حكاية أغنية.. صبوحة خطبها نصيب.. تاريخ من التطوير للحن والكلمة
- خاص السبت, 04 ديسمبر, 2021 - 06:51 مساءً
حكاية أغنية.. صبوحة خطبها نصيب.. تاريخ من التطوير للحن والكلمة

[ صبوحة واحدة من أشهر الأغاني اليمنية ]

تعد أغنية "صبوحة خطبها نصيب" واحدة من الأغاني اليمنية الشهيرة، التي ذاع صيتها، وانتشرت داخل اليمن وخارجه، وظلت محافظة على وهج كلماتها وألحانها، بل وتحولت لواحدة من أيقونات الغناء اليمني، والأعراس اليمنية، ولاتزال تلقى التجديد والإحياء من جيل لآخر.

 

بدأت شهرة الأغنية منذ خمسينيات القرن الماضي، ثم تطورت بشكل كبير لاحقا، وأضفى عليها الشاعر اليمني فريد بركات المتوفى يوم الاحد الرابع عشر من رمضان 1440هجرية الموافق 19/5/2019م، طابعا جديدا بعد أن عمل على تطويرها، وإخراجها بهذا الشكل البديع، وألف عشرون بيتا جديدا على ذات الوزن واللحن.

 

البدايات

 

يقول بركات: كانت الاغنية في الواقع بيتا تراثيا واحدا قديما، يُغَنّى في المدن الساحلية الجنوبية في سواحل أبين وشقرة ولحج وحضرموت، لمؤلف مجهول، وهذه هي طبيعة الغناء والألحان التراثية القديمة جدا، أن تكون مؤلفة من بيت تراثي شعبي قديم واحد أو بيتين على أكثر تقدير، مثل البيت التراثي (الصعيدي) القديم الذي غناه عبدالحليم حافظ في أغنية " أنا كل ما قول التوبة يا بوي ترميني المقادير "، ثم قام الشاعر عبدالرحمن الابنودي بتوظيفه فنيا في الأغنية بعد أن أضاف إليه مذهبا وكوبليهين ولحّن الأغنية بليغ حمدي.

 

 

ويضيف: هذا ما حدث لي في أغنية (صبوحة) التي كانت مؤلفة في الاصل من بيت شعري شعبي واحد تراثي قديم، وقفلة موسيقية لحنية هي (وسرى الليل يا العاشقين)، والبيت هو: بدوية خطبها نصيب، رغبانة وبوها غلب، أو: ألب (بلهجة أبين) وسرى الليل يا العاشقين.

 

ويواصل حديثه قائلا: عند توظيف البيت الشعري الشعبي القديم فنياً، بدلت كلمة (بدوية) في مطلع البيت بكلمة (صبوحة)، لأعطيها معنى الصباح، وما يرتبط بالصباح من قيم وطنية وفنية ومعانٍ خليطة من التعبير الفني والوطني والرومانسي، فأصبحت لفظة صبوحة هي السائدة في الأغنية، وانتشرت بهذا المعنى الجديد، بعد أن أضَفتُ إليها عشرين بيتاً من تأليفي من ضمنها:

 

صبوحة خطبها نصيب

رغبانة وابوها غلب

وسرى الليل يالعاشقين

****

صبوحة تحب الحبيب

ماترضى بوزن ذهب

وسرى الليل يالعاشقين

****

صبوحة أبوها عنيد

يبغاها لابن النصيب

وسرى الليل يالعاشقين

****

صبوحة تحب الحياة

ماتحب الحسب والنسب

وسرى الليل يالعاشقين

****

صبوحة تحب النهار

تستنشق هواه الرطب

وسرى الليل يالعاشقين

****

تتمنى تلاقي الحبيب

من بعد النكد والتعب

وسرى الليل يالعاشقين

****

صبوحة أبوها البليد

رابطها لأهل الرتب..

وسرى الليل يا العاشقين..

****

صبوحة تحب الصباح

ما ترضى بوزنه ذهب

صبوحة تحب النهار

تتنفس هواه الرطِب

 

الى آخر العشرين بيت الإضافية التي وضعتها أنا في القصيدة، وآخر بيت هو:

 

صبوحة تصد الغريب

 

الغازي قليل الأدب.. وسرى الليل ... الخ

 

اللحن

 

بالنسبة للحن فقد كان يغنى في لحج وعدن على رقصة الليوة، وهي رقصة افريقية منقولة مثل الباميلا بحضرموت، ونقل اللحن الى الملحن الشهير أحمد بن غودل الفنان اللحجي الكبير عبدالكريم توفيق، الذي بدوره اسمعه فريد بركات ووضع عليه أول كلمات ثم غنت موسيقيا.

 

ودار جدل كبير حول اللحن ذاته، ويقول البعض بأن نشأة اللحن كانت أفريقية، بينما يذهب البعض الآخر إلى أنه لحنا عدنيا لحجيا، ومحسوب على التراث اللحجي العدني.

 

الشهرة

 

غنى أغنية "أغنية صبوحة" الفنان الراحل سعيد عبد النعيم المتوفى في العام 2010م عن عمر فاق المائة عام.

 

 

وفي العام 1980 غنت الفرقة الوطنية "أغنية صبوحة" لأول مرة في تلفزيون عدن، ما أدى إلى ذيوعها وانتشارها بشكل كبير داخل وخارج اليمن، ولا يعرف بعد من سبق الآخر في غناء الأغنية هل الراحل سعيد عبد النعيم أم تلفزيون عدن؟


 

 

وتعاقب على غنائها لاحقا العديد من الفنانين اليمنيين، مثل فيصل علوي، والفنانة كفى عراقي.

 

 

 ثم قدمها تلفزيون دولة الكويت بحلة جديدة في فبراير من العام 1983م، ضمن برنامج مدته ساعة كاملة تقريبا، بمناسبة مرور 20 عاما على افتتاح مبنى التلفزيون.

 

 

وأضاف بث التلفزيون الكويتي للأغنية شهرة جديدة، أسهمت في انتشارها، خاصة في دول الخليج، حتى بدأ البعض يصنفها على دولة الخليج، ويتناسى ويتجاهل انها أغنية يمنية عريقة.

 

 

وفي أبريل من العام 2019م انتشرت الموسيقى الحضرمية أو ما عرف بالأوركسترا الحضرمية، وهي مقطوعة موسيقية عالمية بنهكة "حضرمية ألّفها الموسيقار الشاب اليمني محمد القحوم، مزج خلالها بين فن الأوركسترا بالتراث الموسيقي والإيقاعات اليمنية بشكل عام والحضرمية الشهيرة بشكل خاص، وكانت أغنية "صبوحة" واحدة من المقطوعات التي عزفت في الأوركسترا الحضرمية بماليزيا، لمدة ست دقائق.

 

 

يقول الراحل فريد بركات بعد مشاهدته عزف أغنيته "صبوحة" في الأوركسترا الحضرمية بأن توزيعها كان جميلا، كنوع من الموسيقى التي لا ترتبط بأي غناء فردي أو كورالي، لكنه اعتبر الأغنية بتركيبتها الفنية الشعبية المحلية وأداء المغني الفرد والكورال المرتبط به ذو نكهة خاصة ومميزة لا تغطيه ولا تحل محله الموسيقى الأوركسترالية الخالصة بحال من الاحوال.

 

تجدد الأغنية

 

في الوقت الراهن غنى الأغنية العديد من الفنانين الشبان، وتحولت الأغنية للحن فرائحي يعزف في حفلات الزفاف والأعراس، وقدمها بذات اللحن العديد من الفنانين اليمنيين سواء رجال أو نساء، في جلسات وإصدارات فنية كثيرة.

 

أما على المستوى العربي حديثا فقد غناها مجموعة من الشباب السعوديين بعمل مشترك جرى بثه في الثالث عشر من أغسطس 2019م، وهما عماراب وقصي مع عبدالعزيز الشريف واحمد عبدالله، محافظين على نفس اللحن، ولكن بأصوات جميلة، وإخراج ملفت، وموسيقا حديثة، ونشرت الأغنية في قناة الفئة الفالة على يوتيوب، وقاربت زياراتها نحو الأربعة مليون مشاهدة.


 

 

الشاعر فريد بركات

 

شاعر وأديب يمني، ولد عام 1946 بمدينة عدن، وتلقى تعليمه هناك، وحصل على ليسانس في الآداب من جامعة القاهرة عام 1968، وتقلد مناصب في وزارة الثقافة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

 

تقلد العديد من المناصب الرفيعة منها، رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة التي تأسست في اليمن عام 1970، ترأس تحرير مجلة "قضايا العصر" عام 1980 والتي كانت لسان حال الحزب الاشتراكي في تلك الفترة، وهو عضو مؤسس في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وعضو مؤسس لاتحاد الصحفيين اليمنيين، وتقلد مناصب رفيعة في الدولة حتى عام 1994م، منها وكيلاً لوزارة الثقافة اليمنية، ثم نائباً للوزير، مديراً لتليفزيون عدن، نائباً لرئيس اللجنة الدولية للإعلام لشؤون الإذاعة والتليفزيون، مديراً لمكتب وزارة الثقافة والسياحة.

 

اعتقل في احداث 13 يناير 1986 وحكم عليه بالسجن لمدة عامين ونصف العام، بعد مقتل شقيقه في نفس الاحداث، وفي نفس المعتقل.

 

لديه 58 أغنيه وطنية، ومئات الأغاني العاطفية، وكتب بالفصحى، مثلما كتب القصيدة الغنائية باللهجة العامية (العدنية)، ونشرت قصائده في الصحف والمجلات اليمنية والعربية، وغنى قصائده العديد من الفنانين، وله سبعة دواوين شعرية لم تطبع.

 

عُرف بمناوئته لنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو ما تسبب بإيقافه عن العمل من عام 94 حتى وفاته يوم السبت الثامن من يوليو 2019م، بعد معاناة مع المرض، وبسبب وضع الحرب الذي تعيشه اليمن منذ العام 2015م وإغلاق المطارات تعذر اسعافه إلى خارج اليمن لتلقي العلاج من ذبحة صدرية عاودته للمرة الثانية في حياته، وتوفي بسببها.

 


التعليقات