يا أستاذ عبدالوهاب الإعلام لا يتجاوز مبدأين: إما أن يكون أداة تنوير وعلم وثقافة، أو آلة حرب وهدم وإساءة. كما يُفترض أن تكون وسائل الإعلام حرة وهادفة، وأن يقودها ضمير حيّ وطالب للحقيقة،لا أماكن لإعادة التموضع وفقاً للهوى والمصلحة.
ومن الخطأ استخدام وسائل الإعلام للشهرة، وإعادة التموضع؛ وفقاً لمقتضيات الحال في دهاليز السياسات والصراعات العقيمة.
و(إعادة التموضع) مصطلح عسكري بحت يعرفه أربابه، ولا يكون ضرورة إلا أثناء المعارك؛ وفقاً لتكتيكاتها العسكرية وطبيعة أرضها، لأن عاقبته أحد شيئين لا ثالث لهما: إما النصر الذي فيه النجاة، أو الهزيمة التي يليها الموت المحقق، ولا يملك العسكريون حينها خياراً غيره.
يقول الأستاذ عبدالوهاب:"إن العقلاء هم من يغيّرون تموضعهم بحسب تغير قناعاتهم لا العكس"، لا يا أستاذ: التموضع والتقلّب والتلّون الذي أوردتَه، واعتبرته صفة إيجابية للأخ علي البخيتي، ما أحسبك إلا أنك قد جانبت الصواب كله؛ لأن المبادئ والقيم ليست شيئاً مودعاً في بطون الكتب وإنما هي أشياء حيّة تسكن قلوب الرجال دون أن يعلموا يقول المثل: الألماني "إذا أردت أن تعرف ثمن مبدأ ما عند أصحابه، فانظر مقدار تمسكهم به وتضحياتهم من أجله".
وما كنت أريد الخوض في هكذا موضوع؛ ولكن للتوضيح، وعدم جعل التلوّن وفقاً لألوان (الزفّة)، وظروف السقوط أو الصعود السياسي، واعتبار ذلك من القواعد الأساسية في صناعة السلم وإشعال الحروب ، والتي قد تصبح مبدأً ثابتاً يقتدي به الشباب الصاعد، ويعتبره رخصةً وإجازةً من الأستاذ عبد الوهاب خبير الدبلوماسية والسياسة.
وللتوضيح مع احترامنا الشخصي للبخيتي علي، أنه لم يتموضع قط لصالح الوطن وعامة الشعب في لحظة من حياته، وإلا لما كان أداةً لسَوْق قبيلته وأهله، ومعظم شباب اليمن الفقراء من كل مكان إلى محارق الموت؛ منذ أن انفجر صراع الجمهورية مع الإمامة، والنظامِ مع الفوضى من جبال مران صعدة.
تموضع البخيتي اليوم ضد الحوثيين لم يكن دافعه المصلحة العامة، والخوف على الوطن؛ وإنما التعالي والإقصاء الذي فوجئ به من قبل أصحاب السلالة بعد اقتحام صنعاء، واكتشاف أنه مجرد بوقٍ عندهم يعمل بالأجر اليومي، لا صانع قرار في حركة لا تؤمن بالتعددية السياسية، ولا بمبادئ المساواة بين الأعراق والمذاهب والأديان، وأن الحق للأقدر والأكثر كفاءة في تولي الوظائف والأعمال.
ألم يعلم البخيتي يا أستاذ طوّاف قبل أن يتموضع ضد الحوثية أن هذه حركة سلالية عرقية قامت على تفضيل العرق الهاشمي، واستحقاقه الإلهي للحكم، وتقديمه على كل من سواه؟!، وما على الآخرين إلا التسليم بذلك المفهوم؛ ما لم فالسجن مصيره، أو القتل، أو الهروب وراء الحدود.
ألم يكن يعلم بأن هذه حركة نسجت خيوطها إيران واتصلت بها في مطلع ثمانينيات القرن الماضي؛ لتكون لها يداً في اليمن موطن العرب الأول، وأصلهم الأوحد؛ بغرض استئصاله قومياً، وتشويه هويته، وجعله ورقة مساومة في صراعها مع الغرب؛ بغرض السيطرة على جزيرة العرب، وإذلال أهلها، ونهب ثراوتها؟!!.
ألم يكن يعلم البخيتي أن هذه الحركة تعتبر ثورة 26 سبتمبر انقلاباً على نظام الإمامة، وأن ما يفعلونه استعادة لحقهم الالهي المغتصب من قبل الشعب اليمني أبناء "حمير بن قحطان ابن هود" نبي الله عليه السلام، وأصحاب الحق والأرض عبر التاريخ؟!!.
ألم يكن يعلم بأن هذه حركة لا تؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية، وأنها لا تحمل مشروع بناء دولة يشترك فيها كل أطياف المجتمع اليمني؟!، ألم يكن يعلم بأن الظلم ممارسٌ في حق أهلنا، وأبناء عمومتنا في صعدة منذ قرون؟!، وما أن يستعيد الإنسان أنفاسه فيها، ويدفن قتلاه، ويُضمّد جراحه من حرب أكلت كل شئ، حتى يدخلوه في حرب جديدة تعيده إلى مربعه الأول ومآسيه اللامتناهية.
أليس من العدل بدلاً من إعادة التموضع، والمحافظة على المكاسب، والعيش في أرقى الفنادق؛ أن يعتذر (المباخيت) علي وأخوه وأمثالهم للشعب اليمني على الجائحة التي سوّقوا لها عبر كل القنوات والصحف طيلة مرحلة الصراع، وأن يعترفوا بالجرم الذي ارتكبوه بحق الشعب اليمني، ويبدو استعدادهم للمحاسبة والعقاب إن كانوا مثقفين؛ لأن الإشاعات والتحريض على هي أقدم الوسائل الإعلامية عبر تاريخ الحروب.
فالاتجار بالثوابت والقيم والمبادئ، وإعادة التموضع - يا صاحبي - وفقاً لكل حالة خطأٌ وخَطَلٌ؛ لأنّا لسنا في حلقة (بَرَع) يرقص أصحابها على كل دقّة، وليس ذلك بذكاء يُحسد أصحابه عليه.