[ محاكمة عنصر بـ"القاعدة" في أبريل 2014 - الأناضول ]
يسلط القرار الأميركي بفرض حظر على حمل الأجهزة الإلكترونية على متن الطائرات الآتية من ثماني دول شرق أوسطية، وما تبعه من إجراء بريطاني مماثل، الأضواء مجدداً على تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، بعد تصريحات أميركية مفادها أن الإجراء جاء بناء على معلومات حول تهديد مصدره "قاعدة" اليمن، ما يعيد إلى الأذهان أزمة الطرود المفخخة المرتبطة بالتنظيم، والتي تصدرت وسائل الإعلام العالمية في العام 2010.
ونقلت شبكة "سي إن إن"، أول من أمس، عن مسؤول أميركي قوله إن معلومات استخباراتية، تم الحصول عليها خلال الأسابيع الماضية، أفادت بأن تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" يعمل على إتقان تقنيات إخفاء المتفجرات في بطاريات الأجهزة الإلكترونية.
وأضاف أن "اكتشاف الحكومة الأميركية أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يسعى إلى استغلال البطاريات، وأماكن تخزينها في أجهزة الكمبيوتر المحمولة، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية التجارية، دفع أميركا وبريطانيا إلى حظر حمل الركاب لأجهزة أكبر من الهواتف المحمولة داخل الطائرات، خلال رحلات محددة".
وكانت أميركا فرضت، أول من أمس، قيوداً أمنية على شركات الطيران التي تتواجد مقراتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتمنع القيود الركاب المسافرين من مصر والإمارات وتركيا وقطر والأردن والكويت والمغرب والسعودية، على متن مصر للطيران أو طيران الإمارات أو الاتحاد للطيران أو الخطوط الجوية القطرية أو الكويتية أو المغربية أو الأردنية، أو السعودية، أو التركية، حمل أجهزة إلكترونية معهم أو داخل حقائبهم الشخصية داخل الطائرات.
وتشير التقارير الأميركية إلى أن هذا الإجراء جاء عقب المعلومات التي جمعتها الاستخبارات الأميركية، من عملية الإنزال الجوي التي نفذتها قوات أميركية خاصة، بعد أسبوع من تسلم إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب للسلطة، وتحديداً في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، واستهدفت قرية يكلا، في منطقة قيفة في محافظة البيضاء وسط اليمن. وتعتبر العملية الأضخم في اليمن، وشملت ضربات جوية إلى جانب إنزال جنود اشتبكوا مع مسلحين من تنظيم "القاعدة"، في القرية.
وقتل نتيجة العملية، 25 شخصاً، بينهم 15 من مسلحي التنظيم وقبليون، بالإضافة إلى 11 شخصاً بين طفل وامرأة، وجندي أميركي على الأقل.
وعقب انتقادات واجهتها إدارة ترامب، خرج المسؤولون الأميركيون، مطلع مارس/آذار الحالي، بتصريحات عن أن واشنطن وضعت، خلال عملية يكلا، يدها على "كنز من المعلومات الاستخباراتية"، وأنها قد تكون مفيدة للغاية "في عمليات مستقبلية"، قبل أن يأتي الإعلان الأخير عن القيود الأميركية والبريطانية على شركات طيران ثماني دول، على ضوء هذه المعلومات المزعومة، سواء في عملية يكلا، أو عبر وسائل أخرى، غير أنها في المجمل، تفيد باكتشاف واشنطن تقنية جديدة لدى التنظيم يسعى من خلالها لاستخدام الأجهزة الإلكترونية كمفخخات.
ويقول خبير متخصص بمتابعة ملف الإرهاب في اليمن، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن ما تم الإعلان عنه، أميركياً وبريطانياً، يرتبط على الأرجح، بالشبهات المثارة حول خبير المتفجرات، الذي يوصف بأنه الأخطر في العالم، إبراهيم العسيري، الذي يعد من أبرز قيادات التنظيم الإرهابي في اليمن، وهو سعودي الجنسية (35 عاماً تقريباً).
ويضيف إن عملية الإنزال، التي حصلت في البيضاء في يناير/كانون الثاني الماضي، ربما كانت تسعى لاستهداف العسيري، لأنه بالنسبة لواشنطن هدف أهم من زعيم التنظيم في اليمن، قاسم الريمي، نفسه.
ويضيف أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف تنظيم "القاعدة" في اليمن، لأنه عُرف أيضاً بتصديره لعمليات خارج حدوده، ما دفع بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى اعتباره أخطر أفرع تنظيم "القاعدة" في العام 2010، أي بعد تنفيذه لعملية محاولة اغتيال النائب السابق لوزير الداخلية السعودي، الأمير محمد بن نايف في قصره في جدة في العام 2009، وبعد عمليات الطرود المفخخة 2010.
وعُرف فرع "القاعدة" في اليمن، كأحد أخطر فروع التنظيم في العالم، بعد إعلان دمج فرعيه في اليمن والسعودية بقيادة موحدة، تحت مسمى "تنظيم قاعدة الجهاد في شبه الجزيرة العربية"، في العام 2009، ثم اشتهر بثلاث محاولات لعمليات إرهابية، خارج الحدود، الأولى في أغسطس/آب 2009، وتمثلت بمحاولة انتحاري استهداف نائب وزير الداخلية السعودية، محمد بن نايف (ولي العهد حالياً)، والانتحاري، الذي كان ملغماً بمادة" PETN" المتفجرة، هو عبدالله العسيري، شقيق، خبير صنع المتفجرات، إبراهيم العسيري.
أما الحادثة الثانية، فوقعت في ديسمبر/كانون الأول 2009، وهي محاولة نيجيري يُدعى عمر الفاروق عبد المطلب، تفجير نفسه داخل طائرة متجهة إلى مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان الأميركية، عبر قُنبلة وضعت داخل ملابسه الداخلية. ووجهت أميركا أصابع الاتهام للعسيري في اليمن، بأنه صانع القنبلة. أما الحادثة الثالثة الشهيرة، فقد وقعت في أكتوبر/تشرين الأول 2010، إذ تم الإعلان عن اكتشاف طردين مفخخين في عبوات حبر للطابعات، على متن طائرتين متجهتين من اليمن إلى الولايات المتحدة، وتم اكتشافهما وتوقيف الأولى في مطار دبي بالإمارات العربية المتحدة والأخرى في مطار لندن، وذلك بعد أن أبلغت الاستخبارات السعودية الولايات المتحدة بوجود الطردين، اللذين كانت وجهتهما كنيسين يهوديين في شيكاغو.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2010، أعلن تنظيم "القاعدة" في اليمن، في بيان على الإنترنت، تبنيه عملية إرسال الطردين إلى الولايات المتحدة، وتبنى أيضاً إسقاط طائرة تابعة لشركة "يو بي أس" الأميركية، انفجرت في قاعدة عسكرية إماراتية قرب مطار دبي، مطلع سبتمبر/أيلول من العام نفسه. ولم تحمل واشنطن التنظيم مسؤولية انفجار الطائرة، خلافاً لحادثة محاولة النيجيري تفجير نفسه وإرسال الطردين المفخخين.
إلى ذلك، اتهم مسؤولون أميركيون، في مايو/أيار 2012، إبراهيم العسيري بأنه كان وراء صنع قنبلة مُحسنة تردد أنها أعطيت لعميل للاستخبارات السعودية داخل "القاعدة"، بهدف تفجير طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة.
يذكر أن أزمة الطردين المفخخين في 2010، صنعت أزمة بين السلطات الأمنية اليمنية آنذاك وبين نظيرتها السعودية، بعد أن كانت الرياض هي من أبلغت أميركا بوجود الطردين المتوجهين من اليمن، ولم تُبلغ صنعاء.
وتعرض اليمن على خلفية الحادثة لضغوط دولية، لتصنيفه مصدراً لعمليات إرهابية. ومن المتوقع أن تعيد القيود الأميركية والبريطانية تسليط الأضواء، على إبراهيم العسيري، بالرغم من عدم ربطه بالإجراء المعلن أخيراً حتى اليوم. ولا يستبعد مراقبون أن يكون العسيري، الذي يُوصف بأنه الأخطر في التنظيم، والمطلوب رقم واحد للسلطات السعودية، قد درب آخرين، على صنع المتفجرات.
ويعزز هذا التطور احتمال توسيع أميركا، في الفترة المقبلة، عملياتها ضد تنظيم "القاعدة" في اليمن، وهو ما قد بدأ بالفعل، سواء عبر العملية التي وقعت في البيضاء في يناير/ كانون الثاني الماضي، أو عشرات الضربات الجوية، التي نفذتها الطائرات الأميركية، مع محاولة إنزال بحري في اليمن، في النصف الأول من مارس/آذار الحالي.