"الجهيش" .. سنابل الخير والحُب في اليمن وموسم الفرح والتغني (تقرير)
- أكرم ياسين الثلاثاء, 26 أكتوبر, 2021 - 05:21 مساءً

[ موسم الجهيش في تعز ]

عشق اليمني لأرضه تحكيه الشعاب والسفوح والمدرجات في مواسم البذر (الزراعة) وترويها سنابل الخير في مواسم الحصاد.

 

الزراعة هي حرفة اليمني الأولى وعشقه الخالد، بعرق المحب الوفي، سقا تليم الاحوال، وعن ولعه بالزراعة وفنونها، نظم المهاجل وعزف الأغنيات.

 

ستة اشهر هو الموسم الزراعي في اليمن يمر بعدة مراحل وفي علّان من شهر أيلول تبدأ السنابل في الحقول بإعلان قدوم موسم الخير.

 

"الجهيش" او "الصعيف" كما يسمى في المناطق الشمالية من اليمن هي الكلمة الأصدق تعبيراً للمرحلة الأولى لنضج السنابل وقرب موسم الحصاد.

 

و"الجهيش" كما تظهر الصور هو عملية تنضيد سنابل الغرب والدخن والذرة على الجمر وهي ماتزال خضراء ولم يكتمل نضجها بشكل كامل، ويتم فصل الحبوب وهي ساخنة عن السنبلة من خلال "جلمها" في مهجان أو عزفة ويصنعان من سعف النخيل وتؤكل مباشرة قبل أن تبرد.

 

بالإضافة لمذاق "الجهيش" اللذيذ فإن له مكانة خاصة في نفوس المزارعين وأبناء الريف كعرس زراعي سنوي حافل مظاهر فرح ترقص  له القلوب طرباً وتلهج الألسن بالحمد للواهب الكريم، لذلك ليس ثمة غرابة أن يذكر "الجهيش" في قصائد أغلب شعراء اليمن ويتغنى بعشقه أشهر فنانيها.

 

"الموقع بوست" يرصد في هذا التقرير أشهر الأغاني اليمنية التي ذكر فيها "الجهيش" تأكيداً لمكانته في الموسم الزراعي ونفوس المزارعين.

 

 

أخضر جهيش مليان

 

 تعد أغنية أخضر جهيش مليان التي كتب كلماتها الشاعر أحمد الجابري وغناها الفنان محمد مرشد ناجي من أبرز الأغاني اليمنية التي ذكر فيها "الجهيش" وما تزال تردد إلى اليوم وخصوصاً في موسم "الجهيش" تقول: الأغنية في مطلعها.

 

اخضر جهيش مليان حلا عديني

 

بكر غبش شفته الصباح بعيني

 

يملي الجرار ريق الندى رحيقه

 

يروي ضما من ضاع علوه طريقه

 

إلى أخر كلمات الأغنية المعروفة

 

كما كان "الجهيش" أحد أبرز الوسائل المستخدمة الترغيب وتأجيج لواعج الشوق في نفوس أبناء اليمن المغتربين في مختلف البلدان، وهذا دليل على مكانة "الجهيش" في نفوس أبناء اليمن الذي ينافس المحبوبة والأهل في تقاسم مشاعر الاشتياق لدى المغترب حسب تعبير الناقد الأدبي اليمني محي الدين سعيد في حديثه لـ"الموقع بوست" ومن تلك الأغاني أغنية فنان اليمن الكبير أيوب طارش "ارجع لحولك" التي كتب كلماتها الشاعر الغنائي عبد الكريم مريد، ويستخدم فيها "الجهيش" كأحد المغريات لحث المغترب على العودة لأهله وأرضه بصوت أيوب الشجي قائلاً:

 

ارجع لحولك كم دعاك تسقيه

 

ورد الربيع من له سواك يجنيه؟

 

الزرع أخضر والجهيش بالاحجان

 

 

ولأن فنان اليمن الكبير أيوب طارش هو أكثر الفنانين اليمنيين الذين غنوا للأرض والزراعة فقد ورد ذكر "الجهيش" كدلالة للخير والغطاء في أغنيته مطر مطر التي كتب كلماتها الشاعر عبدالرحمن الشرفي ويقول فيها:

 

مطر مطر والصبا بينه

 

تدور مكنه يا ليت وأنا سقيف

 

يا ليتنا كوز بارد وحدهن يشربنه

 

على شوية صعيف

 

و"الصعيف" هنا هو الجهيش كما يسمى في مناطق شمال اليمن.

 

المعشوقة الأولى

 

ذكر "الجهيش" في الأغاني اليمنية يأتي في سياق التغزل بمفاتن المعشوقة الأولى لكل يمني كما أوضح لـ"الموقع بوست" الناقد اليمني الأدبي محي الدين سعيد وهي اليمن الخضراء الخصيبة فكما يتغزل العاشق بمفاتن وخدود محبوبته ومبسمها ونهديها ويعبر عن هيامه وحبه لجمالها يتغنى اليمني بمفاتن أرضه وخيراتها.

 

هدية المغترب العائد

 

في أغنية الفنان عبدالباسط العبسي "واقمري غرد" الجياشة بمشاعر الاشتياق والحنين للحبيب الغائب، لا تجد المحبوبة أفضل من "الجهيش" هدية أكثر اغراءً وتعبيراً عن الحب لتقديمها لحبيبها عند وصوله تقول الأغنية في بيتها الأخير التي كتب كلماتها الشاعر محمد عبدالباري الفتيح:

 

سُعد المُنا ياريم يوم وصوله

 

حتى الطريق بالورد شفرشه له

 

واطعمه بايدي جهيش سبوله

 

الفنان عبدالباسط العبسي، خص السبولة بأغنية كاملة كتبها الشاعر سلطان الصريمي وحملت اسمها عنوانا وفيها يتحسر كلا من الشاعر والفنان والمحبوبتان الأرض والمرأة على حال المغترب الغائب عن أرضه وخيراتها مجسدة بصورة شاعرية مقدار الحزن الذي يتجرعه المغترب حتى في أيام الفرح كالجمع والأعياد.

 

تقول بعض كلمات الأغنية:

 

اقتطب يا بتول واتهردي يا بنية

 

السبول بالحقول تعزف بلحن الثريا

 

والمطر والسيول من آب أغلى هدية

 

ينساب صوت عبدالباسط العبسي العذب متغلغلاً في الروح عازفاً على وتر العشق الخالد المتجذر في نفس اليمني لأرضه وفي لحظة تذكر للمغترب عن أرضه، يتحول تلقائياً صوت عبدالباسط الجذل المحتفي بالسبولة متخذاً نبرة رثاء حزينة وهو يخاطب آب شهر الخير والسنابل قائلاً بحسرة موجعة:

 

وآب وا حسرته من كان بلاده بعيد

 

يخور يذوق غلته جهيش حالي جديد

 

محروم من فرحته حزين جمعة وعيد

 

تصاعد دخان المواقد في الشعاب والسفوح والوديان في أرياف اليمن هذه الأيام، لا يبعث على الغرابة، فالكل رعاة وأطفال ومزارعين والنسوة التي يجمعن الحشيش (العلف) جميعهم يقتطعون ساعة من أوقاتهم ليتذوقوا "جهيش" الغرب والدخن والذرة.

 

 


التعليقات