[ تعز - يونيو/حزيران 2017 ]
كان يوم الجمعة بالنسبة لأم رياض يعني ازدحام البيت الكبير ذي الطوابق الثلاثة بأفراد العائلة التي اعتادت تناول وجبة الغداء معا: زوجها، وأبنائها العشرة، وزوجة ابنها، والأحفاد الأربعة.
لكن كل ذلك تغير وغيّر كليا حياة أم رياض (61 عاما) منذ منتصف عام 2015 حين بدأت الحرب في اليمن.
تعوّدت مدينة تعز، جنوب غرب اليمن، على الخسارات، لكن حجم خسارة أم رياض هز المدينة.
بعد بدء عملية عسكرية من قبل القوات الداعمة للحكومة المعترف بها دوليا لكسر حصار الحوثيين للمدينة في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وصل لأم رياض خبر مقتل ابنها موسى على جبهة القتال.
لم يكن موسى أول ابن تفقده العائلة في هذه الحرب المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات - في الحقيقة كان الابن الرابع الذي يقتل في المعارك الدائرة.
وفي اتصال عبر الهاتف، تقول أم رياض إن المقاتلين الحوثيين كانوا قد أجبروهم في عام 2015 على مغادرة بيتهم في منطقة الجحملية، وقاموا بعدها بتفجيره. وفي ذاك العام، قُتل ابنها طه أثناء قتاله إلى جانب القوات الحكومية، وبعدها قتل ابنها رياض. أما ابنها كمال فقتل عام 2016، وحمل عام 2018 خبر مقتل ابنها الرابع موسى.
فرض المقاتلون الحوثيون وحلفاؤهم السّابقون - أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح - حصارا على مدينة تعز بعد فترة وجيزة على انطلاق الحملة التي بدأتها السعودية ضد الحوثيين في 2015. وبعد أن سيطر الحوثيون على مداخل المدينة منعوا عنها دخول الطعام والإمدادات الدوائية.
وقالت الأمم المتحدة إنه بعد نحو ثلاث سنوات من القتال، هرب نحو ثلثي سكان المدينة (الذين كان يبلغ عددهم نحو 600 ألف نسمة)، كما اضطر كثير من الرجال للذهاب إلى جبهات القتال.
قام مسؤولون ونشطاء بزيارة أم رياض مؤخرا، وكان كل ما قدموه لها عبارة عن كلمات عزاء ودعم، إلى جانب بعض الهدايا تكريما لها؛ فأم رياض أصبحت رمزا في المدينة لفداحة خساراتها؛ فكل بيت في تعز مني بخسارات عديدة بسبب العنف والحصار، ولذا شعر السكان أن أم رياض تمثلهم بطريقة أو بأخرى.
عندما اتصلتُ بها قبل أيام، لم تستطع أم رياض أن تتحدث، بقيت تردد هذه العبارة: "الحمد لله.. إنه قدرنا".
لكن "أم خطاب" - وهي زوجة رياض، ابن العائلة البكر الذي قتل - تحدثت معي وأخبرتني عن شجاعة أم زوجها رغم كل ما حدث لها.
وقالت لي: "هي صبورة جدا، تصلي وتصوم. لو كانت أي أم مكانها لما استطاعت تحمل كل هذا. عندما يخرج أي من الأبناء للقتال فإن كل أم لا يمكنها التفكير بأي شيء آخر.. قلبها يبقى معه وهي تفكر: هل لا يزال على قيد الحياة؟"
وتشرح لي أم خطاب كيف أن ابنها طه - الذي كان عمره عدة أشهر فقط عندما قتل والده عام 2015 - تعلق بأعمامه لعدم وجود أبيه، لكنه شهد على غيابهم واحدا بعد آخر.
وتقول إن مقتل موسى كان بمثابة موت والد طه مرة ثانية، وتضيف: "اعتاد طه أن يتبعه في كل مكان.. كان يحبه كثيرا. الآن هو يردد الحوثيون قتلوا عمي موسى".
وتستمر الحملة العسكرية على تعز، التي تشهد واحدة من أعنف أعمال القتال منذ أن اجتاح العنف المدينة - ولا يزال اثنان من أبناء أم رياض على جبهات القتال.
خسرت أم رياض ابنا على كل واحدة من جبهات القتال الأربع الدائرة في اليمن. وعندما سألتُ أم خطاب كيف ستشعر في حال رفع الحصار عن مدينتها، قالت لي: ستكون أكبر فرحة وأكبر حزن في الوقت ذاته".