[ ساحة التغيير كما تبدو اليوم في ظل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ]
عام جديد، وذكرى جديدة لثورة الـ 11 من فبراير، وهي الذكرى السابعة بتوقيت الربيع العربي، والذكرى الرابعة بتوقيت الحرب، الحرب التي استهدفت الدولة ورئيسها التوافقي واستهدفت المؤسسات والقيم والأخلاق والأهداف التي حملتها ثورة فبراير، ودفع اليمنيون من أجلها ثمنا باهظا، ما زال يدفع حتى اليوم.
كثيرة هي تعبيرات اليمنيين بهذه الثورة وبهذه الذكرى، وكثيرة هي الرسائل التي وجهت في هذه المناسبة، وبأشكال مختلفة.
احتفل اليمنيون بطريقتهم وبالإمكانات التي أتيحت لهم فكل احتفل بطريقته؛ إلا ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، لم يسمح لها بأن تحتفل بذكرى رونقها ووهجها، فالحوثيون الذين أطبقوا حصارهم على الدولة والعاصمة صنعاء، مستمرون بفرض حصارهم على الدولة والمؤسسات والساحات وعلى الشعب، حيث يفترض أن تشهد الساحة احتفالا يليق بذكرى فبراير وتضحياتها التي لا ينكرها اليمنيون.
الساحة التي احتضنت الثورة والثوار، حيث المكان وحيث التاريخ، بل حيث التضحيات والذكريات، والبطولات، وجدها "الموقع بوست"، في ذكرى فبراير السابعة كما هي واضحة في الصورة، ساحة يتيمة وتبدو كما لو أنها مخطوفة أو مسروقة، ساحة عادية يعبر من خلالها العابرون، وهم يدركون بأن عليها عاش اليمن حدثا لا يمكن أن يمحى أن ينسى من ذاكرتهم، ولا يمكن لتلك الشعارات التي رسمها الحوثيون، وتحمل شعارات انقلابهم في الـ 21 من سبتمبر، والتي رسموها على معلم ثورة فبراير بساحة التغيير، أن تمحي شعار فبراير المجيد، حسب تعليق أحد المارين في حديثه لـ "الموقع بوست".
رمزية استثنائية
يقول الناشط هاشم الأبارة، وهو أحد شباب ثورة فبراير، في حديثه لـ "الموقع بوست": "كان لاختيار ساحة الجامعة رمزية استثنائية تربط بين المعرفة كسلاح للتغيير والطلاب كرافعة، ومع أنه كان هناك اقتراح أن يكون الاعتصام بالتحرير لدلالته الثورية، ولكن ممانعة المؤتمر أنقذت فرصة الاعتصام التي كانت ستفشل إذا ما كان التحرير مكانا لها بسبب قدرة السلطة آنذاك على إطباق الحصار على ساحة التحرير وإفشاله، لذا كانت ساحة الجامعة مفتاح السر في نجاح الاعتصام، ولكن للأسف اليوم يمر العابرون من الساحة يلتقطون صورا تذكارية مع مجسم الحكمة معلم الثورة في أجواء مدججة بمليشيات الانقلاب الحوثية، لكن كالعادة تحضر تعز في ذكرى الثورة روحا وثابة، ومترسا صلبا لا يمكن أن تسمح لأن يعود التاريخ إلى ما قبل فبراير".
من جهته يقول الناشط السياسي، خالد بقلان لـ "الموقع بوست": "ربما غاب الاحتفال بها في صنعاء لكي لا يخسر الحوثيون مما تبقى من حلفائهم الذين لهم موقف من الثورة".
ويضيف بقلان "إذا كان رئيس المجلس السياسي للانقلاب قد احتفى بذكرى فبراير فإن عدم حضور حفلهم بها في الساحات قد يأتي من أجل الحرص على عدم خسران من تبقى معهم من الذين لهم موقف مضاد من فبراير".
التوسع في الساحة
ساحة التغيير هو اسم أطلقه شباب ثورة فبراير المناوئين لنظام حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، على الساحة المقابلة لجامعة صنعاء حيث اتخذوها مركزا للاعتصام وانطلاق المظاهرات المطالبة برحيله.
وكان المحتجون، قد اتخذوا هذه الساحة مقرا لاعتصاماتهم بعد أن قام أنصار الرئيس صالح بالاعتصام في ميدان التحرير بصنعاء، لمنع المحتجين من اللجوء إليه تقليدا بالثورة المصرية وبرمزية ميدان التحرير في القاهرة الذي احتضنها.
وطوال فترة الثورة، كانت تصطف خيام صغيرة، وخيام كبيرة، ومتوسطة الحجم، نصبها شباب الثورة، في ساحة التغيير، الساحة التي ظلت ممتدة غربا على طول المسافة حتى بوابة الجامعة الجديدة، والمتجهة شرقا باتجاه شارع العدل، وشمالا إلى شارع الخط الدائري الشهير في العاصمة صنعاء.
ساحة التغيير خلال اعوام الثورة الثلاثة
وحملت ساحة التغيير قبل أن يطلق عليها هذا الاسم، اسم جولة الجامعة الجديدة، وتميزت بكثافتها السكانية المرتفعة، ووقوعها أمام الجامعة أهم صرح علمي في صنعاء، ومجاورتها لأهم المحال التجارية في العاصمة أيضا، ويتوسط الساحة نصب تذكاري مزين بالحديث النبوي الشريف المعروف "الإيمان يمان، والحكمة يمانية".
وظلت ساحة التغيير ممتدة، على امتداد شارع الدائري الممثل لأحد أضلاع الساحة، وصولا إلى بوابة الفرقة الأولى مدرع التابعة للجيش اليمني، وجامعة العلوم والتكنولوجيا. وبساحة التغيير مسجد جامعة صنعاء الذي كان يؤدي داخله وحوله آلاف المحتجين صلاة الجمعة، وبعد أن ارتفعت وتيرة العنف ضد الشباب في المسيرات، اتخذه الشباب مستشفى ميدانيا لعلاج المصابين في تلك المسيرات والاحتجاجات، ومركزا للدعم والتموين.
وبرزت ساحة التغيير أثناء اشتعال الثورة المصرية التي انتهت برحيل الرئيس حسني مبارك، حيث بدأ طلاب جامعة صنعاء ومعهم آلاف الشباب بالتظاهر أمام الساحة المقابلة للجامعة التي ما لبثت أن تحولت إلى بؤرة للاحتجاجات ضد نظام صالح.
وعلى الرغم من صغر مساحة ساحة التغيير فإن شباب الثورة المعتصمين فيها وسعوها، بنقل احتجاجاتهم إلى الشوارع المجاورة والجانبية.
ساحة التغيير جمهورية مثالية
ومع تنامي الاعتصام، وازدياد عدد القوى المشاركة في الثورة، باتت ساحة التغيير مكاناً للصهر الاجتماعي والسياسي، ففي جنباتها التقى المختلفون الذين لم يلتقوا سابقاً، وفي ساحة التغيير هذه، وجدت ونصبت خيام الإسلاميين بجوار خيام الاشتراكيين، وخيام مجموعاتٍ من السلفيين بجوار خيامٍ للحوثيين، وكانت اللقاءات والحوارات المتبادلة بين كل هذه الأطراف لا تكاد تتوقف، حتى نشأت بين كثير من أفراد القوى التي كانت متصارعة روابط اجتماعية وثيقة.
ورغم المضمون السياسي لساحة التغيير، إلا أنها غدت أشبه بجمهورية مثالية، ففي ثنايا الساحة نصبت خياماً خاصة بالنساء وملاعب للأطفال وأسواقاً شعبية وباعةً متجولون ومطاعم ومراكز رياضية وخياماً كبيرة للندوات والمحاضرات ومسارح وفنّانون تشكيليون متجولون وأمسياتٍ شعرية.
ساحة التغيير كما تبدو اليوم في ظل الحوثيين
الثورة شعلة لا تنطفئ
يقول علي أبو لحوم أحد شباب فبراير، في حديثه لـ "الموقع بوست": "ساحة التغيير كانت لثلاثة أعوام عبارة عن رمز مكاني للثورة وشبابها، بعد ذلك و لدوافع سياسية تمخض عنها توافق وطني هش، وتحولت الساحة إلى رمز معنوي لا يحمل أي مدلول لزمان أو مكان، وهذا ما لا يستطيع متسلقو سلالم الثورة إدراكه".
ويضيف: "تكونت هنالك جبهات مناوئة لثورة الشباب حتى من داخلها، ناهيك عن سيل المخبرين الذي تدفق من دهاليز الأمن القومي لنظام صالح المتهالك، وهناك حتى يومنا هذا من يرتاد محطات فضائية للتعليق حول أحداث راهنة كان من ضمنهم، هؤلاء وغيرهم من غير المدركين بمغبة ترميز الثورة مكانياً كانوا وما زالوا يريدون ربط الثورة بمكان وشخوص بعينهم حتى إذا ما انطمس معالم المكان الذي احتضن الثوار في بداياتهم وتحول بعض الشخوص عن مواقفهم انحرف مسار الثورة بل إنها ماتت ودُفنت، ولكن الثورة هي شعلة في قلب كل يمني حر ولا ترتبط بزمان أو مكان محددين ولا يضيرها من يتحدث باسمها وقد أخذ نصيبه كعكاً في خزانته وذوي".
وبالنسبة لعدم احتفاء الثوار بذكرى ثورتهم لهذا العام وانعدام مظاهر الابتهاج والفرح سوى لمجموعة من الشباب في تعز، يقول أبو لحوم "ذلك ما كان متوقعا فالأحزاب السياسية والمكونات المؤدلجة مازالت تتصارع على نصيبها من الثروة والسلطة من ١١ فبراير وحتى اليوم، وتلاشت رمزية الثورة واحياء ذكراها لان دوافع الاحتفاء ذهبت، واليمنيون اليوم يحتفلون بها خارج الوطن بصورة تبعث على الاطمئنان، وتوحي بأن جيلاً غير ملوث سيأتي من بعيد ويحل محل المكونات التقليدية التي ستنقرض وهي تتصارع".
الحوثيون وثورة الولاية
من جهته يقول إدريس الطيار، صحفي وأحد شباب الثورة لـ الموقع بوست "ثورة فبراير ثورة الشباب السلمية هي ثورة من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة والمواطنة المتساوية والدولة المدنية، وهذا ما لا تريده جماعة الحوثيين، الجماعة التي تستهدف الثوار اليوم في المدن والجبهات، وعدم احتفاء الثوار والشباب في العاصمة صنعاء سببه أنها تخضع لسيطرة مليشيات تريد أن تحكم بالحديد والنار، ولا تسمح لأحد أن يرفع رأسه أو ينطق بكلمة واحدة، فما بالك بالاحتفاء بالذكرى السابعة لثورة الشباب".
اما الكاتب اليمني فتحي أبو النصر فيقول لـ "الموقع بوست"، "كان متوقعا أن لا تسمح المليشيات للاحتفال بثورة فبراير، فهم لهم أجندتهم ومشروع الولاية، وهو ضد الجمهورية وقيمها جملة وتفصيلا".
ويضيف أبو النصر: "قبل أعوام احتفل الحوثيون بفبراير كنوع من المغالطة وهم الآن يرون أن لهم ثورتهم الخاصة ثورة الولاية".