المبادرة الخليجية 2011.. هل تجاوزتها الأحداث أم هناك حاجة لإعادة ترميمها؟ (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد الخميس, 24 نوفمبر, 2016 - 04:10 مساءً
المبادرة الخليجية 2011.. هل تجاوزتها الأحداث أم هناك حاجة لإعادة ترميمها؟ (تحليل خاص)

[ وقع صالح على المبادرة بعد ثورة شعبية طالبت برحيله ]

بعد مرور خمس سنوات على توقيع المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية في العاصمة السعودية الرياض، بتاريخ 23 نوفمبر 2011، تبدو الأوضاع في اليمن مختلفة كثيراً عن المناخ السياسي الذي تم فيه التوقيع على المبادرة، ما يثير التساؤل حول صلاحية المبادرة التي تجاوزتها الأحداث، وبروز معطيات ووقائع جديدة على الأرض تختلف عن تلك التي جاءت المبادرة لحلها.
 
فمن ناحية، كانت المبادرة تهدف إلى نقل سلمي وسلس للسلطة بما يلبي أهداف ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، ومنحت في نفس الوقت الحصانة للمخلوع علي صالح وعائلته من الملاحقات القضائية، واليوم هناك انقلاب على السلطة الشرعية، وتعثر لكل جهود الحل السياسي.
 
ومن ناحية ثانية، فالدول الخليجية التي كانت بمثابة الوسيط بين فرقاء الحياة السياسية، وراعية للمبادرة التي قدمتها، أصبحت اليوم طرفاً رئيسياً في صراع إقليمي يمثل اليمن أحد ساحاته، فلا يعقل أن تكون طرفاً في الصراع لمساندة السلطة الشرعية، وفي نفس الوقت تكون راعية لحل سياسي.
 
وهنا، يمكن القول إن الحل السياسي يجب أن يتم عبر طرف ثالث، كالأمم المتحدة مثلاً، لكن الحل السياسي بات غير ممكناً، إلا في حال وافق عليه الانقلابيون عندما يشعروا باقتراب هزيمتهم، وفي هذه الحالة يجب على السلطة الشرعية الإجهاز عليهم، وليس منحهم فرصة للتعافي وإثارة الحروب مجدداً.
 
ماذا تحقق من المبادرة؟
 
في الواقع، لقد تحقق الجزء الأكبر من بنود المبادرة الخليجية، قبل انقلاب الحوثيين والمخلوع علي صالح على السلطة الشرعية، وكان أهم هدف تحقق هو إجبار المخلوع صالح على التنازل عن منصبه كرئيس، حيث انزاحت بذلك العقبة الرئيسية أمام الحل السلمي، إذ أنه على إثر ذلك ظهرت دعوات مختلفة لتعميم النموذج اليمني في بقية بلدان الربيع العربي، خاصة بعد أن بدأت المرحلة الانتقالية تمضي بشكل سلس، وانعقد مؤتمر الحوار الوطني وسط أجواء تفاؤلية بإحداث تغيير حقيقي في البلاد وبأقل الخسائر.
 
لا شك أن المخلوع علي صالح كان يضمر الشر ضد خصومه السياسيين منذ اللحظة التي وقع فيها على المبادرة، وذلك عندما قال بأنه ليس مهماً التوقيع، ولكن حسن النوايا، وهي رسالة لخصومه السياسيين فحواها "لا يغركم توقيعي، المهم هو النية وليس التوقيع".
 
وبعد أن تنازل المخلوع صالح عن منصبه، ثم انتخاب نائبه عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً للبلاد خلال المرحلة الانتقالية، تمت عملية إزاحة أفراد عائلة صالح من مناصبهم العسكرية الحساسة، وعلى رأسهم نجله "أحمد"، الذي كان قائداً للحرس الجمهوري، وتم تعيينه سفيراً لليمن لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو التعيين الذي كان بمثابة نفي ناعم إلى خارج البلاد.
 
وإلى هنا، بدا للمراقبين وكأن نفوذ المخلوع صالح وعائلته إلى زوال، خاصة مع بدء عملية هيكلة الجيش، وإجراء تغييرات كبيرة في القيادات العسكرية، وإعادة تسمية وتوزيع المناطق العسكرية، وإجراء تغييرات في مواقع بعض الكتائب والألوية العسكرية.
 
ومع بدء أعمال مؤتمر الحوار الوطني، وانتظام جلساته رغم تمديد مدته الزمنية، ثم الاقتراب من اختتامه، وإقرار مخرجاته، وعلى رأسها فكرة الأقاليم الفيدرالية الستة، ثم تشكيل لجنة لصياغة الدستور الجديد والاستعداد لطرحه للاستفتاء الشعبي، وإصلاح النظام الانتخابي، ثم إجراء انتخابات رئاسية بعد ذلك، انقلب المخلوع علي صالح والحوثيون على السلطة الشرعية، وأعاقوا استكمال ما تبقى من المبادرة الخليجية، فما هو الدافع الرئيسي للانقلاب، وكيف تم، ولماذا فشل الانقلابيون في السيطرة الكاملة على البلاد؟.
 
مراحل الانقلاب
 
لم يكن انقلاب المخلوع علي صالح والحوثيين على السلطة الشرعية حدثاً وليد اللحظة في شهر سبتمبر 2014، ولا حتى قبل ذلك ببضعة أشهر، فالانقلاب مرّ بعدة مراحل، يمكن القول إن أولها بدأ قبل التوقيع على المبادرة الخليجية، وذلك عندما سلم المخلوع علي صالح محافظة صعدة للحوثيين، وزودهم بأسلحة حديثة هربها من معسكرات قوات الحرس الجمهوري، وسلم محافظة أبين لتنظيم القاعدة، ما يعنى أن "الفوضى الأمنية" المفتعلة كانت المرحلة الأولى من مراحل الانقلاب.
 
أما المرحلة الثانية من الانقلاب فتتمثل في تدمير الخدمات العامة، وممتلكات الدولة، مثل الاستهداف المتكرر لأبراج الكهرباء وأنابيب النفط، وكل ذلك بغرض عرقلة أداء حكومة الوفاق الوطني، بهدف جعل المواطنين البسطاء يترحمون على أيام المخلوع صالح، ويخرجوا مهللين بعودته للسلطة بعد أن ينجح الانقلاب المخطط له.
 
وبعد تعميم الفوضى الأمنية في عدة محافظات، وما رافقها من عمليات إرهابية واغتيالات طالت قيادات عسكرية وسياسية، إضافة إلى تردي الخدمات العامة، بدأت المرحلة الثالثة من الانقلاب، والمتمثلة في السيطرة على المدن، بدءاً من صعدة ومحيطها، ثم حجة وعمران، ثم العاصمة صنعاء وضواحيها، ومنها انطلاقاً إلى محافظات أخرى وصولاً إلى عدن، لتندلع الحرب بين تحالف الانقلابيين والسلطة الشرعية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية.
 
وهناك العديد من العوامل المساعدة للانقلاب، لعل أبرزها، رفع ساحات التغيير، ما ترك فراغاً ملأه الانقلابيون، وتداعيات الانقلاب العسكري في مصر، وعوائق الهيكلة العملية لقوات الجيش والأمن، بسبب تركيبتها المذهبية والمناطقية، وأخيراً، مخرجات الحوار الوطني دفعت الانقلابيين للتعجيل بالانقلاب، بسبب خشيتهم من فكرة الأقاليم الستة ونظام الحكم الفيدرالي، كون ذلك سيحد من نفوذهم وسيطرتهم على كل موارد البلاد، وكان اعتراضهم واضحاً على فكرة الأقاليم الفيدرالية، بمبرر الحفاظ على الوحدة الوطنية.
 
ما بعد الانقلاب
 
كان الانقلابيون يعتقدون أنه بإمكانهم السيطرة على البلاد خلال أيام معدودة، وبالتالي القضاء التام على ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، والقضاء على مخرجات الحوار الوطني، والعودة باليمن إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، ولم يتوقعوا أن تتدخل السعودية وعدة دول عربية استجابة لطلب السلطة الشرعية لإنقاذ اليمن من الانقلابيين حلفاء إيران.
 
وبعد مرور أكثر من عام ونصف على عملية "عاصفة الحزم" ضد الانقلابيين، تكون اليمن قد دخلت طوراً جديداً بمعطيات ووقائع جديدة على الأرض تختلف عن تلك التي كانت سائدة قبل التوقيع على المبادرة الخليجية، وهو ما يستدعي تعديلات على المبادرة في حال تم استئناف الحل السياسي، أو صياغة عقد اجتماعي جديد للبلاد بعد القضاء على الانقلاب.
 
ويمكن القول إن تشبث السلطة الشرعية بالمبادرة الخليجية كمرجعية أساسية للتفاوض إلى جانب مخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216، إنما ينبع من حرصها على عدم إراقة المزيد من الدماء، خاصة وأن المبادرة الخليجية لم يتبق من بنودها التي لم تنفذ سوى صياغة الدستور والاستفتاء عليه، وإصلاح النظام الانتخابي، ثم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
 
واقع جديد
 
وفي الحقيقة، فالمبادرة الخليجية تجاوزها الزمن، فالواقع على الأرض لم يعد كما كان عام 2011، والطرف الرئيسي الذي أنقذته المبادرة، أي المخلوع علي صالح، لم يعد بالقوة التي كان عليها، وليس من اللائق استمرار الحصانة من الملاحقات القضائية بعد كل ما حصل منه من جرائم ضد الشعب، وكذلك الأمر بالنسبة للحوثيين.
 
الخلاصة، المبادرة الخليجية ستنفذ بكل بنودها بمجرد القضاء على الانقلاب، لكن البلاد بحاجة لعقد اجتماعي جديد أهم من المبادرة الخليجية، يتم فيه تجريم الدعوات والانقلابات والتحركات العنصرية والمذهبية والقبلية والطائفية، وتغليظ العقوبة ضد من يدعو لذلك، إضافة إلى تجريم الانقلابات العسكرية، ونزع سلاح الميليشيات، وإقرار النظام الفيدرالي، والعزل السياسي للحوثيين وجناح المخلوع صالح في حزب المؤتمر، ومحاكمة الانقلابيين.
 


التعليقات