من الإصلاح إلى الحوثيين.. قراءة في التحالفات السياسية المتقلبة للمخلوع صالح (تحليل خاص)
- عبد السلام قائد السبت, 21 يناير, 2017 - 06:39 مساءً
من الإصلاح إلى الحوثيين.. قراءة في التحالفات السياسية المتقلبة للمخلوع صالح (تحليل خاص)

[ تحالف المخلوع صالح مع قوى عديدة خلال فترة حكمه اليمن ]

تكشف طبيعة التحالفات السياسية المتقلبة للمخلوع علي صالح مع مختلف القوى في الداخل عن حالة من التيه والاغتراب السياسي لديه، وتؤكد في مجملها أن الرئيس الذي حكم البلاد أكثر من ثلاثة عقود يشعر دومًا بالذل، ولا يجرؤ على المواجهة بمفرده، سواء كانت سياسية أم عسكرية، ولا يتحرك إلا وهو محاطًا بالحلفاء، وهذا ما يفسر تحالفاته المتقلبة، والتي بدأها مع حزب الإصلاح، ثم مع جماعات مسلحة ومشائخ قبليين، انتهاء بالتحالف مع جماعة الحوثيين.
 
وإذا ما قُدِّر للمخلوع صالح أن يكتب مذكراته السياسية، فإنه سيصف تحالفاته المتقلبة بـ"لعبة الكروت"، كما أكد ذلك مرارًا من قبل، لكن واقع الحال يكشف التالي: المخلوع صالح يشعر بالضعف وبالذل، ولا يجرؤ على المواجهة، رغم إمكانياته العسكرية الكبيرة، وهو دومًا بحاجة للحلفاء بحسب ما تقتضيه الظروف، ويعتقد أنه يستخدم حلفائه كـ"كروت"، لكن الواقع يؤكد أن الآخرين هم من يستخدمونه كـ"كرت سياسي" للصعود، ثم الرمي به بعد تحقيق مآربهم.
 
- التحالف مع الإصلاح
 
تعود جذور علاقة المخلوع علي صالح وتحالفه مع حزب الإصلاح إلى السنوات الأولى من حكمه للبلاد، وقبل أن يتأسس حزب الإصلاح بشكل رسمي بعد الوحدة، ولكن العلاقة -أو التحالف- كان مع الجيل الأول من قيادات الحركة الإسلامية في اليمن، والذين أسسوا حزب التجمع اليمني للإصلاح فيما بعد.
 
سعى المخلوع صالح لتقوية تحالفه مع الإسلاميين لأنه رأى فيهم قوة صاعدة، خاصة وأنه بعد توليه السلطة مباشرة شعر بأن الأخطار والتحديات كثيرة جدًا، وأنه لا قدرة له على المواجهة منفردًا أمام القوى التي تشكل خطرًا على كرسي الحكم، لا سيما وأن تلك المرحلة اتسمت بالمد اليساري والقومي الذي يتصف بالتوجهات الثورية العنيفة.
 
وكان أول تحدٍّ واجهه المخلوع صالح بعد توليه السلطة، محاولة الانقلاب التي قادها ضباط ناصريون أرادوا الانتقام منه باعتباره المتهم الأول باغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، وما إن أحبط المخلوع صالح المحاولة الانقلابية تلك، حتى برز له خطر ما عرف حينها بـ"الجبهة القومية"، وهي فصائل مسلحة مدعومة من قبل النظام الحاكم في عدن، وكانت تهدف إلى السيطرة على السلطة في صنعاء، وشهدت المناطق الوسطى مواجهات دامية، وبدأ علي صالح يستسلم لرغبات الجبهة القومية بسبب عدم قدرته على القضاء عليها، وبدأ يجري مفاوضات مع قيادات الجبهة، ويقدم التنازلات والوعود، مقابل أن تتوقف فصائل الجبهة عن العمل العسكري ضد نظامه.
 
وهنا، شعر الإسلاميون بالخطر الذي سيشمل الجميع، وكانوا مدفوعين بهاجس الخوف من التوجهات الإلحادية ومعاداة الدين من قبل تيار الجبهة القومية المتحالف مع الماركسيين في عدن، وأدركوا أن علي صالح -وبسبب عدم قدرته على استمرار المواجهة العسكرية- مستعد أن ينفذ كل مطالب الجبهة القومية من أجل استمرار بقائه في السلطة، حتى وإن مس ذلك دستور الدولة، وما يتعلق باعتبار الدين الإسلامي كمصدر وحيد للتشريع.
 
- الحرب تحت لافتة الدولة
 
عرض الإسلاميون على علي صالح فكرة المشاركة في الحرب تحت لافتة الدولة، وطلبوا منه تزويدهم بالسلاح. ورغم أنه في البداية استهان بقدرتهم على المواجهة العسكرية، إلا أنه استجاب مؤخرًا لمطالبهم، حيث زودهم بالأسلحة، فشكلوا ما عرف حينها بـ"الجبهة الإسلامية" التي حققت نصرًا كبيرًا وحاسمًا ضد فصائل الجبهة القومية، فلفت ذلك أنظار علي صالح، وسعى لتقوية تحالفه مع الإسلاميين، لمواجهة الأخطار التي تواجه الجميع.
 
ظل علي صالح يعمل على تقوية تحالفه السياسي مع الإسلاميين، وكان الإسلاميون يرون أن هذا التحالف لابد منه، من أجل الحفاظ على كيان الدولة الهش والحفاظ على النظام الجمهوري الذي لم يترسخ بعد، وتجنبًا للصدام مع النظام الحاكم، كما كان يحدث في عدة بلدان عربية، واستمر هذا التحالف حتى بعد الوحدة، وتأسيس حزب الإصلاح، ثم توترت العلاقة بين الطرفين، لتنتهي بإعلان الأستاذ محمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح حاليًا، وعبر قناة الجزيرة الفضائية، عام 2001، عن نهاية التحالف بين حزب الإصلاح وعلي صالح، بسبب الفساد وتزوير الانتخابات والإقصاء والسعي نحو توريث السلطة وغير ذلك.
 
وعند التأمل في طبيعة التحالفات السياسية لكل من الإسلاميين (حزب الإصلاح) والمخلوع علي صالح، سنجد أن التحالفات السياسية للإسلاميين كانت من أجل الحفاظ على كيان الدولة والنظام الجمهوري، وحتى الحروب التي خاضوها فإنهم خاضوها تحت لافتة الدولة، فهم حاربوا ضد الجبهة القومية تحت لافتة الدولة، وحاربوا ضد انفصال الجنوب تحت لافتة الدولة، وهم الآن يحاربون ضد الانقلابيين تحت لافتة الدولة. أما التحالفات السياسية للمخلوع علي صالح، فقد كان يهدف منها -دائمًا- إلى تثبيت نظام حكمه، وحماية الكرسي، وكان ذلك أحد وأهم الأسباب التي دفعت حزب الإصلاح إلى إنهاء تحالفه معه، والانتقال إلى صفوف المعارضة، ثم دعم الثورة الشعبية السلمية ضده عام 2011، والتي نجحت في الإطاحة به.
 
- العقدة من الأحزاب
 
يشعر المخلوع علي صالح أن الخطر على كرسي الحكم يأتي دائمًا من الأحزاب، ففي بداية توليه السلطة، كاد الناصريون أن يطيحوا به ويستولوا على الحكم، وكان سبب فشلهم يتمثل في تسرعهم وعدم التخطيط الجيد للانقلاب. وأثناء حرب صيف 1994 الأهلية، لو لم يعلن علي سالم البيض الانفصال، لكان الحزب الاشتراكي قد انتصر على القوات العسكرية الموالية لعلى صالح، ولتمكن الاشتراكيون من الاستيلاء على صنعاء، ولكان علي صالح الآن لاجئًا سياسيًا في الخارج، لكن إعلان علي البيض للانفصال جعل الكثير من الألوية العسكرية الجنوبية تتخلى عنه وتحارب إلى جانب الوحدة. ولو أجريت انتخابات رئاسية نزيهة، لتمكن حزب الإصلاح من الفوز بغالبية الأصوات، ولأزاح الإصلاحيون علي صالح من السلطة عن طريق صناديق الاقتراع.
 
ولتحجيم خطر الأحزاب على كرسي الحكم، الذي كان يريد المخلوع علي صالح الاستئثار به وعائلته من بعده إلى الأبد، حاول علي صالح تهميش دور الأحزاب من خلال تفريخها وشيطنتها، واتهامها بالعمالة والارتزاق، واستقطاب بعض قياداتها المؤثرين إلى صفه، ويقابل ذلك، تعزيز قدراته العسكرية الموجهة نحو الداخل بغرض حماية كرسي الحكم، لكنه اكتشف، في العام 2011، قدرة الأحزاب على حشد الجماهير للمطالبة برحيله، ووجد أن حزب المؤتمر يتآكل ويتفتت من حوله بعد انضمام الكثير من قياداته وجماهيره للثورة الشعبية السلمية، فازدادت كراهيته للأحزاب، بما فيها حزب المؤتمر، فعمد إلى إنعاش الجماعات المسلحة والإرهابية والتحالف معها، والنفخ في العصبية المذهبية والقبلية وتوظيفها من أجل محاولة العودة لحكم البلاد بالقوة.
 
- تعطيل الحياة السياسية
 
ويرى المخلوع علي صالح أن التحالف مع الجماعات المسلحة والإرهابية وإنعاشها الوسيلة الأمثل للقضاء على الأحزاب أو تهميش دورها، وتعطيل الحياة السياسية، ولذلك، كان أول عمل قام به بعد اندلاع الثورة الشعبية السلمية عام 2011 يتمثل في تسليم محافظة أبين لتنظيم القاعدة، كما سلم للتنظيم مخازن السلاح التابعة لقوات الأمن هناك، وسلم محافظة صعدة للحوثيين، وأمدهم بأسلحة حديثة ونوعية نهبها من مخازن ما يعرف بـ"قوات الحرس الجمهوري".
 
وهناك عدة أسباب جعلت المخلوع صالح يكره الأحزاب السياسية، وفي مقدمتها حزب الإصلاح، وذلك بسبب قدرة الأحزاب على التنظيم والتمدد والانتشار في كل المحافظات، وقدرتها على تنمية الوعي لدى المواطنين بحقوقهم السياسية، وقدرتها على كشف الفساد، وامتلاكها لوسائل إعلام مؤثرة، وقدرتها على إحراج النظام الحاكم أمام الداخل والخارج، وما يشكله كل ذلك من ضغوط محلية ودولية على النظام، تدفع باتجاه الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ومحاربة مشروع التوريث، حتى وصل الأمر إلى اندلاع ثورة شعبية سلمية، حطمت أحلام المخلوع صالح في توريث السلطة، وحرمته من مواصلة استئثاره بالمال العام، وجعلته في وضع لا يسر عدوًا ولا صديقًا.
 
- التحالف مع الحوثيين
 
عندما اندلعت ثورة 2011، كان بمقدور المخلوع علي صالح القضاء عليها عسكريًا، وكان بإمكانه جعل اليمن ليبيا أو سوريا أخرى، بدون الحاجة إلى التوقيع على المبادرة الخليجية وتسليم السلطة ثم الانقلاب، لكنه، وكما ذكرنا سابقًا، يتصف بالذل والجبن والخوف، ولا يجرؤ على مواجهة خصومه منفردًا سواء عسكريًا أم سياسيًا، وحتى في مجال السياسية صنع حوله أحزابًا هلامية لتتحالف معه في مواسم الانتخابات.
 
وعندما رأى المخلوع صالح أن الأوضاع باتت خارج نطاق السيطرة، وأن نظام الأقاليم الفيدرالية سيسلبه ويسلب عائلته الطامحة للعودة إلى السلطة الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها، من استئثار بالسلطة والقرار السياسي والمال العام، لجأ إلى تعزيز تحالفه مع جماعة الحوثيين، وحاول في البداية ابتزاز السعودية من خلال النفخ في بالونة الحوثيين، ودفعهم لإجراء مناورة عسكرية بالقرب من الحدود السعودية، والتهديد باحتلالها، وذلك لكي تساعده السعودية على العودة للسلطة، بعد أن قدم نفسه لها كمنقذ لليمن وللمنطقة من الحوثيين والنفوذ الإيراني، لكن القيادة السعودية أدركت ألاعيبه، وأعلنت عن عملية "عاصفة الحزم"، التي دمرت جيشه العائلي الذي بناه خلال سنوات حكمه، وتحول ما تبقى منه إلى ميليشيات تأتمر بأوامر أطفال صعدة.
 
وإذا كان للمخلوع صالح أهدافه الخاصة من الانقلاب، وللحوثيين أهدافهم الخاصة بهم، حيث إن كلًا منهم يسعى إلى الهيمنة على البلاد، والاستئثار بالسلطة والثروة، ولا يمكن أن يقدم أحدهم التضحيات من أجل أن يحكم البلاد الطرف الآخر، لكن هناك العديد من العوامل التي دفعتهم إلى تعزيز تحالفهم، والمحافظة عليه، رغم الخلافات البينية التي تتزايد يومًا بعد يوم.
 
ولعل أهم العوامل التي ساعدت على استمرار تحالف المخلوع صالح والحوثيين، تتمثل في التجانس المذهبي والاجتماعي، والخشية من تبعات نظام الأقاليم الفيدرالية، وتنامي الوعي الشعبي الذي ينبذ العنصرية والمذهبية، وينبذ توريث السلطة والعبث بالحياة السياسية، بالإضافة إلى تنامي النظرة الدونية لدى مختلف فئات الشعب التى ترى أن المخلوع علي صالح والحوثيين والقبائل الموالية لهم يتصفون بالتخلف والجهل والهمجية والبداوة، وأنهم غير مؤهلين لإدارة البلاد وتنميتها وتطويرها، ولا يجيدون سوى القتل والنهب والغزو والفيد.
 
والسؤال هنا، هل نجح المخلوع صالح في استخدام الحوثيين كـ"كرت سياسي" أو "لافتة سياسية" للانقلاب على السلطة الشرعية وتصفية خصومه السياسيين؟ أم أن الحوثيون هم من نجحوا في استخدام المخلوع صالح كـ"كرت سياسي" على طريق محاولة استعادة نظام حكم الإمامة؟
 
- فات القطار
 
لا شك أن كل طرف يرى أن الطرف الآخر عبارة عن "كرت سياسي"، لكن كل ذلك لن يجدي، فالطرفان -المخلوع صالح والحوثيون- خسرا كل شيء، حتى وإن امتلأت خزائنهم بالأموال المنهوبة، لأن هناك حقيقة ثابتة، وهي أن ما بعد ثورة 11 فبراير 2011 ليس كما قبلها.
 
لقد تحالف المخلوع علي صالح مع حزب الإصلاح من أجل الحفاظ على كيان الدولة والنظام الجمهوري، وأخيرًا تحالف مع الحوثيين من أجل هدم الدولة والقضاء على النظام الجمهوري، وكانت مصلحته الشخصية حاضرة في كلا الحالتين.
 
وبعد أن رأى المخلوع صالح أنه بتحالفه مع الحوثيين خسر كل شيء، فها هو يغازل السعودية من حين لآخر، من خلال المطالبة بالحوار المباشر معها، أملًا في أن تدعمه ليعود للسلطة، وأحيانًا يدفع ببعض قيادات ومنتسبي حزبه لمغازلة حزب الإصلاح، أملًا في عودة تحالفه القديم معهم، ليخلط بذلك الأوراق بالشكل الذي يمكنه من العودة للسلطة، لكن كل تلك المحاولات الفاشلة تؤكد له أنه فاته القطار.
 


التعليقات