"المرهقون".. صراع العيش في يمن ممزق
-  إسراء الردايدة السبت, 13 يوليو, 2024 - 02:29 مساءً

في الحياة تجهض الكثير من الآمال والأحلام لا سيما حين تغدو الظروف الاقتصادية كحبل يلتف حول الرقبة، خانق ولا يسمح بالنفس أو الهرب، وهو تماما ما يقدمه المخرج اليمني عمرو جمال في فيلمه "المرهقون" الذي تدور أحداثه في عدن- اليمن، متعمقا في حياة زوجين متعثرين، اللذين يواجهان القرار الصعب بإنهاء الحمل لا بسبب ظروفهما الاقتصادية السيئة.

 

الفيلم الذي ينافس في مسابقة الأفلام الروائية العربية الطويلة في مهرجان عمّان السينمائي الدولي– أول فيلم بدورته الخامسة، يعد استكشافا مقنعا للتقاطع بين الصراعات الشخصية والاجتماعية والاقتصادية.

 

الحالة الاقتصادية في اليمن

 

تبدأ أحداث الفيلم في مدينة عدن، وتدور أحداثه حول عائلة يمنية من الطبقة المتوسطة، تعاني من التداعيات الاقتصادية للحرب التي اندلعت أصلاً في سبتمبر من عام 2014، والتي تحتم عليهم تقديم تضحيات لا يمكن تصورها لتجاوز الفقر في يمن ما بعد الحرب، مما يعني أنهم لا يستطيعون تربية طفل رابع في موطنهم عدن.

 

إن تصوير كفاح إسراء وأحمد للحفاظ على سقف فوق رؤوس أطفالهما الثلاثة يُعد تذكيرًا بقوة السينما في نقل تعقيدات الحياة اليومية للمدنيين في ظل الحرب. نضال الزوجين هو رمز للعديد من العائلات في اليمن التي وقعت في دائرة الفقر ونقص الفرص. من خلال التركيز على هذه القصة الشخصية، يسلط الفيلم الضوء على القضايا النظامية التي تؤثر على البلاد، بما في ذلك البطالة والتضخم وأنظمة الدعم الاجتماعي غير الكافية.

 

شخصيات "المرهقون" مثقفة، هم آباء متعلمون اعتادوا الحصول على وظائف جيدة الأجر في تلفزيون عدن، ثاني أكثر القنوات التلفزيونية الوطنية شعبية في اليمن، ومن خلال شخصية الزوجين إسراء وأحمد، نشاهد صعوبة التكيف مع كل الأوضاع المؤلمة التي فُرضت على أسر الطبقة المتوسطة في اليمن التي تكافح لتجنب السقوط في فقر مدقع.

 

فكرة أن يزيد عدد أفراد العائلة فردا آخر، أشبه بعملية انتحارية بالنسب للزوج الذي لم يحصل على راتبه منذ أشهر لأن قوات الميليشيا أغلقت تلفزيون عدن، ليغدو الإجهاض هو طوق النجاة والخيار الصحيح على الرغم من أنه ممارسة موصومة اجتماعيًا.

 

حلقة نفسية مفرغة

 

فيما يكافح الزوجان لإيجاد حل، نجد أن الزوج أحمد هو الأقل فعالية، شخصية سلبية اتكالية، الحلول السريعة هي خياره دون الذهاب لبذل جهد في إشارة لما كان عليه وما تحول له. بينما شريكته إسراء غارقة في معضلة أخلاقية ودينية لقرار الزوج الذي لم ينجح قبل 5 أعوام لإجهاض الطفل الخامس بسبب الظروف نفسها.

 

تجد الزوجة، إسراء، نفسها ممزقة بين الضرورة الاقتصادية والمعارضة الأخلاقية والدينية لهذا الإجراء، بينما يحاول الزوج إقناع زوجته بتنفيذه، وتتدفق المشاهد التي تخلق شعورًا بالإلحاح والاضطراب الذي يتصارع معه الأبطال.

 

وفيما يكافح الزوجان في إعالة أطفالهما بكرامة. في بيئة متدهورة للغاية، تتمتع إسراء وأحمد باحترام كبير لذاتهما: يعمل الزوج المتعلم وظيفة سائق بعد أن فقد وظيفته السابقة، بينما تلجأ زوجته إلى بيع مجوهراتها لتغطية نفقات تعليم أطفالهما. غير أن مشاهد عدم الاستقرار وتبعيات الأزمة الاقتصادي في كل ركن في الفيلم، مثل الصناديق وحقائب السفر في الخلفية، مما يدل على عملية البحث عن منزل أرخص، حيث لا يستطيعون دفع الإيجار المتزايد لشقتهم الحالية.

 

حمل ثقيل

 

تبدو الشخصيات في الفيلم الذي صور في مدينة عدن مثقلة بالحزن والهموم، الحرب حاضرة كحليفة أساسية، المباني المدمرة، الشواعر المزدحمة القديمة، الحواجز العسكرية في الشوراع، وسيارات الميليشيات. النظرة الاجتماعية العامة لمن يملك نفوذا أقوى تلقي بظلالها حيث نرى صهر أحمد، الذي يمثل كيف انقلب النسيج الاجتماعي رأسًا على عقب بسبب الحرب، مما أدى إلى صعود أسوأ أجزاء المجتمع إلى القمة، المتعلم بات فقيرا والأقل علما، بات القوي والسلطة بين يديه حتى العلاقات هي كل شيء في مثل تلك الظروف.

 

برغم كل شيء هنالك دفء

 

على الرغم من قساوة المواقف والظروف لكن التفاصيل الدقيقة بن الزوجين التي حرص المخرج جمال على إظهارها تعكس دفء العائلة، حرصه على تقديم الأفضل لأبنائه، مبان قديمة لكنها تشكل جزءا من تاريخ عدن وحضارتها، المنزل القديم لوالدي أحمد ذي السلالم الخشبية، حيث تجلس العائلة الممتدة معًا لمشاركة وجبة على الأرض. وفي مشهد آخر نرى الجدة وهي تعتني بأحفادها. على الرغم من أن الأطفال الثلاثة يشكلون عبئًا، إلا أن تفاعلاتهم وهم يضحكون في الخلفية تخفف من حزن الصراعات اليومية لوالديهم. في مناسبات مختلفة، يقوم أصدقاء أحمد وإسراء بإقراضهما المال، على الرغم من أن الزوجين لم يطلبا ذلك.

 

كما أن التصوير الذي كان في المدينة نفسها أظهر" الثقل" الذي خلفه الدمار والحرب وسوء الأوضاع السياسية والاقتصادية لمدينة يمتد تاريخها لآلاف السنين على قاطنيها.

 

نهاية غير متوقعة في "المرهقون"

 

فيما ترقد الزوجة في آخر مشهد ساكنة كجثة هامدة مثقلة بكل المشاعر الصعبة التي اتسمت على وجهها لكنها بقيت صامتة دون أي رد فعل بعد أن أجهضت، ينتهي الفيلم، ليغدو الإجهاض في" المرهقون"، الإجهاض كرمز قوي يمثل الحقائق القاسية التي يواجهها الأفراد الذين يعيشون تحت ضغط اقتصادي شديد.

 

لا يتخذ الزوجان قرار النظر في الإجهاض باستخفاف، مما يرمز إلى ثقل عبئهما المالي والتدابير المتطرفة التي يفكران فيها لضمان بقاء أسرتهما الحالية. ويبرز هذا القرار اليأس والافتقار إلى الخيارات الممكنة المتاحة لهم، مما يعكس قضايا الفقر الأوسع نطاقا والوصول المحدود إلى الموارد.

 

*نقلا عن جريدة الغد


التعليقات