تسبب الانهيار الكبير والمتسارع للعملة اليمنية الريال خلال الأيام الماضية في الانقضاض على ما تبقى من أمل وحلم بامكانية الاستمتاع بعيد الأضحى، الذي يصادف بعد غد الثلاثاء، في وقت يعيش فيه أغلب اليمنيين أسوأ حالة في تاريخهم الحديث.
ويعد الأضحى لليمنيين هو العيد الديني الكبير الذي يحتفون به بكل ما أوتوا من قوة، من خلال شرائهم للملابس الجديدة وأيضا أضحية العيد، التي يجتهدون في الحصول عليها بأي ثمن، حيث يعد العيد المناسبة اليتيمة التي يأكلون فيها لحم خروف أو ماعز أو لحم البقر، بسبب الغلاء الكبير وانعدام القدرة الشرائية للحصول على اللحوم في بقية أيام السنة، إثر انعدام مصادر الدخل جراء الحرب التي تعصف بالبلاد منذ الانقلاب الحوثي على الدولة في 21 أيلول (سبتمبر) 2014.
وشهد الريال انهيارا كبيرا خلال الأيام الماضية، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد أمامه عتبة 1000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، لأول مرة في تاريخ الريال، بعد أن كان ثابتا عند عتبة 215 ريالا قبل اندلاع الحرب.
وأصبحت مشكلة انهيار العملة حديث الساعة في الشارع اليمني والقصة الكبرى التي تعصف بكل بيت، حيث انقضت على ما تبقى من قيمة العملة، التي كانت أصلا غير متوفرة، ونادرة بسبب انقطاع رواتب الموظفين، وانعدام فرص العيش ومصادر الدخل للغالبية العظمى من الناس، والذين تقدرهم المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة بأكثر من 80 في المئة من عدد السكان، الذين أصبحوا تحت خط الفقر.
وأكد رئيس الحكومة معين عبدالملك هذه القضية بوضوح فقال إن «الهم الأكبر لكل اليمنيين هو موضوع العملة، والانهيار الكبير وغير المسبوق الذي يؤثر على حياة الكل وعلى القدرة الشرائية ويفاقم من حدة الوضع الإنساني».
وذكر أن وضع الاقتصاد اليمني في أسوأ حالته وأنه بحاجة إلى مليار ونصف المليار دولار «لتوفير غطاء من العملة الأجنبية حتى نستعيد دورة زيادة الإيرادات». موضحا أن إيرادات النفط والغاز متواضعة، وقال إن «إنتاجنا منه بسيط، ونعمل على زيادته، هذا ما نحتاج سنوياً».
وأرجع أسباب انهيار العملة إلى ان «اقتصاد الحرب ينشأ في مساحات أو على حساب الدولة وسلطاتها» وهو ما أخرج الاقتصاد عن سيطرة الحكومة الشرعية. مشيرا إلى أنه «كان من المؤمل بعد اتفاق الرياض أن يتيح التوافق السياسي ليشارك الجميع في إجراءات أكثر حزماً لسلطات الدولة في عدن وبقية المحافظات بشكل أو بآخر» في إشارة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة الذي لعب دورا في انهيار سيطرة الحكومة الشرعية على العديد من المحافظات الجنوبية وفي مقدمتها العاصمة المؤقتة للحكومة عدن، وبالتالي سيطرة ميليشيا الانتقالي الجنوبي على موارد الدولة هناك والدفع بالحكومة إلى أزمة خانقة كبّلت جهودها باتجاه السعي للحصول على موارد كافية لتغطية العجز الكبير في الانفاق الحكومي وفي تعزيز قيمة العملة الوطنية.
وأوضح رئيس الوزراء اليمني في لقاء تلفزيوني بثته قناة «الشرق» الفضائية ان مساحات اقتصاد الحرب «نشأت لتقوّض مؤسسات الدولة، وهناك من يريد إعاقة عمل الحكومة لاستعادة كل قوى وسلطات الدولة وقوة مؤسساتها، هناك ممانعة من هذه الشبكات، اقتصاد الحرب دائماً يمانع ويعرقل أي إجراءات لإصلاحات حقيقية» في إشارة واضحة إلى وجود لوبي كبير يلعب في كافة المواقع على استمرار ورقة الحرب وإطالة أمدها، حتى يواصلوا استثمارهم لحالة الحرب في الحصول على الكثير من الامتيازات والعائدات.
وفي الوقت الذي يتهم فيه الشارع اليمني قيادة الحكومة بالغرق في أوحال الفساد وعلى رأسهم معين عبدالملك، قال ان «التذرع بموضوع الفساد ليس سبباً لعدم مساعدة اليمنيين، لأن هناك إجراءات وحوكمة تساعد على العمل بشفافية» وهي إشارة إلى إحجام المجتمع الدولي عن دعم الحكومة اليمنية، للشعور بأن أموال الدعم الدولي لا تذهب للمستفيدين الحقيقيين من ذلك وهو الشعب اليمني.
ووجه عبدالملك رسالة للمجتمع يستجديه الوقوف إلى جانب حكومته فقال «نحن على استعداد أن نعمل بشفافية مطلقة مع المجتمع الدولي والأشقاء والأصدقاء لمكافحة الفساد». وأضاف «لدينا إشكالية الآن وهي تدهور سعر العملة وهناك إجراءات اقتصادية» للحد من ذلك.
وفي ظل هذا الوضع لم يعد اليمنيون يؤمنون بإمكانية نجاح جهود الحكومة في إنقاذ الريال اليمني، نظرا لكثرة تجاربها الفاشلة في هذا المضمار منذ بداية الحرب وحتى اليوم، وبالتالي يشعرون أن العيد المقبل سيضيف عليهم أعباء كبيرة وسيكون ضيفا ثقيلا عليهم يخطف الفرحة من أفواههم وأفواه أطفالهم الذين طالما كان العيد بالنسبة لهم المتنزّه الوحيد الذي يشعرهم بالفرحة والمحطة الوحيدة لاستئناف زخم العيش في أعاصير الحياة الهادرة.