عام الخسائر العسكرية للحكومة اليمنية.. الكلمة للمليشيات شمالاً وجنوباً
- العربي الجديد - زكريا أحمد السبت, 26 ديسمبر, 2020 - 04:49 مساءً
عام الخسائر العسكرية للحكومة اليمنية.. الكلمة للمليشيات شمالاً وجنوباً

[ شكّلت مأرب ساحة رئيسية للمواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين (فرانس برس) ]

وضعت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، جملة من الأهداف لعام 2020، على رأسها استعادة مؤسسات الدولة، وتحرير المحافظات الخاضعة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، لكن عوضاً عن ذلك كانت على موعد مع فقد مكاسبها القديمة لتتحول إلى "ضيف شرف" حتى في المدن المحررة جنوباً. في الشمال، انقضّت جماعة الحوثيين على مديرية نهم شرق صنعاء، وصولاً للسيطرة على محافظة الجوف وغالبية مديريات البيضاء، فضلاً عن تضييق الخناق على مأرب. وفي الجنوب، أشهَرَ الانفصاليون البطاقة الحمراء في وجه الشرعية، معلنين الإدارة الذاتية في محافظات عدن ولحج وأبين وسقطرى، والسيطرة على مؤسسات الدولة ومواردها الشحيحة.

 

بدأ الوهن يظهر على الشرعية منذ الأيام الأولى لعام 2020، إذ فرّطت أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، في مكاسب كانت قد راكمتها منذ سنوات في مديرية نهم الاستراتيجية، والتي كانت دائماً ما توصف بأنها مفتاح تحرير العاصمة صنعاء.

 

وإلى جانب العنصر البشري الضخم الذي تم الدفع به لمعركة فاصلة شرق صنعاء، اعتمدت جماعة الحوثيين خلال معارك 2020 على استراتيجية الحرب النفسية في ضرب الشرعية بالتحالف السعودي الإماراتي، وتفكيك كيان الجيش الوطني وكذلك القبائل الموالية له. وتمحورت الاستراتيجية الحوثية حول نشر لقطات مصورة لمعسكرات عريضة بكامل عتادها العسكري وقد وقعت تحت قبضة الجماعة، إلى جانب نشر وثائق هامة تحوي تفاصيل عن قوام الجيش ومعلومات تخصه، وهو ما ساهم في تقهقر معنويات القوات الحكومية التي تراجعت للوراء وأفسحت الطريق أمام الجحافل الحوثية لغزو المدن من دون قتال حقيقي، كما حصل في الجوف.

 

لم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ دأبت جماعة الحوثيين على شق تحالفات داخل القبائل الموالية للشرعية، وتسويق أخبار بشكل شبه يومي، تفيد بعودة العشرات من قوات الشرعية الذين كانت تصفهم بـ"المغرر بهم" إلى صنعاء بعد "إعلان التوبة".

 

وقال جنود في المنطقة العسكرية الثالثة بمأرب لـ"العربي الجديد"، إنّ الشرعية ساهمت في مسلسل الانكسارات التي حدثت خلال هذا العام، وذلك من خلال تجويع أفراد الجيش الوطني وحرمانهم من مرتباتهم لأشهر عدة، فضلاً عن تمكين قيادات عسكرية غير نزيهة من إدارة الألوية والجبهات، والتي غالباً ما تتهم ببيع الذخيرة المقدمة من التحالف السعودي لفصائل مسلحة تهرّبها بدورها للحوثيين.

 

عملية إسقاط مقاتلة حربية من طراز "تورنيدو" في الجوف منتصف فبراير/شباط الماضي، واستمرار أسر طاقمها السعودي إلى الآن، منحت هي الأخرى جماعة الحوثيين دفعة معنوية وحافزاً أكبر لقضم المزيد من الأراضي، إذ أعلنت الجماعة بعد الحادثة بشهر، وتحديداً في 17 مارس/آذار الماضي، السيطرة على مديريات الجوف كافة، باستثناء مناطق في مديرية خب والشعف.

 

استغلّ الحوثيون تلك المكاسب والمواقع الاستراتيجية في شنّ هجمات مزدوجة على منابع النفط والغاز، الهدف الثمين بالنسبة للجماعة، والتي بدأت بشنّ عمليات واسعة من محاور صرواح بمأرب ومفرق الجوف (نقطة التقاء الطريق الرئيسي الرابط بين صنعاء ومأرب) وصولاً إلى العلم (بمديرية خب والشعف بمحافظة الجوف) التي تهدد منابع صافر (بمحافظة مأرب).

 

وفي البيضاء، أتاحت المعركة السريعة التي أشعلها القيادي في حزب المؤتمر والزعيم القبلي ياسر العواضي، ضدّ الحوثيين في مديرية ردمان آل عواض، فرصة سانحة لـ"أنصار الله" لفتح ثغرة غير متوقعة للشرعية من اتجاه جبهة قانية (شمال البيضاء). وأواخر يونيو/حزيران الماضي، كانت الجماعة قد بدأت بالتوغل بالفعل في المديريات الجنوبية لمأرب.

 

وخلال الفترة من يوليو/تموز الماضي وحتى الآن، لم تحصد جماعة الحوثيين مكاسب سهلة كتلك التي تمت في نهم والجوف والبيضاء. وعلى الرغم من إحكام السيطرة على مديريتي رحبة وماهلية جنوبي مأرب، إلا أنّ الجماعة اصطدمت باستبسال غير مسبوق في القتال من قبل المقاتلين القبليين الذين أظهروا التفافاً واسعاً حول القوات التابعة للشرعية في الدفاع عن مناطقهم، وفقاً لخبراء عسكريين.

 

وفي السياق، قال ماجد الشميري، وهو من أفراد الجيش الوطني بمأرب، لـ"العربي الجديد"، إنّ جماعة الحوثيين كانت تتوعد بأن يأتي 21 سبتمبر/أيلول (ذكرى اجتياح صنعاء)، وقد سيطرت على قلب مدينة مأرب ومنابع النفط، لكنها أصيبت بخيبة أمل، على الرغم من أنها رمت بكل ثقلها في سبيل تحقيق ذلك التحدي. وأضاف: "على الرغم من الهجمات من رحبة جنوباً ومدغل الجدعان وصرواح ونهم، إلا أنّ المليشيات لم تحقق أي تقدم يستحق الذكر، بل تعرضت لأكبر عملية استنزاف بشري وخسرت آلاف المقاتلين والقيادات البارزة خلال أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، على وجه التحديد".

 

واستبعد العسكري اليمني أن تتمكن جماعة الحوثيين من الحسم في مأرب عسكرياً خلال الأيام المقبلة، في حال لم تحدث أي عملية سياسية، لافتاً إلى أنّ الأسابيع الأخيرة من عام 2020 الحالي شهدت ترتيب صفوف الشرعية بشكل أفضل في المنطقة العسكرية السابعة والثالثة والسادسة، خلافاً لما كانت عليه بداية العام، وأن العام المقبل سيكون مختلفاً.

 

وبعيداً عن مأرب التي باتت المسرح الأبرز للعمليات العسكرية البرية والجوية خلال 2020، توقع خبراء عسكريون تحدثوا لـ"العربي الجديد"، عدم حدوث تغيير جذري في خارطة السيطرة والنفوذ على الأرض خلال الأشهر المقبلة، خصوصاً أنه لم تعد هناك محافظات، غير مأرب، تشكل مطمعاً حقيقياً للحوثيين، فضلاً عن قناعة لدى الشرعية والتحالف السعودي باتخاذ وضعية الدفاع فقط، من دون البحث عن استعادة ما تمت خسارته.

 

على الرغم من توقيع اتفاق الرياض في نوفمبر 2019، إلا أنّ "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، لجأ إلى قوة السلاح بهدف انتزاع مكاسب سياسية، إذ منع عودة الشرعية لممارسة مهامها من العاصمة المؤقتة عدن، قبل أن يعلن أواخر إبريل/نيسان الماضي، ما يسمى بـ"الإدارة الذاتية" في مدن الجنوب. وسيطر الانفصاليون على مؤسسات الدولة في عدن، وعجزوا عن تطبيق خطوتهم في حضرموت والمهرة، لكنهم واصلوا مسيرة التمرد المسلح إلى جزيرة سقطرى التي قاموا بإسقاطها، مطلع يونيو الماضي، وطرد محافظها رمزي محروس.

 

وعلى الرغم من تفجّر الوضع عسكرياً بين الشرعية والانفصاليين في محافظة أبين، منتصف مايو/أيار الماضي، إلا أنّ السعودية أجبرت الحكومة اليمنية على تقديم المزيد من التنازلات تحت مسمى آلية جديدة لتطبيق اتفاق الرياض. وبموجب الآلية التي تم طرحها في 29 يوليو الماضي، أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارات أسند فيها محافظة عدن لمحافظ انفصالي هو أحمد حامد لملس، وكلّف معين عبد الملك بتشكيل حكومة جديدة يشارك فيها "المجلس الانتقالي الجنوبي".

 

وبعد سلسلة من التعقيدات، لم تبصر الحكومة الجديدة النور سوى في 18 ديسمبر/كانون الأول الحالي. ومن إجمالي 24 حقيبة، حظي "المجلس الانتقالي" بـ5 حقائب، بعد التنفيذ الشكلي للشق العسكري من اتفاق الرياض.

 

وعلى الرغم من تشكيل الحكومة، والإشادات الدولية التي كالت المديح للسعودية، تبعث الطريقة والاستعجال الذي تم به تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض، إشارات غير مطمئنة حول شكل المرحلة المقبلة، في ظلّ نوايا مبيّتة من الانفصاليين لاستخدام الشرعية كواجهة لإدارة عدن.

 

وإضافة إلى عدم تمكين مدير شرطة عدن أحمد حامد من ممارسة مهامه بعد نحو 5 أشهر من تعيينه بقرار جمهوري، قال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إنّ "المجلس الانتقالي" يسعى إلى فرض ما تسمى بقوات الحزام الأمني والدعم والإسناد باعتبارها اللجنة الأمنية لعدن، ومنحها مهام تأمين المرافق السيادية، بالتوازي مع تعنّت لناحية عدم السماح لألوية الحماية الرئاسية بدخول عدن.

 

وفي ظلّ المؤشرات السلبية، يعتقد مراقبون أنّ الفترة المقبلة لن تشهد تغييراً جذرياً على الأرض في عدن ومدن الجنوب، ولن تستعيد الشرعية قبضتها على مؤسسات الدولة المختطفة من قبل الانفصاليين منذ أكثر من عام.

 

وفي هذا الإطار، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبد الله دوبلة، أنّ "ما حدث أخيراً بين الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي أشبه بهدنة مؤقتة لن تقود إلى أي تغيير، في ظلّ استمرار السيطرة الأمنية والعسكرية للانفصاليين على العاصمة المؤقتة عدن". وقال دوبلة، في حديث مع "العربي الجديد": "سنكون أمام حكومة مشلولة محدودة الصلاحيات، وستجد نفسها محاصرة في قصر معاشيق الرئاسي، ومضطرة إلى دفع المرتبات للانتقالي وجنوده".

 

وأشار الكاتب اليمني، إلى أنّ "المؤشرات تؤكد أنه لن يكون بمقدور الوزراء كافة العمل من عدن، وأنّ المجلس الانتقالي لن يسمح بعمل إلا من ترضاه الإمارات، وهو ما سيجعل بعض الوزراء يمارسون مهامهم من الرياض، كما فعلت الحكومات المتعاقبة منذ 2015".


التعليقات