صناع البرامج التلفزيونية الساخرة في اليمن يتحدثون لـ "الموقع بوست" عن تجربتهم: محتوى تنعشه الحرب ويواجه التحديات (تقرير خاص)
- عدن - خاص الأحد, 14 نوفمبر, 2021 - 10:00 صباحاً
صناع البرامج التلفزيونية الساخرة في اليمن يتحدثون لـ

[ عدة برامج تلفزيونية ساخرة تتنافس في اليمن ]

الإعلامي محمد الربع: تجربة البرامج الساخرة في اليمن مازالت جديدة على الجمهور اليمني مقارنه ببلدان أخرى، وينقصها الكثير.

 

الإعلامي عدنان الخضر: البرامج الساخرة تتناول قضايا تمس اهتمام الجمهور وهناك تفاعل إيجابي مع المحتوى الساخر في اليمن.

 

الإعلامي محمد ناصر: البرامج الساخرة موجهة لصالح أطراف سياسية وتعبر عن وضع اليمن حاليا فأغلبها يبث من خارج البلد.

 

الإعلامي خليل القاهري: تجربة البرامج الساخرة في اليمن غرضها سياسي منذ وتخدم الجهات التي تمولها وتواجه عدة صعوبات.

 

برزت البرامج الإعلامية الساخرة مؤخرا كواحدة من الفنون في الصحافة التلفزيونية، باعتبارها أحد الأنماط الحديثة في تغطية قضايا الواقع الراهن لحياة الجماهير، والتطرق في ذات الوقت لمواقف النخب الحاكمة والفاعلة والأدوات التي تستخدمها، وربطها ببعضها، بما يقدم ملخصا مختصرا وساخرا للجمهور.

 

انتعشت هذه البرامج بشكل أكبر في العقد الثاني من القرن الـ 21، وهيأت لها وسائل التواصل الاجتماعي النجاح الواسع، وأمدتها بالوسيلة المثلى للوصول إلى جمهور أوسع، واستفادت من التقنية الحديثة، وبدأت تنمو وتتشكل أكثر مع الثورات العاصفة التي حلت ببعض الدول العربية، وحالة القنوط واليأس التي أصابت الشارع من الثورات المضادة، والخطاب الإعلامي الذي تبنته، لذلك ولدت كأحد ردود الفعل على الواقع، ونشأت في بادئ الأمر كمحصلة لجهود ذاتية، ثم تطورات التجربة ممتلكة أسلوبها الخاص، وشخصياتها المستقلة، ونكهتها الفريدة.

 

وتعد هذه البرامج واحدة من وسائل توثيق الأحداث والتطورات، وكشف المواقف المتصلة بها، وتلقى رواجا أكثر في حالة الحرب والاحتقان السياسي التي تعصف ببعض الدول، وتبدو فيها الحاجة ملحة لفهم الواقع المتشابك، وتفكيك التعقيدات، للوصول إلى فهم أعمق للواقع، لتبديد الصورة الذهنية التي يسعى البعض لتكريسها لدى الجمهور.

 

واكتسبت تلك البرامج طابعها الخاص الذي يمزج بين السخرية، والجدية، ويستقي مادته الأساسية التي يقدمها من المواد اليومية التي تضخها العشرات من وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة والحزبية بشكل يومي، وأسهم تعدد القنوات الفضائية بانتعاش سوق هذه البرامج التي تمكنت خلال وقت قصير من تطوير نفسها أولا، وثانيا من تحقيق نجاحا واسعا، وصناعة تأثيرا كبيرا لدى المتلقين.

 

في اليمن برزت العديد من هذه البرامج، وباتت تقدم محتوى مستمر، وتسابقت العديد من الفضائيات لاستقطاب صناع المحتوى لهذه البرامج، في عملية تنافس أنعشت هذا النوع من البرامج التلفزيونية، وذلك يعود لحرص تلك القنوات على استقطاب الجماهير المغرمة بهذا الأسلوب، بعد أن نجحت هذه البرامج أصلا في الوصول للجمهور، وحجز مكانتها المتقدمة في الاهتمام والمتابعة.

 

وتتنافس في اليمن ثلاثة برامج من هذا النوع، منها برنامج "رئيس الفصل" الذي يقدمه الإعلامي محمد الربع للموسم الثاني على التوالي، في قناته بيوتيوب، وهو امتداد لبرنامجه القديم "عاكس خط" الذي كان أول البرامج التلفزيونية الساخرة في اليمن، وظل يقدمه بهذه التسمية لسنوات، ويعتمد على نقد المحتوى المقدم في الفضائيات، وبرنامج "نشرة غسيل" الذي يقدمه الإعلامي والفنان عدنان الخضر في قناة بلقيس، وأطلقته القناة في مايو من العام الجاري، وهو ذو طابع حواري، ويُقدم كنشرة إخبارية ساخرة يظهر فيها الخضر يؤدي دور إثنين من المذيعين، وبرنامج "ليش كدا" الذي يقدمه الإعلامي محمد ناصر وتبثه قناة المهرية، وجرى بثه مؤخرا.

 

ومع النجاح الذي حققته هذه البرامج داخل اليمن، إلا أن التجربة اليمنية لاتزال تمتلك الكثير لتقدمه، وتعاني بنفس الوقت أيضا من عدة انتقادات، وتحتاج لقراءة أوسع عن خلاصة مسارها طوال الفترة الماضية، وهذه المادة تسلط الضوء على واقع هذه التجربة بمختلف ابعادها.

 

تجربة تقليدية


محمد الربع مقدم برنامج "رئيس الفصل" قال لـ "الموقع بوست" إن تجربة البرامج الساخرة في اليمن مازالت جديدة على الجمهور اليمني مقارنه ببلدان أخرى، ولازالت التجربة في بدايتها، وينقصها الكثير، غير أنها أصبحت الأفضل وصولاً للجمهور أكثر من غيرها من البرامج.

 

أما الإعلامي عدنان الخضر الذي يقدم برنامج "نشرة غسيل" في قناة بلقيس فيرى في تصريحه لـ "الموقع بوست" أن تجربته في مجال تقديم البرامج الساخرة لا تزال قصيرة، لكنه - وفق تعبيره – يكتشف في هذا المجال أشياء جديدة، وأشعرته التجربة بالسعادة والاستمتاع في هذا النوع من المحتوى.


 

 

وبالنسبة للإعلامي محمد بن ناصر فيرى خلال حديثه لـ "الموقع بوست" أن للحرب دور كبيرًا في انتعاش السخرية لإنها أحد الأسلحة الأكثر فتكا من الأسلحة النارية، ويرى أن البرامج الساخرة تفتقد للتنافس المتكافئ، كما أن عددها قليل جدا، وذلك بسبب الظروف السياسية في اليمن، معتبرا أن البرامج السياسية الساخر قد تعرض صاحبها للاعتقالات، والدليل على ذلك وفقا لناصر عدم وجود برنامج ساخر يقدم من داخل اليمن، في إشارة إلى أن كل البرامج الساخرة تبث من خارج اليمن.

 

تفاعل الجمهور

 

وبشأن تفاعل الجمهور مع هذه البرامج يرى عدنان الخضر أن هناك تفاعل إيجابي مع المحتوى الساخر في اليمن والذي تعرضه برامج تلفزيونية، ويتبدى ذلك في عدد المشاهدات التي تحرزها، فالجمهور كما يقول يتعطش لأن يرى شخصا ما يتحدث عن قضايا تهمهم وعلى نحو متكرر، وأن يعبر الشخص عن لسان حالهم، غير أنه يرى أن ذلك لا ينفي مع التفاعل السلبي للمتلقي أحيانا.

 

وعن ذات النقطة يشير محمد بن ناصر إلى أن المجتمع اليمني ليس في جهل عن واقعه، غير أن المتابع اليمني تأخذه العاطفة والتعصب تجاه المحتوى الساخر، خاصة عندما يتعرض بالنقد لشخصية معينة، وتكون النتيجة مهاجمة الجماهير له دفاعا عن شخوص السياسيين الذين يعتبرونهم آباء روحانيين لهم، غير أنهم في الحقيقة لا يدركون أنهم مجرد طبول وأبواق لتلك الشخصيات يستخدمون أصواتهم لتحقيق مصالحهم، وفق تعبيره.

 

"محمد الربع" هو أيضا يرى أن الجمهور اليمني جمهور مسيس، إذ يتفاعل مع الأحداث السياسية في بلاده وخارجها، لكنه يتفاعل مع هذه البرامج اذا ما توفرت فيها عناصر الجذب الفنية والابداعية والمحتوى القريب من اهتماماته.


 

 

 

برامج موجهه

 

الربع يشير إلى أن جميع البرامج السياسية وغير السياسية بالإساس هي برامح موجهه، ولا يوجد برنامج حتى وإن لم يكن سياسي ليس له هدف سوا كان هدف ترفيهي أو ديني أو رياضي وغيره.

 

كما لا يرى الربع أن ثمة مشكلة في أن تكون البرنامج موجهه، فالأهم بالنسبة له هو طبيعة الرسالة التي يريد توجيهها، هل رسالة وطنية تعزز قيم الحرية والدفاع عن الإنسان، أم برامج هدفها السخرية لأجل السخرية من فصيل سياسي، لتحقيق مصالح جماعة مسلحة، أو مصالح دول أخرى على مصلحة بلاده؟

 

ويتفق عدنان الخضر مع فكرة الربع في أن البرامج الساخرة موجهة، فكل القنوات تمتلك سياسات خاصة بها، وهذه شيء له مشروعيته، وفقا للخضر، الذي يضيف: أن ذلك أمر معروف في كل دول العالم، وكل إعلامي في النهاية سيعرض محتواه في القناة التي تتفق مع توجهاته".. لا يوجد أي مقدم برامج سيذهب إلى قنوات يختلف معها أو مع توجهها".

 

ومع ذلك يرى الخضر أن هناك تحديات يجب على من يقدم البرامج أن يخوضها لكي يستطيع عمل توازن بين توجهات القناة، أو المنصة التي يعمل لديها، وبين أفكاره بحيث يعمل على القضايا المشتركة.


ويعترف بن ناصر بحقيقة أن البرامج الساخرة موجهة لصالح أطراف سياسية وأحزاب، خصوصا تلك البرامج التي تعرضها بعض القنوات الفضائية، التي تعتبر من وجهة نظره ممولة عبر سياسيين، معتبرا أن ذلك شيء طبيعي في سياسية القنوات، غير أنه يرى أن هناك قنوات فضائية عندها حرية التعبير مكفولة، وقليلا ما نلاحظ مثل هذه القنوات.

 

صعوبات تواجه الانتاج

 

يشير الفنان محمد الربع أن هناك صعوبات كثيرة تواجه عملية إنتاج هذا النوع من البرنامج، أهمها أن معظم البرامج الساخرة تتناول القضايا السياسية، و "السياسة في بلادنا هي اول صعوبة لإنتاج مثل هذه البرامج"، ويضيف الربع: "مازال هناك من لا يقبل هذه البرامج لأنها لا تؤيد توجهه السياسي أو الفصيل السياسي الذي يؤيده."

 

 ويلفت إلى أن هناك صعوبات إنتاجية تواجه هذه البرامج، التي تحتاج لفريق إعداد وانتاج مختص، "ونحن ما زال ينقصنا الكوادر المختصة لفهم وعمل مثل هذا الشكل من البرامج"، إضافة إلى المعيقات المادية المتمثلة بعدم توفر الميزانيات الكافية لإنتاج هذه البرامج بشكل منافس.

 

في الصدد ذاته يعتقد عدنان الخضر أن الصعوبات التي يواجهها صناع المحتوى الساخر بالدرجة الأولى تكمن في المتلقي نفسه، إذ يعتقد أن المتلقي لا يزال يرى أن أي انتقاد تجاه مسلماته ويقينياته خيانة، فالمتلقي لا يرى الأمور بشكل موضوعي، فهو متعصب ومتهور، ويلجأ أحيانا للعنف الرمزي، كالسب والشتم والتنمر، وأحيانا يستخدم العنف المادي تجاه الأشخاص الذين يقدمون محتويات ساخرة لا تتناسب مع آراءه.

 

من جهته ينوه الإعلامي محمد بن ناصر إلى إن أبرز التحديات التي تواجد مقدمو هذا النوع من البرامج تكمن أولا في حرية التعبير وحرية النقد، والتي يرى أنها باتت صعبة في الظروف الراهنة التي تمر بها البلد، إضافة إلى شحة الإمكانات المادية خاصة لدى الأفراد الذين لا يحبون أن تعرض برامجهم عبر القنوات الفضائية، ومع ذلك يؤكد ناصر أن حرية التعبير تبقى هي أهم تلك الصعوبات التي تواجه صناع المحتوى الساخر.


 

 

ويشير محمد بن ناصر إلى أن عدد البرامج الساخرة قليلة جدا، وذلك ما أعتبره نتيجة للظروف السياسية في البلد، فهذا النوع من البرامج قد يعرض صانعه للاعتقالات.

 

مواضيع تعيش على الحرب

 

عدنان الحضر لا يتمنى أن تستمر الحرب، لكي تستمر موضوعات البرامج الساخرة، فهناك مواد كثيرة تصلح أن تكون مواد دسمة للبرامج السياسية الساخرة، منها الفساد في القطاعات الحكومية، والمحسوبية، والاقتصاد، وكلها قضايا ذات أهمية وبالإمكان مناقشتها.

 

وتحتل القضايا السياسية والاجتماعية برأي الاعلامي "محمد بن ناصر" المرتبة الأولى في اهتمام البرامج الساخرة، أما قضايا التراندت فتأتي بالمرتبة الثانية بعد القضايا السياسية.

 

في هذا الخصوص يذكر محمد الربع أن الأحداث في اليمن متسارعة، وكثيرة يجدون صعوبة في مواكبة الأحداث، والحديث عن كل القضايا التي تحدث على الساحة لعدة أسباب، منها "طبيعة شكل هذه البرامج الساخرة، بالإضافة إلى أن أغلب القضايا في اليمن مؤلمة ومأساوية، وذلك يجعل من الصعوبة تناولها بشكل ساخر وكوميدي."

 

ويؤكد عدنان الحضر أن البرامج الساخرة في اليمن نجحت في التعبير عن الناس وهمومهم أكثر من أي برامج أخرى، أما محمد الربع فيقول بأن البرامج الساخرة تحاول أن تقترب من قضايا الناس، وكل برنامج له أسلوبه وطريقته في التعبير وكذلك توجهه، لكنه يرى بأن هذه البرامج لازال ينقصها الكثير فنياً ومن حيث المحتوى أيضا، وتحتاج لسقف حرية أعلى، معتبرا أن تلك البرامج في مجملها تعد تجربه لاتزال في بدايتها، وتتطور مع الأيام، متمنيا أن يتجاوز صناع هذا المحتوى الصعوبات ويقتربون أكثر من الناس.

 

وجهة نظر أخرى

 

عن هذه التجربة من البرامج يرى المذيع والإعلامي خليل القاهري أن تجربة البرامج الساخرة في اليمن كان غرضها سياسيا منذ انطلاقها، "وبقيت تجربة ذات طابع سياسي، وللأسف لم تستطع أن تغادر هذا الطابع حتى اليوم".

 

ويعلل القاهري ذلك بأن الجهات التي تمول مثل هذه البرامج تكرسها وتستثمر شعبيتها للنيل من خصومها السياسيين، ما أدى في النهاية مع استمراريتها الي ملل الجمهور من مشاهدتها، "فقد تشبع الجمهور من السياسة ومتاهاتها".

 

وبالتالي فهذه التجربة برأي القاهري:" تبقى تجربة تقليدية لا ابتكار فيها، فكثير من القضايا المجتمعية والظواهر يمكن أن تشكل مادة للبرامج الساخرة، ولكنها للأسف توقفت عند السياسة".

 

وبالنسبة للصعوبات يقول القاهري أن أبرزها هي قلة الكادر المتمكن من تقديم هذا المحتوى، فتجد أن الوجوه محدودة في هذا الجانب ومكررة، ومعظمهم يستخدمون أسلوب التقديم المرتكز على الجانب الكوميدي الدرامي، بينما يمكن أن يكون الجانب المتوسط أو حتى الرصين أسلوبا ملائما لهذا النوع من البرامج في حال تعددت مواده.

 

ويضيف أن الجوانب الفنية تمثل واحدة من الصعوبات التي تواجه هذا النوع من البرامج، فتجدها تلجأ الى استخدام المونتاج التضليلي مرّات، والتقليدي والاجتزاء مرّات أخرى وهكذا، كما أن ظروف البلد الراهنة وحالة عدم الاستقرار تمثل واحدة من الصعوبات أمام هذا المحتوى، وفقا للقاهري.


التعليقات