لم تؤخذ تهديدات الحوثيين باستهداف المنشآت النفطية في اليمن والسعودية على محمل الجد، حتى أول أمس الجمعة حين أُجبرت السفينة "نيسوس كيا" (Nissos Kea) على التراجع من ميناء الضبة بمحافظة حضرموت، جنوب شرقي اليمن، إثر هجوم بطائرتين مسيّرتين.
وقال مصدر ملاحي للجزيرة نت، إن الانفجارين حدثا في المياه بين رصيف الميناء والسفينة التي ترفع علم جزر المارشال، ولم يتسببا بخسائر في الميناء النفطي المُنشأ عام 1993، ويحوي خزانا سعته مليون برميل، و5 خزانات أخرى سعة كل منها 5 آلاف برميل.
ولم يكن الهجوم الأول من نوعه، إذ استهدف الحوثيون سفينتي "هانا" و"التاج بات بليو ووتر" الراسيتين في ميناء رضوم بمحافظة شبوة، غرب حضرموت، في 18 و19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بدون خسائر، وفق بيان لوزارة النفط اليمنية.
ويُخشى أن تذكي الهجمات مستويات جديدة من النزاع في اليمن، مع تعثر تمديد الهدنة الأممية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري رغم المساعي الدولية والأممية لتمديدها 6 أشهر.
وعدّ المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ الهجمات تصعيدا عسكريا مقلقا للغاية، داعيا -في بيان- الأطراف للتحلي بأقصى درجات ضبط النفس ومضاعفة جهودهم لتجديد وتوسيع الهدنة، ووضع الأُسس نحو وقف دائم لإطلاق النار، وتفعيل مسار العملية السياسية لإنهاء الصراع.
وانهارت جهود تمديد الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ مطلع أبريل/نيسان الماضي، بسبب تقديم الحوثيين مطالب في اللحظة الأخيرة تتضمن دفع الحكومة اليمنية رواتب عناصرها العسكريين في وزارتي الدفاع والداخلية.
المنشآت النفطية هدفا
وبدت تهديدات الحوثيين باستهداف المنشآت النفطية ورقة ضغط لدعم موقفهم في مفاوضات تمديد الهدنة والحصول على تنازلات من الحكومة والتحالف بقيادة السعودية، وفي 20 سبتمبر/أيلول هدد زعيمهم عبد الملك الحوثي الشركات الأجنبية مما سماه "نهب الثروة الوطنية".
وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري أمهل الحوثيون شركات إنتاج النفط 24 ساعة لوقف نشاطها، وفي اليوم السابع من الشهر ذاته هددت قوات خفر السواحل التابعة لهم السفينة اليونانية "ماران" (Maran ) من دخول ميناء الضبة لتدخل الحكومة بدلا عنها السفينة المستهدفة "نيسوس كيا" (Nissos Kea).
وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، في بيان إن الهجوم "ضربة تحذيرية بسيطة لمنع سفينة نفطية كانت تحاول نهب النفط الخام.. حرصنا من خلالها على المحافظة على سلامة طاقمها وأمن البنية التحتية لليمن".
وتصف جماعة الحوثيين تصدير الحكومة اليمنية للنفط والغاز بنهب موارد اليمنيين، وخلال العامين الماضيين هاجمت بضراوة في محاولة لوضع يدها على حقول ومنابع النفط في مدينة مأرب، شرق العاصمة صنعاء.
ويقول حميد عاصم، عضو وفد الحوثيين في مفاوضات السلام، للجزيرة نت، إنه لم يعد أمامهم إلا حماية ثروات اليمن المنهوبة، "هذا نفطنا وبحرنا ومياهنا، والعملية تحذيرية وفق القانون الدولي".
ويتهم عاصم الإمارات بتوقيع عقود تصدير وإنتاج النفط والغاز اليمني مع الشركات الأجنبية، ويقول "نحن قادرون على حماية ثرواتنا في أي مكان باليمن".
تصعيد سياسي وعسكري
وردت الحكومة بأن كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع الهجوم الذي يعد تدشينا لـ"مرحلة أكثر إجراما من الحرب وأشد وقعا على الأزمة الإنسانية في اليمن وأكثر اضطرابا في أمن الملاحة الدولية".
والليلة الماضية، أصدر مجلس الدفاع الوطني -وهو أعلى سلطة دفاعية وأمنية في اليمن يرأسه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي- قرارا يصنف جماعة الحوثيين منظمة "إرهابية"، في تصعيد سياسي نادر منذ اندلاع الحرب قد يكون له انعكاسات سياسية واقتصادية وإنسانية واسعة.
وأوضح أن التصعيد الحوثي يعفي الحكومة اليمنية من كافة الالتزامات بما فيها اتفاق ستوكهولم 2018 وبنود الهدنة الإنسانية المنهارة.
ويقول مصدر في رئاسة الجمهورية، للجزيرة نت، مفضّلا عدم الكشف عن هويته كونه غير مخوّل بالحديث للإعلام، إنه في حال لم يستجب الحوثيون أو المجتمع الدولي لوقف التهديدات فإن الوضع سينزلق للتصعيد العسكري، ومجلس القيادة وضع احتياطاته لهذا السيناريو، بدون أن يوضح مزيدا من التفاصيل. ويضيف "المجلس يسعى لانتزاع كل الذرائع من المليشيا قبل أن تتجه الأحداث للتصعيد المسلح".
لكن المسؤول الحوثي، حميد عاصم، يقول إن الطرف الآخر رفض تمديد الهدنة وفتح المطارات وصرف رواتب موظفي الدولة، لذلك "نحن لن نسمح بالاعتداء على ثروات اليمنيين المنهوبة، وما نزال ندافع عن حق اليمنيين ولم نعتدِ على أي طرف".
ولقي الحادث إدانات واسعة من المجتمع الدولي، وقال في بيانات متفرقة إن الهجوم يعد تصعيدا خطيرا في الأزمة اليمنية، ويهدد إمدادات الطاقة وممرات التجارة العالمية، وقالت الخارجية السعودية إن "الهجوم يعد تصعيدا من مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران بعد انتهاء الهدنة الأممية في اليمن".
"جماعة إرهابية"
ويقول عبد السلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات (يمني غير حكومي) للجزيرة نت، إن تصنيف الحكومة اليمنية للحوثيين جماعة "إرهابية" قرار مهم، لأن الركائز الأساسية لإسقاط الجماعة قد اكتملت، وبالتالي الحرب معها ستكون ضمن مكافحة "الإرهاب" إلى جانب تمرد وانقلاب، وهذا يحتاج لتفعيل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مع اليمن بهذا الخصوص.
ويقول للجزيرة نت، إن اليمن يمكنها أن تطلب رسميا دعما دوليا من طيران مسيّر وصواريخ موجهة وأسلحة نوعية وتقنيات حديثة ضمن اتفاقيات مكافحة "الإرهاب" لمواجهة الحوثيين الذين لم يعودوا مليشيا متمردة أو انقلابية فقط، بل جماعة "إرهابية". ويضيف أنه لم يعد أمام الحوثيين إلا الهروب للأمام والمواجهة العسكرية.
لكن الباحث اليمني في مركز كولومبيا لأبحاث الشرق الأوسط، محمد المحفلي، يرى أن الحكومة اليمنية لا تمتلك القدرات للرد على الحوثيين أو المناورة، وقرار تجدد الحرب مرهون بمدى تهديد الحوثيين لدول التحالف.
ويقول للجزيرة نت، إنه يمكن تصنيف الحدث على أنه تهديد داخلي ضمن الصراع المحلي، وهذا الحدث ساعد الحوثيين على إظهار مدى قدرتهم على التهديد والتحكم باستهداف مناطق بعيدة عن نطاق سيطرتهم، وساهم في توضيح هشاشة الأطراف المُشكّلة للحكومة الحالية.
ضربة لاقتصاد متعثر
ويهدد الهجوم بانتكاسة خطط الحكومة اليمنية لزيادة الإنتاج النفطي بغية تحسين أدائها المالي ودفع فاتورة الرواتب والخدمات، إذ يقول المصدر الملاحي للجزيرة نت، إن ضخ النفط من حقول المسيلة لميناء الضبة ما يزال متوقفا حتى اليوم.
والميناء مؤهل لتحميل وشحن السفن بالنفط الخام لأغراض التصدير من نفط المسيلة (قطاع 14) ونفط شرق شبوة قطاع (10) وغيرها من الحقول المجاورة، في حين تدير شركة "بترومسيلة" التابعة للحكومة 4 قطاعات نفطية في محافظة حضرموت بإنتاج يصل إلى أكثر من 50 ألف برميل يوميا.
ووفق بيانات سابقة، سجلت صادرات النفط الخام اليمني ارتفاعا ملحوظا في 2021 هو الأول من نوعه منذ سنوات وبلغت 1.418 مليار دولار بالمقارنة مع 710.5 ملايين دولار في 2020.
لكن تهديد الحوثيين بشن هجمات أكثر دقة على السفن، سيرفع من مستوى المخاطر على السفن النفطية، ويدفعها إلى اتخاذ موقف مماثل للسفينة اليونانية "ماران" (Maran) التي امتنعت عن دخول الميناء.