[ شهدت عدن عشرات عمليات الاغتيال - فرانس برس ]
أعاد اغتيال قيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح الملف الأمني في مدينة عدن، جنوبي اليمن، إلى الواجهة، مع تكرر عمليات الاغتيال التي لا تخلو ضحاياها من ارتباطات بأطراف الصراع على النفوذ في المدينة، في ظل غموضٍ لف مصير التحقيقات، وصمت من قبل الأجهزة المسؤولة عن الأمن في المدينة، بما فيها تلك القريبة من "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً. الأمر الذي طرح أكثر من تساؤل عما وراء الاغتيالات والتقصير من الجهات المسؤولة في الحكومة والتحالف، بمنعها.
وخلال الساعات الـ48 الماضية، تصدرت ردود الفعل على حادثة اغتيال القيادي في حزب الإصلاح، شوقي كمادي، يوم الثلاثاء الماضي، اهتمامات اليمنيين، وأفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، بأن "الحادثة رفعت حالة المخاوف، خصوصاً في الأوساط السياسية والحزبية وعلى مستوى الدعاة وخطباء المساجد، بعد أن طاولت واحداً من القيادات الحزبية والدعاة المعروفين، في منطقة المعلا، وسط عدن. وكمادي من الشخصيات المتمتعة بمكانة خاصة بالنسبة للكثير من إصلاحيي عدن كما هو بالجانب التربوي والخيري، وجرى اغتياله بطريقة استفزازية، من قبل مسلحين كانوا يستقلون دراجة نارية، وقاموا بالتأكد من مقتله، قبل الفرار".
ولاقت العملية ردود فعل واسعة، طالبت بوضع حد لجرائم الاغتيالات، وأثارت علامات استفهام حول الجهات التي تقف وراءها، فيما حمل بيان حزب الإصلاح إشارات إلى بعد سياسي في الاغتيالات، واصفاً إياها بـ"السلوك الغادر"، ودان "كافة أشكال العنف" التي قال إنها "تكشف عن نفسها بهذه المحاولات البائسة لفرض مشروع الفوضى والإفساد في الأرض"، واعتبر أن "استمرار هذه الأعمال الإجرامية في عدن، والاستهداف المتعدد الصور للحياة السياسية والحياة المدنية، ومحاولات الدفع بهذه المناطق إلى مربعات الفوضى، ليكشف بوضوح عن بصمات المشروع التدميري الذي لا يريد الخير لليمن".
ولمّح الإصلاح في البيان، إلى الخلل المتعلق بالأجهزة الأمنية التي نشأت عقب الحرب مع جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في المحافظات الجنوبية، كجزء من التدهور الأمني والأزمة في عدن. وطالب الرئيس عبدربه منصور هادي، وحكومة أحمد عبيد بن دغر، بـ"العمل الجاد من أجل تحقيق الأمن والاستقرار من خلال إعادة بناء المؤسسات الأمنية في عدن والمناطق المحررة على أسس وطنية سليمة، وكذلك القيام بالواجب المباشر لضبط الجناة المتورطين بهذه الجريمة وكل المتورطين بجرائم الاغتيالات التي تطاول النخبة وقيادات الرأي العام في العاصمة المؤقتة (عدن)، وتقديمهم للمحاكمة".
وعُدّت عملية الاغتيال، بالنسبة لحزب الإصلاح والشخصيات القريبة منه، في عدن، على نحو خاص، بمثابة مؤشر خطير رفع درجة المخاوف لدى قيادات الحزب وناشطيه إلى مستوى أبعد من الصمت. الأمر الذي بدا واضحاً من خلال البيان الذي صدر عن وزير الشباب والرياضة، نايف البكري، المحسوب على حزب الإصلاح، الذي قال عنه "إن رموز عدن والمؤثرين من دعاتها وعلمائها ومثقفيها ومقاوميها، يتعرّضون لمخطط إبعاد وتصفية مكتمل الأركان مروراً بالتحريض عليهم عبر أبواق رخيصة ومأجورة مسبقة الدفع، وانتهاءً باستهدافهم واغتيالهم برصاصات وعبوات ناسفة".
وفي تصريحات، هي الأولى من نوعها، قال البكري، الذي كان محافظاً في السابق لعدن، مخاطباً أهالي المدينة، إن "الستار ينزاح يوماً بعد آخر عن وجه عدوكم اللدود الذي يتربص بكم وبمستقبل أبنائكم، هو ذاته من يقود ويمول ويشرف على مخطط الإبعاد والتصفية". وأضاف "إننا اليوم بأمس الحاجة لهبة شعبية وانتفاضة حقيقية ضد الأعداء وضد الإرهابيين الجدد أياً كانوا وأياً كان أصلهم ومشربهم المناطقي والفكري والسياسي"، وتابع "انتفضوا على قلب رجل واحد خلف استعادة مؤسسات الدولة وفي وجه كل من يريد أن يسلبكم حقكم في الحياة الكريمة تحت شعارات كاذبة ومبررات سخيفة يريدون تمريرها عليكم، انتفضوا في وجه من يعطل سير عمل الأجهزة الأمنية، انتفضوا لاستعادة الأمن وفرضه، انتفضوا لإعادة تشغيل أجهزة القضاء والنيابات والمحاكم، انتفضوا لإعادة تطبيع الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية، انتفضوا لأجل عدن ولأجل أبنائكم".
وعلى الرغم من صدور العديد من ردود الفعل خلال الساعات التي أعقبت جريمة الاغتيال، إلا أن الأجهزة الأمنية في المدينة لم تصدر أي بيان حول الحادثة، في وقتٍ يشغل فيه منصب إدارة الأمن في عدن، مسؤول محسوب على "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وهو شلال علي شائع، كما أن في المدينة قوات موالية للمجلس المطالب بالانفصال وللإمارات، أبرزها قوات "الحزام الأمني"، في ظل اتهامات أطلقها نشطاء في المدينة للجهات الأمنية في عدن، بالتقصير على الأقل، ومعروف أن التحالف بقيادته الإماراتية بالمدينة هو المسؤول عن الملف الأمني والعسكري إلى حد كبير.
من زاوية أخرى، وفي ظل المواقف التحريضية التي تبنّتها قيادات في "المجلس الانتقالي الجنوبي"، مقرّبة من الإمارات، عموماً، ضد حزب الإصلاح، وعقب الأحداث الأخيرة التي شهدتها عدن الشهر الماضي، أخذت عملية الاغتيال أبعاداً أوسع وأثارت مخاوف من عودة الصراع المسلح في المدينة، بعد التهدئة التي رعاها التحالف بقيادة السعودية، أواخر الشهر الماضي. وهي تهدئة أبقت على عوامل احتمال تجدّد التوتر والانفلات الأمني في أية لحظة.
الجدير بالذكر أن عدن شهدت عشرات من عمليات الاغتيال التي طاولت ضباطاً في الأمن والجيش ومسؤولين محليين وشخصيات اجتماعية، خلال العامين الماضيين، إلا أن عمليات الاغتيال التي طاولت دعاة وأئمة المساجد هي من أكثر العمليات التي أثارت التساؤلات، كما لو أنهم أسرى خطة تصفية منظمة مع تعرّض 16 شخصاً منهم في عدن لعمليات اغتيال، خلال الفترة الماضية، دون الكشف عن الجناة.