توكل كرمان.. "المرأة الحديدِية" في بلد مضطرب بفوضى الثورات المضادة
- قناة بلقيس - مازن محمد السبت, 24 يوليو, 2021 - 08:34 مساءً
توكل كرمان..

[ الناشطة اليمنية توكل كرمان ]

عادة ما يُطلق لقب "المرأة الحدِيدية" على النساء اللائي يتولين مناصب حكومية في بلدانهن، ويُعرفن بالإرادة القويّة في مواجهة ظروف البيئة السياسية والاقتصادية للبلد.   

 

غير أن هذا اللّقب ليس حكراً على تلك النسوة المسؤولات فقط. كثيراً ما أطلقت الصحافة ووسائل الإعلام هذا اللّقب على نساء جسورات أُخريات، حققن نجاحاتٍ لا فتةً في مجالات عامة، خاصة قضايا الدِّفاع عن الحقوق والحُريات.

 

تُعد الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة "نوبل" للسلام، توكل كرمان، واحدةً من النّساء الشُّجعان اللاتي واجهن الرَّصاص الحيَّ والقمع، دفاعاً عن الحقوق والحُريات وقضايا المرأة.

 

امتلكت إرادةً فولاذيةً وبأسَ المحاربين في مواجهة الظّلم والطغيان الذي مارسته أجهزة نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

 

ولا تزال تمْضي في هذا السبيل بإرادة قوية لا تلين، بعد سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، في ظلِّ تواطؤ إقليمي ودولي.

 

مراراً، تحمِّلُ كرمان الرئيس المخلوع صالح كل أسباب الخراب الحاصل في البلد، بسبب تقويضِه الدولة وتحالفِه مع الحوثيين، انتقاماً من ثورة 11 فبراير.

 

وقد واجهتْ بشجاعةٍ محاولاتِ أجهزتِه لقمع صوتها خلال الثّورة، فيما كان تكتل أحزاب المعارضة أضعف نشاطاً عن المواجهة، حتى من مجرّد إصدار البيانات.

 

بيْن فينةٍ وأخرى، توجّه نقداً لاذعاً للرئيس المخلوع، مطالبةً اليمنيين بإزدراء جرائمه بحق الشعب.

 

ليس جديداً التأكيد أنَّ هذا التحالف القبيح قد أفرز حرباً إقليميةً مدمرةً، تقودها السعودية والإمارات، بحُجة استعادة الشرعية.

 

ورغم دخول الحرب عامها السابع، توسّعت المليشيات شمالاً وجنوباً وغرباً، بمباركة ودعمِ التحالف السعودي - الإماراتي.

 

الآن، تبدو الخارطة اليمنية يتقاسمها ثلاثةُ نفوذ: مليشيا الحوثي شمالاً، والمجلس الانتقالي جنوباً، وقوات طارق صالح في 'الساحل الغربي'.

 

ثمَّة ثلاثة مشاريع واضحة النّفوذ على الأرض، مدعومة من الإمارات. لكن ما يجمَعها هو عِداؤها الشديد لكرمان، إذ تُعِد نشاطها الدّولي البارز معرقلاً لاستمرار الأجندة التخريبية.

 

لقد جنّدت دول الثورات المضادّة جيشاً إلكترونياً، مهمّته التشويش، وكيل الشتائم ضد كرمان.

 

أضحت هناك مهمّة وحيدة للذُّباب الالكتروني المجنَّد من قِبل دول الثورات المضادّة في المنطقة، وتقف على رأسِه السعودية والإمارات ومصر، وهي مهاجمة كرمان بطُرق تفتقد للأخلاق غالباً.

 

غير أن ذلك لم يمنعْها عن الحضور والنّشاط المُثير للجدل في مجالات شتّى. غالباً ما تُعد كلماتها ومنشوراتها بمثابة سهمٍ حارقٍ للخصوم.

 

أخبرني صديق -ذات مرّة- بأنّه يتجنّب الجدل المُثار في صفحات "الفيس بوك"، إلى حد أنّه قد يُصاب بوعكة صحيّة تمتد إلى أسابيع، بسبب خوفه من أي تعليق جارح.

 

كان يستحضر الجدل الذي تثيره كرمان في صفحات "الفيس بوك" و"تويتر". مبدياً إعجابه الذاهل بشجاعتها، وشكيمتها، وقدرتِها على تحمّل كمٍ هائلٍ من الشتائم والتجريح.

 

تبدو كنموذج فريد في بلد لديه وفرة في السلاح، وحديث عهد بتقلّد النساء النّشاط العام، ماضيةً في سبيل واضح غير عابئة بتلك الإساءات.

 

كما لم توفّر أحداً من القيادات المتآمرة على البلد بما في ذلك الرئيس هادي، الذي عادةً ما تطلق عليه صفة "الدَّنبوع"، بسبب ارتضائه الارتهان في أحضان السعودية.

 

كما تصف رئيس الحكومة معين عبد الملك بأنّه مجرد سكرتير للسفير السعودي محمد آل جابر.

 

ولا تأخذها القضايا المثيرة للجدل بعيداً عن الوجهة الصحيحة حول ما يجري، خاصةً حين يحاول البعض تبرِئة السعودية ممّا تمارسه الإمارات جنوباً وغرباً.

 

تقول في منشور عبر صفحتها في "فيسبوك" إن "السعودية هي من تقود التحالف رسمياً وعملياً، وهذا ما يعرِفه العالمُ، وما هو مُعلن أمامَه".

 

وتتابع: "تتحمّل السعودية، تبعاً لذلك، المسؤوليةَ القانونيةَ عن كلِّ جرائم التحالف، سواءً ارتكبتها هي أو ارتكبتها إحدى الدِّول الأعضاء".

 

بل إنّها ترى أن السعودية "أمُّ الدَّواعش"، لأنها استغلت إرهاب 'داعش' الحوثية لتمارس إرهاباً وتدميراً وتنكيلاً مماثلاً في اليمن.

 

لذلك، لم تتوقّف حملات الاستهداف المتكررة لشخصيَّتها في وسائل إعلام الثورات المضادَّة، لكنّها تبدو بائسة للمآلات التي تنتهي إليها.

 

آخرها، قرار تعيينها ضمن عشرين شخصاً على مستوى العالم في مجلس الرَّقابة على محتوى "فيس بوك".

 

يحاول الخصوم مجتمعين سلوكَ دروبٍ بائسةٍ للهجوم، وتبدو أطرفَها محاولاتُهم، في وقت سابق، جمع توقيعات لسحب جائزة "نوبل" منها.

 

في الواقع لا تكمن قوّة كرمان في النّفاذ إلى العالمية كطَوق نجاةٍ من حملات الاستهداف، بل تكمن في شخصيَّتها المتمرِّدة والشُّجاعة. إذ منذ تولَّت النّشاط العام، أظهرت شجاعةً غيرَ منقطعة النظير.

 

كما تمرَّدت على خوف النُّخب المُزمن. لم ترهبْها أجهزة قمع نظام صالح، وهو في ذروةِ قوَّته، ولم تكن ليِّنة الجانب لكل مُغريات السلطة.

 

مضت في طريق النِّضال من أجل الحقوق والحُريات، ولا تزالُ فيه، رغم وقوعِ البلدِ في براثن ومستنقع قوَّاد الثورات المضادَّة، بتواطؤ كيانات ومليشيات محلية.

 

رغمَّ كل ذلك، ليس من الوارد إطلاقاً أن تستسلم القِوى الوطنية المقاومة للعبث والخراب المتواصل، كما لنْ تستطيع الحملات المموَّلة أن تُسكت أو تغيِّب عنّا صوتاً دولياً مؤثراً.


التعليقات