هل انتهى عصر جراحة القلب؟
- الجزيرة نت الجمعة, 22 نوفمبر, 2019 - 02:37 صباحاً
هل انتهى عصر جراحة القلب؟

[ قد يتم إجراء عملية القلب بشكل مخطط له مسبقا أو بشكل طارئ (الجزيرة) ]

يطرح هذا السؤال هذه الأيام، بعد أن توصلت دراسة أميركية إلى أن الكثير من مرضى القلب -الذين يعانون من حالات حادة لكن مستقرة ويخضعون بشكل متكرر لتدخل طبي لفتح الشرايين المسدودة والضيقة- سيصلون لذات النتيجة من خلال تناول أدوية وتغيير أسلوب حياتهم.

 

في الحقيقة فإن هذا السؤال لطالما كان مطروحا، وإن كان هناك من يطرحه من ناحية علمية بحتة، فإن هناك آخرين يطرحونه على سبيل التشكيك في العمليات الجراحية القلبية. إذ وفقا لهؤلاء فإن أطباء القلب يجرون عمليات جراحية غير ضرورية لمرضاهم، وذلك حتى يزيدوا من أرباحهم المادية، في زعم مبني على نظرية المؤامرة.

 

أيضا هناك العديد ممن يحذرون الناس من جراحات القلب، ويقولون إنها مضرة، وإن المريض يجب ألا يخضع لعملية في القلب، وإن الأدوية كافية لعلاجه.

 

مما لا شك فيه أن هذا الطرح قد يلاقي قبولا عند كثيرين، فالخضوع لأية عملية جراحية مهما كانت بسيطة ينطوي على مخاطر ويثير مخاوف المرضى فكيف إذا كانت العملية في القلب!

 

وحتى نجيب عن "هل انتهى عصر جراحة القلب؟" دعونا نتعرف بداية على أبرز أنواع جراحات القلب، ثم نناقش معطيات الدراسة الحديثة.

 

تعليقا على نتائج الدراسة قال د. عبد الرحمن عرابي -وهو رئيس قسم القسطرة القلبية ونائب رئيس قسم أمراض القلب بمشفى القلب مؤسسة حمد الطبية في قطر- إن أمراض الشرايين الإكليلية (وتسمى أحيانًا التاجية) هي مجموعة مختلفة من الأمراض الناجمة عن وجود تضيق في واحد أو أكثر من شرايين القلب.

 

وشرح د. عرابي -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن أمراض الشرايين الإكليلية يمكن أن تظهر بواحد من شكلين رئيسيين:

 

- الأول: ويدعى المتلازمة الإكليلية الحادة أو ما يسمى "الجلطة القلبية/الأزمة القلبية" وتنجم عادة عن تشكل خثرة داخل الشرايين الإكليلية تؤدي إلى انسداد أو تضيق مفاجئ في واحد من شرايين القلب. ويمكن أن يتظاهر هذا الشكل بألم صدري تتفاوت شدته، ولكن عادة ما يكون شديدا ويترافق أحيانا مع غثيان وتعرق. كما يمكن أن يتظاهر بتوقف القلب المفاجئ، وهذه حالة إسعافية تتطلب تدخلا عاجلا لإعادة فتح الشريان كما بينت دراسات كثيرة سابقة.

 

- الثاني: ويدعى نقص التروية القلبية المزمن والمستقر، وهو كما يدل الاسم مرض مزمن ينجم عن تراكم الكوليسترول بشكل بطيء على مدى سنوات طويلة في بطانة الشرايين مما يؤدي -عند وصول التضيق إلى درجة معينة- إلى حدوث ألم صـدري عند بذل الجهد، ويزول الألم عادة بالراحة، ولا يحدث في هذا النوع عادة ألم خلال  النوم أو خلال الراحة، ويندر أن يؤدي إلى الموت المفاجئ. وهذا النوع هو الذي تناولته الدراسة.

 

وقال د. عرابي إن الدراسة بدون شك نوعية ومهمة، وتعد تأكيدا لدراسة كبيرة أخرى نشرت منذ أكثر من عشر سنوات. وقد بينت الدراستان أنه في مرضى نقص التروية الإكليلية المزمن والمستقر فإن اعتماد المعالجة بالأدوية كخط علاجي أولي يعتبر خيارا آمنا، وأنه يمكن الاحتفاظ بالعلاج بالتوسيع باستخدام القسطرة أو باللجوء للجراحة للحالات التي لا تستجيب بشكل كاف للعلاج بالأدوية وحدها.

 

وأضاف رئيس قسم القسطرة القلبية أنه يجب التأكيد هنا على أن هذه الدراسة لا تتناول مرضى المتلازمة الإكليلية الحادة "الأزمة القلبية" التي تجمع التوصيات على ضرورة إجراء القسطرة القلبية وإجراء التوسيع عند الضرورة، وإلا نجم عن ذلك تلف في عضلة القلب يؤدي فيما بعد لقصور وضعف في عضلة القلب.

 

 

عمليات القلب

 

هي إجراء طبي للمساعدة في السيطرة على الأعراض أو تقليل فرصة حدوث مرض مفاجئ في القلب مستقبلا، وتهدف لتحسين جودة الحياة وحتى إنقاذها في بعض الحالات، وذلك عبر:

 

استعادة تدفق الدم إلى القلب عن طريق فتح أو استبدال الشرايين التاجية المسدودة.

 

إصلاح أو استبدال صمام تالف في القلب.

 

تصحيح أو تنظيم إيقاع القلب غير الطبيعي.

 

وقد يتم إجراء عملية القلب بشكل مخطط له مسبقا، أو بشكل طارئ.

 

وتشمل جراحة القلب العديد من الجراحات، منها:

 

1- عملية القلب المفتوح  Open heart surgery

 

جراحة يتم فيها فتح الصدر وإجراء عملية جراحية على القلب. ويشير المصطلح "مفتوح" إلى الصدر، وليس إلى القلب نفسه، إذ قد يتم أو لا يتم فتح القلب، اعتمادا على نوع الجراحة المحدد.

 

2- رأب الأوعية التاجية والدعامات  Coronary angioplasty and stenting

 

هذا الإجراء يستخدم لفتح الشرايين الضيقة أو المسدودة التي تغذي عضلة القلب، وأيضا لإزالة أعراض الذبحة الصدرية .

 

وفيها يتم فتح الشريان المتضيق باستخدام بالون angioplasty، ثم زرع دعامة معدنية "الدعامة" stent بالشريان التاجي مما يبقيه مفتوحا ويسمح للدم بالتدفق بحرية.

 

3- مجازة القلب  Heart bypass

 

وتعرف أيضا باسم طعم مجازة الشريان التاجي coronary artery bypass grafting (CABG) وتستخدم لعلاج الشرايين الضيقة أو المسدودة التي تزود عضلة القلب. وتتم لعلاج مرضى الشريان التاجي والذبحة الصدرية.

 

ويتم أخذ وعاء دموي من جزء آخر من جسم الشخص، ويربط بالشريان التاجي أعلى وتحت المنطقة التي فيها تضيق أو انسداد.

 

4- جراحة الصمام  Valve surgery

هو عملية جراحية لعلاج صمام تالف في القلب، وتتم عبر تمديد stretching أو إصلاح أو استبدال الصمام.

 

5- زرع القسطرة الأبهري TAVI (Transcatheter Aortic Valve Implantation)

 

بالنسبة للبعض قد لا تكون خيارات إصلاح الصمامات أو استبدالها مناسبة، لذلك يتم زرع قسطرة، بإدخال القسطرة (أنبوب مجوف) مع بالون في طرفه بشريان في الفخذ مثلا، ثم تدخل القسطرة بالقلب داخل فتحة الصمام الأبهري، ويتم نفخ البالون بلطف لإفساح المجال لصمام الأنسجة الجديد الذي تم وضعه في موضعه، بحيث يصبح الصمام الجديد داخل الصمام التالف.

 

6- التدخلات لعلاج عدم انتظام ضربات القلب، وهو إيقاع غير طبيعي للقلب. من هذه التدخلات الجراحة، وزرع أجهزة ضبط نبضات القلب.

 

7- زراعة القلب

 

وفيها يتم استبدال القلب المريض بآخر صحيح، وهو علاج مخصص عادة للأشخاص الذين جربوا الأدوية أو العمليات الجراحية الأخرى ولكن حالتهم لم تتحسن بشكل كاف.

 

وزراعة القلب ليست مناسبة للجميع وتحمل مخاطر خلال المراحل السابقة للعمليات وبعدها وكذلك أثناء الشفاء، ومع ذلك فإن فرصة المريض بالحياة بعد العملية كبيرة، مع توفير رعاية متابعة مناسبة.

 

عودة للدراسة

 

الدراسة الأميركية الجديدة وجدت أن الدعامات stents ليست أفضل من الأدوية بالنسبة لكثير من مرضى القلب، وقال الباحثون إن الكثير منهم الذين يعانون من حالات حادة لكن مستقرة ويخضعون بشكل متكرر لتدخل طبي لفتح الشرايين المسدودة والضيقة سيصلون لذات النتيجة من خلال تناول أدوية وتغيير أسلوب حياتهم.

 

وأضاف الباحثون أن مقترحاتهم إذا تم تبنيها في الممارسات الطبية فقد توفر مئات الملايين من الدولارات التي تصرف سنويا على الرعاية الصحية لمرضى القلب.

 

والدراسة التي دعمتها الحكومة وتكلفت نحو مئة مليون دولار طرحت باجتماع للرابطة الأميركية للقلب في فيلادلفيا بأكبر دراسة من نوعها تبحث فيما إذا كان هناك فائدة إضافية من الإجراءات التي تتخذ لاستعادة تدفق الدم الطبيعي في مرضى القلب ذوي الحالة المستقرة عن العلاج الأكثر تحفظا مثل تناول الأسبرين والأدوية التي تخفض نسبة الكوليسترول بالدم وإجراءات أخرى.

 

وكانت دراستان سابقتان على الأقل قد خلصتا إلى أن توسعة الشرايين ووضع الدعامات وفتح مجرى جنبي بديل للدم إضافة للعلاج الطبي لا تخفض بنسبة كبيرة من احتمالات الإصابة بالأزمات القلبية ولا احتمالات الوفاة مقارنة بالعلاج الذي لا يشمل تدخلا جراحيا.

 

وتقول د. جوديث هوتشمان أخصائية أمراض القلب بمركز لانجون في جامعة نيويورك التي ترأست الدراسة إن نحو خمسمئة ألف يشخصون كل عام بالإصابة بحالة مستقرة من أمراض الشريان التاجي التي يتسبب فيها ضيق الشريان في ألم بالصدر خاصة بعد التمرن أو التعرض لضغوط عاطفية.

 

وأضافت "هناك خوف على الدوام من أنك إن لم تفعل شيئا بسرعة فسيصابون بأزمة قلبية ويموتون". لكن الدراسة التي أجريت على مدى سبع سنوات بمشاركة 5179 مريضا لم تظهر فائدة كبرى للتدخلات الجراحية السريعة. لكن العلاجات التدخلية أدت بالفعل لتحسن في الأعراض وفي نوعية الحياة اليومية لمن كانوا يعانون من ألم متكرر بالصدر.

 

وخلال إجراء الدراسة تلقى الجميع أدوية ونصائح متعلقة بأسلوب الحياة، وأضيف على ذلك لنحو نصف المشاركين إجراء تدخلي. وفي بداية فترة الدراسة شهدت المجموعة التي تلقت علاجا تدخليا متاعب متعلقة بالقلب أكثر من التي تلقت أدوية فحسب، لكن ذلك تغير في العام الرابع. وفي النهاية لم تكن هناك فروق كبيرة بين المجموعتين.

 

لكن من المبكر توديع الجراحة

 

في الحقيقة فإن الدراسة لا تعني أن الجراحة لم تعد ضرورية، فهناك حالات يكون فيها اللجوء للجراحة أمرا حتميا ومنقذا للحياة. ولكن الدراسة تشير إلى أن هناك بعض الحالات التي قد لا تحتاج للجراحة، وهي الأشخاص المصابون بحالة مستقرة من أمراض الشريان التاجي.

 

الأمر الآخر أن عدم إجراء الجراحة إذا كانت ضرورية قد يؤدي لمضاعفات وخيمة تصل للوفاة، فالدواء ليس علاجا كافيا في كثير من الحالات، وأيضا تغيير نمط الحياة، لأن الضرر في القلب حدث بالفعل.

 

فحتى رئيسة الدراسة تقول إن نتائج الأبحاث لا تنطبق على كل مرضى القلب وأوضحت "إذا كان هناك من هو مصاب بأزمة قلبية فالدعامات تنقذ الحياة".

 

أضف إلى ذلك من ميزات الجراحة -وفقا للكثير من أطباء القلب والأوعية الدموية- أن المرضى الذين يحصلون على دعامات للشرايين يشعرون بتحسن فوري.

 

بالمقابل فإن الدراسة -الأكبر من نوعها- قد تشكل بداية لمراجعة توصيات الجراحة القلبية، وهو أمر يتطلب دراسات أخرى بالتأكيد، لأن التوصيات الطبية لا تستند لدراسة واحدة، بل تحتاج إلى معطيات كثيرة تتعاضد لتدعم تعديل التوصيات الجراحية.

 

التوصية الأخيرة للمرضى ضرورة المتابعة مع الطبيب، ومناقشة أي استفسارات معه، وأيضا يمكن الحصول على أكثر من رأي طبي من أكثر من متخصص. ففي النهاية حق المريض أن يفهم الخيارات العلاجية المتاحة له وإيجابياتها وسلبياتها قبل اتخاذه القرار.


التعليقات