عن خلافات الرياض وأبوظبي المكتومة
- العربي الجديد - مصطفى عبد السلام الإثنين, 05 يوليو, 2021 - 10:37 صباحاً
عن خلافات الرياض وأبوظبي المكتومة

[ الخلاف بين الرياض وأبوظبي لا يقف عند الملفات الاقتصادية (الأناضول) ]

تشهد علاقة الرياض وأبوظبي هذه الأيام توتراً لا تخطئه عين مراقب، توتر ظهرت ملامحه بقوة في التصعيد الأخير المتعلق بوضع العاصمتين الخليجيتين قيوداً على حركة سفر المواطنين من البلدين.

 

أمس السبت، قررت السلطات السعودية منع السفر من وإلى الإمارات، وأعلنت وزارة الداخلية بالمملكة تعليق الرحلات الجوية إلى ثلاث دول، من بينها الإمارات، في خطوة قالت إنها تستهدف الوقاية من السلالة الجديدة من فيروس كورونا، بحسب بيان رسمي.

 

القرار السعودي أزعج الإمارات، لأسباب عدة، من أبرزها أن السعودية وضعتها في قائمة واحدة مع دول لديها قطاع صحي متدهور مثل أفغانستان وإثيوبيا وفيتنام، وهو ما ظهر في تساؤل نائب رئيس شرطة دبي السابق، ضاحي خلفان، مستهجناً في تغريدة: "هل النظام الصحي في الإمارات لمواجهة كورونا في نفس مستوى الرعاية الصحية في أفغانستان وبنغلاديش؟".

 

كما أن الإمارات، خاصة إمارة دبي، تعتبر من وجهات الاستجمام الرئيسية للمواطنين السعوديين، وبالتالي فإن القرار السعودي يعمق أزمة دبي المالية ويؤثر بشدة على قطاعها السياحي والعقاري، خاصة أن السعودية تحل عادة في المركز الثاني على قائمة الأسواق العشرة الرئيسية لزائري دبي الدوليين.

 

السعودية تمنع السفر من وإلى الإمارات، وضاحي خلفان يتساءل: هل النظام الصحي في الإمارات لمواجهة كورونا في نفس مستوى الرعاية الصحية في أفغانستان وبنغلاديش؟"

 

كما أن السوق السعودي استحوذ على نحو 50% من إجمالي عدد الزوار الخليجيين في دبي، التي استقطبت نحو 7.77 ملايين زائر سعودي منذ العام 2015، منهم أكثر من 1.5 مليون سعودي في العام 2019 وحده.

 

وبسرعة ردت الإمارات على القرار السعودي، إذ أعلنت شركة طيران الإمارات، اليوم الأحد، أنها ستعلق جميع رحلات الركاب من وإلى السعودية حتى إشعار آخر، بسبب قرار المملكة منع السفر إليها، وأنه لن يتم قبول المسافرين الذين يصلون إلى السعودية كوجهة نهائية للسفر في 5 يوليو/ تموز 2021 أو بعده.

 

ليس هذا وجه الخلاف الأبرز بين الرياض وأبوظبي، فهناك خلاف أعمق يحدث حالياً داخل "أوبك+" وهو التحالف النفطي الذي يضم دول منظمة أوبك بقيادة السعودية ومنتجين من خارجه بقيادة روسيا.

 

فقبل سنوات قليلة كان الموقف الخليجي شبه موحد داخل المنظمة النفطية العالمية، خاصة في القرارات المهمة المتعلقة بزيادة الإنتاج أو خفضه وفي سياسات التحكم في اتجاهات الأسعار، لكن في الاجتماع الأخير الذي عقد يوم الخميس الماضي اتسعت هوة الخلافات بين العاصمتين الخليجيتين، وهو ما أدى إلى فشل الاجتماع وعدم توصله إلى قرار موحد بشأن الاتفاق حول زيادة الإنتاج وتلبية الطلب العالمي المتزايد.

 

قبل اجتماع الخميس الماضي كان هناك ما يشبه الاتفاق بين السعودية، التي تقود منظمة أوبك، وحلفائها من خارجها بقيادة روسيا على زيادة الإنتاج بمقدار نصف مليون برميل يومياً، مع إمكانية رفع السقف في وقت لاحق.

 

الإمارات تحبط اتفاقا سعوديا روسيا بشأن زيادة الإنتاج النفطي نصف مليون برميل يوميا، وتُفشل مفاوضات أوبك+ يوم الخميس الماضي

 

ومع انطلاق الاجتماع تبنّت السعودية وروسيا رسمياً اقتراح الزيادة بدءاً من شهر أغسطس/ آب، ثم زيادة الإنتاج تدريجياً بمليوني برميل حتى ديسمبر/ كانون الأول المقبل، إلا أن الإمارات رفضت الاتفاق واعتبرته غير عادل، بل وعرقلته، إذ طالبت بشروط أفضل لنفسها من حيث زيادة حصتها الإنتاجية.

 

والملفت أن السعودية وروسيا كانتا في موقف واحد مقابل الموقف الإماراتي رغم الحرب النفطية الشرسة التي خاضها البلدان في شهر إبريل/ نيسان 2020، وهو ما أدى وقتها إلى انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية وتهاوي سعر البراميل لنحو 20 دولاراً.

 

لا يقف الخلاف السعودي الإماراتي عند وباء كورونا وتحالف أوبك+، أو عند اتفاق سقف الإنتاج، بل تلوح الإمارات من وقت لآخر بالانسحاب من المنظمة النفطية، وهو ما قد يُغضب السعودية التي تقودها أوبك باعتبارها أكبر منتج للنفط، وتريد الحفاظ على هذه المؤسسة المعبرة عن مصالح الدول المصدرة للنفط.

 

ساحة خلافات أخرى بين البلدين الخليجيين ظهرت قبل شهور، إذ قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إنه اعتباراً من العام 2024، ستتوقف الحكومة عن منح عقود حكومية لأي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط في أي دولة أخرى غير المملكة.

 

القرار أغضب الإماراتيين الذين اعتبروه محاولة من جانب الرياض لانتزاع الريادة المالية من الإمارات خاصة من إمارة دبي، بل وتحدياً جديداً لأنشطة الأعمال والسياحة في الإمارات التي تعاني من أزمات مالية بسبب تفشي وباء كورونا وقبلها تهاوي أسعار النفط.

 

الخلاف بين بين الرياض وأبوظبي لا يقف عند الملفات الاقتصادية، بل يمتد لملفات سياسية تتعلق بمستوى وحجم وسرعة التطبيع مع دولة الاحتلال واليمن والسودان والمصالحة الخليجية

 

الخلاف بين بين الرياض وأبوظبي لا يقف عند الملفات الاقتصادية، بل يمتد لملفات سياسية أخرى تتعلق بمستوى وحجم وسرعة التطبيع مع دولة الاحتلال واليمن والسودان والمصالحة الخليجية وغيرها من الملفات الإقليمية.

 

الخلافات بين الدول أمر طبيعي ومتعارف عليه في الأعراف الدولية، وهو بالمناسبة شيء صحي، إذ إن كل دولة تبحث عن مصالحها وحماية أمنها القومي، المهم أن يكون الخلاف لمصلحة الشعوب والدول، وليس مجرد رد فعل ومناكفات سياسية ولأسباب شخصية ومبررات ضيقة.


التعليقات