ستمئة مليون ريال إجمالي التبرعات الشهرية التي يأخذها الحوثيون
الحوثيون يطبقون سيطرتهم على شركة يمن موبايل والحكومة الشرعية تخذل قيادة الشركة (وثيقة)
- خاص السبت, 27 يناير, 2018 - 10:37 صباحاً
الحوثيون يطبقون سيطرتهم على شركة يمن موبايل والحكومة الشرعية تخذل قيادة الشركة (وثيقة)

[ الوثيقة التي أصدرها وزير الاتصالات في حكومة الحوثي ]

تواصل جماعة الحوثي في العاصمة صنعاء إطباق سيطرتها على مختلف مؤسسات الدولة من خلال سلسلة من التعيينات التي تهدف لإحلال عناصرها والتمكين لهم، وإزاحة القيادات التي كانت تعمل في تلك المؤسسات، خاصة الجهات الايرادية كشركة كمران ومصلحة الضرائب والجمارك وشركات النفط والغاز.

آخر الشركات التي امتدت لها يد الجماعة هي شركة يمن موبايل للهاتف النقال، وهي شركة مساهمة من عدة جهات حكومية وأهلية.

مصادر متخصصة لها علاقة بالشركة كشفت في حديثها مع "الموقع بوست" وجها من أوجه العبث الذي تمارسه جماعة الحوثي في شركة يمن موبايل مؤخرا.

وحصل "الموقع بوست" على وثيقة عبارة عن قرار صادر من وزير الاتصالات في حكومة الحوثي مسفر النمير المعين مؤخرا خلفا لجليدان محمود جليدان الذي كان محسوبا على حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأقيل من منصبه بعد مقتل صالح في الرابع من ديسمبر/كانون الأول، بتهمة الخيانة.

وبحسب الوثيقة الصادرة بتأريخ الـ24 من يناير/كانون الأول الجاري فقد وجه النمير بإعادة تشكيل ممثلي المؤسسة العامة للاتصالات في عضوية مجلس إدارة شركة يمن موبايل، وقضى التوجيه بتعيين عصام علي أحمد الحملي رئيسا للمجلس، وعضوية كلاً من: طه محمد زبارة، و وفاء عبدالقادر، وعبدالكريم قاسم الآنسي، وأمين محمد الحرثي.

والشخصيات الخمس التي عينها الوزير شغلوا مدراء عموم داخل المؤسسة، فالحملي كان مدير عام فرع المؤسسة العامة للاتصالات بصعدة، وطه زبارة تم تعيينه في السابق نائبا لوزير الاتصالات ونائبا لرئيس مجلس إدارة يمن موبايل، بعد تخلي الوزير السابق لطفي محمد باشريف عن الوزارة ونزوح الحكومة إلى عدن، أما وفاء عبدالقادر فتنحدر من عدن، وجرى تعيينها كنوع من ذر الرماد في العيون، وبقية الأسماء كانوا مدراء عموم في المؤسسة، و ينحدرون من صنعاء.

تعيين الحملي رئيسا للمجلس كان على حساب الرئيس السابق للمجلس صادق مصلح، والذي عمل سابقا مديرا تنفيذيا لشركة يمن موبايل خلال الفترة 2007 -2012م، ثم عين بقرار من الرئيس عبدربه منصور هادي مدير عاما للمؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية في السابع عشر من مارس/آذار 2012م، وبحكم كونه مديرا عاما للمؤسسة، أصبح رئيسا لمجلس إدارة يمن موبايل كون المؤسسة هي المالك الأكبر لشركة يمن موبايل بنسبة 59.3%، ومساهمتها في رأس المال أثناء التأسيس بلغ خمسة وعشرين مليار ريال و ستمئة واثنين وخمسين مليون وثمانمئة وواحد وأربعين ألف ريال، وعدد أسهمها يصل إلى واحد وخمسين مليون وثلاثمئة وخمسة ألف وستمئة واثنين وثمانين سهما.

وكان"مصلح" محط إجماع مختلف القوى السياسية، وجاء الوزير الحالي المعين من الحوثيين والذي ينحدر من مدينة صعدة حيث معقلهم ليزيحه من مكانه، ويبقيه مديرا عاما للمؤسسة العامة للاتصالات، ويستبدل بقية أعضاء مجلس الإدارة الخمسة المحسوبين على المؤسسة العامة للاتصالات، فوفقا للائحة يمن موبايل فإن عدد أعضاء مجلس الإدارة يتكون من (11) عضوا ينتخبون أو يجدد لهم كل ثلاث سنوات، منهم خمسة أعضاء من المؤسسة العامة للاتصالات يسميهم وزير الاتصالات.

وفقا لمصدر آخر له علاقة بتفاصيل ما يجري في الشركة فإن الحوثيين حاولوا خلال السنوات الثلاث الماضية استبدال "مصلح" لكن تلك المحاولات باءت بالفشل، لعدة أسباب، أولها أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح كان يتدخل لمنع استبداله، والسبب الثاني والأهم كان توقع الحوثيين أن قرار تغييره سيؤدي إلى ردة فعل قوية من الحكومة الشرعية، وسيؤثر هذا على تعامل الشركة مع الجهات الخارجية التي تتعامل معها أكثر من الداخل، بحكم وجود الحكومة الشرعية خارج اليمن، وستتحرك لإعاقة أي خطوات تؤدي إلى انفراد الحوثيين بالشركة.

ماذا يعني القرار؟

وفقا لهذا التغيير فالأمر يعني أن رأس شركة يمن موبايل وأعلى هرم إداري فيها أصبح بيد الحوثيين، فهذا المجلس هو من يتولى قرارات الشركة المالية، وصياغة السياسة التنفيذية لها، والمصادقة على لوائح الشركة، واعتماد الخطط الاستثمارية والبت في العقود التي تبرمها الشركة مع الغير، وإعداد القوائم المالية، والمصادقة على مشروع الخطة المالية السنوية للشركة، وتعيين المدير التنفيذي للشركة، والموافقة على تعيين المدراء الرئيسيين للشركة وتحديد صلاحياتهم وأجورهم، وبات اليوم كل هذا في يد الحوثيين بشكل كامل.

وسيؤدي هذا - وفقا للمصدر- إلى  إزاحة كثير من مدراء العموم العاملين في الشركة، خاصة أولئك المحسوبون على أطراف سياسية معينة، أو ينحدرون من نطاقات جغرافية معينة، وهم موظفون ذوو خبرة وكفاءة، ولم يصلوا لهذا المستوى إلا بعد تدرج وظيفي، بسبب سياسة الشركة ونظامها المعقد في عملية التوظيف، كما سيؤدي إلى تمرير عشرات القرارات التي أصدرها الحوثيون في السابق لأنصارهم من خارج الشركة للعمل في عدة مواقع إدارية، وكان مجلس الشركة السابق رفضها بحكم أن تلك القرارات مخالفة للوائح الشركة التي تمنع التوظيف في المواقع الإدارية إلا لمنتسبيها.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالسيطرة على الشركة ماليا وجعلها في يد الحوثيين، يعني تحويلها لصالحهم، لتستخدم في تمويل معركتهم، وذهاب تلك الأموال لمصلحة الجماعة وقياداتها.

ويصل الإيراد السنوي لشركة يمن موبايل إلى ما يزيد عن مئة مليار ريال في العام الواحد، وتشير المعلومات التي حصل عليها محرر (الموقع بوست) إلى أن المؤسسة العامة للاتصالات تصل إيراداتها السنوية إلى 25 مليار ريال، ونفقاتها 40 مليار ريال، وتحاول الوزارة سد النقص الحاصل من أموال شركة يمن موبايل، مع العلم أن المؤسسة العامة للاتصالات تعتمد في ميزانيتها بشكل كبير على شبكة الهاتف الأرضي، لكن هذه الخدمة تراجعت في السنوات الأخيرة بشكل كبير.

مصادر مالية أخرى كشفت لمحرر (الموقع بوست) أن شركة يمن موبايل ترسل رسائل  للمشتركين بطلب من الحوثيين مرتين في الشهر، الأولى طلب التبرع للمجهود الحربي، ويعني تمويل حروبهم داخل اليمن، والثانية التبرع لما يوصف بالشهيد وهم قتلى الحوثيين الذين يسقطون في جبهات القتال المختلفة للحوثيين.

ووفقا للمصدر فإن الحوثيين يستلمون العائد المادي لتلك الرسائل بمجرد إرسالها، وتخصم على المشترك تلقائيا سواء تبرع بالمبلغ أو لا، وبمعادلة حسابية يتضح حجم تلك الأموال.

بحسب إحصائيات الشركة فهناك أكثر من ثلاثة مليون مستخدم، وتصلهم الرسالة لمشترك مرتين بالشهر، وقيمة كل رسالة مئة ريال يمني، وإذا ما تم احتساب عدد مستخدمي الشركة ثلاثة مليون مشترك فقط، فإن إجمالي المبالغ التي تذهب لصالح الحوثيين تحت ذريعة تبرعات للمجهود الحربي والشهيد تصل إلى ستمئة مليون ريال يمني شهريا، وتعادل أكثر من مليون ونصف المليون دولار إذا ما احتسبنا قيمة الدولار 370 ريالا يمنيا، علما بأن الحوثيين يمارسون هذا النوع من الجباية منذ الشهر الأول لانطلاق العمليات العسكرية مع التحالف العربي في أبريل/نيسان 2015م، وهو رقم ليس سهلا.

تقاعس الحكومة الشرعية

في إطار التواصل مع أطراف الحكومة الشرعية للتعليق حول ما يجري، امتنعت الشخصيات التي تواصل معها محرر "الموقع بوست" عن التعليق، وتعذر الوصول لوزير الاتصالات وتقنية المعلومات في الحكومة الشرعية، والذي يتخذ من مدينة عدن مقرا لوزارته، بعد انتقال الحكومة إلى هناك.

لكن مصدر خاص -طلب التحفظ على هويته -  كشف لـ محرر "الموقع بوست" عن وجود تواصل سابق بين شركة يمن موبايل ومسؤولين في الحكومة الشرعية، ووصفها بـ التفاهمات السرية، ورفض الإفصاح عن طبيعتها، وأكد أن ذلك التواصل يفسر عدم قيام الحكومة الشرعية بإجراء أي تغييرات في قيادة الشركة والمؤسسة العامة للاتصالات.

ويذهب المصدر إلى القول: لكن الحكومة الشرعية للأسف خذلت شركة يمن موبايل، ولم تقم بواجبها المفترض من حيث العمل على التحكم بالاتصالات والإيرادات نحو مدينة عدن حيث تقيم الحكومة، أو إلى مأرب على سبيل المثال، ما أغرى الحوثيين إلى التهام الشركة والمؤسسة.

ويكشف المصدر عن ما هو أسوأ من ذلك، إذ يشير إلى وجود تواصل مع وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في الحكومة الشرعية لطلب المساعدة، خاصة أنه كان مسؤولا سابقا في الشركة والمؤسسة، ويعرف ما يجري هناك، لكنه للأسف خيب الآمال، ولم يتجاوب مع تلك الطلبات، التي رفض الحديث عن طبيعتها، ومن قام بها.

ويضيف: بدلا من التجاوب مع الرسائل التي كنا نوجهها للوزير، أدار لنا الوزير ظهره، وذهب نحو الإمارات يبحث عن تمويل لإنشاء شركة اتصالات جديدة في عدن، لن يكتب لها النجاح في ظل سيطرة شركات الجوال الثلاث (سبأفون، يمن موبايل، إم تي إن) على السوق في اليمن منذ سنوات.

ويصف الحال بالقول: كنا وكأننا نتخاطب مع أبله، لا يعي ماذا يريد، ولا ماذا تطلبه الحرب، التي تقتضي قطع الطريق على جماعة الحوثي، وعدم تمكينها من جهة إيرادية حكومية كيمن موبايل.
 


التعليقات