[ عمران.. قرار تحديد المهور وممنوعات الزواج طريقة لثراء المشرفين وإهانة وإذلال المواطنين ]
على طريقة التنظيمات الإرهابية، أبرزها تنظيم داعش، تستمر جماعة الحوثي بالتدخل في خصوصيات المجتمع اليمني القابع تحت سيطرتها، إذ وصلت إلى تحديد مهر العروسة ولباسها وطريقة الاحتفال وفرضت عقوبات بالسجن لفترات متفاوتة أصبحت كابوساً لمريدي الزواج، وغرامات مالية يدفعها المخالفون لهذه القرارات أصبحت مصدر ثراء لمشرفي الجماعة.
في العام 2018، ومن منطلق ديني واجتماعي اتفق مجموعة من وجهاء مديرية جبل يزيد على إقرار وثيقة تحدد تكاليف الزواج لتسهيلها على المعسرين ومنعاً للتفاخر فيما بين الأسر وحددوا غرامات مالية على المخالفين تورد لصناديق القرى لتعود لمصلحة أبناء القرى وترميم المصالح العامة فيها، ولكن الجماعة لم تقف متفرجة حينما علمت بالأمر ودخلت على الخط لتفرض شروطاً مجحفة انتهكت الخصوصيات وخالفت الأعراف والتقاليد القبلية، من هذه الشروط ما يتعلق باستخدام الموسيقى ومكبرات الصوت وكراسي العرائس وفساتين زفافها، مستحدثة صندوقا موحدا للمديرية لتوريد الغرامات بعد قرارها إلغاء صناديق القرى.
وبهذا تحولت الأعراس في مديرية جبل يزيد الأعلى كثافة سكانية من بين مديريات محافظة عمران، حيث بلغ عدد سكانها في تعداد 2004 اكثر من 100 ألف نسمة، وبسبب مليشيا الحوثي تحولت أعراسهم إلى كوابيس وهواجس واختطافات ومداهمات ودفع غرامات، فكل من قرر تزويج أبنائه عليه أن يفكر مطولا في كيفية التخلص من مداهمة المليشيات والتملص من سجونهم بدفع مبالغ خيالية وصلت أحيانا إلى مليون ريال تدفعها أسرة العريس لكي تقيم عرسها بالشكل الذي تريد حسب مصادر مطلعة من أبناء المديرية.
مئات الملايين أين ذهبت؟
مئات الملايين هي إجمالي الغرامات التي دفعها مخالفو القرار في مديرية جبل يزيد، فبحسب مصدر مطلع من أبناء المديرية فإن إجمالي التحصيلات من بداية يناير حتى بداية يونيو الجاري بلغت أكثر من 20 مليون ريال كمتوسط وجميع المبالغ تم تحصيلها بسندات وقسائم رسمية تم إعدادها لهذا الغرض. أما في العام 2020 فقد تم تحصيل أكثر من 40 مليون ريال، بينما في عامي 2018 و2019 فقد بلغ إجمالي التحصيلات أكثر من 90 مليون ريال.
وعند سؤالنا للمصدر المطلع عن هذه التحصيلات كيف تمت وبهذه المبالغ الهائلة أجاب "تخيل أنك مواطن في مديرية جبل يزيد وقررت إقامة عرس لأحد بناتك وقمت بتقاضي أكثر من المبلغ الذي تم تحديده أي اكثر من 850 ألف ريال (ما يساوي أقل من 1000 دولار) من العريس حينها ستقوم بدفع مبلغ 50 ألف ريال كغرامة مخالفة لهذا، ثم قررت استخدام الموسيقى أو العود في العرس واستخدام مكبرات الصوت حينها ستدفع غرامة 60 ألف ريال وإن قمت باستئجار كوشة عرس للعروسة (كرسي تجلس عليه العروسة) فستدفع غرامة 30 ألف ريال، أما إن ألبست عروستك فستان زفاف بأي لون كان فستدفع 30 ألف ريال، وإن تم إطلاق النار أثناء العرس فستدفع 30 ألف ريال، وبهذا سيكون إجمالي المبلغ ما يقارب 200 ألف ريال، أي ما يقارب (220 دولارا) ناهيك عن دفع مبالغ خيالية مقابل عدم دخول المخالفين إلى السجن ".
القرار مصدر ثراء للمشرفين
جماعة الحوثي كغيرها من التنظيمات الإرهابية تتعامل مع الشعب اليمني وتحاول تجيير كل شيء لمصلحتها، ففي حين استبشر الناس في المديرية بأن عائدات المخالفات من الأموال والغرامات ستتحول إلى إنشاء مصالح عامة في القرى كالمدارس والوحدات الصحية او تمهيد الطرقات أو ترميم المصالح التي قد تعرضت للتلف والتهدم، ولكن أصبحت هذه الأحلام سرابا، فقد قامت المليشيات بإلغاء صناديق القرى وعملت صندوقا واحدا للمديرية، ومنذ ثلاثة أعوام منذ توقيع القرار لم تستفد القرى حتى ريالا واحدا.
وبحسب مصدر محلي قريب من مشرفي مليشيا الحوثي في المديرية، فإن مبالغ الغرامات التي تم استلامها من المواطنين المخالفين لقرار الزواج والممنوعات فيه والتي تجاوزت مئات الملايين خلال ثلاثة أعوام كلها ذهبت إلى جيوب المشرفين وخزناتهم الخاصة ويتم إنفاقها على عماراتهم وفللهم التي يبنونها أو يقومون بشرائها، بينما المواطن يدفعها تحت تهديد السلاح والسجن، مضيفا أن هذا القرار اصبح مصدر ثراء للمشرفين ومعاونيهم في المديرية.
مداهمة أعراس وسجن عرسان
وبسبب هذا القرار الجائر الذي جيرته المليشيات لصالحها، فقد قامت بمداهمة عشرات الأعراس في المديرية واختطفت مئات المواطنين ووصلت بعض هذه المداهمات إلى المواجهة بالسلاح راح ضحيتها عدد من الجرحى، وكل هذا بذريعة مخالفة القرار، كما تم اختطاف عدد من العرسان يوم عرسهم ولم يتم إطلاق سراحهم إلا بعد دفع الغرامات لصندوق المليشيات، كما أنها حاولت اختطاف بعض الفنانين من الأعراس إلا أنهم استطاعوا الهرب.
ففي الثالث من مايو 2018، داهمت الجماعة عرسا جماعيا في بيت الحارثي إحدى قرى المديرية واختطفت 10 من العرسان وزجت بهم في السجن لرفضهم دفع غرامات مالية تصل إلى 80 ألف ريال على كل عريس بسبب استخدام الأغاني الموسيقية ومكبرات الصوت وإطلاق الأعيرة النارية.
أما في الخامس عشر من ديسمبر 2019، فقد اقتحمت قاعة عرس أحد المواطنين وقامت بإعتقال شخصين من أسرة العريس بذريعة جلبهم الفنان أصيل أبوبكر والذي بررت الجماعة أنه مطلوب لديها، كما قامت العناصر بأخذ التزام من أهالي العريس بوقف الغناء وتسليمهم الفنان غير أن الأخير لاذ بالفرار ناجيا بجسده من موت محقق، حيث تمكن من الهرب من الباب الخلفي للقاعة تاركا سيارته وجميع أدواته الغنائية.
وفي الثامن عشر من يناير 2021، اقتحم الحوثيون منزل الشيخ القبلي صالح محمد الأشول من مشايخ منطقة جوب التابعة للمديرية وقاموا باختطاف أربعة من أبنائه على خلفية استخدامهم للموسيقى والأغاني في العرس، لأنها من المخالفات التي تؤخر النصر حسب زعم المليشيات وفي تشابه عجيب مع ما تقوم به القاعدة وداعش، والتي تحرم الموسيقى والأغاني في الأعراس وتعتبرها من الأمور المحرمة التي تستوجب العقوبة.
وفي الثامن والعشرين من مايو 2021، داهمت عرساً في منطقة بيت ذانب واختطفت عددا من المواطنين بعد اشباكهم معهم بالرصاص خلفت جرحى بذريعة استخدام الموسيقى في عرس أحد أبناء المنطقة، ولم يتم الإفراج عن المختطفين إلا بعد دفع الغرامات التي وصلت إلى أكثر من 300 ألف ريال.
لا يحق لأي سلطة أن تمنع الرقص والغناء
بعض أبناء المديرية اعتبر مثل هذه القرارات انعكاسا طبيعيا لسياسة المليشيا الدموية، فقد كتب الأديب والشاعر مازن الطلقي منشورا في صفحته على فيسبوك قال فيه إن "هذا القرار هو الوجه الحقيقي لتاريخ السلالة، ولكل عصر من عصورهم وثائقه وبنوده، وتبقى الفكرة السوداء قائمة يحاربون المواطنين في مناسباتهم الاجتماعية ويحرقون قلوبهم فماذا بوسع 100 ألف ريال مهترئة أن تُبلي لكسوة عروس في هذا الغلاء الفاحش في سلطتهم الهوجائية المخجلة وفي وسط الحطام السياسي الكبير الذي خلفوه؟".
وأضاف الطلقي أن "هذا الغلاء وارتفاع المهور هو انعكاس طبيعي لسياسة المليشيا الدموية، فهم يصنعون الأزمة ثم يأمرون الناس بتعاطيها وتلقيها بصدر رحب". وأردف "ليس من حق أي سلطة في الأرض التحكّم في مناسبات وأعراف وتقاليد المجتمع الطبيعية، لا يحق لأي سلطة أن توقف الدفوف والرقص والغناء ولا يوجد نص ديني في جميع الأديان يُجرّمها"، ليختم منشوره بعبارة "لا أسوأ من هذه العصابة إلا حماقتهم وغباءهم".
من إسقاط الجرعة إلى منع فساتين الأعراس
وهكذا هي التنظيمات الإرهابية ما إن تتمكن من حكم جغرافيا محددة حتى يظهر وجهها القبيح، فجماعة الحوثي زعمت أنها تريد إسقاط الجرعة وتغيير الفاسدين وتنفيذ مخرجات الحوار، وكل هذه المطالب استخدمتها المليشيات ذريعة حتى تنجح في إقناع المواطنين وتتمكن من انقلابها وتحكمها في سلطات البلاد، وها هو الشعب اليمني يدخل في السنة السابعة من الحرب بسبب الجماعة، فسرعان ما تغيرت الأهداف من إسقاط الجرعة وتغيير الفاسدين إلى منع فساتين الأعراس ومكبرات الصوت والغناء في الأعراس والأفراح، فهل سيرضخ المواطن اليمني لمثل هذه القرارات أم أنه سيتمرد على هكذا قيود في الحريات الشخصية؟.