واهمون من يظنون أن المعركة اليمنية مع الهاشمية السياسية الممتدة من وصول الرسي في نهاية القرن الثالث الهجري، حتى هذه اللحظة ستنتهي بتسوية أو اتفاق سياسي، خاصة مع وجود كل هذا النفاق الدولي، والدعم اللامعقول للنقائل والطوائف المعادية للشعوب.
دعونا نتفق أنها معركة وعي ابتدأ ليسهل علينا الاتفاق على ما بعدها، من يشكلون هذا الوعي هم أهل المنابر الإعلامية ومنابر المساجد، ومنصات وسائل الإعلام الاجتماعي، ووسائل الإعلام التقليدى، والجميع يشكلون طبقة من المثقفين والكتاب وقادة الرأي العام، بعيدا عن تصنيفهم أو تقسيمهم إلى تيارات سياسية.
بينما صعاليك الله في المقاومة الباسلة يصدون بأرواحهم الهجمات المتكررة على شعبنا في مختلف الجبهات والميادين، ويضحون لأجل الشرف والعرض والأرض والروح اليمانية المتصلة بقحطان الجد، تقوم هذه الطبقة المخملية المشكلة للرأي العام بحرف مسار معركة الوجود مع الهاشمية السياسية، والخوض في معارك وهمية لا أهمية لها في هذه الأثناء.
إن استهلاك الطاقات في تجديد حرب فكرية اشعلها نظام صالح الأمني في التسعينات بين الخطباء والصحفيين، لدليل على أن صناع الوعي مازالوا تائهين عن الطريق، ومازالوا يعملون وفقا لأمزجتهم لا لما تقتضيه معركة أمتنا اليمنية اليوم.
القضية اليوم ليست مخرجات حوار وليست دستور موافق أو مخالف للشريعة، بل قضية اجتثاث شعب من هويته، وسلبه دولته وإرادته. كما أنها من منظور آخر معركة للدفاع عن الوطن والأرض والكرامة وعن حرية الإنسان اليمني، والذي يراد له أن يظل عبدا تابعا لأقلية مارقة عن كل العادات والتقاليد والأعراف والشرائع.
الذي يستفيد من إعادة مصطلحات ماقبل الثورة والمقاومة إلى المربع الأول هو الطرف المتضرر من ثورة 2011 ومن مقاومة 2015، فإعادة مصطلحات الإسلامية والعلمانية ومفردات الترف الفكري إلى النقاش والتراشق بين النخب لا تخدم سوى من يخشون انتصار المقاومة والجيش الوطني.
إن جر النخب إلى قضايا لا تخدم المقاومة والسلطة الشرعية في حربهما لأجل استعادة الدولة، لهو من باب السفه والطيش، وهذا ما تراهن عليه الهاشمية السياسية التي تخفت بكل قالب وشكل ولون، لتصل للحكم وتتترك الضجيح للنخب التي لا تعلم ماذا تريد.
ألا يكفي ما حدث في 2013 و 2014 من ضجيج هذه النخب التي استهلكت العقل الجمعي اليمني، وكان من نتائج ذلك وصول قطعان الهاشمية السياسية إلى العاصمة صنعاء والسيطرة على الدولة، وكانت النخب الحزبية في حقد واستماتة للتخلص من بعضها، لكن اليوم يتم التخلص من كل الفاعلين في المجتمع من أفراد وجماعات وأحزاب ومؤسسات ويتم توظيف المليشيات واحلالها بدلا عن موظفي الدولة.
يميل البعض لانتقاد الوعاظ وتعريتهم أنهم مجرد أناس لايفقهون في شؤون الحياة، ويقوم بعض الوعاظ بالرد بأن المثقفين والكتاب والصحفيين مارقين عن الدين، ومن هناك تتخلق القضايا الجانبية التي لا تفيد المجتمع الذي تجتث أحلامه وآماله ويترك عاريا أمام الكوارث.
إننا بحاجة إلى إعادة توجيه الجميع إلى المعركة الحقيقية مع الهاشمية السياسية التي تعمل على قتل شعبنا، وتستبيح حرماته، كذلك فإن المقاومة والجيش الوطني بحاجة اليوم إلى دعم هذه النخب في معركة الوعي، يجب أن لا تترك المقاومة في المعركة لوحدها.
إن السلطة الشرعية بحاحة إلى دعم هذه النخب، لا التشكيك فيها، وفد الحكومة في مشاورات الكويت بحاجة إلى دعم النخب، وكل هذا الدعم سيوحد ما تمزق من المجتمع وسيعيد تماسك أبنائه.
لا نريد ولا ننتظر من النخب المشكلة للوعي أن تترك المجتمع يخوض في التيه محروما من الأمل، تتكالب عليه مصائب الحروب ومصائب نقص الوعي، وزيادة مستوى التضليل، فإذا ما عرفت هذه النخب دورها والتحمت بالمقاومة والجيش الوطني والسلطة الشرعية والمجتمع، فإن النصر سيتحقق في أقرب وأسرع وقت، فالمعركة أولا وأخيرا معركة وعي.
ولو قسنا مدى تغلغل الجهل وبقائه في المجتمع، لرأينا الصورة مازالت قاتمة بمجرد النظر إلى الجموع التي حشدها الانقلاب في صنعاء في السبعين والجراف، مازال للتخلف كتلا كبيرة، وهذا دليل على نقص الوعي يا نخبنا المنشغلة بالإلحاد والعلمانية والإسلامية، ومعركتنا معركة وعي ومعركة وجود.