نصف عام من الهدنة الهشة في اليمن: ما الذي تحقق؟
- العربي الجديد الجمعة, 07 أكتوبر, 2022 - 01:55 مساءً
نصف عام من الهدنة الهشة في اليمن: ما الذي تحقق؟

[ رفض الحوثيون فتح الطرق الرئيسية في تعز (محمد حمود/Getty) ]

مضت ستة أشهر على الهدنة في اليمن، وهي الأطول منذ اندلاع الحرب في البلاد قبل ثمانية أعوام، والتي رغم هشاشتها حقّقت أهدافاً متفاوتة لأطراف الصراع في اليمن، كما كانت متنفساً للكثير من المدنيين. في الوقت نفسه، سقط العشرات من القتلى خلال الهدنة بهجمات ومناوشات بين أطراف الصراع.

 

وصاحب الهدنة، التي بدأت في 2 إبريل/ نيسان الماضي لمدة شهرين، وتم تمديدها مرتين بالمدة ذاتها، جدل واسع وخروقات مستمرة بين أطراف الصراع اليمني في الجبهات المختلفة، وفشلت الهدنة في تحقيق هدفها الأساسي الذي وضعته الأمم المتحدة، وهو تهيئة الظروف للتقدم نحو مفاوضات بهدف الوصول إلى تسوية سياسية للحرب في اليمن.

 

وفشل المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بتمديد الهدنة التي انتهت في 2 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، مرة ثالثة. وأعلن المجلس السياسي الأعلى التابع لجماعة الحوثيين، رفضه لمقترح أممي بشأن تمديد الهدنة، لأنه "لا يرقى لمطالب اليمنيين"، بحسب وصفه.

 

بنود هدنة اليمن

 

وتضمنت الهدنة في بنودها، وقفاً كلّياً لإطلاق النار، بالإضافة إلى بنود إنسانية، وهي: تدشين رحلات من مطار صنعاء، والسماح بدخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وفتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى. ولاحقاً، خلال التمديد الأخير في 2 أغسطس/آب الماضي، أعلن عن توسيع بنود الهدنة، وإضافة صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين، لكن ذلك لم ينفذ، بالإضافة إلى فتح الطرق في تعز.

 

يقول سائق الأجرة سليم محمد، الذي يعيش في صنعاء، إن الهدنة وفّرت هدوءاً مهماً لأسرته وحالة من الاستقرار، حيث كان يعمل في نقل الغاز ما بين صنعاء ومأرب، ويتعرض لخطر الموت في أي لحظة في حال اندلاع مواجهات في خطوط التماس التي يمر بها بشكل مستمر.

 

الحرب في اليمن... صُنع في فرنسا

 

ويقول محمد، لـ"العربي الجديد": لم نشهد أي أزمة في المشتقات النفطية رغم أن ذلك لم ينعكس على الأسعار، في الوقت الذي استطاع أحد أقربائي السفر من مطار صنعاء إلى الأردن للعلاج وعاد الشهر الماضي.

 

ومع استمرار أمد الحرب، يرى كثير من اليمنيين الهدنة كخيار أفضل بالنسبة إليهم من حرب بلا أفق، لكنهم يرون أيضاً أن الهدنة لم تحقق هدفها الأساسي، في المحافظات التي تدور فيها معارك، ويتم فيها استهداف المدنيين باستمرار. ويقول المواطن عماد غالب، الذي يعيش في تعز: "للأسف نحن في مدينة تعز لم نستفد من الهدنة بشكل مطلق، حيث تم قصف المدينة ما بين الحين والآخر خلال الأشهر الماضية".

 

ويضيف غالب في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحصار لا يزال مفروضاً على المدينة رغم أن فتح الطرق هو أحد بنود الهدنة". ويشرح أنه كان "متحمساً للهدنة" لزيارة أقاربه في الحوبان (شرق تعز، يسيطر عليها الحوثيون)، مضيفاً: "كان يفترض أن أصل إليهم خلال ربع ساعة فقط، لكن ذلك لم يحدث، وما زلت بحاجة إلى أربع ساعات سفر للوصول".

 

حصار تعز وفشل الحكومة

 

خلال الهدنة، كانت مدينة تعز هي الاختبار الحقيقي للحكومة اليمنية لتحقيق مكاسب تنعكس على حال المواطنين في مناطق سيطرتها. لكن بند فتح الطرق ظلّ متعثراً بشكل كلّي خلال الهدنة، وفشلت جولتان من المحادثات في الأردن، إذ رفض الحوثيون فتح أي من الطرق الرئيسية وتقدموا بمقترحات لطرق فرعية أخرى وعرة.

 

في مقابل ما حصل عليه الحوثيون من الهدنة في تنفيذ البنود الإنسانية من خلال تدشين رحلات جوية في مطار صنعاء والسماح بدخول المشتقات النفطية، إلا أن الهدنة فشلت بذات القدر في ما يخص الحكومة. وجاء ذلك بالإضافة إلى أن من ضمن أهداف الشرعية اليمنية استغلال الهدنة لترتيب صفوفها مع إعلان المجلس الرئاسي في 7 إبريل/نيسان الماضي، أي بالتزامن مع إعلان الهدنة، لكن ذلك لم يحدث أيضاً، حيث اندلعت صراعات بينية في شبوة (شرق اليمن)، وتفجرت خلافات داخل المجلس لا تزال مستمرة.

 

ويقول الصحافي اليمني مازن عقلان لـ"العربي الجديد": "للأسف عجزت الحكومة اليمنية عن تحقيق أي مكاسب إنسانية من الهدنة التي فشلت كلياً في تعز، حيث لم تفتح الطرق ولم تدخل أي مساعدات إنسانية". ويرى أنه "بالعكس استغل الحوثيون الهدنة للتحشيد نحو تعز وإرسال التعزيزات والآليات العسكرية، وتكثيف استعداداتهم العسكرية في عملية الخندقة ووضع الحواجز لتعزيز الحصار".

 

بند فتح طرق تعز ظلّ متعثراً بشكل كلّي خلال الهدنة، فيما استفاد الحوثيون من الرحلات الجوية

 

ويضيف الصحافي اليمني: "شنّ الحوثيون خلال الهدنة هجمات عسكرية استهدفت المدنيين وسقط قتلى وجرحى من الأطفال والنساء". ويلفت إلى أنه "في المحصلة النهائية، لم تحقق الهدنة خلال الأشهر الستة الماضية الغرض الإنساني المرجو منها بقدر ما ضاعفت ومكّنت الحوثيين".

 

ووفق إحصائية للقوات الحكومية في تعز، "فقد قتل 45 شخصاً بسبب خروقات الهدنة، بينهم 11 مدنياً، وجرح نحو 200 آخرين في أكثر من 5015 خرقاً في الستة الأشهر الماضية، تنوعت بين الأعمال الهجومية واستخدام الطيران المسيّر وأسلحة المدفعية والقناصة وزرع الألغام، واستحداث تحصينات واستقبال تعزيزات عسكرية جديدة".

 

استراحة محارب للحوثيين

 

لم توقف الهدنة الحوثيين عن التحشيد العسكري، ومواصلة التهديدات، ولم يلتزموا بما يخص فتح طرقات تعز، وأعلنوا رفضهم لذلك بشكل مطلق، في الوقت الذي توقفت الضغوط الأممية والدولية عند حدّ الدعوات والتصريحات بمطالبة الحوثيين بفتح الطرق.

 

وخلال الأسابيع الماضية، صعّد الحوثيون خطابهم، مطالبين بمكاسب أكبر في صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم وضمان الأمم المتحدة لذلك، رغم تعقيدات تنفيذ هذا المطلب الذي لا يزال يحتاج إلى اتفاقات ثنائية لتطبيقه، حيث تشهد البلاد انقساماً نقدياً.

 

ويعتبر المحلل السياسي طالب الحسني، أن الهدنة "حققت الكثير لصنعاء (الحوثيين)، فهي مكسب إضافي ومجاني، لكثير من الأسباب، أولها أنها حاجة أميركية سعودية أوروبية لوقف أي هجمات محتملة على أرامكو والنفط السعودي".

 

ويضيف الحسني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الهدنة "تعطي مؤشراً واضحاً على أن التحالف فشل عسكرياً، وبالتالي بدأ يقدم تنازلات في الورقة الوحيدة المتبقية المتمثلة في الحصار، وثالثاً هو أن حلفاء التحالف في الداخل (الحكومة اليمنية) لم يتحولوا إلى ورقة عسكرية ضاغطة، بل لا يزالون غير متحدين وهو ما كشفه رشاد العليمي (رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن)".

 

ويتابع: "بالنسبة لصنعاء، فإنها ترى في الهدنة استراحة محارب بالفعل، وتستعد عسكرياً بصورة أكبر في التصنيع والإعداد"، معتبراً أن "العروض العسكرية (لجماعة الحوثيين) كانت رسالة واضحة، وأيضاً تفكيك الأزمة الاقتصادية من خلال وضع شروط جديدة على كل تمديد".

 

6 أشهر من الجدل والاتهامات

 

صاحب الهدنة كثير من الجدل والاتهامات المتبادلة بين الأطراف اليمنية. كما صاحبتها خروقات يومية، غالبيتها على شكل مناوشات واشتباكات بالأسلحة في عدد من الجبهات، أو قصف مدفعي متبادل. وسجّل خلالها سقوط ضحايا من قتلى وجرحى من الجانبين.

 

ولجهة البنود الإنسانية، فقد كان بند فتح الطرق في تعز الأكثر جدلاً، حيث بدأت المحادثات بشأن ذلك في 25 مايو/ أيار الماضي، في الأيام الأخيرة للهدنة قبل إعلان التمديد الأول لها، وأجريت جولتا تفاوض انتهت بإعلان مقترح أممي لفتح الطرق. لكن المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ فشل في إقناع الحوثيين، حيث أعلنوا رفضهم وتمسكوا بمقترحهم. ولا تزال الحكومة اليمنية تطالب بتنفيذ هذا البند والضغط على الحوثيين في ذلك.

 

أما البنود التي تخص فتح مطار صنعاء برحلتين أسبوعياً، والسماح بدخول المشتقات النفطية، فربما شكّلت أهم المكاسب لسلطات جماعة الحوثيين. وانتظمت الرحلات الأسبوعية إلى العاصمة العمانية مسقط، ما عدا الرحلات المقررة إلى القاهرة حيث نُفذّت رحلة واحدة فقط. ووفق مصادر مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن هذا الأمر "كان يتعلق بالسلطات المصرية التي رفضت التعامل مع جوازات السفر الصادرة عن مناطق سيطرة الحوثيين، رغم تنازل الحكومة اليمنية عن ذلك".

 

ويتهم الحوثيون الحكومة اليمنية والتحالف بفرض قيود على تنفيذ الرحلات، بالإضافة إلى إيقاف بعض السفن خلال فترة الهدنة، لكن الحكومة تنفي ذلك، وتقول إن الحوثيين يرفضون الإجراءات المتفق عليها منذ بداية الحرب بإشراف من الأمم المتحدة من أجل حصول تلك السفن على تصريحات الدخول. وإنهاء تلك الإجراءات كلّياً هو من ضمن مطالب الحوثيين لتمديد الهدنة بعد الستة أشهر الماضية.

 

في الشهرين الأخيرين، برز ملف تسليم "رواتب الموظفين" في مناطق سيطرة الحوثيين والمتوقفة منذ أغسطس/آب 2016 عقب نقل المصرف المركزي اليمني إلى العاصمة المؤقتة عدن. وسبق أن فتح هذا الملف في اتفاق استوكهولم المبرم في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، وتم الاتفاق على إنشاء حساب خاص بإشراف الأمم المتحدة لإيداع كافة إيرادات المشتقات النفطية، ومنها صرف الرواتب، على أن تتكفل الحكومة اليمنية بتغطية العجز.

 

وتتهم الحكومة اليمنية الحوثيين بعدم الالتزام بالاتفاق، وتقول إنه كافٍ لتغطية نسبة كبيرة من الرواتب. في المقابل يريد الحوثيون أن تتحمل الحكومة صرف الرواتب من إيرادات النفط الذي يتم تصديره من مناطق سيطرة الشرعية اليمنية في محافظات مأرب وحضرموت وشبوة، ويتهمون شركات النفط العاملة هناك بنهب ثروات البلاد. وخلال الأيام الماضية أطلقوا تهديدات ضد تلك الشركات، وهم يشنون حملة إعلامية ضدّها في وسائل إعلامهم.

 

مكاسب للسعودية والإمارات من الهدنة 

 

في مطلع العام الحالي، وقبل أن تبدأ الهدنة، تعرضت السعودية لهجمات بالطيران المسيّر استهدف منشآت تابعة لشركة أرامكو النفطية، وضربات استهدفت الإمارات أيضاً. وخلال الأشهر الماضية من الهدنة، توقفت تلك الهجمات من قبل الحوثيين كلياً. في المقابل توقف طيران التحالف أيضاً عن القصف، وكان الالتزام بهذا البند مثالياً، رغم الخروقات الداخلية في جبهات القتال بين الحوثيين والقوات الحكومية في عدد من المحافظات، والتي لم تسجل أي تقدم على الأرض.

 

وقال المبعوث الأممي هانس غروندبرغ خلال إحاطته لمجلس الأمن الدولي في 15 أغسطس الماضي: "لم تحدث أي عمليات أو تغييرات عسكرية كبيرة على الجبهات، ولم تحدث أي ضربات جوية مؤكّدة داخل اليمن، ولا هجمات صادرة من اليمن عبر الحدود، ونشهد انخفاضاً في أعداد الضحايا المدنيين".

 

من جهته، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الإثنين الماضي، إن "المدنيين في اليمن استفادوا بشكل مباشر من الهدنة، فقد توقفت الأنشطة العسكرية الكبيرة، وانخفض عدد الضحايا المدنيين بشكل كبير، وخففت واردات الوقود عن طريق موانئ الحديدة نقص (الوقود)؛ واستمرت رحلات الطيران التجارية من مطار صنعاء إلى عمّان".

 

لكن جماعة الحوثيين لوّحت الأحد الماضي بإمكانية استئناف ضرب مواقع في السعودية والإمارات. وقال المتحدث العسكري باسمها يحيى سريع، عقب انتهاء الهدنة، إن "القوات المسلحة (الحوثيين) تمنح الشركات النفطية العاملة في السعودية والإمارات فرصة لترتيب وضعها والمغادرة"، بسبب ما وصفه بعدم التزام التحالف "بهدنة تمنح الشعب اليمني حقه في استغلال ثرواته النفطية".

 

من جهته، أعرب الاتحاد الأوروبي، مساء أول من أمس الثلاثاء، عن قلقه العميق إزاء تهديدات الحوثيين، معتبراً أنها "غير مقبولة".

 

أما الحكومة اليمنية، فأعربت أمس الأربعاء، عن حرصها على تجديد الهدنة. وقال وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك، خلال مؤتمر صحافي في الرباط: "موقفنا واضح، فنحن مع السلام وحريصون على تجديد الهدنة، لأننا نعتقد أنها فسحة بالنسبة للشعب اليمني يجب تطويرها".


التعليقات