كانت ثورة الشباب السلمية تصحيحاً فعلياً لكل ما سبقها من الثورات لأن النظام الغاشم وأذنابه لم يكن ليترك لها فرصة النضال المدني السلمي فشابها العنف المتقطع هنا وهناك، واستخدم لمواجهتا كل وسائل الدمار حتى تأسست قاعدة متينة لمجتمع مدني واعي يقاوم الظلم والاستبداد، بطرق سلمية حضارية، على الرغم من استخدامه للقوة المفرطة ضد الثورة لإثنائها عن المسار الذي اختارته بعناية فائقة.
هذه الثورة صنعت معادلات مختلفة في العمل الجماهيري والثقافي وحتى القبلي فكانت منصات انطلاق لمجتمع مدني موحد في كل المدن، هذه المنصات هي التي تدفقت منها جماهير فبراير التاريخي العظيم بعد ان تجاوزت أهم المحطات التاريخية المظلمة في تاريخ الشعب اليمني العظيم.
لم تكن ثورة فبراير علامة تجارية ومنتج وحق فكري لأحد بل كانت قدر الله وقدر الزمان الذي قُذف في قلوب الشباب التي أغرقها اليأس وعشعش فيها الشقاء بسبب النظام المتخلف الذي فاحت روائح فساده وأغرقت الشعب في دياجي الظلام، ثورة فبراير كانت المتنفس الحقيقي للشباب وللكهول ولكل من رامت نفسه الانعتاق والخروج من النفق المظلم الذي صنعه العفافيش للشعب اليمني، حتى لا يستمتع بالنور سواهم وحتى لا يحس بطعم الحياة إلا هم، وكتبوا لأنفسهم البصائر بالشعب في سجلاته العقارية ونصَّبوا بعض الباعة كي ينوبوا عن الشعب في البيع واستلام أجرهم المهين.
كانوا عفافيش الظلام يعتبرون أن الكل عندهم عبارة عن أجراء لتسيير الوظائف، وعساكر للموت في سبيل بقائهم لا للدفاع عن الوطن وحماية أمنه وسيادته، ومجاميع انتخابية "كمبارس" يدلون بأصواتهم في صناديق انتخابات الزور، وأكبادهم يطويها الحزن ويعصر أرواحهم اليأس والقنوط جراء كثرة الوعود الكاذبة والتصريحات الممجوجة لحكامهم الفاسدين.
كانت الأرواح كلها تغني عند انطلاق الثورة وتردد الحان الكون بعيد المدى، حتى السحاب التي كانت تجود بظلالها على ساحات الحرية، تزف لهم البشرى بمستقبل واعد كانوا به يحلمون، حين خرج الشعب يهتف ويجود بالدماء كأنه البحر الذي لا شواطئ له.
نجحت ثورة فبراير السلمية في قلب القوانين التي صاغها نظام صالح في مجتمع كان يحسبه هجيناً بليداً لن يثور، وخلق المصالح لنخب سياسية واقتصادية وعسكرية محدودة تم اختيارها بعناية وفقاً لهواه لتشكل رافعة سياسية لنظامه وسلّط الأشقياء للوقوف بوجه الطوفان، نعم الأشقياء لأن قلوبهم غلف أفرغتها الالام من حسها وأفرغها يأس النظام وطيشان الحالمين بوراثة الحكم الطامعين بديمومته طول الزمان، بعد رحيل رمز التخلف والفوضى وهلاكه في زمن ليس له حدود، وانقشاع عهده الجاهلي المرسوم بكل تشوهات الشقاء.
ثورة الشباب هي الزخم والامتداد الثوري لكل الثورات التي سبقت ولم تكن سوى الثقاب الذي أطلق على القشرة الهشة التي كانت الحائل أمام انفجار براكين غضب الشعب الذي يغتلي في أحشائه، مذ أن صودرت أهداف الثورة الكبرى ثورة 26سبتمبر التي لم تحقق أهدافها كاملة والتي خطها ثوارها بدمائهم وبذلوا في سبيلها أرواحهم وزرعوا بذور الأمل التي أحسن قطافها الشعب لولا الانتكاسات التي حاول صنعها كهنوت اليوم كما صنعها في طريق ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كهنوت الأمس.
ثورة الشباب هي الفهم والمعنى الحقيقي للثورة الحقة من قبل الشباب الذين امتلأت قلوبهم بمعاني التضحيات السامية والطهر الوطني الصافي من كل شوائب المصلحة، وتجاوزوا كل مفاهيم الفيد والغنيمة وتقاسم المناصب وانطلقوا بروح ثورية حقيقية هادفة ، خلافاً لما فعله بعض أنصاف الثوار في ثوراتنا السابقة والذين اعتبروا الثورة موسماً للتكسب والارتزاق من كل الأطراف المتصارعة حينها على الساحة اليمنية، بعيداً عن الشعب الذي عانى الكثير.