تحوّلت الجرعة الثانية من لقاح فيروس كورونا إلى عبء في اليمن، بسبب عدم توافر كميات كافية منها لإعطائها في الموعد المحدد للأشخاص الذين تلقوا الجرعة الأولى قبل شهرين.
كما ظهرت سوق سوداء لبيع اللقاح في ظل الاندفاع الكبير للحصول عليه، خصوصاً لدى المغتربين والراغبين في أداء مناسك الحج أو السفر إلى الخارج.
في نهاية مارس/ آذار الماضي، حصل اليمن على 360 ألف جرعة من لقاح "أسترازينيكا" من خلال منظومة "كوفاكس" لتعزيز التوزيع العادل للقاحات والتي تخضع لإشراف منظمة الصحة العالمية.
وكان يفترض أن تُمنح أولوية للعاملين الصحيين والفئات الضعيفة في المجتمع من أجل حمايتهم من الفيروس. لكن ضعف الإقبال جعل السلطات الصحية توسّع رقعة المستفيدين إلى كل شرائح المجتمع.
ومع اشتراط السعودية تلقيح المغتربين اليمنيين كي يستطيعوا دخول أراضيها مجدداً واستئناف ممارسة أعمالهم على أراضيها، تضاعف الإقبال في شكل لافت، خصوصاً خلال الفترة الممتدة من 20 إبريل/ نيسان إلى 7 مايو/ أيار الماضيين.
وفيما تحدد منظمة الصحة العالمية موعد الجرعة الثانية من اللقاح خلال فترة تتراوح بين 8 أسابيع و12 أسبوعاً بعد أخذ الجرعة الأولى، تخلّفت كل المحافظات اليمنية عن هذا الموعد بسبب عدم وصول الكميات المطلوبة أو تعرض بعضها للتلف، بحسب ما علمته "العربي الجديد" من مصادر صحية.
وأبدى عدد من اليمنيين تخوفهم من أن يؤدي التضارب في مواعيد أخذ اللقاحات إلى مشاكل صحية أو انتكاسة في المناعة، خصوصاً لأولئك الذين اقترب موعد حصولهم على الجرعة الثانية.
يقول الموظف الحكومي في مدينة تعز، عبد الواسع الصلوي، لـ "العربي الجديد": "كان يجب أن أتلقى الجرعة الثانية في الثامن من يوليو/ تموز الجاري، لكن المرافق المخصصة للقاحات أبلغتني أن الكمية لن تتوفر إلا بعد انقضاء إجازة عيد الأضحى".
ويشير إلى "وجود سمسرة، وسوق سوداء أخفت دفعة من الجرعة الثانية للقاحات، وتعمدت بيعها إلى المغتربين والراغبين في السفر إلى الخارج، مقابل نحو 100 دولار أميركي".
سمسرات
يزعم كثيرون أن "أعمال السمسرة" تشمل بالدرجة الأولى بطاقات التحصين الخاصة بلقاح كورونا التي يحتاج إليها المغتربون والراغبون في السفر إلى الخارج، علماً أن وزارة الصحة اليمنية منحت المطعمين بالجرعة الأولى بطاقات ورقية رفضتها بعض الدول، ما جعلها تصدر بطاقات إلكترونية تتقيد بالنظام المعتمد في دول مجاورة.
ينفي نائب مدير الإعلام والتثقيف في مديرية الصحة بمدينة تعز، تيسير السامعي، الاتهامات الخاصة بإخفاء لقاحات أو بيعها. ويقول لـ "العربي الجديد": "من أخذ الجرعة الأولى حتى تاريخ 7 مايو/ أيار الماضي، أعطي الجرعة الثانية في الوقت المحدد".
يوضح السامعي، وهو عضو في لجنة مواجهة وباء كورونا في تعز، أن "برنامج إعطاء الجرعة الثانية محدد في 23 يوليو/ تموز الجاري، أي بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى، علماً أن غالبية الكميات الأولى ذهبت إلى المغتربين".
ويكشف أن السلطات اليمنية تنتظر تلقي لقاحات من شركة "جونسون أند جونسون" الأميركية لاستخدامها في الجرعة الثانية من التطعيم. وأيضاً من أجل بدء تطعيم المواطنين بجرعة واحدة فقط وليس جرعتين، كما يحصل عبر لقاح "أسترازينيكا".
وفي ظل تشكيك واسع لدى اليمنيين في فاعلية اللقاحات والأعراض المصاحبة لها، لا يمكن معرفة طبيعة رد فعل الذين أخذوا الجرعة الأولى من لقاح "أسترازينيكا" حين يتبلغون أن الجرعة الثانية ستمنح من نوع مختلف هو "جونسون أند جونسون"، وإذا ما كانوا سيتقبلون عملية المزج بين اللقاحات.
تلف لقاحات
من المقرر أن يتلقى اليمن 1.9 مليون جرعة من لقاح كورونا خلال العام الحالي. لكن التجربة السابقة أظهرت تلف كميات من الدفعة الأولى، في بلد يشهد انهياراً للخدمات الأساسية وعدم توافر أماكن حفظ ملائمة جراء انقطاع التيار الكهربائي وافتقاد ثلاجات التبريد التي تعمل على مدار الساعة، رغم أن منظمة الصحة العالمية زوّدت السلطات الصحية بـ 13 ألف صندوق أمان لتخزين اللقاحات.
وحتى اليوم، لا تزال عملية التطعيم ضد فيروس كورونا محصورة في مناطق نفوذ الحكومة اليمنية، في ظل رفض جماعة الحوثيين التعاطي بجدية مع الوباء، وامتناعها عن تطعيم العاملين في القطاع الصحي بالجرعة الأولى التي تسلمت كمية 10 آلاف جرعة منها من منظمة الصحة العالمية في إبريل/ نيسان الماضي.
واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان السلطات الحوثية بتعريض العاملين الصحيين لخطر غير ضروري عبر التقاعس عن تنفيذ الخطوات المتاحة في مواجهة وباء كورونا، وتقويض الجهود الدولية لتوزيع اللقاحات.
وأورد بيان أصدرته المنظمة في 7 يوليو/ تموز الماضي أن "معظم العقبات أمام التلقيح ترتبط مباشرة بعدم استعداد السلطات الحوثية الواضح للتعامل بجدية مع الوباء، إذ لُم تعلن عن إنشاء مراكز تلقيح، ولم تشجع العاملين الصحيين على أخذ اللقاح. كما فرضت عليهم التبرع بالدم قبل الحصول على اللقاح".
عائدون من الهند
وفيما ينتظر في الفترة المقبلة تزايد عودة اليمنيين العالقين حالياً في الهند التي تعد بؤرة لمتحورات جديدة من الوباء، في وقت أكدت وزارة الصحة عودة 306 منهم منذ مطلع يوليو/ تموز الجاري، في إطار عملية نفذت على دفعتين، وشهدت إخضاعهم لحجر صحي في فندق بعدن.
حاول وزير الصحة قاسم بحيبح طمأنة المواطنين بالقول: "جميع العائدين من الهند خضعوا لفحوص مخبرية أكدت خلوهم جميعاً من فيروس كورونا"، لافتاً إلى أنه لن يتم استقبال الدفعة الثانية من العالقين والتي تضم 151 شخصاً إلا بعد اتخاذ كل الإجراءات المطلوبة.
واللافت أن الأرقام المسجلة لدى السلطات اليمنية لا تعكس حقيقة تفشي الوباء على الأرض. وتحدد وزارة الصحة التابعة للحكومة المعترف بها دولياً في عدن عدد الإصابات بـ 6952 بينها 1366 وفاة حتى 12 يوليو/ تموز الجاري، في حين تتكتم وزارة الصحة التابعة للحوثيين على الأرقام، رغم إعلانها وفاة 97 من الكوادر الصحية خلال العام الماضي، في العاصمة صنعاء الخاضعة لنفوذ الجماعة.
مخاوف من موجة جديدة
شهد يونيو/ حزيران الماضي انحساراً ملحوظاً في عدد الإصابات بالفيروس، لكنّها ظهرت مجدداً في عدد من محافظات اليمن، مطلع يوليو/ تموز الجاري، بينها حضرموت وعدن وشبوة، ما أوجد مخاوف من موجة تفشٍّ جديدة خلال موسم عيد الأضحى الذي يشهد عادة حفلات زفاف ومصافحة، ضمن طقوس يرفض المجتمع اليمني التخلي عنها حتى في ذروة الوباء.