[ دوافع الصراع على مجلس النواب اليمني واحتمالات الحسم ]
بين شدٍّ وجذب، استطاع مجلس النواب اليمني (جناح الشرعية)، في منتصف أبريل/نيسان الجاري (2019)، عقد جلساته في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت جنوب اليمن، وسط الكثير من التحديات. فقد عارضت أطراف داخلية وإقليمية انعقاد المجلس ووضعت العراقيل في طريقه، وأطراف أخرى أيدت وضغطت ليتم الانعقاد؛ فيما يبدو تعارضًا حادًّا في المصالح بين الطرفين. ورغم نجاح مجلس النواب في الانعقاد، إلا أن جلساته لم تتجاوز الست جلسات فقط في دورة انعقاد استثنائية، وجرى رفع الانعقاد بصورة مفاجئة، على أن يعود بعد عيد الفطر المبارك. ما يلقي ظلالًا كثيفة من الشك حول إمكانية عودته للانعقاد في سيئون مجددًا.
ويهدف هذا التقرير إلى توضيح أبعاد الصراع حول انعقاد مجلس النواب في اليمن، ودوافع الأطراف المختلفة المؤيدة والمعارضة، والاحتمالات المختلفة لانعقاده أو عدم انعقاده مستقبلًا.
موقع مجلس النواب في الصراع
يعتبر مجلس النواب الغرفة التشريعية الأولى للبرلمان اليمني ويعمل جنبًا إلى جنب مجلس الشورى الذي يعد الغرفة التشريعية الثانية. ويتكون مجلس النواب من 301 عضو منتخب بالاقتراع السري المباشر. وقد مضى على مجلس النواب الحالي ما يقارب 16 سنة منذ انتخابه لأول مرة في 27 أبريل/نيسان 2003، وكان مقررًا أن تنتهي فترته في 27 أبريل/نيسان 2009 بعد 6 سنوات شمسية، إلا أنه جرى التمديد له لعامين إضافيين بالتوافق بين القوى السياسية الرئيسية، لتكون الانتخابات النيابية المقبلة في 27 أبريل/نيسان 2011. وحالت دون إجراء الانتخابات أحداث العام 2011، وتم التمديد له مرة أخرى بموجب المبادرة الخليجية لمدة عامين إضافيين انتهيا عام 2013، وبسبب الأوضاع غير المستقرة في اليمن واستمرار حالة الحرب؛ استمر في العمل كسلطة تشريعية إلى الوقت الراهن.
وقد مرَّ مجلس النواب اليمني بحادثتين رئيسيتين أثَّرتا في تشكيلته السياسية: الأولى: ثورة الشباب في 11 فبراير/شباط 2011، حيث أدت إلى انشقاق 11 عضوًا من كتلة المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم حينها وصاحب الأغلبية بـ238 عضوًا)، مكونين كتلة "الأحرار للإنقاذ الوطني". والثانية: ثورة الحوثيين في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وانضمام جزء من أعضاء مجلس النواب إلى السلطة الجديدة.
ويمارس مجلس النواب دورًا مهمًّا في النظام السياسي، باعتباره السلطة التشريعية الرئيسية في الدولة؛ حيث يصدر التشريعات والقوانين، ويقر السياسة العامة، والخطة العامة للتنمية، والموازنة العامة، والحساب الختامي. كما يمارس الرقابة على أعمال الحكومة، فضلًا عن دوره في التصديق على المعاهدات والاتفاقيات الخارجية، وتعزيز علاقات المجلس البرلمانية مع البرلمانات والاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية(1). وتخوض الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا منذ العام 2017 صراعًا مع حركة أنصار الله (الحوثيين) حول مجلس النواب بهدف إضفاء الشرعية، وسعي كل منهما لاستخدامه في الصراع ضد الآخر.
سباق من أجل النصاب
يُشترط لصحة انعقاد جلسات مجلس النواب حضور أكثر من نصف أعضائه مع استبعاد الأعضاء الذين أُعلن خلو مقاعدهم، ويتم اتخاذ قراراته بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين (النصف+1)، إلا في الحالات التي يشترط فيها الدستور أو اللائحة الداخلية للمجلس أغلبية الثلثين(2). ونتيجة لطول الفترة التي قضاها المجلس منذ 2003 فقد توفي 35 من أعضائه، ليهبط عدد الأعضاء الأحياء إلى 266 عضوًا و"النصاب القانوني" لصحة الانعقاد إلى 134 عضوًا.
وبعد مقتل الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، في ديسمبر/كانون الأول 2017، غادر البلاد عدد كبير من أعضاء مجلس النواب المحسوبين على حزب المؤتمر الشعبي خوفًا من الملاحقات والمضايقات الأمنية للحوثيين، "فيما بقي نحو 30 نائبًا ممن ناصروا الجماعة الحوثية، وآخرون من بقايا حزب المؤتمر الشعبي العام، يحضرون جلسات في صنعاء تحت الضغط، وفق تصريحات وزير الدولة لشؤون مجلسي النواب والشورى، "محمد الحميري" (3).
وعملت المملكة العربية السعودية وحكومة الرئيس هادي على محاولة جمع شتات أعضاء مجلس النواب المبعثرين في الخارج في مجلس تابع للشرعية، بغرض سحب شرعية البرلمان من الحوثيين. وتطلَّبَ عقد جلسة شرعية لمجلس النواب توافر النصاب القانوني بحضور أكثر من 135 عضوًا، خصوصًا أن النواب المقيمين داخل اليمن يُقدَّر عددهم بين 97-105 أعضاء، نصفهم تقريبًا يشاركون في جلسات يعقدها مجلس النواب التابع لجماعة أنصار الله في صنعاء.
وبلغ الصراع ذروته مع تحضير جماعة أنصار الله (الحوثيين)، إجراء انتخابات تكميلية للمقاعد الشاغرة في مناطق سيطرتها في (أمانة العاصمة، ذمار، حجة، صعدة)، وبعض الدوائر الانتخابية في تعز والبيضاء والجوف، وصلت جميعها إلى 24 دائرة انتخابية(4). في محاولة لسحب البساط من مجلس النواب الموالي لحكومة الرئيس هادي، والذي لم يستطع هو الآخر عقد جلساته نتيجة عدم قدرته حسم الخلاف بين القوى السياسية حول تشكيلة رئاسة المجلس، والعوائق حول منع انعقاد المجلس في عدن أو في أي محافظة جنوبية أخرى(5).
وبهدف قطع الطريق على الانتخابات التكميلية للحوثيين؛ أصدر الرئيس هادي مرسومًا رئاسيًّا، في الثالث من فبراير/شباط 2019، قضى بنقل اللجنة العليا للانتخابات من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة، عدن، واعتبر كل التغييرات التي أجراها الحوثيون في اللجنة معدومة، ونتائج الانتخابات التكميلية غير شرعية (6). كما أصدرت اللجنة العليا للانتخابات التابعة لحكومة هادي بيانًا صحفيًّا قالت فيه إنها "لا تعترف بانعقاد اللجنة العليا للانتخابات في صنعاء؛ لعدم توافر الأحوال والشروط المنصوص عليها في الدستور وقانون الانتخابات، واعتبرت نتائج الانتخابات غير شرعية لصدورها من غير ذي صفة، وتذهب باليمن نحو التشطير(7).
في المقابل، قام الحوثيون بمنع باقي الأعضاء من الخروج من اليمن، ووضع بعضهم تحت الإقامة الجبرية، ودعوة الناخبين في الدوائر الانتخابية الشاغرة، للتوجه، صباح السبت 13 أبريل/نيسان 2019، لانتخاب ممثليهم لعضوية مجلس النواب(8) ، وهو ما مثَّل ضغطًا على "الشرعية" لحسم خلافاتها حول رئاسة مجلس النواب، والتوافق على اسم القيادي في حزب المؤتمر، سلطان البركاني، رئيسًا للمجلس، ومحسن باصرة ومحمد الشدادي وعبد العزيز جباري نوابًا لرئاسة المجلس(9) ، ودعوة الرئيس هادي مجلس النواب للانعقاد في محافظة حضرموت (10) ، وهو ما تمَّ في نفس تاريخ إجراء الحوثيين الانتخابات التكميلية، بنصاب بلغ 141 عضوًا، شارك 3 منهم عبر تقنية "سكايب" (11).
واعتبرت الجماعة الحوثية اجتماع مجلس النواب، في مدينة سيئون "خيانة عظمى". وقالت إن لها الحق في "اتخاذ الإجراءات اللازمة وتطبيق أحكام الدستور والقانون، منها المادة 125 من القانون الجزائي في حق كل من ثبت مشاركته في التشريع للعدوان(12). وهدد وزير الإعلام في حكومة صنعاء والمتحدث باسمها "بمصادرة ممتلكات أعضاء مجلس النواب المشاركين في سيئون، وأنهم بذلك يدقون المسمار الأخير في نعشهم، وسيكون الشعب هو الفيصل فيما يمتلكون (13). ويشير إلى إسقاط العضوية عنهم بتهم الخيانة العظمى وانتخاب أعضاء آخرين. ويتطلب السير في إجراءات إسقاط العضوية توافر النصاب القانوني وموافقة أغلبية الأعضاء في مجلس نواب صنعاء (14).
وحسب الناطق الرسمي باسم التحالف العربي، تركي المالكي، أنه جرى إسقاط 11 طائرة حوثية حاولت استهداف مجلس النواب المنعقد في مدينة سيئون (15).
الخلاف حول مكان الانعقاد
وفقً لنص اللائحة الداخلية لمجلس النواب؛ فإن المقر الرسمي لانعقاد مجلس النواب هو العاصمة صنعاء، ولا يجوز نقل انعقاد المجلس خارج العاصمة إلا لظروف قاهرة يستحيل معها الانعقاد في العاصمة، وأن يوافق عليه أغلبية أعضاء المجلس (النصف+1) (16).
وكان الرئيس هادي أصدر مرسومًا رئاسيًّا، في 28 يناير/كانون الثاني 2017، بنقل اجتماعات جلسات مجلس النواب من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن؛ ما حال دون انعقاد المجلس لافتقاد النصاب، وعدم حسم الخلاف حول رئاسة مجلس النواب. لكن، وبعد توافر النصاب القانوني اتجهت الأنظار إلى مدينة عدن لتكون مكان الانعقاد، إلَّا أن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًّا رفض بشدة، وهدد باستخدام كل الوسائل الممكنة لمنع الانعقاد في عدن (17) ، أو المُكلَّا بمحافظة حضرموت، أو في أي أرض جنوبية (18) ؛ ما دفع الرئاسة اليمنية للبحث عن بدائل أخرى أكثر أمنًا وبعيدة عن هيمنة القوات الإماراتية أو قوات النخب والأحزمة الأمنية التابعة لها (19).
وجاء اختيار مدينة سيئون كمكان لانعقاد المجلس في هذا السياق، باعتبارها المنطقة الوحيدة في الجنوب التي لا توجد فيها تشكيلات من النخب أو الأحزمة الأمنية الموالية للإمارات (20). وتوجد فيها المنطقة العسكرية الأولى المكونة من 5 ألوية عسكرية تتميز بتشكيلة مختلطة شمالية-جنوبية وتتبع شرعية الرئيس هادي. وقد دفعت السعودية بلواء عسكري بكامل عتاده إلى المنطقة العسكرية الأولى، يشمل مدرعات ودبابات وبطارية صواريخ باتريوت، لتأمين انعقاد مجلس النواب في سيئون (21). وأيضًا لكونها المنطقة الأقرب إلى شرورة السعودية في حال أي طارئ أو ظهور حاجة إلى تعزيز أمني. وتعتبر سيئون أكثر أمنًا بالنسبة للقادمين من المناطق الشمالية مقارنة بعدن أو المُكلَّا (22).
دوافع أطراف الصراع
يقوم المجلس بدور مهم في معادلة الصراع في اليمن نتيجة لوظائفه الدستورية في إقرار التشريعات والرقابة على الحكومة، والتصديق على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. وتعوِّل حكومة الرئيس هادي على إعادة إحياء وظائف مجلس النواب التشريعية والرقابية، وتفعيل العمل المؤسسي في إطار النظام السياسي. وفي نفس الوقت تخفف الضغط على الرئيس هادي في مواجهة الأطراف الأخرى سواء في تشكيل الحكومة، أو في العملية التفاوضية مع حكومة صنعاء، وفي معادلة الصراع بشكل عام. ومنح الرئيس هادي الشرعية القانونية التي يحتاجها خلال الفترة القادمة كرئيس(*)، في حال ما إذا خلا منصب الرئيس لسبب طارئ، يكون البديل جاهزًا ومحددًا مسبقًا. إضافة إلى تأكيد شرعية تدخل التحالف بحصوله على موافقة البرلمان بأثر رجعي (23).
في المقابل، فإنَّ عودة مجلس النواب للانعقاد في المناطق خارج سيطرة أنصار الله في صنعاء، يمثل سحبًا للسلطة التشريعية من يدها، ومكسبًا للطرف الآخر على حسابها، ويشكِّلُ كذلك حراكًا خارجيًّا في الأوساط والدوائر البرلمانية الدولية في مواجهتها.
والأكثر أهمية أنه سيكون بمثابة إطار مؤسسي يوحِّد بقية القوى السياسية ضدها؛ وقد ظهرت بوادره في تجاوز أزمة تشكيل رئاسة المجلس والنجاح في انعقاده، وإنشاء إطار موسع للأحزاب والقوى المؤيدة للشرعية بين 16 حزبًا وقوة سياسية، باسم "التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية" في ثاني أيام انعقاد المجلس (24).
وكان واضحًا الجهد والضغط السعودي لإتمام انعقاد مجلس النواب في مدينة سيئون بحضرموت(25) ، وذلك من أجل تعزيز قدرات معسكر الشرعية في مواجهة سلطة الحوثيين، كما سبق القول. ويشار إلى أن المملكة أكثر حساسية تجاه الحفاظ على صورتها الخارجية (مقارنة بالإمارات)، في ظل الجمود الحاصل في ملف الصراع اليمني، ووصول الوضع إلى طريق مسدود، ما يضع المملكة في وضع محرج باعتبارها قد فشلت عسكريًّا في إعادة الشرعية، كما فشلت بحل الصراع عبر التسوية السياسية، لذلك ترى السعودية في تعزيز معسكر الشرعية وسيلة لإضعاف الحوثيين والضغط عليهم للمضي في جهود التسوية، لاسيما بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على اتفاق ستوكهولم الذي لم يتحقق منه شيء حتى الآن (26).
بالإضافة إلى ما يُثار حول النظرة السعودية لانعقاد مجلس النواب كوسيلة لتحقيق مصالحها الخاصة، في الحصول على أنبوب نفطي يمر من منطقة الخراخير السعودية عبر الأراضي اليمنية إلى ميناء نشطون في محافظة المهرة (27) ، مستفيدة من الوضع الاستثنائي الذي يمر به اليمن، وحاجة الشرعية لاستمرار دعمها في مواجهة التغول الإماراتي، والاستفادة كذلك من الشرعية الرمزية لمجلس النواب في منح وجودها في المهرة المشروعية التي تحتاجها (28). ورغم النفي الحالي لهذا المسعى(*)، إلَّا أن تحقق ذلك فعليًّا سيعود بنتائج عكسية على حكومة الرئيس هادي في ظل الاحتقان المجتمعي الراهن والناتج عن الوجود العسكري السعودي والإماراتي المباشر في المهرة. وسيكون على حساب المصالح الوطنية في ظل الاختلال القائم في توازن القوى بين طرفي التعاقد، ويفرض وضع الاختلال هذا الحرصَ على الشفافية والعلانية في أي اتفاقات وتعاقدات محتملة مستقبلًا (29).
ومن جانب آخر، وفيما يبدو أنه تقاطع حاد في المصالح بين السعودية والإمارات؛ هدد المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًّا بمنع انعقاد مجلس النواب في سيئون. وهاجم نائب رئيس المجلس الانتقالي، هاني بن بريك، انعقاد المجلس في مدينة سيئون ووصفه بمجلس "الزور" (30). ودعا المجلس الانتقالي الجنوبي أنصاره إلى الاحتشاد، وتسيير مظاهرات تطالب بوقف انعقاد المجلس في سيئون، وترديد هتافات أن سيئون جنوبية لا تقبل المشاريع الوحدوية(31). وأسهم التدخل السعودي والضغط الدولي وحضور سفير الإمارات جلسة افتتاح مجلس النواب، في تخفيف حدة معارضة المجلس الانتقالي، ودفعه لالتزام الصمت خلال الأيام التالية للانعقاد (32).
ويقوم رفض المجلس الانتقالي الجنوبي انعقاد مجلس النواب في الجنوب على دوافع مبدئية مؤسسة على رفض خيار الوحدة وتبني اتجاهات انفصالية عن الشمال، ويرى في انعقاد مجلس النواب في الجنوب استمرارًا للوحدة وعائقًا أمام تنفيذ طموحاته في الانفصال.
وترى الإمارات العربية المتحدة من جانبها، في دعم القوى المنادية بالانفصال وسيلة لحماية مصالحها في الجنوب مستقبلًا. وتخشى أن يؤدي الانعقاد الدائم لمجلس النواب إلى عرقلة مشاريعها الخاصة، والحد من حرية حركتها في الجنوب، والدعوة إلى تنظيم علاقتها مع الحكومة في أطر واضحة، ودمج القوات المدعومة إماراتيًّا في القوات العسكرية للشرعية، ولا تريد مزيدًا من تعزيز سلطة هادي عبر مجلس النواب، وتطمح لتغييره من خلال العملية التفاوضية بشخص آخر أكثر قربًا منها وبعيدًا عن الإصلاح أو من تدعوهم بـ"إخوان اليمن". وانعقاد المجلس يعطِّل قدراتها في الضغط على الرئيس هادي لتغيير الحكومة أو إضافة شخصيات محسوبة عليها.
دلالات مواقف الأطراف الدولية
مع انعقاد الجلسة الافتتاحية الأولى لمجلس النواب؛ توالت رسائل التهنئة والترحيب من عدد من الأطراف الدولية، بعودة المجلس للانعقاد. فبعث السفير الأميركي لدى اليمن "ماتيو تولر" بتهنئة قال فيها: "إن انعقاد البرلمان اليمني يرمز إلى تقدم العملية السياسية، وسيقود الطريق نحو المصالحة الوطنية، ويمكن أن ينهي الصراع ويضمن مستقبلًا أكثر إشراقًا لجميع اليمنيين" (33). ونشرت وزارة الخارجية الأميركية بيان ترحيب بعد ساعات من انعقاد المجلس على موقعها الإلكتروني، ذكرت فيه "أن البرلمان اليمني سيلعب دورًا مهمًّا في دفع عجلة المصالحة السياسية والوطنية بما يتيح للحكومة والأحزاب السياسية جميعها التركيز بصورة أفضل على تلبية احتياجات الشعب اليمني" (34) ، ومن جانبه، هنَّأ السفير البريطاني بانعقاد مجلس النواب في سيئون (35). وبعث المبعوث الأممي لعملية السلام في اليمن، مارتن غريفيث، تهنئة إلى الرئيس هادي بانعقاد المجلس، وقال: "إن انعقاد المجلس يأتي في منعطف حاسم في إطار الجهود الجماعية المكثفة لإعادة إطلاق العملية السياسية لإنهاء النزاع في اليمن" (36).
وتحمل مواقف الأطراف الدولية المهتمة بالتسوية السياسية دلالات مهمة في ظل وصول جهود التسوية إلى طريق مسدود، والإخفاق في تحقيق أي تقدم يُذكر في اتفاق ستوكهولم (37). وهي في العموم تتعلق بممارسة ضغط سياسي على الحوثيين لإحراز تقدم في جهود التسوية، والتعويل على مجلس النواب لممارسة دور في دفع عملية التسوية، وربما في تخطي بعض العقبات أمامها التي لا يستطيع الرئيس هادي وحدة تحمُّل مسؤوليتها.
مجلس النواب بين الانعقاد الدائم والمؤقت
في ضوء التحديات والتهديدات سابقة الذكر والتي اكتنفت انعقاد مجلس النواب في مدينة سيئون؛ يراهن البعض أنها ستكون الأولى والأخيرة، بسبب الفجوة الواسعة بين الطموح في استمرار الانعقاد، ومعطيات الواقع على الأرض، وباعتبار أن الانعقاد ما كان له أن يتم لولا تضافر عدد من العوامل التي قد يكون من الصعب استمرارها أو تكرارها مستقبلًا، خاصة مع وجود عدد من الأطراف التي تعارض بشدة عودة المجلس للانعقاد.
وربما لهذا السبب ولنفي احتمال خيار الانعقاد المؤقت؛ أصدر مجلس النواب قرارًا في جلسته الرابعة يقضي بأن جلسات انعقاده ستكون دائمة (38). ودون شك، فإنَّ الانعقاد غير الدائم للمجلس سينعكس سلبًا على شرعية الحكومة داخليًّا وخارجيًّا، ويعتبر استمرار انعقاد المجلس في دورة انعقاد اعتيادية خيارًا مصيريًّا بالنسبة لها (39) ، وذلك لإصلاح العلاقات المختلَّة مع دول التحالف، وتعزيز قدراتها السياسية والمؤسسية، والتعويل عليه كذلك للقيام بدور في جهود التسوية السياسية والمصالحة الوطنية.
خاتمة
كان الصراع على البرلمان في اليمن باعتباره أداةً تشريعيةً بيد أطراف الصراع قويًّا، وسيظل كذلك إلى أجل غير مسمى، ذلك لأنَّ كل طرف من أطراف النزاع يود استعمال هذه "الأداة" البرلمانية لصالحة. وما كان لهذا المجلس أن ينعقد في سيئون بجنوب البلاد لولا الدعم السعودي الكبير والرغبة الدولية الواضحة وعدم الممانعة الإماراتية التي أبدتها على مضض. لكن من غير المحسوم بدقة ما إن كان بإمكان هذا المجلس أن يستمر في انعقاده دون انقطاع وفي نفس المكان خلال المستقبل المنظور، خاصةً في ظل التحديات الأمنية الكبيرة التي لا تزال ماثلة مع كل جلسة يقرر المجلس انعقادها.