[ الاعتماد على الاستيراد ساهم في تراجع الإقبال على المنتجات اليدوية (فرانس برس) ]
تتراجع الأعمال اليدوية والتقليدية التي برع فيها المجتمع اليمني وباتت مهددة بالانقراض، على وقع تراجع حرف يدوية وانخفاض عددها ومستويات انتشارها وإنتاجيتها، كما هو حال مهنة تنجيد المفروشات والأثاث، والتي يطلق عليها في بعض المناطق اليمنية "الندافة".
في تعز جنوب غربي اليمن، يلاحظ تراجع عديد الأعمال والمهن، والتي مثلت هذه المدينة انطلاقتها نحو الانتشار بمنتجات كانت خلال فترات متنوعة محل رواج وإقبال كبير لدى اليمنيين، إذ كانت مفروشات المنجّدين تجد طريقها إلى مختلف مساكن اليمنيين في مختلف المناطق والمدن والأرياف. يقول الحاج عبد الله العزي، وهو من المنجدين القدماء في مدينة تعز، لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر إلى ترك هذه المهنة بعد أن تراجع الطلب على منتجاتها التي افتقدت لوسائل الترويج والتسويق والتحديث في الأدوات المستعملة في التنجيد وغزل القطن الثقيل، إلى جانب التطورات الحديثة، وعدم قدرة كثير من العاملين في هذه المهنة على مجاراتها والتعامل مع غزو الإسفنج، كما يؤكد العزي، للأسواق اليمنية.
واختفت كثير من الأعمال المرتبطة بالتنجيد التي كانت منتشرة في أسواق تعز القديمة أو في محال خاصة بالتنجيد وإعادة تأهيل الأثاث والمفروشات القديمة والقطنية، كانت تنتشر في شوارع وأحياء المدينة، أو في مناطقها الريفية التي كانت مزارا دائما للحرفيين والمهنيين العاملين في التنجيد ممن يفضلون التجول في القرى والمناطق الريفية. ويلفت المواطن حسان قايد، من سكان إحدى المناطق الريفية في تعز، إلى توقف المنجدين أو "الندافين" (المصطلح الذي يفضل سكان المناطق الريفية اليمنية استخدامه)، عن زيارة مناطقهم الريفية التي اعتادوا التجول فيها من فترة لأخرى، لتنجيد المفروشات القطنية وإعادة تأهيل مختلف الأثاث والمفروشات والقيام بتنجيدها و"ندفها" أو غزلها على آلات يدوية قديمة.
كما شهدت هذه المهنة اندثارا في مدن أخرى مثل صنعاء وعدن، في ظل ما واجهه بعض المهنيين المنجدين ممن استمروا بالعمل خلال السنوات الماضية من صعوبات وتحديات أجبرتهم على التوقف والبحث عن عمل آخر أو التحول للعمل في مجال التنجيد بالطرق الحديثة المعتمد على الآلات والمعدات المتطورة.
ويفيد حرفيون وعاملون في المهن التقليدية في صنعاء، بأن هناك عديد التغيرات التي طرأت في هذا المجال من الأعمال اليدوية. من هذه العوامل والتغيرات بروز الإسفنج المضغوط كمادة رئيسية في تكوين "الفرشان" ومعظم الأثاث والمجالس المضغوطة والموكيتات ومختلف مكونات أثاث المنازل.
ويلاحظ ما تعانيه أسواق صنعاء الشعبية القديمة من ركود كبير في الأعمال المهنية والحرفية واليدوية، وانخفاض قدرات العاملين في هذه المهن والأعمال في مقاومة التجريف الحاصل لأعمالهم ومهنهم ومستوى تأثير الحرب عليهم وانتشار المنتجات المستوردة والمقلدة وعدم الاهتمام بمنتجاتهم.
ويتحدث في هذا الصدد لـ"العربي الجديد"، محمد الضبيبي، الذي يدير مركزا تجاريا لتنجيد الأثاث والمفروشات، عن أن كثيرا من المركز والمحال التجارية العاملة في هذا النوع من الأعمال أصبحت تعتمد على المواد الإسفنجية وبقايا القطع من الأقمشة في منتجاتها، والذي يختلف عما كان معمولا به في مجال التنجيد "الندافة" اليدوية، والتي كان يتم فيها غزل المفروشات القطنية الثقيلة القديمة التي يطلق عليها في بعض المناطق اليمنية "العطب"، وهي آلة تقليدية يدوية.
ويخالفه الرأي عامل التنجيد اليدوي علي قاسم، والذي يكاد يكون من النادرين الذين يتم مشاهدتهم في صنعاء لا يزالون يعملون في هذه المهنة، بقوله إن منتجات التنجيد اليدوي تتميز بقدرات تنافسية تفوق ما استحدثته المراكز والمشاغل المعتمدة على الآلات الحديثة، بجودتها وقدراتها على البقاء لفترة أطول من المنتجات الأخرى للحرفية العالية التي تعمل على غزلها وتكوينها وإعدادها.
ويصر قاسم على مقاومة كل الصعوبات والتحديات التي لم يستطع غيره من العاملين في هذه المهنة التعامل معها ومقاومتها.
ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنه لا يزال هناك "زبائن" أو عملاء يفضلون التنجيد اليدوي، خصوصاً من الأسر والمواطنين محدودي الدخل ممن أصبحوا في ظل الظروف الراهنة الصعبة غير قادرين على تأثيث مساكنهم بالمفروشات أو تجديدها، وبالتالي يلجأ بعضهم إلى إعادة تأهيل ما يمتلكونه من أثاث ومفروشات بالذات القطنية القديمة، وبالتالي توفير مبالغ طائلة يمكن دفعها على منتجات المراكز التجارية باهظة الثمن.
وتشهد الأسواق المحلية في اليمن ارتفاعات قياسية في أسعار الأثاث والمفروشات التي يلاحظ انتشار عملية بيعها في محال ومراكز تجارية كبيرة وواسعة في مختلف المدن.