اغتيال الرئيس الحمدي، ذكرى تأبى النسيان في ذاكرة اليمن واليمنيين
- ساسة بوست - عامر الدميني الثلاثاء, 11 أكتوبر, 2016 - 10:48 صباحاً
اغتيال الرئيس الحمدي، ذكرى تأبى النسيان في ذاكرة اليمن واليمنيين

حلت الذكرى الثانية والأربعون لتولي المقدم إبراهيم الحمدي مقاليد الحكم في اليمن، كثالث رئيس لما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية، وذلك إثر حركة 13 يونيو، التي قادها الحمدي، واعتبرت العهد الثالث من الجمهورية، كما وصفها الشاعر الراحل عبد الله البردوني، وهي حركة لا يزال غالبية اليمنيين يرون أنها كانت تمثل ميلاد عهد جديد من التنمية والرخاء والاستقرار وبناء الدولة اليمنية الحديثة وتثبيت النظام الجمهوري وتحقيق أهداف الثورة.
 
ولعل أهمية هذه الحركة تكمن في أن قائدها، لم يصل إلى الحكم عن طريق الانقلاب العسكري أو الدعم الخارجي أو المساندة القبلية أو الاغتيال، إنما جاء باختيار ورضا السلطة التي كانت تحكم البلاد آنذاك، بعد تأزم الوضع السياسي وانفلات أجهزة ومؤسسات الدولة، واستفحال الصراع بين شخصيات الدولة، وذلك في آواخر سنين حكم القاضي عبد الرحمن الإرياني زعيم حركة النوفمبريين.
 
البداية
 
ينتمي إبراهيم الحمدي إلى أسرة حمدة التي كانت تقطن منطقة محل حمدة ذيبين التابعة لقبيلة حاشد، وكان أبوه من أشهر القضاة الذين عملوا في أكثر من منطقة داخل اليمن أيام الإمام أحمد، وولد في محافظة إب مديرية قعطبة عام 1943م، وتعلم في كلية الطيران، وعمل مع والده في محكمة ذمار، وأصبح في عهد الرئيس السلال قائداً لقوات الصاعقة، ثم مسئولاً عن المقاطعات الغربية والشرقية والوسطى، وتولى منصب وكيل وزارة الداخلية عام 67، ثم عين قائداً لمعسكر الصاعقة عام 69، ثم أصبح نائباً لرئيس الوزراء للشئون الداخلية في 18 سبتمبر 1971م، مما جعله أكثر التصاقاً بالمؤسسات والحياة المدنية، وأكسبه معرفة بحاجات الشعب.
 
تولي الحكم
 
بعد تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية اقتنع الرئيس عبد الرحمن الإرياني، وهو الرئيس المدني اليمني الوحيد منذ قيام الثورة، بضرورة تقديم استقالته، فاستقال من رئاسة المجلس الجمهوري الذي كان فيه عضواً واحداً بعد اغتيال محمد علي عثمان في مايو 73،وقدمت الاستقالة إلى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر باعتباره رئيس مجلس الشورى، والذي بدوره أرفقها باستقالته مع استقالة ثلاثة مشائخ آخرين هم الشيخ علي أحمد المطري عضو مجلس الشورى، والشيخ نعمان قائد بن راجح، والشيخ سنان أبو لحوم محافظ الحديدة، ورفعت الاستقالات إلى العقيد إبراهيم الحمدي، الذي كان يشغل نائب القائد العام للقوات المسلحة، باعتباره كان يمثل القائد العسكري الأكثر بروزاً في القوات المسلحة، خاصة مع وجود شعور بأن الحمدي يتزعم تشكيلاً أو توجهاً واسعاً داخل الجيش وخارجه.
 
وكان ذلك التشكيل أو التوجه أقرب إلى وصف المعارضة، فكان تقديم استقالة المجلس الجمهوري ومجلس الشورى إلى الحمدي يمثل نوعاً من تسليم الحكم من السلطة إلى تلك المعارضة كما يشير المؤرخ محمد حسين الفرح رحمه الله.
 
العهد الجديد
 
وبتولي الحمدي لمقاليد الحكم بدا عهد جديد في حياة الشعب اليمني الذي يقترن اسم الحمدي في ذاكرته بعهد الرخاء والازدهار والانتصار على الجوع والخوف والتسلط وقد أبهر بإدارته للدولة كل المتابعين والمهتمين على الساحتين الإقليمية والدولية، ووصفت مجلة الجارديان البريطانية قيادة الحمدي بأنها أدهشت جميع الدبلوماسيين، أما صحيفة السفير اللبنانية فقد اعتبرته نسيجاً خاصاً من الزعامات العربية الكفء، وقالت عنه الباحثة السوفيتية دجلو يوفسكا ياد إن عملية بناء الدولة المركزية الحديثة في الجمهورية العربية اليمنية بدأت منذ قيام حركة 13 يونيو برئاسة الحمدي”.
 
وإذا جاز التساؤل هنا فإن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا اكتسبت حركة 13 يونيو كل هذه الأهمية حتى اعتبرت ثالث أهم حدث بعد ثورة سبتمبر وحركة 5 نوفمبر؟
 
لقد حققت حركة 13 يونيو برئاسة إبراهيم الحمدي إنجازاً كبيراً في بناء الدولة المركزية الحديثة وفي مجال النهضة التنموية والاقتصادية والسياسية، فقد عمل منذ توليه الحكم على إيجاد تنظيم سياسي فاعل من القاعدة الجماهيرية، والواقع الشعبي تحتشد فيه كل الإمكانيات البشرية الوطنية وأصدر قراراً بتشكيل لجنة مؤقتة؛ لإعداد مشروع برنامج العمل الوطني تكونت من 39 شخصية ويعد برنامج العمل الوطني بمثابة الميثاق الوطني الذي أعلنه عبد الناصر وقد سمي فيما بعد الميثاق الوطني الذي تطور إلى الصورة التي هو عليها الآن.
 
وكانت مهمة هذه اللجنة وضع مشروع برنامج شامل للعمل الوطني على ضوء استعراض متميز لكل تجارب الماضي بسلبياتها وإيجابياتها من أجل اعطاء تصور شامل لدولة اليمن الحديثة القادرة على خلق الازدهار والتقدم وبعدها تم تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الشعبي العام الذي اعتبر آنذاك بمثابة الإطار العام لكافة القوى السياسية وعموم الشعب.

وعلى المستوى الشعبي وجه الحمدي بتكوين اللجنة العليا للتصحيح ولجان التصحيح الأساسية والفرعية والتي تكونت في سائر الأجهزة والمؤسسات وكافة النواحي والمحافظات منذ أكتوبر 1975م وانعقد المؤتمر الأول للتصحيح في 16 يونيو 1976 ووفقاً للبردوني فقد حول الحمدي مشروع التصحيح إلى لجان تصحيح تراءت كتنظيم سياسي وكان الرئيس الحمدي يسعى من خلالها إلى إيجاد ما أسماه بـ”دولة المواطنين”
 
وفي جانب السلطة التشريعية وجه الحمدي بتجميد ثم حل مجلس الشورى نظراً لتقديم رئيس المجلس استقالته وكان الإتجاه الأساسي الذي اتخذه مجلس القيادة هو إجراء انتخابات نيابية ديمقراطية بحيث يكون البديل لمجلس الشورى وتم إجراء التعداد السكاني لأول مرة في تاريخ البلاد كما تم إصدار قانون انتخابات مجلس الشورى وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات واستطاع الحمدي بحزمه أن ينهي مراكز القوى والنفوذ ويحد من سلطة المشائخ ويرسي أسس دولة حديثة تقوم على التعددية الديمقراطية.
 
ومن أبرز القرارات التي اتخذها قرار انشاء المعاهد العلمية والهيئة العامة لها وعدت هذه الخطة بمثابة تقرب من تيار الأخوان المسلمين الذي كان قد أصبح قوة سياسية لها رموزها في ذلك الوقت.
 
الوحدة
 
مثلت سنوات حكم الحمدي المناخ الملائم لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية من خلال الخطوات التي قام بها كل من رئيس الشطر الشمالي إبراهيم الحمدي ورئيس الشطر الجنوبي سالم ربيع علي وأجريت أول مباحثات بينهما في ديسمبر 1974م على هامش مؤتمر القمة العربي السابع في المغرب، وفي 15 فبراير 1977م تم تشكيل المجلس اليمني الأعلى وذلك بناء على نتائج جلسة المباحثات التي عقدها رئيسا الشطرين في قعطبة ، وفي مارس 1977 انعقد بمدينة تعز المؤتمر الرباعي لأمن البحر الأحمر وبحث الرئيسان تفعيل العمل لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية وجرت اتصالات عالية المستوى بين الشطرين وفي 13 يونيو 77م في 15 يونيو وفي 26 سبتمبر 77م تم الإتفاق على خطوات وحدوية يتم الاعلان عنها أثناء زيارة الحمدي لعدن والتي تم تحديد موعدها في 13 أكتوبر 77م ومنها توحيد السلك الدبلوماسي والنشيد الوطني والعلم الجمهوري وهي الزيارة التي لم تتم.
 
الاغتيال
 
في يوم 11/10/1977م وفي الساعة الحادية عشرة والنصف مساءً نقلت إذاعة صنعاء للشعب اليمني وفاة المقدم إبراهيم الحمدي رئيس الجمهورية ومجموعة من رفاقه في حادثة اغتيال دنيء لا يزال الغموض يكتنفه حتى اللحظة.
 
ولا يتسع الحديث هنا للإشارة إلى ملابسات مقتل الحمدي نظراً لضيق المساحة وتعدد وتناقض المراجع التاريخية التي شهدت على الحادثة ودونت ما حدث، لكننا سنشير إلى الرسالة التي بعثها عبدالملك الطيب للشيخ مجاهد أبو شوارب في 9 يوليو1977م يحفزه على التدقيق في قصة وصول باخرة إلى الحديدة تحمل أسلحة سوفيتية، ومن جملة حمولتها 12 طائرة، قبل أن يحثه على الإسراع من أجل إبلاغ المسئولين هنا (أي في قمة المثلث)؛ لأنها أحسن دليل (ضد الحمدي)، أو تلك المقولة المنسوبة إلى الشيخ سنان أبو لحوم بأن استمرار حكم الحمدي عدة شهور “كان سيفضحنا وسط قبائلنا”، في إشارة إلى مخطط الحمدي تقويض أعمدة سلطة المشيخ في مناطق القبائل، بإسناد مشائخ صغار أو منافسين، وبرعاية الحركة التعاونية وشمولها عمق بكيل وحاشد.
 
معالم الحكم
 
استمر حكم الرئيس الحمدي 41 شهراً تماماً من يونيو 74 إلى أكتوبر 77م ورغم قصر هذه الفترة، إلا أنها تعد من أكثر السنوات جدلاً ومن أهم السنوات التي عاشها الشعب اليمني.
 
لقد مثل حكم الحمدي الترجمة الفعلية لأهداف ثورة 26 سبتمبر من خلال مشروع الدولة الحديثة الذي كان الرئيس الحمدي يطمح في الوصول وهي دولة المواطنين كوعد بدا في عيون الناس العاديين يدنو وئيداً، ولكن مؤكدا، وكان الحمدي قد استطاع باقتدار أن يتقدم في مسارين متجاورين يبدوان متعاكسين في تصورات النخب السياسية الحداثية والتقليدية معاً، فهو تقدم بخطوات متسارعة في اتجاه الدولة المركزية وشرطها احتكار الدولة وسائل الإكراه المادي.
 
وفي الوقت نفسه وسَّع من نطاق المشاركة الشعبية في إدارة المجتمع، بتعزيز التعاونيات أساساً. وكان أمامه تحديان: إنهاء المرحلة الانتقالية وإعادة الحياة الدستورية؛ وإيجاد أداة سياسية تكفل تنظيم المشاركة السياسية للمواطنين. حيال التحدي الأول تقرر بتفاهم مع الشيخ الأحمر تنظيم انتخابات نيابية، وتشكلت لجنة عليا للانتخابات لهذا الغرض. وحيال التحدي الثاني استجلبت فكرة مركزية في الناصرية قوامها تنظيم قوى الشعب في أداة سياسية واحدة، كمقابل للتعددية الحزبية التي كانت محرمة منذ الوجود المصري في الستينات وفقاً للزميل سامي غالب.
 
إن حركة 13 يونيو التي قادها الحمدي ووضع أسسها وملامحها تعد بكل المقاييس المرحلة الأهم في حياة الشعب اليمني، وإذا كانت لم تعط حقها الكامل من الإنصاف والتقدير فإن الأجيال القادمة هي من ستحتفي بهذه الحركة وتعمل على استعادة مبادئها وتصورها لمفهوم الدولة اليمنية القائم على المساواة والعدالة وإعطاء الوطن الأولوية المطلقة في كل شيء والتفلت من الولاء للكيانات أو المشاريع الأخرى ووصفه الشاعر الأستاذ عبد الله عبد الوهاب نعمان وقال:
 
أتى النبالــةَ سعيـاً في مســالكها .. مُضـوّءَ الـوجهِ فيها أبيضُ الصـحفِ
 
لقد تحرك الحمدي في أكثر من اتجاه، ولم تكن الإصلاحات الداخلية وحدها المؤشر الأقوى لذلك العصر، بل إن السياسة الخارجية شهدت هي الأخرى نقلة نوعية فقد كان الرجل صاحب طموح سياسي واسع فقام بتحسين علاقته مع دول الجوار وانتهج سياسة عدم الانحياز، وقام بزيارة الصين.
 
وكان له موقف واضح من القضية الفلسطينية كما زار السعودية في ديسمبر 1975م، وكان لتلك الزيارة دور في الاتصالات التي أسفرت عن إقامة علاقات أخوية دبلوماسية بين السعودية والشطر الجنوبي في 10 مارس 1976م والبدء في بحث إنهاء الصراع بين عدن ومسقط من أجل رحيل القوات الإيرانية من عمان باعتبار ذلك محل اهتمام السعودية، وكان ذلك من الأمور التي بحثها الرئيس الحمدي مع الأمير سلطان بن عبد العزيز أثناء زيارة سلطان لصنعاء في 10/4/1976م.
 
ويمكن القول أن فترة حكم الحمدي كانت الأقرب من عموم الشعب ويتجلى ذلك في كثير من القرارات التي اتخذها ومنها إصداره لقرار جمهوري بمنع كلمة سيدي من الخطابات والمراسلات الرسمية واستبدالها بكلمة الأخ كون الأولى توحي بوجود فوارق طبقية في المجتمع، كما أصدر قراراً بتخفيض الرتب العسكرية وجعل رتبة المقدم هي أعلى رتبة عسكرية وكان هو أول من شمله هذا القرار فبعد أن كان في رتبة العقيد أصبحت رتبته “مقدم”.
 
إن المبادئ والتصورات التي كانت تحملها حركة 13 يونيو قد اصطدمت بقوى نافذة داخل المجتمع شعرت معها أن مصالحها ونفوذها قد بدأ يتقلص تدريجياً أمام المشروع الجديد الذي سار عليه الرئيس الحمدي وبالتالي بدأت تحيك له المؤامرات وتضع له الدسائس بهدف إعاقته وهي في مجموعها قوى وضعت نصب عينيها مصالحها الشخصية ورمت بمصلحة اليمن جانباً غير عابئة بمستقبل الأجيال القادمة.
 
وبالتالي قد كان للخطوات الإصلاحية التي اتخذها الحمدي أثراً كبيراً في زيادة عدد الناقمين عليه خصوصاً أولئك الذين تضرروا كثيراً من لجان التصحيح التي وصلت إلى مناطق العمق القبلي وسحبت البساط الشعبي من تحت أيديهم وهو ما عجل بيوم الاغتيال المشئوم الذي تعرض له الحمدي في حادثة غامضة لم تجهز عليه كمجرد شخص فقط، ولكن أجهزت على مشروع الدولة اليمنية الحديثة الذي كان يطمح إليه كل اليمنيين وأصبح حادث الاغتيال واحداً من أشهر الاغتيالات السياسية التي توازي حادثة اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي والملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز وغيرهم من الزعماء الذين قدموا أرواحهم ثمناً لمبادئهم.

والملفت عدم وجود احتفاء رسمي بهذه الحركة والإصلاحات التي قام بها هذا الرجل رغم أن معظم الخطط التي يسير عليها النظام حالياً وضع مداميكها الأولى الرئيس الحمدي وحتى صحيفة 13 يونيو التي صدرت في نفس المناسبة أصبح اسمها الآن صحيفة 26 سبتمبر.
 


التعليقات