نشر يوم الجمعة 26 فبراير موقع" أم الدنيا" المقرب من الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي، رسما كاريكاتوريا مسيئا لملك المملكة العربية السعودية سلمان بن عبدالعزيز.
ويظهر في الكاريكاتور الملك سلمان وهو يتلقى في ظهره صاروخا مكتوب عليه" عاصفة الحزم"، بينما صور الرسم الملك سلمان وهو يصرخ ويبكي بعد تعرضه للصاروخ.
ولم يكن ذلك الاستفزاز هو الأول من نوعه، الذي يصدر عن وسائل إعلام مُقربة من النظام المصري.
وفي الخامس والعشرين من الشهر الجاري كشفت مصادرلوسائل اعلام عربيه عن رفض عدد كبير من المشروعات التي قدمتها الحكومة المصرية لمستثمرين سعوديين وشركات، ويأتي هذا بالتزامن مع تصعيد إعلامي من قبل الوسائل التابعة للنظام المصري، ترتفع حدته من آن لآخر، خاصة منذ تشكيل التحالف العربي في مارس العام الماضي.
العلاقات المصرية السعودية
تربط مصر والسعودية علاقة ظلت وطيدة، على الرغم من الخلافات التي تنشأ بين البلدين في مختلِف الأوقات، تزداد حدتها أو تكاد تتلاشى، مع التغيير الذي يحدث في أعلى هرم السلطة في كلا البلدين.
وشهدت العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية منذ ثورة يناير 2011 تناغما بعض الشيء، وعد توافق أحيانا أخرى، أبقى فيه البلدين بينهما على خط ، لا يمكن تجاوزه، لما تقتضيه طبيعة العلاقة بينهما والمصالح المشتركة، نظرا للقرب الجغرافي بين البلدين، والذي يحتم على الطرفين مراعاة المصلحة القومية، لا المصلحة الفردية.
علاقة النظام المصري مع السعودية مع صعود السيسي للسلطة، لم تخرج ذلك التوصيف، إذ لم تنتهج مصر سلوكا مغايرا في علاقتها مع الأخيرة، منذ تولي محمد مرسي الحكم في مصر، على الرغم من الحديث في عهده، عن حدوث قطيعة بين نظامه والسعودية.
فهناك من يرى أن السعودية تسعى لاسترضاء النظام المصري، وإن اختلفت معه، لأن المملكة لا تريد أن تخسر مصر، وتحديدا في هذا الظرف الصعب الذي تعيشه المنطقة، كما يعدها البعض وتركيا، خيار المملكة لتشكيل مثلت يخدم مصالحها.
لماذا التصعيد/ رمزية الإساءة للملك
ينظر الكثيرون لما حدث من تصعيد من قبل دولة مصر بحذر شديد، بعد الإساءة لرأس السلطة في السعودية، المتمثلة بالملك سلمان، وكلما كانت الإساءة تقترب من أعلى هرم السلطة، دل ذلك على خلاف عميق قد تزداد حدته،.
يرى المحلل السياسي د. عبدالباقي شمسان في حديث لـموقع ( الموقع):" أن الطرف المصري يسعى إلى رفع مستوى الافتراق إلى درجة عالية، في توقيت حرج يجبر الطرف المستهدف الذي هو" السعودية" على التفاوض والتسريع في حل ذلك التباين، للتفرغ لقضايا أخرى ذات أولوية ملحة وحرجة".
كما يعتقد:" أن السلطة المصرية ترفع مستوى الاحتدام، بهدف الاقتراب المشروط بالمنافع، وليس الافتراق".
د. عبدالباقي أوضح أيضا أنه:" عندما نقارب الفعل السياسي والاتصالي، لا نحصره بالأثر المعلن المباشر، والمتمثل بتعبئة الجماهير أو التصريح بموقف الدول، وإنما يرتبط بشدة بتهيئة الجماهير؛ لتحول نقيض مع السياسات السابقة، وذلك ما يستوجب إعلان مبررات موضوعية لذلك التحول، في حال ما تكون سياسية السلطة الحاكمة شفافة وثابتة وعقلانية، أو رفع مستوي التصعيد لدرجة تهدد بالمخاطر المترتبة مجتمعيا، جراء ذلك التصعيد المتعمد، مما يستوجب التدخل من خلال لقاءات أعلى هرم السلطة، بهدف التوصل إلى توقف الذهاب نحو احتدام الصراع بمختلف تعبيراته، أو تدخل أطراف أخرى محل ثقة للطرفين، تعمل على امتصاص المحفزات، وتغيير مساراته بشكل مغاير تماما".
وأشار إلى أن:" التصعيد قد يحدث بفعل الاتفاق المسبق بين السلطة الحاكمة، حتى تبرر التحول في سياستها تجاه طرف النزاع، كاتفاق بين السعودية ومصر، أو دون اتفاق، حيث يسعى طرف إلى التصعيد من طرف واحد، بحيث يحتل ذلك الصراع أولوية، تستدعي التدخل الثنائي أو المتعدد، بهدف احتواء الأزمة، وإعادة العلاقات إلى مسارها".
الدور المصري
كما هو معروف تعد مصر والسعودية قطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي، وكلما زاد التشابه في المواقف بين البلدين، زاد التقارب بينهما، وحدث استقرار أكبر في المنطقة، والعكس.
ولعبت مصر دورا مهما في المنطقة العربية، طوال العقود الماضية، إلا أنها لم تعد حاضرة وبقوة منذ 2011 ، بعد أن انشغلت بالحرب ضد الإرهاب، وحربها ضد الخصوم في الداخل المصري، ومع ذلك ما تزال طرفا مهما.
إلا أن السياسة الخارجية التي تتبعها مصر، أغضبت السعودية، وأضرت بمصر وجعلتها تلعب دورا هامشيا لا يؤثر كثيرا، فأخذت تفقد مكانتها، وأصبحت أداة للضغط، للدفع في بعض الملفات الشائكة في المنطقة العربية لا أكثر.
كما كان واضحا بأن هناك أطرافا خارجية تدفع مصر للعب دور متذبذب في المنطقة، لخدمة أهداف محددة.
وعلى الرغم من ذلك، واتهام البعض لنظام السيسي باستعداد للتطبيع مع إسرائيل، سعت مصر لأن تكون حليفا أساسيا لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة، وكانت شريكا فاعلا في التحالفات التي عملت السعودية على إنشائها، لحل المشكلات في المنطقة، كالتحالف العربي، والتحالف الإسلامي ضد الإرهاب لكنها شريك غير فاعل بحسب المراقبين اذ يتهمون نظام السيسي بالضغط على المملكة في اكثر من ملف بهدف الإبتزاز.
التقارب الإيراني المصري
مصر تتخذ من إيران وسيلة للضغط على دول الخليج وتحديدا السعودية، لتحقيق مصالحها، ويشبه العديد من المراقبين العلاقة بين مصر وإيران بـ" رقصة التانجو"، فكما سعت المملكة العربية السعودية لإرضاء مصر وإبقائها داخل المربع العربي، عملت إيران هي الأخرى على تهيئة كل الفرص، واستغلال كل السُبل لتنجح في حدوث تقارب بين الدولتين، ومصلحة إيران من ذلك أكبر، إذ لن يتحقق لمصر أية مصالح تضاهي مصالح الأولى، إذا ما وقفت مصر في صف إيران، وخسرت الدول العربية التي تقاوم التمدد الإيراني.
ومنذ 2012 بدأ الحديث عن إمكانية حدوث تقارب مصري إيراني، إلا أن الكثيرين استبعدوا إمكانية حدوث ذلك، نظرا لوجود اختلافات جوهرية بينهما، وللبعد الجغرافي بين البلدين، وهو ما يعني عدم وجود مصالح مشتركة بينهما، تتساوى مع المصالح التي تكون بين دولتين متقاربتين جغرافيا.
وتزايد الحديث عن حدوث التقارب بين البلدين، بعد توصل طهران لاتفاق مشترك مع دول 5+1 بشأن برنامجها النووي، إذ ستسعى مصر للاستفادة من الإنعاش الذي حصلت عليه إيران، للحصول على فرص تعاون مشتركة تدعم اقتصادها، إلا أن ذلك لم يتضح بشكل جلي حتى اللحظة، فإيران ما تزال متورطة بعدة حروب في المنطقة، وما ستحصل عليه من إيران المنهكة، لن يساوي ما تقدمه لها السعودية ودول الخليج من مساعدات في مختلف المجالات.
ولكن تبقى إيران الدولة التي تفتح ذراعيها لمصر طوال الوقت، لتحتويها، وتتلهف إيران لحدوث تقارب، إلا أن ذلك يخيف مصر أكثر، لأنه سيتعين عليها أن تعيش نوعا من العزلة في محيطها.
خيار التصعيد
بعد نشر رسم كاريكاتوري من قبل موقع مقرب من النظام المصري، لم يحدث أي تطور في ردود الفعل بين البلدين، فالموقع الإلكتروني الذي يقال انه يتبع أجهزة استحباراتبة مصريه قد يثير الكثير من علامات الاستفهام لكن من المستبعد حدوث أي تصعيد، لأن هناك مصالح أكبر بين البلدين، ولن يتجرأ الموقف الرسمي المصري أن يكون داعما لخيار القطيعة بين السعودية ومصر، فمصر لن تجازف، لأنها لن تجد الحليف القوي الذي تعتمد عليه، خاصة في دول الجوار، التي تعاني أوضاعا داخلية غير مستقرة البتة.
كما أن السعودية عملت طوال السنوات الماضية على دعم مصر، متجاوزة كل الخلافات، لأنها تريد لمصر أن تبقى حاضرة وفاعلة في الملفات الشائكة في المنطقة، وعلى الأقل هي لا تريدها أن تذهب إلى المعسكر الإيراني.