سفير اليمن بالخارج.. هكذا أثرت ظروف الحرب على تجارة العسل
- صحيفة الاستقلال الثلاثاء, 24 سبتمبر, 2019 - 09:51 صباحاً
سفير اليمن بالخارج.. هكذا أثرت ظروف الحرب على تجارة العسل

[ سفير اليمن بالخارج.. هكذا أثرت ظروف الحرب على تجارة العسل ]

السدر، السمر، السلم، المراعي، الزهور، الأبيض، كلها أسماء لأنواع من العسل اليمني حقق فيها شهرة منذ القدم على المستوى العالمي وأيضاً على المستويين العربي والخليجي، لما تتمتع به من جودة عالية ومذاق مميز.

 

كل نوع من هذه الأنواع يرتبط بموسم معين، وأشجار معينة، فعسل السدر سمي بذلك الاسم، لأن النحل يمتص رحيق أزهار شجرة السدر في شهري أكتوبر/تشرين الأول، ويوليو/سبتمبر من كل عام.

 

أما عسل السمر فسمي بذلك لأن النحل يتغذى على شجرة السمر، الذي عُرف بفعاليته في تخفيض أنزيمات الكبد المرتفعة، أما عسل الزهور فسمي بهذا الاسم لأن النحل يتغذى على عدة أنواع من الزهور خلال موسم الربيع، وهكذا.

 

يعود سر جودة العسل اليمني، خاصة عسل "السدْر" أو ما يسمى "العِلْب" إلى عدة عوامل، منها أن النحل يتغذى فقط على أزهار شجرة السدر في شهر أكتوبر/تشرين الأول، حيث لا توجد أزهار أخرى في هذا الموسم، وفي هذه الحالة يكون غذاء النحل خالصاً، دون أن يختلط غذاؤها بأشجار أخرى تؤثر على جودة العسل.

 

أضف إلى ذلك عامل الطقس، حيث يكون الجو في شهر أكتوبر/تشرين الأول صحواً والهواء جافاً خالياً من الرطوبة، التي تؤثر على قوام العسل ومذاقه، وكذلك عامل التضاريس إذ أن العسل الجبلي أفضل جودة من عسل السهول والوديان، لأن طقس الجبال يكون عادة صحواً وخالياً من الرطوبة أيضاً.

 

أما من الناحية العلمية فيحتوي عسل السدر على مادة البروستاغلاندين، وهي المادة التي تُسهم بتعزيز جهاز المناعة لدى الإنسان، وترفع من مستوى المقاومة والحماية لديه، وعلاج التهابات الدم والأغشية المخاطية والحبال الصوتية، كما تعمل على علاج أمراض الجهاز العصبي، وتخفض من مستوى الحموضة الزائدة التي تُؤذي المعدة.

 

شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ

 

درج كثير من اليمنيين على تناول العسل وأنشأ بعض ساكني الأرياف مناحل منزلية صغيرة، لتغطية الاحتياج اليومي لإيمانهم بأنه يشفي الإنسان ويحميه من الأمراض، وقد يكون ذلك الاعتقاد عائداً إلى آيات قرآنية تحدّثت عن قدرة العسل على الشفاء من الأمراض {وأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

 

ومن خلال التجربة أيضاً، حيث يتبادل اليمنيون خبراتهم على نطاق واسع ويتبادلون القصص عن قدرة العسل على شفاء كثير من الأمراض والالتهابات والجروح وحتى الحروق الجلدية، كما يتناول كثير من اليمنيين العسل لاعتقادهم بأنه يزيد من الكفاءة الجنسية لدى الرجال، ولقي ذلك الاعتقاد رواجاً كبيراً خاصة لدى فئة الشباب حديثي العهد بالزواج.

 

مصدر رزق

 

مثّل العسل على الدوام مصدر رزق لكثيرين في الداخل اليمني، وشكّل لعدة سنوات، رافداً من روافد اقتصاد البلاد، حيث تنتشر عشرات المحلات على جانبي عدد من الشوارع في المدن اليمنية، ورغم ظروف الحرب إلا أنها استطاعت أن تستمر في ممارسة نشاطها التجاري.

 

منذ انقلاب الحوثيين على حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي في سبتمبر/أيلول 2014، ثم اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015، تعذّر  معرفة حجم الإنتاج وحجم صادرات العسل إلى الخارج، بسبب غياب مؤسسات الدولة، وسيطرة جماعة الحوثي على مرافق البلاد.

 

وكان إنتاج العسل، قبل اندلاع الحرب في اليمن، قد شهد تحسناً في السنوات الأخيرة، وحسب إحصائيات رسمية، وصل إنتاج العسل اليمني في عام 2013، أي قبل اندلاع الحرب بنحو 9 أشهر، إلى 2572 طناً، بينما تجاوز عدد خلايا النحل 1.2 مليون خلية.

 

وأشارت البيانات إلى أن عدد النّحالين اليمنيين بلغ نحو 100 ألف نحّال، في حين بلغت قيمة الصادرات من العسل إلى الخارج، في 2012 نحو 792 طناً بقيمة 11.5 مليون دولار، أي نحو 30% من إجمالي الناتج القومي، مقارنة بصادرات بلغت قيمتها 8.3 مليون دولار في العام 2011.

 

يقول محمد مهدي صاحب محلات "فيه شفاء للناس" لـِ"الاستقلال": "تأثرت حركة البيع بسبب ظروف الحرب وانقطاع المرتبات، ويكاد نشاطنا ينحصر في السنوات الأخيرة على تصدير العسل إلى الخارج خاصة دول الخليج العربي، إلا أننا أيضاً نُعاني صعوبة في التصدير، بسبب إغلاق المطارات وعدم سلاسة إجراءات الشحن البري".

 

أما بخصوص النشاط التجاري في الداخل اليمني، فيضيف مهدي: "قلّت مبيعاتنا بشكل كبير، وانحصرت مبيعات العسل لدينا تقريباً على المرضى والعرسان، أما بقية الزبائن خاصة من كانوا عملاء دائمين لدينا فتغيّرت قائمة أولوياتهم واحتياجاتهم الاستهلاكية، بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها المواطنون في اليمن، وأصبح العسل لديهم جزءاً من الترف الذي استغنوا عنه".

 

وعن أسعار العسل وسبب غلائه، يقول مهدي: "يُحدِّد سعر العسل عدة أمور، أولا ًنوعه وجودته، ثانياً توفره وكمية الإنتاج الدائم له، ثالثاً حجم العرض والطلب الموسمي عليه، فمن ناحية الجودة، يُعتبر عسل السدر من أغلى الأنواع، وأشهرها نظراً لجودته العالية، ويباع الكيلو جرام الواحد منه في اليمن بحوالي 70 إلى 90 دولاراً، ويباع خارج اليمن بأسعار تتراوح بين 100 و 150 دولار، حسب درجة الجودة وحسب تكاليف الشحن ونسبة أرباح تجار الخارج".

 

أما بقية الأصناف كالسمر مثلاً فيباع الكيلو الواحد منه بأسعار تتراوح بين 40 و50 دولار، ويباع في خارج اليمن بأسعار تتراوح بين 60 و80 دولار.

 

طرق الغش

 

حجم الشهرة والإقبال الذي يلقاه العسل اليمني، وفّر ظرفاً مناسباً لممارسة الغش من قبل بعض تجار وموردي العسل، مستغلين قلة خبرة معظم الزبائن في معرفة العسل الأصلي أو ما يسمى في اليمن العسل "البلدي".

 

وعن طرق الغش، يقول محمد القيسي أحد موردي العسل اليمني إلى دول الخليج العربي، في حديث لـِ"الاستقلال": "الغش أنواع، أحد طرق الغش أن يتم بيع خليط من سكر معالج وعسل صناعي مستورد، على أنه عسل أصلي، أو يتم خلطه بكمية قليلة من العسل الأصلي وهذا أسوأ أنواع الغش".

 

والطريقة الثانية للغش، حسب القيسي، "هو أن يتم استيراد عسل نحل طبيعي لكنه غير يمني، ثم يباع في السوق المحلية على أنه عسل يمني، وأحياناً يتم استيراده إلى اليمن ثم تصديره إلى الخارج كعسل يمني، وبأسعار مرتفعة، لكن هذه الطريقة الأخيرة لم تعُد رائجة لوجود مراكز حكومية لقياس الجودة في عدد من البلدان، تقوم بفحص العسل، خصوصاً إذا تم توريد كميات كبيرة منه".

 

يضيف القيسي: "هناك أيضاً طريقة تُقلل من جودة العسل بشكل كبير، وهو أن كثيراً من النحّالين وأصحاب مزارع النحل يقومون بإعطاء النحل كميات من السكر، كمكمّل غذائي، وذلك بسبب شح إنتاج الأشجار، ولزيادة المذاق الحلو على طعم العسل، ليس من الدقيق القول بأن هذه الطريقة غش، لكنها تًقلل من جودة العسل على نحو كبير، إذ أن الدواء في العسل يكمن في زهور الأشجار لا في وجبات السكر المذابة للنحل".

 

وعن كيفية التمييز بين العسل الأصلي والمغشوش، يوضح القيسي: "يصعب لمن لا يملك خبرة التمييز بين العسل الأصلي والمغشوش، ومعظم الزبائن يعتمد في شرائه على ثقته بالبائع، فمعرفة العسل الأصلي يحتاج لسنوات من الخبرة، لأن المعايير الذي يتم الاعتماد عليها في معرفة الفرق بينهما هي معايير تراكمية، تتعلق برائحة العسل وطعمه وقوامه وأثره في الفم".

 

القيسي قال: "بالنسبة لقوام العسل ليس معياراً للحكم على العسل بأنه طبيعي أو مغشوش، إذ أن القوام يختلف من عسل لآخر بحسب النوع والموسم، لا بحسب أصالته، أما بالنسبة للجزئية التي تتحدث عن تجمّد العسل المغشوش في الثلاجة وتحوّله لحبيبات، فليس دقيقاً، إذ أن مسألة تحوّله لحبيبات متعلقة بتناقص نسبة الماء في العسل، وهذا قد يحصل حتى للعسل الأصلي، إذا تم وضعه في الثلاجة لفترة طويلة".


التعليقات