متفاوتة. وفي مؤشر على استمرار التصعيد في اليمن، أعلنت الولايات المتحدة، أول من أمس، مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن المسؤولين عن مقتل المدرس الأميركي، جويل شروم، الذي قضى برصاص مسلحين في محافظ تعز، جنوبي اليمن، في مارس 2012. وتبنى تنظيم "القاعدة"، بعد الحادثة بأيام، مسؤولية قتله.
وكان الجيش الأميركي بدأ موجة غير مسبوقة من الغارات الجوية، مطلع مارس الحالي، تضمنت تنفيذ العشرات من الضربات الجوية في البيضاء وأبين وشبوة، وهي محافظات متجاورة وسط وجنوبي اليمن، ينتشر عناصر "القاعدة" في بعض مناطقها بشكل متفاوت، منذ سنوات. وأذن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أخيراً، للاستخبارات المركزية بتوسيع هجمات الطائرات من دون طيار، ضد الأهداف المشتبه بعلاقتها بالإرهاب. وفيما امتدت الضربات الجوية أخيراً إلى محافظة حضرموت، إذ استهدفت غارة أميركية مشتبهين بـ"القاعدة"، أثناء تنقلهما في سيارة في منطقة العبر، عاد في المقابل، نشاط التنظيم في المحافظة، إذ قام باختطاف جنديين من أفراد ما يُعرف بـ"قوات النخبة الحضرمية"، التي تأسست حديثاً. وتبنى قبل أسبوع استهداف نقطة عسكرية بقذيفتين.
وفي أحدث بيان له، أمس الخميس، حذر تنظيم "القاعدة" قبائل حضرموت من التجاوب مع دعوات السلطة المحلية في المحافظة لمواجهة عناصره. وأضاف "نقولها صريحة مدوية: إن أبناء القبائل الحضرمية ليسوا خصوماً ولا أهدافاً لنا"، لكنه أكد خصومته مع ما وصفها بـ"مليشيات النخبة (الحضرمية)"، والتي قال إنها منفذة وحامية لسياسة "دويلة الإمارات". وتابع "عما قريب سترحل الإمارات وستترككم لمصيركم المحتوم". وكان تنظيم "القاعدة" سيطر على مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، الواقعة شرقي البلاد، والتي تعد أكبر المحافظات اليمنية مساحة، وهي محافظة نفطية. واستمرت سيطرة التنظيم على مركزها المكلا لمدة عام، قبل أن تشن القوات الحكومية، مدعومة بقوات التحالف العربي، حملة عسكرية في أبريل 2016 أدت إلى طرده من المنطقة.