حصدت أنواع مختلفة من الألغام، بينها إيرانية الصنع، أرواح عشرات الضحايا الأبرياء في اليمن، قدرت حصيلتهم الأولية بأكثر من 400 قتيل وجريح من أفراد المقاومة الشعبية والجيش الوطني والمواطنين في مناطق مختلفة من البلاد، قامت الميليشيا التابعة لجماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بزراعتها، قبيل هزائمها المتتالية بمختلف المناطق والمدن السكنية وجبهات القتال المحررة مؤخراً خلال العمليات العسكرية الناجحة للمقاومة والجيش بدعم من قوات التحالف العربي بمواقع متعددة بمحافظتي عدن ولحج، بالإضافة إلى مأرب والجوف والمخا وباب المندب، ومناطق أخرى واقعة بين محافظتي عدن وأبين، جنوبي البلاد.
تاريخ قديم
قضية الألغام في اليمن تعود إلى سبعينات القرن العشرين، حيث جرت صراعات بين شطري اليمن قبل تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990 أثناء الصراع مع الجبهة الوطنية، والتي كانت تدعمها ليبيا في عهد العقيد معمر القذافي.
وحسب ما تناقلته مصادر رسمية فإن ما يقرب من 12 مليون لغم قدمته ليبيا لمؤيديها في شمال اليمن، تحديداً المناطق الوسطى، ورغم انتهاء الصراع في تلك المناطق، إلا أن الأضرار التي خلفتها الألغام لم تنته بعد، ومازالت تحصد ضحايا من المواطنين حتى الآن، أضيفت إليها أزمة جديدة بالألغام التي زرعها المتمردون الحوثيون.
وحسب مصادر في لجنة شؤون الألغام فإن السجل الوطني للألغام الذي نفذ خلال السنوات القليلة الماضية بدعم من منظمة «يونيسيف»، حدد 592 منطقة متأثرة بالألغام في 19 من 22 محافظة بلغ عدد ضحايا الألغام فيها نحو 50 ألفاً، كان 96% منهم من الأطفال.
وخلال العقود الماضية، ابتداءً بقيام الثورة عام 1962، مروراً بالحرب الأهلية التي شهدتها البلاد صيف عام 1994 حتى النزاع في صعدة، وأخيراً الحرب التي شنها الحوثيون وأنصار الرئيس المخلوع صالح على مناطق عدة في البلاد، شهد اليمن عدداً من النزاعات والتي أسهمت كثيراً في تفاقم مشكلة الألغام والذخائر غير المتفجرة، حيث حصدت الألغام التي زرعها الحوثيون في المناطق التي سيطروا عليها أرواح المئات من الأبرياء.
وفقاً ل«منظمة سياج لحماية الطفولة»، وهي منظمة غير حكومية، فقد قتل المئات من الأطفال في حوادث متفرقة وقع معظمها في المناطق التي عاد إليها النازحون إلى المناطق التي فروا منها، في كل من صعدة ومأرب وعدن ولحج وأبين .
ومن بين الحوادث البشعة تلك التي قتل فيها ثلاثة أطفال وبالغان في انفجار بالقرب من مدرسة كانوا يتواجدون فيها في مخيم المزرق.
يقول رئيس منظمة «سياج» لحماية الطفولة أحمد القرشي إن دراسات ميدانية أجرتها المنظمة بينت أن هناك استخداماً مفرطاً للألغام المضادة للأفراد في اليمن ناجم عن عوامل عدة، ويشير إلى أن من بين تلك العوامل تسرب عدد كبير من الألغام الفردية والأسلحة والمواد الخام من مخازن الجيش اليمني، وتسليم معسكرات حكومية بكامل عتادها خلال المواجهات مع القبائل وبعض الجماعات المسلحة في خلال الأعوام الماضية، من بينها عاما 2011 2012».
وأكد أن انتشار الصناعات المحلية للعبوات الناسفة والألغام المضادة للأفراد وزراعتها بطريقة عشوائية ضاعف من حجم المشكلة.
إرث مستمر
مع كل سقوط أطفال بين قتيل وجريح بسبب الألغام الأرضية، تصبح الحاجة لبذل مزيدٍ من الجهود أكثر إلحاحاً، وتقول غادة كشاشي، الرئيسة السابق لقسم حماية الطفل في مكتب «اليونيسف» في اليمن إن مخاطر الألغام الأرضية موجودة في اليمن منذ سنوات، لكن المشكلة أصبحت جلية أكثر الآن.
وبحسب تقارير حقوقية، فإن عشرات الضحايا سقطوا جراء الألغام التي تم استخدامها في أعقاب الثورة الشبابية باليمن، الذي شهد في بعض المناطق نزاعات مسلحة بين قوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح والمعارضة المسلحة التي دعمت الانتفاضة.
وأكد رئيس منظمة «رقيب» لحقوق الإنسان باليمن عبد الله الشليف إن المواجهات المسلحة التي دارت في منطقة أرحب بين أنصار صالح وأنصار المعارضة الموالين للثورة شهدت، وفقاً لاعترافات رسمية، زرع ألغام بكثافة من قبل أفراد اللواء (63 مشاة جبلي) التابع للحرس الجمهوري في أطراف المعسكر الواقع على بعد 200 متر من القرى الآهلة بالسكان.
وقال إن هناك اعترافات أدلى بها بعض الجنود الذين شاركوا في المعارك بأرحب كشفت عن زرع ألغام متعددة في مناطق زراعية وأخرى سكنية شهدت نزوحاً جماعياً للسكان، لا تزال تشكل خطراً كبيراً على عودة النازحين إلى ديارهم بعد انتهاء الحرب.
سلوك عدواني منحرف
أصابت الانتصارات التي حققها في الآونة الأخيرة مقاتلو المقاومة الشعبية عناصر ميليشيا الحوثي وصالح، بالانهيار ودفعتهم لاتخاذ قرارات لا تقل عن جرائم الحرب، من خلال قيامهم بزرع الألغام في المواقع التي يخسرونها بما فيها المعروفة بمدنيتها الخالصة.
وكشفت المعلومات عن زرع ميليشيات المتمردين خلال الحرب التي شنوها على عدن وبقية مناطق الجنوب، آلاف الألغام الأرضية المضادة للدروع والأفراد وصناعة بعضها إيرانية، خصوصاً في أنحاء مختلفة من مناطق عدن، وهو ما أكدته وزيرة الإعلام نادية السقاف، التي أعلنت عن قيام الحوثيين بزرع ألغام بلاستيكية صناعة إيرانية وأخرى محلية في عدد من المناطق التي انسحبوا منها، يتم التحكم بها عن بعد، في عدن ولحج وتعز.
وتمكنت المقاومة الشعبية وعدد من خبراء الجيش الموالي للشرعية من إخراج كمية كبيرة من الألغام التي وضعها الحوثيون وقوات الرئيس المخلوع في قاعدة العند الجوية قبل اندحارهم منها.
وانهمكت عناصر المقاومة في عدن والحوطة بلحج ومحيط قاعدة العند خلال الفترة التي أعقبت التحرير في تطهير مناطقهم والأحياء السكنية، وكل الطرق المؤدية إليها من تلك العبوات الناسفة، باستخدام آليات حديثة وفرتها قيادة التحالف العربي، كما حرصوا على توثيق وجود تلك الألغام وسط الأحياء السكنية، لأنه فعل مخالف للقوانين الدولية التي تعاقب عليه بوصفه عملا ضد الإنسانية.
وكشفت مصادر في المقاومة الشعبية بمنطقة كرش بمحافظة لحج عن قيام ميليشيات الحوثيين وصالح بزراعة ألغام أرضية في الجسور والطرق التي تربط بين لحج وتعز من منطقة كرش حتى الراهدة، وفي أبين أكدت قيادة الثوار أن الانقلابيين قاموا كذلك بزرع ألغام على جانبي الطريق بمدينة العين ووسط السوق وكل الأماكن التي كانوا يتواجدون فيها بالمحافظة، كما طالبت السكان في مدينة لودر بتوخي الحيطة والحذر، لا سيما عند دخول مناطق مهجورة، والتي بقيت تحت سيطرة المتمردين لأشهر.
وبحسب تقرير حكومي، فإن الألغام الأرضية التي زرعها الحوثيون في عدد من المحافظات الواقعة جنوبي البلاد، حصدت ما لا يقل عن 100 قتيل و225 جريحاً خلال شهر يوليو/ تموز المنصرم فقط.
وأشارت لجنة الإغاثة والمتابعة لضحايا الحرب، وهى لجنة حكومية يمنية، في تقرير أطلقته من مكتبها المؤقت في العاصمة الأردنية عمان، إلى أن «هذه الألغام والذخائر تم زرعها في الطرق العامة وبعض الشوارع بداخل المدن، ونتيجة لذلك كان تضرر المدنيين يفوق بشكل كبير تضرر أفراد الجيش ورجال المقاومة».
وذكرت اللجنة، أن «بعض التقارير الميدانية، أشارت إلى أن ميليشيات الحوثي قامت بزرع الألغام في بعض المناطق السكنية والقرى الريفية على امتداد المحافظات الجنوبية الأربع - عدن وأبين والضالع ولحج - التي تم دحرهم منها».
وذكر التقرير الحكومي، الذي تلقت الأناضول نسخة منه، أن «مشكلة الألغام لم تقتصر على المحافظات الأربع المذكورة فقط، بل طالت محافظات وسط اليمن أيضاً، حيث ظهرت حوادث الألغام الأرضية في كل من تعز والبيضاء ومأرب وشبوة».
جهد إماراتي لافت
وأوضحت اللجنة أنه حتى الآن لم يتم بذل أي جهود جادة لإزالة هذه المتفجرات باستثناء ما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي نشرت فرقاً عدة للتعامل مع المشكلة في عدن والمحافظات المجاورة، مشيرة إلى أن المقاومة الشعبية والجيش الموالي للشرعية، قاموا بنشر بعض فرق الخبراء المحليين لتفكيك الألغام، ولكن هذه الجهود اقتصرت على تطهير الطرق التي توصل بين المدن والطرق الرئيسية داخلها».
وكشفت اللجنة أن المركز التنفيذي للبرنامج الوطني للتعامل مع الألغام فرع عدن، يبذل جهوداً حثيثة في نزع الألغام وجمع الذخائر التي لم تتفجر، واستطاع جمع حوالي 1173 لغماً وقطعة ذخيرة غير متفجرة، خلال الأسابيع القليلة الماضية».
وطبقاً للتقرير، فإن ما يقيد عمل المركز هو عدم وجود خرائط للألغام والخطورة التي تحيط بالأفراد الذين يعملون على نزع الألغام، حيث تسببت الألغام في وفاة حوالي ثمانية أشخاص من فرق المركز وجرح 23 آخرين بعضهم بإصابات بالغة.
ويقول أحد العاملين في البرنامج الوطني لنزع الألغام، فرع عدن عارف محمد الصلي ل«الخليج»، إن المتمردين من أتباع الحوثي وصالح، زرعوا آلاف الألغام شملت عبوات ناسفة وقذائف باستخدام عبوات غازية وفيوزات وبطاريات ومنها إيرانية عبارة عن «دوسات» في مناطق مطار عدن ومعسكر بدر والممدارة والبساتين وجعولة والمدينة الخضراء بعدن وقاعدة العند العسكرية والمناطق المحيطة بها وبعض المزارع في لحج ومثلث العلم والطرقات حولها، بخاصة تلك التي بين عدن وأبين.
ولفت إلى أن من بين آلاف الألغام المزروعة نحو 1500 لغم زرعتها عناصر الميليشيات بمنطقة المطار ومعسكر بدر بمديرية خور مكسر بعدن، وأن انفجار العديد من إجمالي الألغام المزروعة بكافة المواقع أدى إلى مقتل العشرات وإصابة ما بين 200 إلى 300 شخص بينهم مختصون في مجال نزع الألغام وعناصر من الجيش والمقاومة والمواطنين، وأشار إلى أن عدداً من فرق نزع الألغام ترافق المقاومة والجيش في جبهات القتال للكشف عن مواقع الألغام ونزعها، لتمهيد الطريق نحو القضاء على المتمردين وتحرير المواقع.
وأضافت مصادر في الجيش الوطني أن مخازن كاملة من العبوات الناسفة تم العثور عليها بعد فرار الحوثيين، وأن الكمية المضبوطة كانت تكفي لتفخيخ كل شوارع المحافظة.
واعترفت وسائل الإعلام التابعة لجماعة الحوثيين والموالية لها بزراعة عدد من حقول الألغام في محيط المناطق التي اضطرت الميليشيات للانسحاب منها، تحت وقع الضربات المؤلمة التي وجهتها لهم خلال الأسابيع القليلة الماضية قوات المقاومة الشعبية المدعومة بعناصر الجيش الموالي للشرعية، وبدعم متواصل من مقاتلات التحالف العربي.
ولم تجد قناة المسيرة الموالية للحوثيين حرجاً في القول إن مسلحي الجماعة تركوا خلفهم كميات كبيرة من الألغام في محيط الأحياء السكنية، في محافظات لحج، وأبين، وعدن، جنوبي البلاد، وزعمت أن عشرات القتلى سقطوا خلال الأيام القليلة الماضية بفعل الألغام التي قاموا بزرعها في مناطق القتال.
ومؤخراً فضحت السيول التي هطلت في محافظتي تعز وإب مخططات الحوثيين عندما جرفت ألغاماً كان المتمردون الحوثيون قد قاموا بزرعها في مناطق القتال بعد التقدم اللافت للمعارضة في المناطق الوسطى، حيث عثر على العديد من هذه الألغام وقد جرفتها السيول إلى أماكن بعيدة، وخاصة البلاستيكية منها.