أحمد الشلفي يكتب عن: تعز .. من مستوطن إلى ساكن أصلي!
- أحمد الشلفي الإثنين, 06 أبريل, 2020 - 11:40 صباحاً
أحمد الشلفي يكتب عن: تعز .. من مستوطن إلى ساكن أصلي!

[ الكاتب الصحفي أحمد الشلفي ]

تنويه

 

هذا النص هو فصل من عمل طويل أعمل عليه وأحببت أن أشارككم أياه ومنفتح على الملاحظات والنقد.

 

............

 

تعز.. المدينة النائمة في حضن جبل صبر وقلعة القاهرة حيث حكم الرسوليين في القرن السادس الهجري وكانت القاهر نواة مدينة تعز آنذاك.

 

لا تنام تعز باكرا غير أنها ليست مدينة تعشق السهر فعشرات الآلاف من سكانها عمال ،وموظفون في المصانع ومعلمون، وطلاب، وباعة لكن كثير من السكان هنا يهاجرون إلى الأعلى بعد الظهيرة حيث جبل صبر فاردا ذراعية لطلاب السهر والنميمة والصحبة والشيشة والقات والقادمين من المدن الأخرى بحثا عن ليل ممتع ومدينة تزينها أضواء الليل البهية .

 

بعد الظهيرة يتسلل اليها المئات من هؤلاء بالقات يقطعون بسياراتهم تلك الطريق الملتوية الى الاعلى وكأنها لاتكاد تنتهي، آخر قمة في الجبل حصن العروس أوكمايسمى في المدينة جبل العروس .

 

الباحثون عن متعة يجدون ضالتهم في هذه الاماكن التي هيأها اصحابها لخدمة القادمين من المدينة هناك غرف فيها متكئات للشلل الباحثة عن المتعة وتطل كل غرفة على المدينة بشكل خرافي يضعك في قلب المدينة.

 

مقابل عينيك تماما منطقة ثعبات والمجليةوهي المنطقة التي يقطنها أبناء وأحفاد هائل سعيد أنعم ورجال أعمال ومشايخ آخرون وهي من أرقى المناطق في تعز تشعر وكأنك هنا بأنك لست في تعز فيلات أنيقة بمسابح ومساحات واسعة ومحال فخمة تخدم سكان المنطقة الأغنياء .

 

على يسارك هناك الحوبان منطقة تحاول أن تتمدن رغم حضور وسط المدينة وسطوتها فيها جامعة تعزوهناك ايضا مصانع مجموعة هائل سعيد أنعم وهي مصانع للشوكلاتة والبسكويت والاسفنج تحتل مساحة واسعة من الحوبان ويعمل فيها آلاف الموظفين غيرأنها لاتشبه روح المدينة بل إنها تشبه ابناء البيت التجاري الذين درسوا في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية قادمين ببدلاتهم الأنيقة وأفكارهم في البحث عن ثراء أكثر من مدينة معزولة.

 

عزلتها السياسة إذحرص حاكم اليمن علي عبدالله صالح على عزلها عن الحكم والإنتاج وذهب ابناؤها كل مذهب في التشظي والتقاسم بين أيديولوجيات الأحزاب بينها ماهو إسلامي واشتراكي وناصري وقومي وبعثي والكثير من هذه التسميات.

 

على يمينك من أعلى جيل صبر يمكنك أن تتابع بمد البصر الجحملية والحارة الداخلية وجامع المظفر والباب الكبير وباب موسى وأبعد منها بير باشا والضباب وفي الوسط يمكنك رؤية شارع جمال الذي طالما شهد أعنف وأجمل قصص الغرام التعزي وفي الأعلى فوق حارة الضبوعة تحديدا فندق الأخوة وهو أحد أقدم فنادق الخمسة نجوم لكنه أغلق وبجانبه استراحة تقدم الشيشة والمأكولات وهناك ايضا أماكن وغرف للمخزنين بالقات يتبادلون الأحاديث ويستمرون هناك حتى الفجر.

 

 

تعز مدينة الأعالي والمرتفعات والجبال وهي كذلك مدينة المساحات المفتوحة ورغم أنها مدينة جميلة وتستحق أن تكون على بحر إلا أنها بعيدة عنه بحوالي مئة كيلو حيث مدينة المخا الساحلية التي تنتمي للساحل الغربي وهي بعيدة عن المدينة.

 

شخصية التعزي تشبه شخصية المدينة المتفاوتة الجغرافيا فهي شخصية قلقة تبحث عن ذاتها في الأسماء والوجوه والعابرين ،شكلتها الظروف المناخية والجغرافية بالإضافة إلى كونها شخصية يصعب الإمساك بها لتحديد فكرة أو موقف رغم أن المدينة تعد مخزن المواقف السياسية والأحزاب والأيديولوجيات إلا أنها بعيدة عن الفكرة قريبة من التملص او لنقل شخصية هروبية وإدمان الهروب هو سلوك بعض الشعوب وهوية بعض المدن التي احتضنت الأفكار لكنها لم تؤمن بها بسبب المخاوف من الموت والاعتقال والاختطاف وتعز مدينة لديها الكثير من الذكريات السيئة مع السياسة ومجاهيلها.

 

بقي شارع التحرير الأسفل وشارع التحرير الأعلى وعصيفرة التي تمتد للمخلاف ثم للأفيوش وهذي مناطق قريبة من قرى العدين التابعة لمحافظة إب وهي حكاية أخرى عن العلاقة بين تعز وإب فهي من جهة الحوبان قريبة من إب لنصف ساعه وهي كذلك من اتجاه عصيفرة قريبة من مناطق تتبع أب.

 

هذا القرب الجغرافي جعل أهل العدين يستوطنون تعز وخاصة شوارع عصيفرة والتحرير ويعمرون بنيانها ويفتحون المحال والمطاعم والمصارف ومحال الخياطة والنجارة والحدادة وورش اصلاح السيارات والتجارة وكل شيء حتى المساجد.

 

 

في كل مدينة مستوطنون أجانب وتعز فيها مستوطنون من كل مكان في اليمن ومن هويات خارج اليمن لكن أهل العدين لم يعودوا مستوطنين فقد صاروا السكان الأصليين فرضوا أنفسهم على المدينة وقاطنيها واصبحوا السكان الأصليين.

 

تعز لا ترحب بك كمستوطن لكن لديها القدرة على التعامل معك كأمر واقع ،يعني أنك تستطيع فرض نفسك عليها بما أنت كقيمة مادية لا كإنسان ،وتقريبا ذلك هو طباع المدن التي تقع في الوسط اذ تجد نفسها ملاذا إجباريا للقادمين من الجهات الأربع.

 

التعزي أيضا بسبب ظروفه وإيمانه بالعمل كقيمة لا يبدو مضيافا وهكذا هو مجتمع المدن العاملة، فمطاعم تعز أو ما يسمى بالمخبازة تستقبل الناس صباح مساء ولا تحتاج لاستضافة أحد في منزلك.

 

المهم أن طابع المدينة وسلوك سكانها غير مفهوم بسبب الظروف الاقتصادية وكونها في الوسط واستجابة سكانها للصرامة الأيديولوجية بمعنى انه مجتمع محكوم بقوانين دائما وليس كغيره من مناطق شمال الشمال التي تبدو الفوضى السمة الرئيسية للشخصية وللمدن .

 

هنا لا يمكن التفريق بين المدن كما لا يمكن التفريق بين النساء او الرجال او أي شيء آخر سوى بما يمكن أن تراه بعينيك وأن تلمسه.

 

في تقديري سلوك المدن والأماكن مثل سلوك البشر .. لكنك لا تستطيع التنبؤ بسلوك البشر أحيانا كما تستطيع التنبؤ بسلوك المدن التي يسكنونها.

 

في جنوب البلاد مثلا وخاصة عدن ،وتعز بالمناسبة يسمونها ريف عدن تشبه طباع هذه المدن طبائع مستعمريها.

 

 

الجنوب يضم عدن ولحج والضالع أبين وشبوة والمهرة وحضرموت وسقطرى وهذه مناطق خضعت للاستعمار البريطاني قبل الوحدة اليمنية لأكثر من مئة عام.

 

عود الاستعمار المواطنين هناك على الراتب الحكومي وانتظار المعونة الحكومية فصار الفرد أقل انتاجا.

 

بطبائعهم وسلوكياتهم في الجنوب والشمال والشرق والغرب استقبلت تعز كل هؤلاء العدني والحضرمي والشبواني والتهامي والصنعاني والمحويتي وكل اليمنيين حيث كانت قبلة الفارين ومن لديهم مشاكل سياسيه أو قبلية.

 

وعجنت تعز بكل هذه الهويات وأصبحت مدينة عابرة لكل ذكريات اليمنيين السيئة والجيدة.


التعليقات