في لقاءٍ له في عدن قال الرئيس الحمدي للرئيس سالم ربيع علي، لقد صارت الوحدة ضرورة فرد عليه سالمين أنا موافق بشرط " إما أن تكون انت الرئيس والعاصمة عدن، أو أنا الرئيس والعاصمة صنعاء "، كان الرجلان يحملان هم اليمن وإنسانه البسيط الخارج من ظلمات الخوف الذي زرعته الإمامة والإستعمار ومشروع وحدة يقوم على العدل والتساوي بين طرفي المعادلة السياسة في شطري الوطن.
سالم ربيع على الذي سماه أبناء الجنوب أبو المساكين وزعيم الكادحين حاول الدفع بعجلة الوحدة والإنفتاح على دول الجوار لتخفيف طاحونة الفقر التي حلت بأهله عقب تبنيه النظرية الإشتراكية كمنهج حكم للجنوب لتسوقهم للإقتتال جرعة دموية دورية كان يقتاتها الشعب في الجنوب كل خمس سنوات، تعمق الشرخ المجتمعي ونشرت أسباب الحزن والفرقة لتعيده إلى مربعه الأول من جديد.
وعلى إثر استقباله عضو الكونجرس الأمريكي بول فندلي في عدن عام 1977م وتأكيده له أن عدن لا ترغب في الإنعزال عن الولايات المتحدة وأنه يحبذ إقامة العلاقات ذات الصلة بالأمور التي يشكو منها الشعب اليمني والسبب ذاته الذي أودى بصديقه علي ناصر محمد إبان رئاسته للجنوب.
قام الدب الروسي في موسكو وبمساعدة أذرعته في الحزب حينها باغتياله على إثر تهمة باطلة حلّت النكبة التي لم يتوقعها المساكين بزعيمهم بعد أن لاحت بشائر الخير في عهده وعهد صديقه الحمدي في شمال الوطن.
الرئيس الشهيد الحمدي دون في أحد رسائله حبه لشعبه ووطنه قائلاً " هكذا أحب وطني وأحب فيه كل مواطن، وكل مواطن هو أخي وحبيبي..وسعادتي في أن آراه سعيداً"، ولأنه حارب القبيلة التي لم تنفك عن منهج حكم الإمامة التي ثار عليها الشعب والتي عبر عن نهجها أحد مشايخ بكيل في لقاء على قناة الجزيرة بقوله "القبيلة هي الدولة والدولة هي القبيلة وأبناؤها المسلحين جيشها" وهذا صوت نشاز مغايرٌ لمقتضيات الدولة في العصر الحديث، ناقضه الحمدي الرأي وقالها صريحة ومدوية في السماء " من أعطى هذا الوطن أعطيناه ومن تخاذل منعناه ولن نعطه شيئا".
أورد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته أن الحمدي "كان يحمل مشروع بناء دولة"، الدولة التي تقوم على القانون والعدل والمواطنة المتساوية، أنصفه الشيخ بصدق وإن كان من المخالفين له ولما يحمل رؤى، كما وحد الجيش الذي كان جيوشاً تحترب لصالح قادته التائهين تحت لواء الجمهورية الواحد بعد أن أريد له أن يظل جيوشاً تقتتل فيما بينها لمصالح شخصية وفئوية.
ذلك النهج البنّاء الذي أيقظ الخوف في نفوس الحاقدين على اليمن وثورته ووحدته التي ستُشكل في الجزيرة قوة إذا ما تحققت وكُتِب لمشروع قادتها النجاح، فأوعزوا إلى أذنابهم المرتعشة في الشمال بعد أن قُلِمتْ أظفارهم وفقدوا سلطانهم الذي أعاده على صالح وبدأ في الدمار من حيث انتهى الرجل في البناء حتى أوصل الشعب إلى معاناته التي لن تنتهي عن قريب.
الحمدي وسالمين كانا الحلم اليمني منذ قرون، حلم بناء دولة يمنية تتكئ على أبنائها ممتدة من المهرة إلى البحر يستعيد اليمني فيها بناء ذاته وتاريخه وكسر أسوار العزلة التي فُرِضَتْ علية عنوة ليعيش أسير الذل والإرهاب دون انعتاق، حلمٌ لو تحقق لكانت اليمن اليوم صانعةً للمعجزات، وكان كما كان عالَم تشدُ إليه الرحال ومهما جار علينا الزمان "فلا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر".