تأتي الحروب على قلوب المجتمعات ومحركاته الفكرية والمجتمعية فتأكلها، فقلوب المجتمعات هم الشباب والأطفال الذين تحصدهم الحرب كل يوم وفي كل وادٍ وجبل، ومحركات المجتمعات وعقولها هم القادة الشجعان والمفكرين المبدعين. هناك من الشواهد والمآسي للحروب وأحزانها في أوروبا واليابان وفيتنام والعراق وسوريا واليمن ما يوقظ العقول الصحيحة ويدعوها إلى الوجل والخجل والخوف والتوقف، أما العقول المدمرة والمشحونة بأمراض الحقد المستعصية لا موقظ لها ولا شفاء لها من داء.
تتعرض اليمن لعملية تدمير وتقتيل ممنهجة مخلّفة دماء، وأشلاء، وخراب، وشتات اجتماعي، وحقد، وضغينة، وعداء بين القبائل والأسر، حتى بين الإخوة والأقارب، على مستوى المدن والنواحي والقرى، كارثة مستحكمة، ومصيبة لم تتعرض لها اليمن في تاريخها القديم والمعاصر. أطفال يزج بهم إلى المعارك وهم يبكون في طريقهم إليها، يصرخون وهم يخوضونها، يرتعدون خوفاً وهم يشاهدون أوار القذائف والراجمات ويسمعون أزيز الطائرات والصواريخ، يغمى عليهم وهم يشاهدون أشلاء زملائهم تتناثر، وهم يحملون أنصاف الجثث والرؤوس والأطراف المقطعة، يبكون وهم أسرى وهم جرحى، يبكون لأنهم لم يخلقوا للموت كما صنفتهم ميليشيات الموت وحجابها، أطفال حرموا من براءة الطفولة وحنانها ومتعتها.
ممارسات تمثل انتهاكات صارخة لكل الإتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان والأطفال على وجه التحديد، إذ حرَّمت تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية أو استخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية جاء ذلك في المادة(3)من إفاقية جنيف الأولى 1949م.
كما جاءت تلك الممارسات مخالفةً لما ورد في المواد 1،2،3 من البروتوكول الإختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراكهم في النزاعات المسلحة، والذي حرَّم تجنيد الأطفال في القوات الحكومية أو الجماعات المسلحة، دون سن الثامنة عشرة والإشتراك في الأعمال العدائية.
وإلى جانب الحماية العامة للأطفال التي كفلتها الإتفاقيات المتعلقة بحقوق الطفل أثناء النزاعات المسلحة جاء في البروتوكول الأول الملحق باتفاقية جنيف أنه " يجب أن يكون الأطفال موضع إحترام خاص، وأن تكفل لهم الحماية ضد أية صورة من صور خدش الحياء، ويجب أن تهيئ لهم أطراف النزاع العناية والعون اللذين يحتاجون إليهما، سواء كان ذلك بسبب صغر سنهم، أم لأي سبب آخر ويجب عليهم اتخاذ كافة التدابير المستطاعة، التي تكفل عدم اشتراك الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشره في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، وعلى هذه الأطراف بوجه خاص، أن تمتنع عن تجنيد هؤلاء القصر في قواتها المسلحة".
علماً بان فكرة تحريم اشتراك الأطفال وتجنيدهم في الأعمال القتالية ليست جديدة، وإنما هي من أسس قواعد الحرب في الشريعة الإسلامية، لأن الإسلام لم يوجب الجهاد على الاطفال لأنهم ضعيفي البنية ولا يطيقون أهوال الاعمال القتالية، ولذلك رد الرسول صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب وغيره يوم بدر بسبب أنهم لم يبلغوا سن الخامسه عشره، لأن القتال يراد له المزيد من القوة الجسدية، والشجاعة، والفتوة، باعتبار ذلك مظنته سن البلوغ، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله " عُرِضتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن اربع عشر سنة فلم يجزني بالمقاتلة.
حروب أوقدها الحقد السياسي، وما يليه من أحقاد طغت على كل معاني الإنسانية، وتجاوزتها إلى السلوكيات الوحشية التي لم تستثن أحد من قوى المجتمع الحية والجامدة، هي الرعونة والجهالة إذن التي دفعت بأبناء اليمن إلى الحروب العبثية المبنية على الطمع والعاهات النفسية والوجدانية التي عانت منها أطراف الصراع لهثاً وراء الدنيا ومكاسبها الرخيصة.
حروب الأدغال بين الوحوش، وحروب الثيران والقرود على عشب يابس أو ماء عَكِر، تدور رحاها في بلاد الإيمان والحكمة، جلبتها أطراف الجهل والضلال ومارستها نيابة عن قوى خارجية لم يُرَق فيها دماً ولم تقطع فيا شجرةً ولم يكسر فيها مصباح على رصيف شارع أو بوابة مبنى من مبانيها.
حروب لم تُبن وتقوم دفاعا عن الوطن بوجه عدوان خارجي دفاعاً مشروعاً أباحته الشريعة الإسلامية والقوانين الدولية بل ودعت إلى التمسك به وممارسته كحق من حقوق الحياة الحرة الكريمة، حروب لن يدونها التاريخ على صفحاته بطولات كبطولات أجدادنا الفاتحين في كل بقاع الأرض الإسلامية من الصين شرقاً وحتى حدود فرنسا غرباً والذين إذا قُدِّرَ لهم أن يطلوا من قبورهم لبصقوا في وجوه أحفادهم العصاة تجار الحروب مصاصي الدماء عبثاً بدون مبرر يذكر أو حجة تقال.