عاصم عبد العزيز: تخطي الحدود من خلال فيلم تجريبي يمني
- معهد دول الخليج العربية في واشنطن الثلاثاء, 29 مارس, 2022 - 07:08 مساءً
عاصم عبد العزيز: تخطي الحدود من خلال فيلم تجريبي يمني

[ مشهد من فيلم "1941"، 2021. (صورة من عاصم عبد العزيز) ]

على الرغم من العراقيل التي تفرضها الحرب التي تدور رحاها في البلاد، لا يزال مشهد الفن المعاصر في اليمن قائمًا بفضل القاعدة الشعبية التي بناها الشباب اليمني. على سبيل المثال، قام الفنان اليمني إيبي إبراهيم بالاشتراك مع أمينة المعرض، المقيمة في لندن، ليزي فارتانيان كوليير (Lizzy Vartanian Collier) بإقامة معرض الفن المعاصر في اليمن، أرشيف، وتم افتتاحه في صنعاء في عام 2019، حيث يعمل المعرض على الترويج لفنانين من اليمن والشتات اليمني، معتمدًا على انستجرام للتواصل مع الجمهور. وعلى نحو مماثل، تعمل بعض المؤسسات مثل عدن أجين (Aden Again)، وهي مبادرة شبابية أنشأها مازن شريف عام 2012 على انستجرام وفيسبوك للارتقاء بالوعي الثقافي والمشاركة الفنية في جميع أنحاء عدن.

 

ينخرط العديد من الفنانين اليمنيين الشباب في موضوعات تتجاوز الحرب والعنف، في مسعى لتصوير البلاد بشكل أدق. فتقوم نسرين نادر، مصورة من عدن وحائزة على جوائز الإرشاد من مؤسسة الأمير كلاوس، بتصوير حياة الشارع، حيث تعمل على التقاط مشاهد الحياة اليومية اليمنية، التي غالبًا ما تغفل عنها وسائل الإعلام الدولية. وعلى نحوٍ مشابه، يستخدم معين الأرياني، وهو فنان تشكيلي مقيم في صنعاء، التصوير الفوتوغرافي أيضًا ليروي قصص شوارع اليمن الصاخبة، مع التركيز على المشاعر والحواس. وتقوم عفراء أحمد، وهي فنانة وسائط متعددة من عدن ومقيمة حاليًا في ماليزيا، باستكشاف الفضاء والفن المعماري التاريخي في اليمن من خلال عملها المفاهيمي.

 

تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع عاصم عبد العزيز، صانع أفلام شاب من عدن ومخرج فيلم “1941” الصادر حديثًا والحائز على جائزة، للاطلاع على المزيد من نهجه التجريبي في أسر المشاعر أثناء الصراع المتواصل في اليمن.

 

*هل لك أن تحدثنا قليلاً عن خلفيتك وعن أولى تجاربك في صناعة الأفلام؟

 

**أنا فنان ومخرج سينمائي أقيم في اليمن. نشأتُ في مدينة عدن، وقد أثر هذا على شخصيتي وعملي ونمط حياتي. أحاول دائمًا إنتاج أعمال فنية وأفلام تتسم بالبساطة، وتعكس الحياة اليمنية التي قد لا يعرف الغرباء الكثير عنها.

 

بعدما نشبت الحرب في عام 2015، سافرت إلى كوالالمبور في ماليزيا للحصول على درجة البكالوريوس في التجارة الدولية. وكنت على مدى السنوات الأربع التي أمضيتها هناك، ألتقط صورًا للبلاد بهاتفي فقط وليس بطريقة احترافية.

 

رجعت إلى اليمن، في عام 2019، معتقدًا أنني سأبدأ العمل في مجال دراستي. لكنني أدركت، حال عودتي، أن هناك الكثير من القصص التي يجب روايتها. لذلك، بدأت الاقتراب من الفن من خلال تصوير حياة الشارع التي تعكس المشاعر والمظاهر النفسية للأشخاص الذين يعيشون في بلد مزقته الحرب. بدأت بتصوير الشوارع والناس، ثم تحولت إلى الفن التجريبي، وهو الوسيلة التي ساعدتني حقًا في التعبير عن مشاعري بشكل أفضل. الفن التجريبي، بالنسبة لي، هو نهج لا يتطلب قواعد أو معايير يجب اتباعها، وهذا بالتحديد ما أحبه فيه. أنا لا أحب القواعد ولا أحب أن يملي عليّ أحد ماذا أفعل. ثم تحولت بعد ذلك إلى العمل في مجال الفيديو بدلاً من التصوير الفوتوغرافي لأنني أريد قول الكثير ولا يمكن التعبير عن ذلك بالصور.

 

* هل بدأت رحلتك في التصوير بوجود أي خلفية فنية؟

 

** بصراحة لا. ليس هناك فنانين بين أفراد أسرتي، لكنهم مهتمون جدًا بالفن. أمي طبيبة وأبي مدرس. لكنني نشأت على الاستماع إلى الأغاني ومشاهدة الأفلام، وكانوا يصطحبونني إلى المسارح كلما كانت هناك مسرحية. لذلك، انخرطت في الفن منذ طفولتي، وكانوا يدعمونني دائمًا في السعي لتحقيق ما أحب.

 

لذلك، أعتقد أن الأمر كله يتعلق بالمهارات والشغف. في الحقيقة بدأت التصوير الفوتوغرافي في ماليزيا لأن البيئة هناك تساعدك، حقًا، على التعبير عن مشاعرك دون أحكام ومشاكل مجتمعية. فأنا عادةً ما أستخدم جسدي كشكل من أشكال التعبير، وفي الدول العربية، لا يتمتع الرجل بهذه الحرية في التعبير عن مشاعره من خلال الجسد. لذلك، في ماليزيا، كانت لدي الحرية الكاملة لفعل ما أريد. عندما عدت إلى اليمن، حافظت على النهج نفسه. كان الأمر صعبًا في البداية؛ وشكك الكثير من الناس في عملي، ولكن مع مرور الوقت، تم تقبل ذلك. أصبح الفن والتصوير بالنسبة لي نوعًا من العلاج وطريقة للتعبير عن مشاعري.

 

* اذكر لنا بعضًا من الأشياء التي حاولت التقاطها من خلال التصوير بعد عودتك إلى اليمن.

 

**أحب علم النفس كثيرًا. عندما عدت إلى اليمن، بعد أن كنت قد أمضيت أربعة أعوام أتمتع بالسلام التام والحرية الكاملة، كنت استمع يوميًا لقصص حقيقية، ولكنها محزنة جدًا في الوقت نفسه. لدى الناس الكثير من الأشياء التي يريدون قولها، ومن المؤسف أنه لم يتوفر لهم ما يكفي من الوسائل التي تعكس مشاعرهم. قلت لهم، “لا أريد الحديث عن البنادق، ولا عن الدم، ولا عن دمار الأبنية. أريد الحديث عن مشاعركم. كيف غيرتكم الحرب؟ ما هي التجارب التي مررتم بها؟” كان ذلك هو النهج الذي استهواني.

 

*هل ألهمك أي شخص أو فنان؟

 

**رغم أنني أُركز عادة على مشاعري الخاصة، إلا أن هناك فنانين ألهموني للبدء، وخاصة إيبي إبراهيم، وهو فنان يمني لاحظ عملي في البداية وتواصل معي. صراحةً، لقد ساعدني كثيرًا معرض إيبي، المسمى معرض أرشيف. ليس لدينا معاهد أو مدارس فنية في اليمن، لذلك كان من الصعب عليّ فهم هذه الصناعة. لقد ساعدني معرض أرشيف، حقًا، في وضع الأسس للارتقاء بعملي وفهمه وفهم عمل الآخرين.

 

أنا محاط بالفنانين هنا في عدن. أعمل في شركة تدعى عدنيوم للإنتاج الفني بإدارة عمرو جمال. وهو مخرج يمني قام بإخراج فيلم “10 أيام قبل الزفة“، وهو فيلم مشهور تم عرضه قبل بضعة أعوام. لذلك، فقد عملت مع الكثير من الفنانين في مثل هذا النوع من البيئة لأنني أريد لطريقة تفكيري أن تكون آمنة. ولكي أكون آمنًا في بلد مثل اليمن، يجب أن أكون محاطًا فقط بالفن، والأشخاص الذين يفهمون الفن، والأشخاص الذين يمكنني إجراء مثل هذه المحادثات معهم كوسيلة للبقاء.

 

* أثناء فترة انتقالك إلى صناعة الأفلام، ما هي الموضوعات التي قمت بنقلها من التصوير الفوتوغرافي إلى صناعة الأفلام؟

 

** حسنًا، حقيقةً لم أكن متأكدًا من الانتقال إلى صناعة الأفلام على الإطلاق. الشيء الذي كنت متأكدًا منه هو أنه لدى اطلاعي على الأعمال التجريبية لبعض الفنانين، وجدت أنها تشبه شخصيتي وما أُحب إلى حد كبير. أتذكر مشاهدتي لأول فيلم تجريبي “أسماء الله الـ 99” لصانعة الأفلام اليمنية الأمريكية يُمنى العراشي. كان لدي الكثير من المشاعر العجيبة عندما انتهيت من مشاهدة هذا الفيلم، وقلت في نفسي، “أريد أن أعمل شيئًا كهذا”. ليس الشيء ذاته بالطبع، ولكنني أريد أن أفكر وأقوم بعمل شيء يضطر الناس لمشاهدته أكثر من مرة لكي يفهموه. أريد للجمهور أن يشاهد ويشعر فعلاً أنه يفهم بدلاً من إعطائه الرسالة بشكل مباشر.

 

بعد ذلك، تقدمت بطلب للحصول على منحة من الصندوق العربي للفنون والثقافة عام 2020 وحصلت عليها، بلغت ثلاثة آلاف دولار أمريكي، وبدأت في إنتاج وإخراج فيلمي الأول. وتوقفت للأسف نظرًا لمشاكل في التمويل. لكنني حصلت على منحة أخرى من المجلس الثقافي البريطاني، استخدمتها لعمل الفيلم “1941”. كان المجلس الثقافي البريطاني طوال الرحلة يتصل بي ليسألني عن سير الأمور، وتقديم المساعدة إذا كنت بحاجة إليها. هذا ما كنت أحتاجه بالضبط في ذلك الوقت – أن يكون لدي ممولون يهتمون حقًا بالفن وبعملي على الرغم من عدم كونهم فنانين شخصيًا.

 

* كيف جاءت فكرة الفيلم “1941”؟

 

** بدأ الفيلم من مشاهداتي للناس. عندما عدت إلى اليمن، لاحظت أن الناس أصبحوا مخدرين للغاية. فكثيرًا ما تجدهم شاردي الذهن وضائعين ومكتئبين. ومع كل ما يجري في اليمن من أحداث، أصبح من الصعب جدًا على الناس التفكير في أي شيء باستثناء مشاكلهم اليومية وصراعاتهم وكل ما يمرون به.

 

في عام 2020، قرأت مقالاً في مجلة من عام 1941 حول أعمال الحياكة للنساء خلال الحرب العالمية الثانية. يبدو أن الولايات المتحدة قد سألت مواطنيها، من خلال استطلاع رأي في المجلة، كيف يمكنهم المساعدة في المجهود الحربي، فكان رد المواطنين: بالحياكة. وهذا ما أثار اهتمامي حقًا. لقد جربت الحرب، وهنا لا يمكن لأحد أبدًا أن يفكر في الحياكة.

 

يبدو أنه عندما تقوم بالحياكة، فإن الحركة المتكررة ليديك تضعك في حالة ذهنية لا تجعلك تفكر في المستقبل أو الماضي. في اليمن، يبدو الأمر كما لو أن الناس كانوا يمارسون الحياكة منذ سنوات – أفكار شاردة عن كل شيء – عقولهم عالقة في الحاضر وتمنعهم من التفكير في المستقبل. لم أسمع أبدًا صديقًا يناقش خططه المستقبلية، أو يفكر في أحلامه أو السفر أو الدراسة. نحن عالقون في التفكير في الحاضر فقط إلى أن تنتهي الحرب.

 

* ما هي التحديات التي واجهتك في عملية صناعة الأفلام؟

 

** ينأى الفيلم هنا عن الصور النمطية. هنالك عشرة رجال يحيكون دون ارتداء القمصان، وهو أمر ليس محبذًا في اليمن. في الوقت نفسه، كنت أصور الفيلم في معبد، وهذا أيضًا نوع من التهديد، وخاصة لدى المتطرفين الدينيين الذين كانوا متواجدين في المدينة من قبل.

 

لم تكن عملية اختيار الممثلين سهلة لأنه كان من الصعوبة بمكان إقناع الرجال بخلع قمصانهم وحلق رؤوسهم. لم أكن متأكدًا ما إذا كان هذا الأمر سينجح. لقد اضطررت إلى عرض الكثير من الأفلام التجريبية على الممثلين، واستدعيت مدربين لتعليمهم كيفية الحياكة. كنت أتصل بهم في بعض الأوقات ويقولون لي، “نحن غير موافقين، في الحقيقة، لا يمكننا نزع قمصاننا، ولا نفهم الفيلم”. أولئك الذين عملوا بالفعل في الفيلم أدركوا ما كنا نفعله لأنني أرسلت لهم ملفي الشخصي على انستجرام، ومنحوني ثقتهم بعد أن شاهدوا أعمالي.

 

** ماذا تعني كلٌ من رموز الفيلم “1941” – المعبد واللون الأحمر والرجال دون قمصان؟

 

** لم يتم اختيار المعبد لارتباطه بمفهوم الفيلم، وإنما بسبب عراقته وما يحويه من فن معماري فريد. كان هذا، بالنسبة لي، هو ما يعكس صورة عدن. المعبد جميل جدًا، ومع ذلك، عندما تراه، ستكتشف كم هو محزن أن لا تجد من يعتني به. موضوع الفيلم مائل للون الرمادي والاحمرار. اللون الأحمر بالنسبة لي يمثل الغضب والدم، لكنني أود أن أقول أكثر من الغضب لأن الناس هنا غاضبون جدًا، وصدقًا هم محقون في ذلك.

 

عندما تكون في منطقة حرب أو تواجه الاكتئاب، فأنت لا تهتم بمظهرك أو بهندامك، ولا بوضع الإكسسوارات ولا يهمك أن تبدو بأفضل مظهر ممكن. كل ما تريده فقط أن يمر يومك. بالنسبة لي، فإن نزع القميص يعكس الشعور بعدم الاكتراث بسبب المزاج الكئيب الذي نعيشه.

 

*من هو جمهورك المستهدف في فيلم “1941”؟ وكيف كان استقبال الفيلم في اليمن؟

 

** بشكل أساسي، كان الجمهور الدولي هو المستهدف. كنت أعرف أن الناس هنا لن يفهموا ذلك. لكن صدقًا، أثناء إنتاجي للفيلم، لم أفكر بالجمهور ولا بالمهرجانات ولا بأي شيء من هذا القبيل. كنت فقط أفعل شيئًا أحبه.

 

أنا وفريقي – أحمد إسكندر (المنتج التنفيذي) وصالح الكثيري (المخرج المساعد) وعبد الرحمن بهارون (مساعد المصور السينمائي) وعماد طيب (مدير الموقع) – كنا مستمتعين للغاية وشغوفين، وحاولنا جميعًا دعم الفيلم معًا. لم يكن أحد منا محترفًا، كنا مجرد عشاق للفن يريدون إنتاج مشروع.

 

وكان الاستقبال رائعًا! لقد كان أول فيلم عدني تجريبي قصير يفوز بالجوائز، لذلك صُدم الناس فعلاً! كنت كل أسبوع أنشر شيئًا عن الفوز بجائزة أخرى، بلغت في مجملها خمس جوائز وأكثر من ثلاثة اختيارات للعرض. في البداية، كنت خائفًا من عدم تقبل الناس له، ولكن تلقاه الناس بإيجابية بالغة حتى قبل أن يتم عرضه محليًا.

 

*كيف تتمنى أن يؤثر فيلمك على الآخرين ممن يعيشون ظروفًا مماثلة لظروفك في اليمن أو في العالم بأسره؟

 

** أعرف أن ما تمر به ليس بالأمر السهل. أعلم ذلك علم اليقين. وقد مررتُ بهذه التجربة. ولكن، إذا كنتَ شغوفًا بشيء ما، فعليك حقًا التركيز عليه وعدم الاكتراث لأي شيء آخر. بالنسبة لي، فأنا عنيد نوعًا ما، وأقول دائمًا إنني لن أسمح لأي حكومة أو شخص ذي سلطة بأن يسلبني هذا الشغف. سأفعل ذلك من خلال إنتاج ما أحب. حتى إنني لا أفكر في إلهام الآخرين. أنا فقط أقوم بإنتاج عملي، وإذا ما قال أحدهم إن ذلك يلهمه، فسأكون حقًا سعيدًا بذلك.


التعليقات