ابتكروا لغة إشارة خاصة بهم.. تعرف على قرية في ريف تعز أغلب سكانها من الصم والبكم؟ (تقرير)
- أكرم ياسين السبت, 16 يناير, 2021 - 05:59 مساءً
ابتكروا لغة إشارة خاصة بهم.. تعرف على قرية في ريف تعز أغلب سكانها من الصم والبكم؟ (تقرير)

قرية "الشرف" في عزلة "المساحين" هي إحدى القرى النائية في مديرية الشمايتين بمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، غالبة سكانها من شريحة "الصم" و"البكم"، ابتكروا للغة إشارة خاصة بهم.

 

"الشرف " في اللغة الدارجة لأبناء ريف تعز اسم يطلق على المكان الذي يطل على المنحدر الشاهق، ولأن القرية تربض على جبل "الحريد" وهو أعلى جبل في مديرية "الشمايتين"، إذ يبلغ ارتفاعه 1500م عن مستوى سطح البحر ويطل على وادي "فوان" زريقة الشام السحيق ويمكن منه مشاهدة أضواء مدينة عدن ليلاً بوضوح كما أخبرنا أحمد على (75عاما) وهو أحد سكان القرية.

 

من موقعها المدّثر بالغمام ونسمات الشتاء الباردة والبالغ الارتفاع اكتسبت القرية اسم "الشرف" الذي لا علاقة له بالمدلول اللغوي للكلمة البتة، هي في الحقيقة "محلة " تتبع قرى "بني عمر" المتناثرة على طول الجبل ووديانه من عزلة المساحين فعدد منازلها لا يتجاوز (20) منزلاً يقطنها قرابة 100نسمة، 33 بالمئة تقريبا يعانون من إعاقة الصمم (صم بكم) وهي الظاهرة التي أكسبت القرية الصغيرة النائية شهرة واسعة على مستوى مديرية الشمايتين.

 

أول وسيلة إعلامية

 

قرابة ثلاث ساعات ونصف قضاها فريق "الموقع بوست" حتى الوصول إلى قرية "الشرف" في العاشرة والنصف صباح الخميس الماضي، نصف الطريق قطعها الفريق سيراً على الأقدام عبر أودية ومنحدرات وعرة تاركاً الدراجة النارية وسط الطريق.

 

كان الشاب "سند محمد سعيد" أول من قابله فريق "الموقع بوست " في القرية ومن خلاله عرفنا أننا أول وسيلة إعلامية تصل إلى القرية، مبدياً مع الأهالي حفاوة أنستنا عناء الطريق.

 

لسوء الحظ أننا لم نتمكن من مقابلة جميع الصم والبكم البالغ عددهم قرابة 28 بحسب تأكيد من قابلناهم في القرية، لأن أغلب الصم مرتبطين بأعمال في قرى مجاورة وبعضهم يعملون في محافظات أخرى، بينما صغار السن منهم ذهبوا لرعي الأغنام.

 

يقول سند محمد سعيد إن ظاهرة الصم والبكم في القرية آخذة في التزايد بشكل لافت بين أبناء القرية وصارت أغلب الأسر التي كانت سليمة في السابق لديها أطفال مصابون بهذه الإعاقة.

 

 

وعن ما إذا قدمت أي جهة حكومية كانت أو منظمات أي شكل من أشكال المساعدة لهؤلاء الصم والبكم، قال سند إنهم قدموا أكثر من مذكرة لجمعية رعاية المعاقين التي اقتصر دورها على إرسال فريق بحثي عام 2012 ومنحهم بطائق  تصنيفية فقط.

 

محاولات لقهر الإعاقة

 

ابتداءً من المسنة فاطمة أحمد سعيد (80 عاماً) المصابة بالصمم والبكم وحتى أصغر معاق إلى جانب مواليد قادمون مصابون بنفس الإعاقة كما هو متوقع استناداً لتفشي الظاهرة بشكل لافت، يحاول هؤلاء المعاقون قهر إعاقتهم والتعايش معها والاندماج في المجتمع لممارسة حياتهم الطبيعية.

 

يتجلى ذلك في ابتكارهم لغة إشارة خاصة بهم لا تتقيد كلية بلغة الإشارة المخصصة عالميا لتلك الشريحة فرضتها الضرورة وغياب مركز متخصص لتعليمهم لغة الإشارة.

 

وليس ذلك فحسب بل إن كل من بلغ سن التعليم يتم إلحاقه بالمدرسة القريبة من القرية لتلقي تعليم لا يراعي احتياجاتهم ووضعهم الخاص، مما يضطرهم في الأخير لعدم إكمال تعليمهم والانخراط في الحياة العملية لكسب رزقهم.

 

عملية الزواج وتكوين أسرة هي التحدي الأكبر الذي يواجهه الصم والبكم في قرية "الشرف" فقد اطلعنا على تجارب زواج ناجحة أحد طرفيها سواءً كان ذكراً أو أنثى معاقاً تلك الزيجات على ما يبدو ساهم في نجاحها تفهم أهالي القرية لهذه الشريحة ومساعدتهم على عيش حياتهم الطبيعية.

 

ماهية المشكلة؟

 

ولمعرفة أسباب تفشي هذه الظاهرة بتلك الصورة الكبيرة، أوضح الطبيب عبده الصبري، أخصائي أذن وأنف وحنجرة في محافظة تعز، أن العامل الوراثي يلعب دوراً بنسبة 50 بالمئة في هذه الظاهرة، ويليه العوامل البيئية كتناول الأدوية بشكل خاطئ أو شرب مياه ملوثة بمبيدات سامة، بالإضافة لظروف عمليات الولادة التي قد تؤدي إلى تعرض المولود لعملية اختناق أثناء الولادة.   

 

وعن إمكانية شفاء تلك الحالات، قال الطبيب الصبري في حديثه لـ"الموقع بوست" إن فرص الشفاء ضئيلة ويجب أن يحظى هؤلاء المعاقون برعاية واهتمام خاص.

 

ورغم تواجد هذا العدد الكبير من الصم والبكم في قرية "الشرف "عزلة المساحين مديرية الشمايتين بمحافظة تعز، إلا أن الجهات المعنية سواء الدولة أو المنظمات الدولية المهتمة بذوي الاحتياجات الخاصة لم تقم بدراسة هذه الظاهرة المثيرة للانتباه وإيلاء أصحابها الرعاية اللائقة من خلال توفير مركز تدريب لتعليمهم لغة الإشارة وتوفير فرص التعليم المناسب لإعاقتهم وتدريبهم على اكتساب مهارات مهنية تتناسب مع إعاقتهم.


التعليقات