"ثقافة اليمن".. حراك في المنفى وغياب داخل الوطن (استطلاع)
- مبارك الباشا الاربعاء, 05 يناير, 2022 - 04:57 مساءً

[ "ثقافة اليمن".. حراك في المنفى وغياب داخل الوطن ]

خلال السنوات الست الأخيرة حوصرت الثقافة في اليمن كباقي نشاطات الحياة بفعل الحرب القائمة، لا سيما في العام الأخير 2021، وبات الحديث عن التداعي الثقافي أمرا هامشيا أمام مشكلات أخرى مُلحة فرضتها الأزمة على الساحة، كالتراجع الحقوقي والانهيار الاقتصادي على سبيل المثال، غير أن الثقافة -رغم ذلك- تستحق بعض الالتفات لكونها الحامل الأبرز لهوية اليمنيين، والمعبر عن همومهم ومشاكلهم وآمالهم وتطلعاتهم في الحياة.

 

في هذا الاستطلاع يفرد "الموقع بوست" مساحة لعدد من الشعراء والكتاب الشباب للحديث عن واقع ومصير النشاط الثقافي في ظل استمرار الحرب وتعقد المشكلات في اليمن.

 

اغتراب الثقافة

 

البداية مع القاصة اليمنية انتصار السري التي تنفي وجود مشهد ثقافي بشكله المؤسسي الرسمي في اليمن، وترى أن النشاط الثقافي أضحى مقتصرا على الجهود الذاتية لبعض الكتاب والمثقفين الذين يبادرون لتنظيم وإقامة بعض الفعاليات والأنشطة الأدبية في عدد من المحافظات اليمنية، كالملتقى الأول للقصة القصيرة الذي أقيم على مدى يومين في بيت الثقافة بصنعاء، أواخر يناير الماضي بجهود ذاتية لأربعة أدباء شباب، الذي تعتبره أهم نشاط ثقافي في العام 2021.

 

 

تقول السري في حديث لـ"الموقع بوست" إن الحراك الثقافي اليمني هاجر إلى المنفى، وبات نشطا في الخارج أكثر من الداخل، لا سيما في العاصمة المصرية القاهرة، التي باتت حاضنة للكثير من الكتاب والشعراء اليمنيين، ومركز نشاط للعديد من الإصدارات الأدبية والفعاليات الثقافية والإبداعية اليمنية.

 

تضيف، "لقد أصبح الإبداع الثقافي اليمني، الأدبي خصوصا، مغتربا خارج موطنه كما الكثير من اليمنيين الذي هاجروا إلى بلدان العالم بغعل الحرب القائمة في البلد".

 

وبشأن مستقبل المشهد الثقافي داخل اليمن، تتوقع القاصة اليمنية تلاش أكبر له في العام القادم 2022، وتقول إن الخناق سيشتد عليه اكثر ولن يتمكن من ممارسة أنشطته بحرية في بلد يستمر بالنزيف بسبب الحرب.

 

فراغ ثقافي

 

أما الشاعرة مليحة الأسعدي فترى أن المشهد الثقافي أضحى بعد الوحدة اليمنية مسمى مُفرغا من أي دور فاعل يمكن التعويل عليه.

 

وتقول في تصريح لـ"الموقع بوست"، لقد تسلل للثقافة الكثير من الأدعياء، وتصدّر المشهد من ليسوا جديرين بذلك، وباتوا البوصلة الباهتة التي تُعبِّر عنه أمام الراي العام، والنتيجة ما بات واضحا في الواقع من غياب للأثر والجدوى للثقافة.

 

 

وتتساءل الأسعدي: أين ذهبت الأصوات الثقافية الفاعلة؟، لماذا توارت عن الأنظار؟ لكنها ترجع أسباب ذلك إلى تصدُّر منظومة الجهل في وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، على حساب ذوي الأصالة والجدارة من المثقفين.

 

تؤكد الشاعرة اليمنية المقيمة في كندا، أن الحرب أودت بما تبقى من حضور ثقافي في البلد، وطال خرابها منظومات التعليم والثقافة، مشيرة إلى أن اليمن ماض إلى ضياع مالم تعد للتعليم مكانته وللثقافة دورها، ومالم يتوقف الجميع عن تدمير وطنهم ومستقبلهم وحياة أبنائهم على ذلك النحو المرعب.

 

نشاط فردي

 

"من العبث أن نتحدث عن مشهد لا وجود له"، بهذه العبارة ترد القاصة بدرية الناصر على سؤال عن المشهد الثقافي، وتقول، صحيح أن لدينا بعض الأنشطة والإصدارات الأدبية خلال هذا العام، لكنها تظل أعمالا شخصية لا تُشكِّل مشهدا عاما للفعل الثقافي، وهي هنا تتفق مع الكاتبة السري في رأيها بشأن المشهد الثقافي.

 

 

تبدي الناصر أسفها حيال الوضع، وتقول في تصريح لـ"الموقع بوست"، إن اليمن يشهد فراغا ثقافيا كبيرا، فأغلب المؤسسات الثقافية عاطلة، بما فيها وزارة الثقافة واتحاد الأدباء والكتاب وكذا مؤسسات البحوث ومراكز الدراسات، وحتى تلك التي تبدو منها نشطة فهي في الواقع لا تؤدي سوى دورا وظيفيا ضحلا لا يرتقي لمستوى الفعل الثقافي المطلوب.

 

وتبدو القاصة اليمنية متشائمة بشأن المسقبل الثقافي، فهي ترى أن الحرب القائمة قد قضت على ما كان يمكن البناء عليه للنهوض بالفعل الثقافي في البلد. وترى أن الأفق الثقافي بات غامضا وليس هناك من تباشير تدفع للأمل، وتلك حقيقة موضوعية رغم قساوتها.

 

فشل الثقافة

 

من جهته يرى الشاعر زندان التهامي أن جدوى الثقافة يُقاس بمدى الأثر الذي يحدثه المثقف في وعي وسلوك المجتمع، وبمستوى نجاعة وفاعلية القيم التي تسعى الثقافة إلى ترسيخها في الإنسان، منها قيم التعايش والتسامح والمحبة والسلام.

 

ويقول التهامي في تصريح لـ"الموقع بوست"، إن الثقافة فشلت بشكل ذريع في ترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية في بنية المجتمع اليمني، وبالتالي فلا معنى للحديث عن المشهد الثقافي الذي لا أثر حقيقي وملموس له في اليمن، لا سيما خلال العقدين الأخيرين.

 

 

وبحسب الشاعر الشاب فإن هناك علاقة غير صحية بين الثقافة والناس، لافتا إلى وجود انفصال حاد بين القيم الثقافية والمجتمع اليمني.

 

يوافقه الرأي الشاعر غالب العاطفي، الذي يرى أن المشهد الثقافي الحالي في اليمن بعيد تماما عن المعنى الحقيقي للثقافة، فهو يجده غاصا بقيم الزيف والادعاء والنفاق.

 

ويقول في تصريح لـ"الموقع بوست"، إن النشاط الثقافي في اليمن يفتقر إلى المعنى الإبداعي والرؤية الإنسانية العالمية، ويمضي في اضطراب وعجز عن تمييز الإبداعي من الغث.

 

 

تصدر الغث

 

ويرى العاطفي أن المشهد الثقافي متداع على نحو مؤسف، ويعاني من احتكار النُخب والتجاذبات السياسية والاستقطابات، وتعصف به الحرب كباقي أوجه الحياة في البلد، مشيرا إلى غياب الفعاليات الثقافية، الأدبية على وجه الخصوص، تلك التي يفترض أن تصل الكُتاب والشعراء بالجمهور لوصل الثقافة بالناس والحياة اليومية، غير أن ما يحدث هو انفصال للثقافة عن واقع الناس وانزوائها في بُعد نظري منعزل، دون إحراز أي تحقق فعلي لها على أرض الواقع.

 

وبشأن جودة الإصدارات الأدبية، يؤكد العاطفي تصدر الأعمال الغثة على حساب الإبداعية، مشيرا إلى أن ما يسود حاليا في الساحة ليس سوى الإصدارات البعيدة تماما عن المعنى الحقيقي للأدب ورسالته الإنسانية السامية، مشيرا إلى أن تلك الإصدارات لا تلامس القارئ ولا تشبع نهمه الوجداني والروحي.

 

لكنه يستثني من ذلك بعض الحالات الإبداعية التي لا تزال تكافح لتؤدي رسالة الكلمة مقارِعة النار والبارود، بيد أنها تمضي صوب مستقبل غامض وبلا أفق في ظل استمرار الأزمة القائمة في البلد.

 

حضور طفيف

 

من ناحية أخرى، يرى الشاعر أحمد عفيف النجار أن النشاط السردي، وهو جزء من المشهد الثقافي؛ يشهد حضورا بمستوى ما، مشيرا إلى أن المأساة التي خلقتها الحرب القائمة توقظ دالة السرد لدى الكُتاب، لافتا إلى وجود الكثير من الأدباء الذين يحاولون تخليد قلق الحاضر اليمني، بنصوص تُنشر هنا وهناك.

 

 

ويقول النجار في تصريح لـ"الموقع بوست"، إن النشاط السردي لم يعد ينحصر في الإصدارات الأدبية فحسب، بل يمتد في الفضاءات التي خلقتها مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى وجود الكثير من النصوص السردية الإبداعية المنشورة في الفضاءات الرقمية، والتي استوقفته لما تتضمنه من دهشة وصدق وإبداع.

 

وبشأن شحة الإصدارات الأدبية، يرى النجار أن أسباب ذلك تعود في جزء منها إلى الشتات الذي يمر به الأديب اليمني وجنون الحرب التي تربك حياته وواقعه.

 

ويمضي المشهد الثقافي في اليمن صوب مستقبل مجهول في ظل استمرار أزمة الصراع وتداعي الحياة، غير أن رهانات بشأن ازدهاره في بلدان المنفى قد تتحقق، خصوصا في ظل استمرار تدفق هجرة الأدباء والمثقفين والفنانين إلى خارج اليمن، الأمر الذي قد يعوض اليمنيين عن الحرمان الثقافي الذي يعيشونه في الداخل.


التعليقات