[ طلاب في أحدى مدارس اليمن ]
الاعتداءات على معلمي اليمن صارت واحدة من الظواهر المقلقة التي تتغذى وتتطبع على الحرب التي تفتك بالبلاد منذ ثماني سنوات، في ظل وضع أمني هش وظروف سياسية واقتصادية متردية، وما ترتب عليها من تدهور للعملية التعليمية التي غدت على هامش الاهتمام لتصل حالاً لم يتوقعه أكثر الناس تشاؤما.
يقول لطفي شائف مدير مدرسة الإتقان الأهلية، إن معلمات المدرسة يتعرضن لتهديد دائم من قبل الطلاب وأولياء أمورهم في حال ما تم معاقبة أحدهم جراء مخالفته لقوانين المدرسة.
في حديثه لـ "الموقع بوست" يضيف مدير المدرسة الواقعة في "عصيفرة" بمحاذاة خط التماس "شارع الأربعين" أن موقع المدرسة يضاعف هذه المشكلة حيث أغلب الأهالي من المسلحين النافذين المتمركزين في المنطقة.
"ولية أمر طالب اعتدت على مشرفة المدرسة ضرباً بعدما أخبرتها أن ابنها لا يحترم معلماته نتيجة لعدم تلقيه التربية المناسبة في المنزل" حد قول شائف.
ذات المدرسة تعرضت لحريق أتلف معظم محتوياتها، أواخر العام الماضي، واعترف أحد طلاب الثانوية بمسؤوليته الكاملة عن الحريق، وجاء الاعتراف بعد تهديد الطالب للمدير بيومين بفعل ذلك، والسبب أن المدير حاول فك الشجار بينه وبين زميله.
طالب يعتدي على معلمه
وفي مدرسة 7 يوليو بمدينة تعز اعتدى الطالب (ر.س) على معلمه قبل 7 أشهر، أمام مدير المدرسة والطلاب وعدد من المعلمين الأخرين.
وعند البحث عن سبب ذلك تبين أن المعلم (م.غ.م) يستخدم لغة العصا بشكل مفرط على أتفه الأسباب.
يفيد السبئي لـ"الموقع بوست" وهو طالب في الثانوية: "تأخرت عن حصة المعلم قرابة 10 دقائق فقام بضربي على يدي بعصا مبطن بأسلاك حديد وأحدث ذلك جرحا عميقا أحتاج إلى عملية جراحية أجريتها في عدن".
عند عودة الطالب من عدن وهو مازال تحت تأثير العملية يذهب إلى المدرسة متأخرا كالسابق، فطلب منه المعلم ذاته مد اليد الأخرى ليضربه كعقاب.
"كان يرغب المعلم في الانتقام مني بسبب السمعة السيئة التي لحقته بعد تسببه بجرح يدي وعمليتها، ومع إصراره على ضربي دون اكتراث أصابتني نوبة غضب جعلتني أتهجم عليه وأضربه بحقد"، يسرد الطالب الحادثة.
فقدان الاحترام والمكانة
يقول الدكتور محمود البكاري إن "اعتداء الطلاب على المدرسين ظاهرة خطيرة جداً وتعد بمثابة مؤشر على انهيار منظومة القيم والأخلاق في المجتمع".
ويضيف البكاري، وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز لـ"الموقع بوست" إن الفرق لا يقاس بين ما يجب أن يعمل به المعلم من الاحترام والتبجيل والاعتداء عليه من قبل الطالب، فالمعلم هو أساس التعليم والذي هو أساس وحجر الزاوية لنهضة وتطور الأمم والشعوب.
ويؤكد على ضرورة وضع حد لهذه السلوكيات الخاطئة وإنزال أقصى العقوبات لمن يقوم بذلك، ومن هذه العقوبات العقاب الاجتماعي الذي يتمثل بنبذ وعزل وتحقير وازدراء كل من يقوم على ذلك واعتباره فاقد الاحترام والمكانة الاجتماعية.
ترجع الإخصائية النفسية ريم العبسي عدم الانسجام بين المعلمين والطلاب إلى عدة أسباب تذكر منها "الظروف التي يعيشها الطالب وتأثره بسلوكيات العنف في محيطه، حيث تعد البيئة المدرسية ذات علاقة مباشرة في توجيه سلوك الطلاب".
وتضيف العبسي في حديثها ل "الموقع بوست" أن المدارس اكتفت في نقل المعرفة للطالب وتلبية حاجته العلمية بينما تتجاهل تحقيق المجالات العاطفية والنفسية".
"قلة وعي المعلمين بالأساليب التربوية المناسبة للتعامل مع احتياجات الطالب النفسية خلال مراحلهم العمرية المختلفة وانعدام تعليمات الانضباط المدرسي والضغط على الطالب إما بالمناهج أو التعامل الفظ، كل هذا له دور كبير في اعتداء الطالب على استاذه" توضح الإخصائية النفسية العبسي.
العنف.. انعكاس الأسرة
تفيد دراسات أن 70 بالمئة من عنف الطلاب مرده عنف الوالدين، فاستخدام العنف كوسيلة للتربية من قبل الاسرة والمعلمين ينعكس سلباً على سلوكيات الطالب.
تشير العبسي إلى دور الإعلام غير المباشر على سلوكيات الطالب المتمثلة بعرض أفلام ومسلسلات العنف دون وضع أي اعتبار لمكانة المعنف بالإضافة إلى الألعاب الالكترونية المماثلة.
درجات بالقوة
تبدو إشكاليات الطلاب مع مدرسيهم في مناطق الحكومة الشرعية، على زيادتها، لكنها أقل فداحة من تلك التي تحدث في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي.
هناك غدت المدارس الحكومية والخاصة تعاني من سيطرة الطلاب والطالبات على معلميهم، لا العكس.
سعاد الفضلي تشير إلى أن الكثير من المعلمات في المدراس خاصة الأهلية في محافظة إب الخاضعة لسيطرة المليشيا الحوثية, يتعرضن للتعنيف والتهديد المستمر من قبل الطالبات الملقبات بـ "زينبيات" وهو فصيل عنصري يتبع جناح الحوثي.
"تفقد المعلمة احترامها ومكانتها التعليمية حيث أصبحت تنصاع لأوامر الطالبات التابعات للحوثيين، حيث يحصلن على العلامات التي يرغبن بها ويخترقن القوانين المدرسية ولا ينفذ عليهن أي عقاب، وذلك خشية أن تفقد المعلمات وظائفهن اجباريا أو يتعرضن لمكروه"، أضافت الفضلي وهى مديرة إحدى المدارس الخاصة في إب.
ظاهرة اعتداء الطلاب على المعلمين ليست من الظواهر التي ولدتها الحرب بل هي مشكلة قائمة، لم تجد معالجة حاسمة لها في وقت السلم والاستقرار النسبي، لتتحول مع الحرب إلى ظاهرة منتشرة على نطاق واسع وغذّتها سكوت الجهات المعنية بعدم وضع قوانين تردع هذه التصرفات.
عدم معالجة هذه الظاهرة تؤدي إلى تهديد واضح بمكانة التعليم في اليمن والذي تنهشه الكثير من المشاكل والظواهر الأخرى التي ولدتها الحرب منذ ثمان سنوات.