أشار تقرير لموقع "ذا هيل" الأمريكي إلى أن المملكة السعودية لم تظهر أي علامة على التراجع في مواجهة رد الفعل الأمريكي عن قرارها خفض إنتاج النفط، معتبرا أنه جزء من "استراتيجية الرياض لاستعراض نفوذ سياستها الخارجية بقوة أكبر".
وذكر الموقع الأمريكي أن المسؤولين السعوديين يصرون على أن القرار الذي تعرض لانتقادات شديدة بخفض إنتاج النفط للحفاظ على ارتفاع الأسعار هو "قرار اقتصادي بحت"، مما يمكنهم من تفادي الانتقادات حول موقفهم الداعم لروسيا في حربها على أوكرانيا.
ولفت "ذا هيل" إلى أن الديمقراطيين شددوا على تجميد المبيعات العسكرية والتعاون مع المملكة فيما ظل الجمهوريون هادئين إلى حد كبير، معللين موقفهم بأن علاقات الولايات المتحدة بالمملكة الخليجية القوية "استراتيجية للغاية" ولا يمكن "المخاطرة بها".
ويرى خبراء أن الرياض تحاول إيجاد توازن بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث أنها قلقة من انسحاب واشنطن من الشرق الأوسط ومتجنبة قطع العلاقة تمامًا.
قال الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، صموئيل راماني: "حاول السعوديون مسك خيط الإبرة بين الأمريكيين والروس، بسبب عدم ثقتهم بالولايات المتحدة".
وأضاف: "لا أعتقد أنه سيكون شرخا طويل المدى، سيكون مجرد أحد تلك التقلبات الرئيسية في العلاقات الأمريكية السعودية".
وقال خبراء: "لم تؤد المصافحة بقبضة اليد بين الرئيس بايدن وولي العهد الأمير محمد بن سلمان في جدة في شهر تموز/يوليو إلا إلى القليل، في نظر الرياض، للتعويض عن تعليقات حملته التي تعهد فيها بمعاملة المملكة باعتبارها منبوذة في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي".
وهزت جريمة قتل خاشقجي في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 الرأي العام العالمي ولا سيما الأمريكي، حيث كان يشتغل في صحيفة واشنطن بوست.
وسعي الإدارة الأمريكية الحالية لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، فضلا عن الانزعاج المستمر من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بشأن ما اعتبرته المملكة ردا محتشما على هجمات الطائرات بدون طيار الإيرانية على منشآت أرامكو النفطية، عزز موقفهم المناوئ لواشنطن وفق التقرير ذاته، وهو ما جعلهم يبحثون عن دول أخرى قد تغنيهم عن حليفهم التقليدي.
وقال الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، حسين إيبش: "لقد كانوا مهتمين حقًا بالتنويع الاستراتيجي، والتواصل مع قوى أخرى".
وأضاف: "على مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، طورت الرياض ببطء هذا الشعور لناحية واشنطن، على الرغم من أن لديها هذا الجهاز العسكري الضخم في المنطقة".
والمملكة العربية السعودية هي أكبر زبون أجنبي للمعدات العسكرية للولايات المتحدة، حيث بلغت مبيعاتها حوالي 100 مليار دولار بين عامي 2009 و2020، وهي علاقة تفيد الولايات المتحدة في تدفق الاستثمارات ولكنها تسمح أيضًا للجيشين الأمريكي والسعودي بالعمل معًا بشكل وثيق بشأن المخاوف الأمنية.
ويتمركز حوالي 2700 جندي أمريكي في البلاد، فيما ينظر لبيع المعدات العسكرية الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية على أنه حصن لمنع روسيا والصين من الحصول على موطئ قدم.
وحسب التقرير، رحب السعوديون بالجهود التي تبذلها إدارة بايدن لتهدئة بعض الأجزاء الصعبة من العلاقة.
وهذا يشمل تشاورا أوثق حول نية الإدارة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران.
ويُنظر إلى التحركات السعودية، مثل السماح لبايدن بالتحليق من تل أبيب إلى جدة في تموز/يوليو الماضي وفتح مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية الإسرائيلية، على أنها تظهر الجانب الناعم في علاقتها بواشنطن.
لكن السعوديين يقاومون الضغط لفتح علاقات علنية مع إسرائيل، لكن قرار أوبك + الشهر الماضي بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا هو علامة أخرى على أن المملكة ليست مهتمة برأي واشنطن.
والاثنين، قال المتحدث باسم السفارة السعودية في الولايات المتحدة، فهد ناظر، لشبكة "سي إن إن": "قراراتنا بشأن مستويات الإنتاج يتم تحديدها بدقة من خلال أساسيات العرض والطلب والسوق.. لذلك فإن القضايا والاعتبارات السياسية لا تدخل حيز التنفيذ، وليس لها دور".
وقال زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، آرون ديفيد ميلر، إن الجدل الاقتصادي قد يكون صحيحًا، لكن من المحتمل أن ولي العهد محمد لم يكن مهتمًا بالآثار السياسية مع الولايات المتحدة.
وأضاف ميلر: "لا يمكن للسعوديين أن يكونوا على هذا القدر من البلاغة في عدم فهم أنه قبل أسابيع من منتصف المدة - سيؤدي ذلك إلى زيادة التضخم، وجزء كبير من ذلك هو ندرة النفط الخام وارتفاع أسعار الغاز.. إن هذا لن يُنظر إليه على أنه أمر سياسي".
وأثار قرار "أوبك +" غضب البيت الأبيض والديمقراطيين، الذين اتهموا الرياض بالانحياز إلى موسكو، قائلين إن ارتفاع أسعار النفط سيواصل تأجيج قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إدارة حربه في أوكرانيا.
وقال إيبيش إن "أي فائدة لروسيا ليست مصدر قلق في الرياض، فالشيء الرئيسي الذي أعتقد أنه بالنسبة للسعوديين هو أن روسيا مهمة حقًا بسبب اتفاق أوبك +".
وتابع: "لديهم قضية أمن قومي حاسمة لم يتم تقديرها تتمثل في أن أمامهم حوالي 25 عامًا لتحويل اقتصادهم".
ولفت التقرير إلى قول المسؤولين السعوديين بأن أفعالهم أوضحت أنهم يدعمون أوكرانيا، حتى مع الحفاظ على علاقاتهم مع روسيا.
وقال ناظر: "لقد كنا على اتصال بالفعل مع القيادة الأوكرانية ومع روسيا، عرضنا التوسط بين الاثنين لأننا نحافظ على علاقات جيدة مع كليهما".
وأشار تقرير "ذا هيل" إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم يوجه أي انتقاد.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، ساعدت الرياض في التوسط في تبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا ثم أعلنت بعد ذلك عن 400 مليون دولار كمساعدات إنسانية لكييف قبل أسبوع.
كما أشارت الرياض إلى تصويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة لرفض استفتاء ضم روسيا للأراضي الأوكرانية في 12 تشرين الأول/أكتوبر وإدانة غزوها خلال تصويت أجري في آذار/ مارس الماضي.
كما تحدث زيلينسكي مع ابن سلمان وشكره على "دعم وحدة أراضي أوكرانيا، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة" وأن الاثنين "اتفقا على تقديم مساعدات مالية كلية لأوكرانيا".
وبعد أيام، نشرت وزارة الخارجية السعودية على تويتر صورة لسفير أوكرانيا لدى المملكة وهو يجتمع مع نائب الوزير السعودي للشؤون الدولية متعددة الأطراف، قائلة إن الجانبين "استعرضا العلاقات الثنائية بين السعودية وأوكرانيا والتطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
وبينما يواجه بايدن رد فعل سلبيا من المشرعين الديمقراطيين، فمن غير المرجح أن تعاقب الإدارة الرياض بشدة.
وقال المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، الخميس الماضي، إن مراجعة الإدارة لعلاقتها مع المملكة العربية السعودية "مستمرة"، لكنها لن تضع جدولا زمنيا لاتخاذ إجراء، مضيفا: "لن نتسرع في هذا".
ورجح مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جون ألترمان، أن الإدارة الأمريكية لن تكون "عقابية من أجل أن تكون عقابية.. لكن الاستراتيجية السعودية هي استراتيجية للحصول على الكثير من فوائد التوافق الوثيق مع الولايات المتحدة مع وجود علاقات وثيقة بشكل متزايد مع خصوم الولايات المتحدة".
وأوضح ألترمان: "في أوقات الحرب، هناك فجوة يصعب تجاوزها".