[ تحرير الدولار الجمركي.. ثمن الإصلاحات الاقتصادية وتأثيراته ]
أقر مجلس القيادة الرئاسي، الخميس الماضي، تنفيذ خطة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي قدمها رئيس الحكومة سالم صالح بن بريك، والمتضمنة تحرير سعر صرف الدولار الجمركي، في فترة لا تتجاوز أسبوعين من تنفيذ البند المتعلق بضبط الإيرادات في المحافظات وإيداعها في حساب الحكومة العام بالبنك المركزي اليمني وفروعه.
تحرير سعر الدولار الجمركي كان أهم القرارات التي لفت أنظار المجتمع من بين القرارات التي تضمنتها الخطة المقرة، وهو مما أثار موجة تفاعل واسعة من قبل الناشطين والاقتصاديين، بعضهم مؤيدًا وأخر ناقدًا لهذا القرار.
ما هو الدولار الجمركي؟
الخبير الاقتصادي وحيد الفودعي، عضو مشاورات الرياض اليمنية - المحور الاقتصادي، قدم توضيحًا عن سعر صرف الدولار الجمركي وماذا يعني تحريره قائلًا: "عند استيراد البضائع، تصل إلى المنافذ بفواتير مسعّرة بالدولار الأمريكي، وتقوم الجمارك باحتساب نسبة محددة من قيمة الفاتورة كرسوم جمركية أو ضرائب غير مباشرة".
وأضاف "لنفترض أن هناك سلعة واردة من خارج اليمن بقيمة 10,000 دولار، وأن نسبة الرسوم الجمركية عليها هي 10%، سيكون المبلغ الجمركي المستحق هو 1,000 دولار، ولأن القانون يمنع التحصيل بالعملة الأجنبية، تقوم الجمارك بتحويل هذا المبلغ إلى الريال اليمني بحسب سعر الصرف الجمركي المعتمد".
وحسب الفودعي فإن السعر الحالي للصرف الجمركي هو 750 ريالًا للدولار الواحد، إذًا فالـ 1,000 دولار × 750 = 750,000 ريال، أي أن التاجر يدفع (750 ألف ريال يمني مقابل الألف الدولار).
ماذا يعني تحرير سعر الدولار الجمركي؟
ويضيف الفودعي "بتحرير سعر الصرف الجمركي الآن، سيتم احتساب رسوم التحصيل بناءً على سعر السوق الفعلي بدلًا عن السعر الثابت، وحسب سعر صرف الدولار حاليًا (1,617 ريال يمني مقابلًا للدولار الأمريكي الواحد) والذي لم يمضي بعد على استقراره ثلاثة أشهر، "تحرير سعر الصرف الجمركي يعني رفع تقييم الدولار الجمركي ليواكب سعر السوق، ما يؤدي إلى زيادة المبلغ الذي يدفعه التاجر للجمارك وزيادة حصيلة الإيرادات الحكومية".
وعبر اقتصاديين وتجار عن تخوفهم من آثار قرار تحرير سعر الدولار الجمركي على أسعار البضائع والسلع في الأسواق المحلية، رغم أن مصادر حكومية قالت لوسائل إعلامية أن القرار لن يشمل بعض المواد الأساسية كالأرز والدقيق والسكر والحليب والزيت والأدوية، مشيرة إلى أن الأسعار الحالية لهذه المواد ستبقى كما هي، وأنه سيتم فرض رقابة على التجار وأي محاولة لرفعها ستعتبر مخالفة وستواجه بإجراءات صارمة.
ضبط الموارد بلا تصدير
علق الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي وفيق صالح، على مصفوفة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة، بأنها ركزت بشكل كبير على ضرورة "ضبط الموارد المحلية وتنميتها من خلال رفع سعر الدولار الجمركي"، دون التطرق أبدًا لمسألة استئناف "النشاط التصديري"، مشيرًا إلى التجاهل التام لمحاولة "إعادة تشغيل النفط والغاز، وكذا مسألة إقرار الموازنة العامة وترشيد النفقات".
إجراءات كارثية!
وفي هذا السياق قال البروفيسور أحمد محمد مقبل، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن، إن "الإصلاحات في الأساس يجب أن تكون لصالح المواطن في المرتبة الأولى، لكن هذه الإجراءات ستكون كارثية عليه، فأي إصلاحات، تهدف لرفع كفاءة الجهاز الحكومي في تقديم كل ما يعمل على تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وليس العكس".
في حديثه لـ"الموقع بوست" ذكر مقبل أن أي إصلاحات اقتصادية يجب أن يقابلها جُملة من الإجراءات التي "تحد من تأثيراتها على حياة المواطنين"، ولأن رفع سعر الدولار الجمركي سيعمل على "رفع المستوى العام للأسعار، فيمكن أن تصبح هذه البنود "الضربة القاضية" على حياتهم، في ظل المعاناة المتمثلة في عودة الأسعار للارتفاع، والإخلال بحق العاملين في الحصول على مرتباتهم بصورة منتظمة".
وأضاف: "المعاناة ستتضاعف مع عدم توفر الكهرباء والمياه، وانتشار الفساد والسرقة للمال العام، والتي لا يخفى على أحد، كل ذلك يشكل ضغطًا على حياة الناس".
معالجات مطلوبة
وهنا يُنوه مقبل، إلى عددًا من الخطوات التي يجب أن تقابل الإصلاحات، حتى تصبح أقل تأثير على المواطن العادي، وتخفف من الآثار التي ستترتب عنها، وهي:
- انتظام حصول العاملين في الجهاز الحكومي على مرتباتهم وهم الفئة التي كانت أكثر تأثُرًا بالأوضاع الاقتصادية.
- رفع المرتبات قبل الإصلاحات للحد من الصدمة الاقتصادية التي ستحدث جراء الإصلاحات.
-إعادة النظر في أسعار الخدمات وتثبيتها خلال فترة الإصلاحات، مع مراعاة التقلبات في أسعار المشتقات النفطية عالميًا بالارتفاع أو الانخفاض.
- الرقابة على أسعار السلع، فلا يعني ترك السوق يحدد السعر لأن هناك آليات تنظم ذلك أهمها الرقابة والمتابعة.
- يسبق الإصلاحات الإصلاح الإداري، بحيث يتم وضع الكفاءات بأماكنها المستحقة ووفقًا لتخصصها والقادرة على تنفيذ ومتابعة برنامج الإصلاح وفق المتغيرات من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية أو أسعار السلع المستوردة، أي أن تكون هناك مرونة في تطبيق الإصلاحات.
- إنهاء المحاصصة السياسية، وإنهاء مقولة الكفاءات السياسية، فحياة المواطنين ليست محل للتجارب، أو على الأقل أن يتم الاختيار وفقًا لمعايير مناسبة لهذه المناصب.
ويختتم مقبل، حديثه لـ"الموقع بوست" قبل كل شيء يجب خلق استقرار سياسي ليتوفر الاستقرار الاقتصادي، "بدلًا من الكانتونات، حيث الولاء ليس للدولة وخدمة المواطنين، بل للجهة التي تسيطر على مقدرات الدولة، والغريب أنها تتم باسم الدولة".